سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا: إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله وهداه لنا ما كنا نسمع من رجال يهود وكنا أهل شرك وأصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب، عندهم علم ليس لنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا إنه قد تقارب زمان نبيّ يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم. فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم، فلما بعث الله رسوله أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به وفيهم نزلت هذه الآيات من البقرة: {وَلَمَّا جَآءهُمْ كِتَبٌ مّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدّقٌ لّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَفِرِينَ} (البقرة: 89)، قال ابن هشام: يستفتحون يستنصرون: ويستفتحون أيضا يتحاكمون، وفي كتاب الله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَتِحِينَ} (الأعراف: 89).
قال ابن إسحاق: وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن محمود بن لبيد بن عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش وكان سلمة من أصحاب بدر، قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال: فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل قال سلمة: وأنا يومئذ من أحدث من فيه سنّا عليّ بردة لي مضطجع فيها بفناء أهلي فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار قال: فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان أترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ويجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم والذي يُحلف به، ويودّ أنَّ له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدار يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطينونه عليه بأن ينجو من تلك النار غدا، فقالوا له: ويحك يا فلان فما آية ذلك؟ قال: نبيّ مبعوث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده إلى مكة واليمن، قالوا: ومتى تراه؟ قال: فنظر إليَّ وأنا أحدثهم سنّا، فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه، قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله محمدا ﷺ وهو حيٌّ بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا، قال: فقلنا له: ويحك يا فلان ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى ولكن ليس به. قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال: قال لي: هل تدري عم كان إسلام ثعلبة بن سعية وأسد بن عبيد نفر من هدل إخوة بني قريظة كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا سادتهم في الإسلام، قال: قلت: لا والله، قال: فإن رجلا من يهود من أهل الشام يقال له ابن الهيبان قدم علينا قبل الإسلام بسنين فحل بين أظهرنا لا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه فأقام عندنا فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له: اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا فيقول: لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة، فنقول له: كم؟ فيقول: صاعا من تمر أو مدَّين من شعير، قال: فنخرجها ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرثنا فيستسقي الله لنا فوالله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ونسقى، قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثا ثم حضرته الوفاة عندنا، فلما عرف أنه ميت قال: يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قلنا: أنت أعلم، قال: فإني إنما قدمت هذه البلدة أَتوكف خروج نبيّ قد أظل زمانه وهذه البلدة مهاجره فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم زمانه فلا تُسبقن إليه، يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه فلا يمنعنكم ذلك منه، فلما بعث رسول الله ﷺ وحاصر بني قريظة قال هؤلاء الفتية - وكانوا شبابا أحداثا -: يا بني قريظة والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان، قالوا: ليس به، قالوا: بلى والله إنه لهو بصفته، فنزلوا فأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم. قال ابن إسحاق: فهذا ما بلغنا عن أخبار يهود.
قال تعالى يوبخ أهل الكتاب على كفرهم بمحمد ﷺ وجحودهم نبوته: {يأَهْلَ الْكِتَبِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِأَيَتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} (آل عمران: 70)، أي تشهدون أن نعت محمد في كتابكم ثم تكفرون به ولا تؤمنون به وأنتم تجدونه عندكم في التوراة والإنجيل النبيّ والأميّ.