سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/سرية القرطا وإسلام ثمامة بن أثال الحنفي
كانت هذه السرية لعشر خلون من المحرم سنة ست من الهجرة.
بعث رسول الله ﷺ محمد بن مسلمة الأنصاري في ثلاثين راكبا إبلا وخيلا، وأمره أن يسير الليل ويكمن النهار وأن يشن الغارة عليهم ففعل ما أمر به فلما أغار عليهم هرب باقيهم بعد من قتل وكان المقتول منهم عشرة، وقيل: نحو العشرين واستاق 150 بعيرا و 3000 شاة فعدلوا الجزور بعشرة من الغنم.
وقدم المدينة لليلة بقيت من المحرم وغاب تسع عشرة ليلة وأسر ثُمامة بن أٌثال.
روى ابن إسحاق عن أبي هريرة رضي الله عنه أن خيلا لرسول الله ﷺ أخذت ولا يشعرون من هو حتى أتوا به رسول الله، فقال: «أتدرون من أخذتم؟ هذا ثمامة بن أثال الحنفي» فربطوه بسارية من سواري المسجد بأمره ﷺ لينظر حسن صلاة المسلمين واجتماعهم عليها فيرق قلبه، فخرج إليه رسول الله ﷺ فقال: «ماذا عندك يا ثمامة؟» قال: عندي خير يا محمد إن تَقتل تَقتُل ذا دم، وإن تُنعِم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه حتى كان الغد، ثم قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» قال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه حتى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» قال: عندي ما قلت لك، فقال: «أطلقوا ثمامة»، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) ثم قال: والله يا محمد ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك وقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إليّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره النبي ﷺ بخير الدنيا والآخرة وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة يلبي وينفي الشريك عن الله قال له قائل: صبوت؟ قال: لا، ولكن أسلمت لله رب العالمين مع محمد رسول الله ﷺ ولا والله تأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتى يأذن فيها النبي ﷺ وقيل: إنه منع عن مكة الميرة من اليمامة حتى أكلت قريش العَلْهَز.
ثم صار ثمامة رضي الله عنه من فضلاء الصحابة وهدى الله به خلقا كثيرا من قومه ولم يرتد مع من ارتد من أهل اليمامة ولا خرج عن الطاعة قط وقام مقاما حميدا بعد وفاة النبي ﷺ حين ارتدت اليمامة مع مسيلمة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: {حم تَنزِيلُ الْكِتَبِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِى الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (غافر: 1 - 3)، ثم قال: فأين هذا من هذيان مسيلمة؟ فأطاعه ثلاثة آلاف وانحازوا إلى المسلمين.