سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/غزوة بني قينقاع سنة 2 هـ
624 م
قَينُقاع اسم لشعب من اليهود الذين كانوا بالمدينة، أُضيف إليهم سوق كانت بها، ويُقال سوق بني قَينُقاع، وهم من موالي الخزرج وحلفاء عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبيّ بن سلول، وكان عددهم قليلا وصناعتهم الصياغة وهم أغنى سكان المدينة، وكانت بينهم وبين بني النضير وبني قريظة عداوة قديمة في الجاهلية سببها اشتراكهم مع الخزرج في يوم بعاث، كما ذكرنا سابقا.
كانت غزوة بني قينقاع في شوال من السنة الثانية من الهجرة (فبراير سنة 624 م)، قال ابن إسحاق: كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله ﷺ جمعهم بسوق بني قينقاع ثم قال: «يا معشر اليهود احذروا من الله عز وجل مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وفي عهد الله إليكم».
قالوا: يا محمد إنك ترى أنا كقومك، لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة إنا والله لئن حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس، أي أنهم بذلك دعوه للقتال.
دعا رسول الله بني قينقاع إلى الإسلام، وإلى الاعتراف بنبوته لأنهم يجدون ذلك في كتابهم، لكنهم مع ذلك وعلى قلة عددهم وإقامتهم مع المسلمين في المدينة نفسها أغلظوا له في الجواب ولم يقفوا عند حدود الأدب وادعوا الشجاعة.
قال الدكتور ولفنسون في كتابه «تاريخ اليهود» في صدد ما ردوا به على رسول الله: «إنهم أجابوه بكل جرأة وتبجح - ص 129» وقال: «يظهر من هذا الرد أن بني قينقاع كانوا يعتمدون على معاضدة حلفائهم من الخزرج في نزاعهم مع الرسول قبل كل شيء، إذ لا يتصور أن بطنا كبطن بني قينقاع يجرؤ على إعلان الحرب ضد أغلب بطون يثرب، ولكن بني الخزرج خذلوهم ولم يتحركوا لنجدتهم رغم أنهم من مواليهم ص 129 - 130».
وقد كان بنو قينقاع أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله ﷺ وحاربوا فيما بين بدر وأُحد.
قال ابن هشام: وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال:
كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ بها فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا منها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديا فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.
ولم يرو هذه الحادثة ابن إسحاق وكذا لم يذكرها الطبري في «تاريخه» ولا ابن سعد في «طبقاته»، وليس في هذه القصة ذكر لاسم المرأة ولا اسم الصائغ الذي قتل ولا اسم المسلم القاتل له، ولذلك نشك في صحة هذه القصة لا لأن ابن إسحاق لم يروها، بل لأن روايتها بهذه الصفة تحملنا على الشك إذ ليس فيها ما يساعدنا على البحث والتحقيق، لذلك لا نعتمد عليها.
وقد حاصرهم رسول الله ﷺ خمس عشرة ليلة لا يطلع منهم أحد حتى نزلوا على حكمه فكتفوا وهو يريد قتلهم ويبلغ عددهم 400، فقام إليه عبد الله بن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم - وكانوا حلفاءه وحلفاء عبادة بن الصامت - فقال: يا محمد أحسن في موالي فأبطأ عليه النبي ﷺ فقال: يا محمد، أحسن في موالي، فأعرض عنه النبي ﷺ فأدخل يده في جيب درع رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ «أرسلني» وغضب ﷺ حتى رأوا في وجهه ظلالا ثم قال: «ويحك أرسلني»، قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي، أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع منعوني من الأسود والأحمر تحصدهم في غداة واحدة وإني والله لا آمن وأخشى الدوائر، فقال رسول الله ﷺ «هم لك لا بارك الله لك فيهم»، وعن عمر بن قتادة أنه قال: «خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم فأرسلوهم»، ثم أمر بإجلائهم وغنّم الله عز وجل رسوله والمسلمين ما كان لهم من مالٍ ولم تكن لهم أرضون إنما كانوا صاغة فأخذ رسول الله ﷺ منهم سلاحا كثيرا وآلة صياغتهم، وكان الذي ولي إخراجهم من المدينة بذراريهم، عبادة بن الصامت فمضى بهم حتى بلغ ذباب وهو يقول الشرف الأبعد الأقصى فالأقصى، وكان رسول الله ﷺ استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر.
وقد استغرق خروجهم ثلاثة أيام وذهبوا إلى أذرعات لم يدر الحول عليهم حتى هلكوا بدعوته ﷺ في قوله لابن أبي: «لا بارك الله لك فيهم»، وكان عددهم 400 حاسر و 300 دارع، فسألوا رسول الله ﷺ أن يخلي سبيلهم وأن يجلوا من المدينة وأن لهم النساء والذرية ويجعلوا بقية الأموال للنبيّ ﷺ ومنها الحلقة التي هي السلاح، ولم يكن لهم نخيل ولا أرض تزرع فصالحهم على ذلك فنزلوا فخُمّست أموالهم، جعل منها أربعة أخماس للمؤمنين المجاهدين وخمسا له ﷺ فكان أول خمس قبضه رسول الله، وقد وجد في منازلهم سلاح كثير فأخذ رسول الله ﷺ من سلاحهم ثلاث قسي قوسا تدعى - الكتوم - لا يسمع لها صوت إذ رمى بها كسرت بأحد، وقوسا تدعى - الروحاء - وقوسا تدعى - البيضاء - وأخذ درعين، درعا يقال لها - السغدية - يقال إنها درع داود التي لبسها حين قتل جالوت والأخرى يُقال لها - فضة - وثلاثة أرماح وثلاثة أسياف، ووهب درعا لمحمد بن مسلمة ودرعا لسعد بن معاذ وكان لواء رسول الله ﷺ يوم بني قينقاع لواء أبيض مع حمزة بن عبد المطلب.