سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/الأحاديث النبوية وتدوينها
روى البخاري، أن عمر بن عبد العزيز هو الذي أمر بتدوين الحديث، قال: إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن حزم الأنصاري المدني: «انظر إلى ما كان من حديث رسول الله فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا يقبل إلا حديث رسول الله ولتفشوا العلم حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا».
وابن حزم هذا، ولاه عمر بن عبد العزيز إمرة المدينة وتوفي سنة 120 هـ فجمع شيئا من الآثار النبوية، ثم تتابع العلماء في التدوين والتصنيف، وتفرد بالكوفة أبو بكر بن أبي شيبة بتكثير الأبواب وجودة الترتيب وحسن التأليف، ولكن هذه الآثار لما كانت في مبدأ الأمر تؤخذ من الأفواه، كان المصنف إذا روى له أحد حديثا، طالبه بإسناده وعمن أخذه فيذكر له سنده حتى ينتهي إلى النبي ﷺ إن كان من كلامه، أو إلى الصحابي أو إلى التابعي إن كان من كلامهما، وكان قد تسرب إلى تلك الآثار أشياء من الوضع فاحتاج المصنفون إلى تدوين قانون مخصوص يتجلى به السمين من الغث، وجعلوا ذلك القانون على أعمدة العمود الأول: في فن التاريخ ليعلم منه تاريخ الراوي ووفاته حتى إذا قال حدثني فلان ولم يكن مدركا لزمنه، علموا أنه كاذب عليه، ولهذا قال الإمام أحمد، لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ.
والعمود الثاني: فن الجرح والتعديل، كقولهم فلان: «ثقة» «وضّاع».
العمود الثالث: النظر في كيفية أخذ الرواة بعضهم عن بعض بقراءة أو كتابة أو مناولة أو إجازة وتفاوت رتبها، وما للعلماء في ذلك من خلاف بالقبول والرد، ثم أتبعوا ذلك بكلام في ألفاظ تقع في متون الحديث من غريب أو مشكل أو تصحيف أو مفترق منها أو مختلف ما يناسب ذلك أيضا بالناسخ والمنسوخ من الحديث، وهو من أهم علومه وأصعبها، وقد دوَّن علماء الحديث كتبا في مصطلحه، فمنهم القاضي أبو محمد الرامهرمزي، فإنه ألف كتابه المحدث الفاضل، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، ثم تلاه أبو نعيم الأصفهاني، ثم جاء بعدهم الخطيب البغدادي، صاحب تاريخ بغداد، وألف في قواعد الرواية كتابا سماه «الكفاية» وفي آدابها كتابا سماه «الجامع لآداب الشيخ والسامع»، وقل فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتابا حتّى إن كل من أنصف يعلم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه، ثم جاء من تأخر عن الخطيب ممن أخذ نصيبا من هذا الفن فألف فيه، فجمع القاضي عياض كتابا لطيفا سماه «الإلماع» وجمع أبو حفص الميانجي جزءا سماه «ما لا يسع المحدث جهله» ثم كثرت المصنفات في ذلك إلى أن جاء الفقيه الحافظ للسنّة، عبد الرحمن الشهرزوري المعروف بابن الصلاح نزيل دمشق، فجمع لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية، كتابه المشهور في مصطلح الحديث، فهذّب فنونه وأملاه شيئا بعد شيء، ثم تلاه محيي الدين النووي والحافظان العراقي وابن حجر.
ثم إنه من المعلوم، أنهم قسموا السنن المضافة إلى رسول الله ﷺ قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة إلى ثلاثة أقسام:
1 – الصحيح.
2 – الحسن.
3 – الضعيف.
وقسموا كلا منها أقساما، فالأول الصحيح وهو ما اتصل سنده بالرجال العدول، الضابطين من غير شذوذ ولا علة، فالعدل: هو من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، والضابط: من ثبت ما سمعه في صدره بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، ومن يضبط كتابه أي يصونه عنده منذ سمع فيه وصححه إلى أن يؤدّى عنه، وقوله من غير شذوذ معناه أن لا يشذ الراوي فيخالف في روايته من هو أرجح منه، وأن يكون خاليا من علة قادحة فيه كإرسال المرفوع ورفع المرسل، ولهذا يتفاوت الصحيح في القوة بحسب ضبط رجاله واشتهارهم بالحفظ والورع وتحري مخرجيه واحتياطهم، ولهذا اتفقوا على أن أصح الحديث ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم مسلم، ثم ما كان على شرطهما، ثم شرط البخاري، ثم شرط مسلم، ثم شرط غيرهما، القسم الثاني، الحسن، وهو ما كان رجال سنده معروفين، مشهورين بالعدالة والضبط، اشتهارا دون اشتهار رجال الصحيح، والغريب، ما استغربه أهل الحديث لمعان، فرب حديث يكون غريبا، لا يروى إلا من وجه واحد كأن تدور روايته على واحد وإن كان الحديث مشهورا عند أهل العلم لكثرة من روى عن ذلك الواحد، ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما تصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه، واعلم أن قولهم هذا حديث صحيح أو ضعيف، إنما هو بالنظر لظاهر الإسناد وليس هذا منهم على سبيل القطع، القسم الثالث: الضعيف، وهو ما تقاصر إسناده عن أن يصل إلى رتبة الحسن، فعدم وصوله إلى درجة الصحيح، من باب أولى، وللضعيف أقسام كثيرة، منها ما له لقب خاص كالمضطرب والمقلوب والموضوع والمنكر، ومنها ما ليس له ذلك.