سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/حكم سعد بن معاذ
كان أبو لبابة بن عبد المنذر قد عرف حكم رسول الله ﷺ في بني قريظة لأنه لما ذهب إليهم أشار بيده إلى حلقه «إنه الذبح» ثم ندم على هذه الإشارة واعتبرها خيانة لله ورسوله ﷺ وكان ما كان منه، أما سعد بن معاذ فقد كان حكمه في بني قريظة معروفا أيضا لأنه لما أصيب في غزوة الخندق قال: «اللهم لا تمتني حتى تقرّ عيني في بني قريظة» وقد بقي مجروحا إلى أن استدعاه رسول الله ﷺ ليحكم في بني قريظة فأتاه قومه فاحتملوه على حمار وكان رجلا جسيما وأقبلوا معه إلى رسول الله ﷺ وهم يقولون: يا أبا عمرو أحسن في مواليك، فإن رسول الله ﷺ إنما ولاك ذلك لتُحسن فيهم، فلما أكثروا عليه، قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ عن كلمته التي سمع منه.
فلما انتهى سعد إلى رسول الله ﷺ والمسلمين، قال رسول الله ﷺ «قوموا إلى سيدكم فأنزلوه»، فقال رسول الله ﷺ «احكم فيهم»، قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مُقاتِلتُهم وأن تُسبى ذراريُّهم وأن تُقسم أموالهم، فقال رسول الله ﷺ «لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله»، فأمر رسول الله ﷺ أن تكون النساء والذرية في دار ابنة الحارث امرأة من بني النجار وأمر بالأسارى أن يكونوا في دار أسامة بن زيد، ثم خرج رسول الله ﷺ إلى سوق المدينة فخندق بها خنادق ثم أمر بقتل كل من أنبت، فبعث إليهم فجاءوا إليه أرسالا تضرب أعناقهم ويلقون في تلك الخنادق وكان فيهم عدو الله حُييّ بن أخطب، وكعب بن أسد رأس القوم وهم 600 أو 700، وقيل: إنهم كانوا من 800 إلى 900.
وقد قالوا لكعب: ما ترى ما يُصنع بنا؟ فقال كعب: في كل موطن لا تعقلون، ألا ترون الداعي لا ينزع وأنه من ذُهِبَ به منكم لا يرجع، هو والله القتل.
فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله ﷺ ثم رد عليهم التراب وأتى بحييّ بن أخطب وعليه حلة له فقاحية (على لون الورد) قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة أنملة أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما نظر إلى رسول الله ﷺ قال: أما والله ما لمتُ نفسي في عداوتك، ولكنه من يَخذل الله يُخذل ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس لا بأس بأمر الله، كتاب الله وقدره وملحمة (فقال) قد كتبت على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه وضربت عنق كعب بن أسد سيد بني قريظة وكان المتولي قتل بني قريظة عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوام، وعند قتلهم الرجال صاحت نساؤهم وشقت جيوبها ونشرت شعورها وضربت خدودها وملأت المدينة نواحا.
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
«لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة، قالت: والله إنها لعندي تحدّث معي وتضحك ظهرا وبطنا ورسول الله ﷺ يقتل رجالهم بالسوق إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة؟ قالت: أنا والله، قلت: ويلك ما لك؟ قالت: أقتل، قلت: ولِمَ؟ قالت: حدث أحدثته، قالت: فانطلق بها فضربت عنقها فكانت عائشة تقول: ما أنسى عجبا منها طيب نفس وكثر ضحك وقد عرفت أنها تُقتل».
نقول: أشفقت عائشة رضي الله عنها على بنانة لطيب نفسها ومرحها حتى آخر لحظة من حياتها وكانت مع ذلك تعلم أنها ستُقتل لأنها قَتَلت أحد المسلمين بإلقاء الرحى عليه وهو خلاد بن سويد إذ لم تستطع أن تعيش بعد زوجها فنالت جزاءها، ولم يُقتل من نساء بني قريظة غيرها.
وكانت تدعى هذه المرأة بنانة امرأة الحكم القُرَظي كانت طرحت رحى على خلاد بن سويد فقتلته بإرشاد زوجها لأنه أحب ألا تبقى بعده فيتزوجها غيره ولم يُقتل أحد من المسلمين في هذه الغزوة غير خلاد، وشهد خلاد العقبة وبدرا وأُحدا.