سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/سرية كرز بن جابر الفهري
كان كُرز بن جابر الفهري رضي الله عنه أحد رؤساء قريش أسلم بعد الهجرة واستشهد عام الفتح وهو الذي خرج رسول الله لطلبه في غزوة بدر الأولى وقد مرَّ ذكرها.
كانت هذه السرية في جمادى الأولى سنة ست وسببها: أن أناسا من عكل وعُرَينة يبلغ عددهم نحو ثمانية قدموا على رسول الله ﷺ فبايعوه على الإسلام وتلفظوا بكلمة التوحيد وكانوا حين قدموا المدينة سقاما مصفرة ألوانهم عظيمة بطونهم (قال مستر موير: إنهم كانوا مصابين بداء الطحال).
فقالوا: يا رسول الله إنا كنا أهل ضرع (أي ماشية وإبل) ولم نكن أهل ريف وكرهنا الإقامة بالمدينة فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل فأمر لهم بذود من الإبل ومعها راع وأمرهم باللحوق بها ليشربوا من ألبانها وأبوالها فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة وصحت أجسامهم باتباعهم إشارة رسول الله ﷺ كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي رسول الله ﷺ وكان عبدا له، اسمه يسار، وحين قتلوه مثلوا به فقطعوا يدهُ ورجله وجعلوا الشوك في عينيه واستاقوا الذود وحُمل يسار ميتا إلى قباء فدفن هناك، فهؤلاء أعراب قساة غلاظ القلوب يقابلون الإحسان بالإساءة يكرمهم رسول الله ﷺ فيهب لهم الماشية ويرسل معهم الراعي رأفة بهم ويصف لهم الدواء الشافي لدائهم فيأخذون الإبل ويشربون ألبانها وتصح أجسامهم ثم يجحدون النعمة ويكفرون بعد إسلامهم ويقتلون ذلك الراعي الأمين المسكين ويمثلون به أشنع تمثيل ويسرقون الإبل، جرائم متعددة يقترفونها، فهل هؤلاء يستحقون العفو والإحسان والمعاملة الح سنة؟ كلا بل الحكمة تقضي بقطع دابرهم واستئصال شأفتهم ليكونوا عبرة لمن اعتبر ولئلا يجرؤ بعد ذلك أحد من هؤلاء اللصوص القتلة الخائنين أن يعبث بالإسلام والمسلمين، وهذا ما فعله رسول الله ﷺ فإنه عليه الصلاة والسلام لما جاءه الصريخ بما وقع منهم بعث في آثارهم خَيلا من المسلمين قريبا من العشرين وأمّر عليهم كرز بن جابر الفهري رضي الله عنه فلقحهم فجاء بهم فأمر النبي ﷺ بقطع أيديهم وأرجلهم وسمّر أعينهم ولم يفلت منهم أحد وتركوا في ناحية الحرة في الشمس حتى ماتوا.
وأنزل الله في هؤلاء: {إِنَّمَا جَزَآء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (المائدة: 33) الآية، وهؤلاء كفروا وقتلوا ومثلوا وقطعوا الطريق وسرقوا.