سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/سرية خالد بن الوليد إلى جذيمة
بعث رسول الله ﷺ خالد بن الوليد في شوال سنة ثمان من الهجرة إلى بني جذيمة من كنانة وكانوا بأسفل مكة على ليلة ناحية يَلَمْلَمَ وهو يوم الغُيمصاء داعيا إلى الإسلام ولم يبعثه مقاتلا فخرج في 350 رجلا من المهاجرين والأنصار وبني سليم فانتهى إليهم خالد فقال: من أنتم؟ قالوا: مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذّنا فيها، قال: فما بال السلاح عليكم؟ فقالوا: إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح، قال: فضعوا السلاح، فوضعوه، فقال لهم: استأسروا القوم، فأمر بعضهم فكتف بعضا وفرقهم في أصحابه، فلما كان في السحر نادى خالد: من كان معه أسيرٌ فليدافّه، فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم، وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أسارهم فبلغ النبي ﷺ ما صنع خالد فرفع يديه فقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد»، وبعث عليّ بن أبي طالب ومعه مال فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم ثم انصرف إلى رسول الله ﷺ فأخبره.
كانت بنو جذيمة قد أصابوا في الجاهلية عوف بن عبد عوف أبا عبد الرحمن بن عوف والفاكه بن المغيرة - عم خالد - وكانا أقبلا تاجرين من اليمن حتى إذا نزلا بهم قتلوهما وأخذوا أموالهما، فلما أرسل خالد بن الوليد إلى بني جذيمة وقتل منهم من قُتل مع أنه لم يؤمر بقتالهم تبرأ رسول الله ﷺ مما صنع خالد لأنهم أعلنوا إسلامهم، وكان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف كلام في ذلك إذ قال له عبد الرحمن: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام، فقال خالد: إنما ثأرت بأبيك، فقال عبد الرحمن بن عوف: كذبت، قد قتلت قاتل أبي ولكنك إنما ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة حتى كان بينهما شيء، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال: «مهلا يا خالد، دع عنك أصحابي فوالله لو كان لك أُحدٌ ذهبا ثم أنفقه في سبيل الله ما أدركت غَدْوَة رجل من أصحابي ولا رَوحته»؛ فالنبي كان يقول الحق ولا يخشى أحدا مهما أوتي من قوة، لذلك لم يخف عن خالد استياءه مما فعل.