سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/الرحلة الثانية إلى الشام
595م
لما بلغ رسول الله ﷺ خمسا وعشرين سنة، قال له أبو طالب: أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وهذه عير قومك وقد حضر خروجها إلى الشام وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها فلو جئتها فعرضت عليها نفسك لأسرعت إليك. وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له فأرسلت إليه في ذلك وقالت له: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك. فخرج مع غلامها ميسرة وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدم بُصرى من الشام وهي مدينة على طريق دمشق فنزلا في ظل شجرة، فقال نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة؟ قال: نعم لا تفارقه، قال: هو نبيّ وهو آخر الأنبياء، وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة واشتد الحر، يرى ملكين يظلان رسول الله ﷺ من الشمس فوعى ذلك كله ميسرة وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون، فلما رجعوا أخبرها ميسرة بما قال الراهب نسطور، فلما رأت خديجة الربح الكثير أضعفت له ضعف ما سمت له.
قال مستر موير عند ذكر هذه الرحلة: «إن محمدا ﷺ لم يكن في وقت من الأوقات طامعا في الغنى، إنما كان سعيه لغيره ولو ترك الأمر لنفسه لآثر أن يعيش في هدوء وسلام قانعا بحالته ولما فكر في رحلة كهذه، ولكن لما عرض عليه عمه السفر شعرت نفسه الكريمة بضرورة تفريج كربة عمه فأجاب طلبه مسرورا.