سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن
ذكرنا فيما تقدم ما كان من تأديب الله تعالى لرسول الله ﷺ تارة بالأمر وتارة بالنهي أو العتاب، وقد وردت الآيات القرآنية بذلك، ونحن هنا نثبت منزلة الرسول في القرآن الكريم.
طاعة الله وطاعة الرسول
[عدل]جعل الله سبحانه وتعالى طاعته مقرونة بطاعة رسول الله، وهذا تشريف له عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظا} (النساء: 80)، وقال: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاْمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (النساء: 59)، وقال: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَرُ} (النساء: 13)، وقال: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزا عَظِيما} (الأحزاب: 71)، فطاعة الله هي طاعة الرسول، وقال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظا} (النساء: 80) أي من أطاع الرسول لكونه رسولا مبلغا إلى الخلق أحكام الله، فهو في الحقيقة ما أطاع إلا الله.
الثناء على أخلاقه
[عدل]قال تعالى يثني على أخلاقه ﷺ {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4)، وليس بعد ذلك ثناء فإن حسن الخلق أعظم ما يتحلى به الإنسان، فكان رسول الله هو المثل الأعلى وقدوة الخلق في محاسن الأخلاق التي لا يعدلها شيء، وقال رسول الله ﷺ «بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159)، فكان رسول الله ليّن الجانب، حسن الأخلاق، جميل السجايا، بعيدا عن الغلظة، يعدل بين الناس ولا يظلم أحدا وبذلك اجتذب إليه المؤمنين، ولو كان فظا لنفروا منه ونبذوه وانفضوا من حوله.
بعثة الرسول إلى كل العالمين
[عدل]قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَلٍ مُّبِينٍ} (آل عمران: 164)، قوله تعالى من أنفسهم، أي من أهل بلدهم ومن أقاربهم، وقد مَنَّ عليهم ببعثة الرسول، أي أنعم عليهم وأحسن إليهم بذلك، وهذا الإحسان عام في حق العالمين لأنه مبعوث إلى كل العالمين كما قال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَكَ إِلاَّ كَآفَّةً لّلنَّاسِ} (سبأ: 28)، إلا أنه لم ينتفع بهذا الإنعام إلا من أسلم، فلهذا خصّ تعالى هذه المنّة بالمؤمنين.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
[عدل]قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيما} (الأحزاب: 56)، الصلاة: الدعاء، يقال في اللغة: صلى عليه، أي دعا له، وهذا المعنى غير معقول في حق الله تعالى فإنه لا يدعو له، لأن الدعاء للغير طلب نعمة من ثالث، لكن صلاة الله على رسوله: رحمته وحسن ثنائه عليه، والصلاة من الملائكة: دعاء واستغفار، ومن الله رحمة وفيه تعظيم النبي ﷺ
وقد سئل النبي عليه السلام: كيف نصلي عليك يا رسول الله؟ فقال: قولوا: «اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد».
التأدب في حضرة الرسول
[عدل]قال تعالى يعلِّم المؤمنين أن يتأدبوا في حضرة رسول الله لعظم شأنه وعلو مرتبته: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَلُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} (الحجرات: 2).
نهى الله تعالى المؤمنين أن يرفعوا أصواتهم في حضرة رسول الله فوق صوته ﷺ لأن من يرفع صوته عند غيره، يجعل لنفسه اعتبارا زائدا وعظمة، وقد يكون المراد المنع من كثرة الكلام عنده لأن ذلك لا يليق في مجلس الرسول لعظم قدره، والمنع من رفع الصوت لا يكون إلا للاحترام وإظهار الاحتشام ومراعاة الأدب، وقوله أن تحبط أعمالكم، أي تبطل أو تفسد، وهذا إنذار لمن يرفع صوته.
وقال تعالى يثني على الذين يلتزمون الأدب ويغضون أصواتهم إجلالا واحتراما لرسول الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} (الحجرات: 3) يُقال: غض صوته أي خفضه ولم يرفعه.
تحكيم رسول الله
[عدل]قال تعالى: {فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجا مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيما} (النساء: 65) شجر أي اختلف واختلط، والحرج: الضيق، وهذا يدل على أن من لم يرض بحكم رسول الله ﷺ لا يكون مؤمنا.
عاقبة مشاقة رسول الله
[عدل]قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءتْ مَصِيرا} (النساء: 115).
فمشاقّة الرسول موجبة لهذا الوعيد، ودلت هذه الآية على وجوب عصمة محمد ﷺ عن جميع الذنوب، فلو صدر الذنب عن الرسول، لوجبت مشاقّته لكن مشاقّته ﷺ محرمة بهذه الآية، فوجب أن لا يصدر الذنب عنه ودلت أيضا على أنه يجب الاقتداء بالرسول في أفعاله، إذ لو كان فعل الأمة غير فعله ﷺ لزم كون كل واحد منهما في شق آخر من العمل فتحصل المشاقة لكن المشاقّة محرمة، فيلزم وجوب الاقتداء به في أفعاله.
هذا بعض ما ورد في القرآن الكريم خاصا بمنزلة رسول الله وعظيم قدره ورفعة شأنه، فقد أمر الله أن يطيعه المؤمنون، وقرن طاعته تعالى بطاعته ونهى عن عصيانه وأنذر من عصاه بنار جهنم، لأن عصيانه من عصيان الله جل شأنه، ونهى عن مشاقّته لأنه معصوم عن الذنوب، ومن كان معصوما، حرّمت مشاقّته، وأمر المؤمنين بالتزام الأدب في حضرته ﷺ ونهى أن ترفع الأصوات في مجلسه فإنه ليس كأحدهم، فلا يليق أن يرفعوا أصواتهم وأن يكثروا من الكلام أمامه، وإذا كانت مراعاة الأدب واجبة أمام الملوك والحكام فهي أوجب أمام الرسول لأنه سيِّد الخلق وأقربهم إلى الخالق وأعظم خُلقا، وقد مَنَّ الله تعالى على الناس برسالته وجعلها رحمة لهم، قال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَلَمِينَ} (الأنبياء: 107)، وكان رسول الله يراعي الأدب مع أصحابه وكانوا يقتبسون من جليل صفاته ويقتدون به، وقد أمرنا الله أن نصلي عليه ﷺ فاللهم وفقنا إلى طاعتك وطاعة رسولك، واهدنا الصراط المستقيم، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.