سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش
تزوج رسول الله ﷺ زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية في شهر صفر من السنة الخامسة (يونيه سنة 626 م) وهي أخت عبد الله بن جحش وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي ﷺ وكانت قديمة في الإسلام، تزوجها رسول الله ﷺ بعد أن طلقها زوجها زيد بن حارثة.
كان زيد بن حارثة مولى خديجة وهبته لرسول الله ﷺ قبل البعثة وهو ابن ثماني سنوات فأعتقه وتبناه، وكانوا يدعونه زيد بن محمد، وقد زوجه رسول الله ﷺ بنت عمته - زينب بنت جحش - ولما خطبها رسول الله على زيد امتنعت من إنكاحه نفسها فقال لها رسول الله: «أنكحيه»، فقالت: يا رسول الله أؤامر - أي أشاور - نفسي وبينما هما يتحدثان أنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَلا مُّبِينا} (الأحزاب: 36)، وعند ذلك قالت زينب: رضيته لي يا رسول الله منكحا، قال: «نعم»، قالت: إذن لا أعصي رسول الله قد أنكحته نفسي، والسبب في إبائها بادىء الأمر أنها كانت ترى أن زيدا غير كفء لها وقالت: إنها خير منه حسبا ونسبا وكان امرأة فيها حدّة فلما نزلت الآية رضيت.
ثم إن زيدا كان يشكوها لرسول الله ﷺ لأنها تؤذيه وتتكبّر عليه بسبب النسب وعدم الكفاءة، فكان يقول له: «أمسك عليك زوجك»، أي لا تطلقها، لكنه لم يطق معاشرتها وطلقها، وهذا طبيعي فإن الإنسان لا يستطيع معاشرة زوجة تتكبّر عليه وترى نفسها أرقى منه، وبعد أن انقضت عدتها تزوجها رسول الله ﷺ لإبطال عادة التبني بفعله، فإن المشرع يستفاد من فعله كما يستفاد من قوله، وذلك أن الله أراد نسخ تحريم زوجة المتبنَّى، قال تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ} (الأحزاب: 40)، وقال: {ادْعُوهُمْ لاِبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ} (الأحزاب: 5)، فكان يُدعى بعد ذلك زيد بن حارثة، وقال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَرا زَوَّجْنَكَهَا لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَرا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ} (الأحزاب: 37).
وقد كان الله أوحى إلى رسوله أن زيدا سيطلق زوجته وتتزوجها بعده، إلا أن النبي ﷺ بالغ في الكتمان لزيد: «أمسك عليك زوجك» فعاتبه الله على ذلك حيث قال: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَهُ} (الأحزاب: 37)، وهو عتاب على ترك الأولى، وكان الأولى في مثل ذلك أن يصمت عليه الصلاة والسلام أو يفوّض الأمر إلى رأي زيد رضي الله عنه، ولم يخبر النبي ﷺ بما أوحي إليه من تطليق زيد لزينب وتزوجه إياها مخافة طعن الأعداء والمنافقين فعوتب عليه ولأنه أيضا لم يؤمر بالإخبار به بل كان مجرد إعلام له خاصة، وللقُصّاص في هذه القصة كلام لا ينبغي أن يجعل في حيز القبول ويجب صيانة النبي ﷺ عن مثله.
وكانت زينب بنت جحش تفخر على نساء النبي ﷺ وتقول: زوَّجني الله من السماء، وأولم عليها رسول الله ﷺ بخبز ولحم، وكانت امرأة صالحة صوّامة قوّامة كثيرة الخير تعمل بيدها وتتصدق به، وكان اسمها برَّة فسماها رسول الله زينب، وهي وقتئذ بنت خمس وثلاثين سنة وبسبب زينب نزل الحجاب.
وتوفيت سنة عشرين وهي بنت ثلاث وخمسين سنة وهي أول نساء رسول الله ﷺ موتا بعده، أرسل إليها عمر بن الخطاب اثني عشر ألف درهم كما فرض لنساء النبي ﷺ فأخذتها وفرَّقتها في ذي قرابتها وأيتامها ثم قالت: «اللهم لا يدركني عطاء لعمر بن الخطاب بعد هذا»، فماتت وصلى عليها عمر بن الخطاب ودخل قبرها أسامة بن زيد ومحمد بن عبد الله بن جحش، وعبد الله بن أبي أحمد بن جحش، قيل: هي أول امرأة صنع لها النعش أشارت به أسماء بنت عميس كانت رأته في الحبشة، ودُفنت بالبقيع فيما بين دار عقيل ودار ابن الحنفية.
وعن عائشة قالت: يرحم الله زينب بنت جحش لقد نالت في هذه الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف، إن الله عز وجل زوَّجها نبيّه ﷺ في الدنيا ونطق به في القرآن، إن رسول الله ﷺ قال لنا ونحن حوله: «أسرعكن بي لحوقا أطولكن باعا»، فبشرها رسول الله ﷺ بسرعة لحوقها به عليه السلام وهي زوجته في الجنة.