سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/إظهار الإسلام سنة 613م
أمر الله سبحانه وتعالى النبي ﷺ أن يصدع بما جاءه منه، وأن يدعو الناس إليه ويأمرهم به، وكان بين إخفاء رسول الله ﷺ أمره واستتاره به وبين أمر الله تعالى إياه بإظهار دينه ثلاث سنين من بعثه، ثم قال الله تعالى له: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الحجر: 94)، أي لا تبالِ بهم ولا تلتفت إلى لومهم إياك على إظهار الدعوة، وقال تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الشعراء: 214 - 215)، فصعد رسول الله ﷺ على الصفا، فقال: «يا معشر قريش»، فقالت قريش: محمد على الصفا يهتف، فأقبلوا واجتمعوا، فقالوا: ما لكَ يا محمد؟ قال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم تصدقونني؟» قالوا: نعم أنت عندنا غير متهم وما جربنا عليك كذبا قط، قال: «فإني نذير لكم بين يديْ عذاب شديد، يا بني عبد المطلب، يا بني عبد مناف، يا بني زهرة - حتى عدد الأفخاذ من قريش - إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وإني لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيبا إلا أن تقولوا لا إله إلا الله»، فقال أبو لهب: - تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ - فأنزل الله تبارك وتعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ} (المسد: 1) السورة كلها، فلمّا سمع أبو لهب قوله: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ} قال: إن كان ما يقول محمد حقا افتديت منه بمالي وولدي فنزل: {مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} (المسد: 2)، وكان أبو لهب إذا سأله وفد عن النبي ﷺ قال: إنه ساحر ومجنون لينصرفوا عنه قبل لقائه، وقد أغضبت هذه السورة أبا لهب فأظهر شدة العداوة وصار متهما فلم يقبل قوله في رسول الله ﷺ فكأنه خاب سعيه وبطل غرضه، ورُوي عن طارق المحاربي أنه قال: رأيت رسول الله ﷺ في السوق يقول: «أيها الناس: قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا»، ورجل خلفه يرميه بالحجارة وقد أدمى عقبيه، ويقول: لا تطيعوه فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟ قالوا: محمد وعمه أبو لهب، أما امرأته فهي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية فكانت أيضا في غاية العداوة لرسول الله ﷺ وترمي الشوك في طريقه.
وعن الزهري أنه قال: دعا رسول الله ﷺ إلى الإسلام سرا وجهرا فاستجاب لله من شاء من أحداث الرجال وضعفاء الناس حتى كثر من آمن به وكفار قريش غير منكرين لما يقول، فكان إذا مرّ عليهم في مجالسهم يشيرون إليه أنه غلام بني عبد المطلب يكلم من السماء فكان ذلك حتى عاب آلهتهم التي يعبدونها وذكر هلاك آبائهم الذين ماتوا على الكفر فشنفوا لرسول الله ﷺ عند ذلك وعادوه.
وعن ابن عتبة أنه قال: لما أظهر رسول الله ﷺ الإسلام ومن معه وفشا أمره بمكة ودعا بعضهم بعضا فكان أبو بكر يدعو ناحية سرا، وكان سعيد بن زيد مثل ذلك، وكان عمر وحمزة بن عبد المطلب وأبو عبيدة بن الجراح يدعون علانية، فغضبت قريش من ذلك وظهر منهم لرسول الله ﷺ الحسد والبغي وأشخص به منهم رجال فبادوه وتستر آخرون وهم على ذلك الرأي إلا أنهم ينزهون أنفسهم عن القيام والإشخاص برسول الله ﷺ وكان أهل العداوة والمباداة لرسول الله ﷺ وأصحابه الذين يطلبون الخصومة والجدل: أبو جهل بن هاشم وأبو لهب بن عبد المطلب، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن قيس بن عدي وهو ابن الغليطة، والوليد بن المغيرة، وأُبيّ بن خلف، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والعاص بن وائل، والنضر بن الحارث، ومنبه بن الحجاج، وزهير بن أبي أمية والسائب بن صيفي بن عابد، والأسود بن عبد الأسد، والعاص بن سعيد بن العاص، والعاص بن هاشم، وعقبة بن أبي مُعيط، وأبو الأصدى الهذلي، والحكم بن أبي العاص، وعدي بن الحمراء، وذلك أنهم كانوا جيرانهم، والذين كانت تنتهي عداوة رسول الله إليهم أبو جهل وأبو لهب وعقبة بن أبي معيط، وكان عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب أهل هداوة ولكنهم لم يشخصوا بالنبي ﷺ نحو قريش ولم يسلم منهم أحد إلا أبو سفيان.