سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/مؤامرة قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقد بلغ اضطهاد قريش للمسلمين أنهم اضطروهم إلى الهجرة ففريق هاجر إلى الحبشة ثم هاجر من بقي مع رسول الله إلى المدينة، ولما علمت قريش تتابع أصحاب رسول الله ﷺ بالهجرة أخيرا إلى المدينة وقد صارت له شيعة وأنصار من غيرهم وأنه أجمع على اللحاق بهم، تشاوروا فيما يصنعون في أمره فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قصيّ بن كلاب وتشاوروا في حبسه أو إخراجه عنهم - نفيه - ثم اتفقوا على أن يتخيروا من كل قبيلة منهم فتى شابا جلدا فيقتلوه جميعا فيتفرق دمه في القبائل ولا يقدر بنو عبد مناف على حربهم جميعا ويقال: إن هذا كان رأي أبي جهل، وهكذا نجد دائما اسم أبي جهل وأبي لهب في كل مؤامرة ضد النبي ﷺ وكل إيذاء واضطهاد كأن لا عمل لهما غير ذلك.
استعدوا لقتله عليه الصلاة والسلام من ليلتهم وأتى جبريل رسول الله فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، فلما كانت العتمة اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فأمر عليا أن ينام على فراشه ويتشح ببرده الأخضر وأن يتخلف عنه ليؤدي ما كان عند رسول الله ﷺ من الودائع إلى أربابها فامتثل أمره فكان أول من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله ووقى بنفسه رسول الله ﷺ
وهنا نقول: إن الأستاذ مرجوليوث اعتاد أن يصف أعداء رسول الله برجاحة العقل والنبل ولا يعدم أن يجد كتابا يذكر كمصدر له من غير تحقيق فقد قال عن أبي جهل في كتابه (محمد): إنه حاز شهرة عظيمة في العقل حتى إنه دخل دار الندوة في سنّ الثلاثين في حين أنه كان لا يسمح لأحد من أهل مكة بدخولها إلا إذا بلغ الأربعين، والحقيقة أنهم كانوا لا يدخلون فيها غير قرشي إلا إن بلغ أربعين سنة بخلاف القرشي تمييزا له، وبما أن أبا جهل قرشي فكان يسوغ له دخول دار الندوة قبل الأربعين وليس ذلك لأنه كان شديد الذكاء راجح العقل بل لأنه كان قرشيا.