البداية والنهاية/الجزء الخامس/ما ورد من التعزية به عليه الصلاة والسلام
قال ابن ماجه: حدثنا الوليد بن عمرو بن السكين، ثنا أبو همام - وهو محمد بن الزبرقان الأهوازي -، ثنا موسى بن عبيدة، ثنا مصعب بن محمد عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: فتح رسول الله ﷺ بابا بينه وبين الناس - أو كشف سترا - فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر، فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم رجاء أن يخلفه فيهم بالذي رآهم فقال: «يا أيهما الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة أشد عليه من مصيبتي».
تفرد به ابن ماجه.
وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه، ثنا شافع بن محمد، ثنا أبو جعفر ابن سلامة الطحاوي، ثنا المزني، ثنا الشافعي عن القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن رجالا من قريش دخلوا على أبيه علي بن الحسين فقال: ألا أحدثكم عن رسول الله ﷺ؟
قالوا: بلى!فحدثنا عن أبي القاسم.
قال: لما أن مرض رسول الله ﷺ أتاه جبريل فقال: يا محمد إن الله أرسلني إليك تكريما لك، وتشريفا لك، وخاصة لك، أسألك عما هو أعلم به منك يقول: كيف نجدك؟
قال: «أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا».
ثم جاءه اليوم الثاني فقال له ذلك، فرد عليه النبي ﷺ كما رد أول يوم، ثم جاءه اليوم الثالث فقال له كما قال أول يوم، ورد عليه كما رد، وجاء معه ملك يقال له: (إسماعيل) على مائة ألف ملك كل ملك على مائة ألف ملك، فاستأذن عليه فسأل عنه، ثم قال جبريل: هذا ملك الموت يستأذن عليك ما استأذن على آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك.
فقال عليه السلام: «إيذن به» فأذن له، فدخل فسلم عليه ثم قال: يا محمد إن الله أرسلني إليك فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضت، وإن أمرتني أن أتركه تركته.
فقال رسول الله: «أو تفعل يا ملك الموت؟»
قال: نعم، وبذلك أمرت وأمرت أن أطيعك.
قال: فنظر النبي ﷺ إلى جبريل فقال له جبريل: يا محمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك.
فقال رسول الله ﷺ لملك الموت: «إمض لما أمرت به» فقبض روحه.
فلما توفي النبي ﷺ وجاءت التعزية، سمعوا صوتا من ناحية البيت: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المصاب من حرم الثواب.
فقال علي رضي الله عنه: أتدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه السلام.
وهذا الحديث مرسلا وفي إسناده ضعف بحال القاسم العمري هذا، فإنه قد ضعفه غير واحد من الأئمة، وتركة بالكلية آخرون.
وقد رواه الربيع عن الشافعي، عن القاسم، عن جعفر، عن أبيه، عن جده فذكر منه قصة التعزية - فقط موصولا - وفي الإسناد العمري المذكور، قد نبهنا على أمره لئلا يغتر به.
على أنه قد رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم، عن أبي جعفر البغدادي، حدثنا عبد الله بن الحارث أو عبد الرحمن بن المرتعد الصغاني، ثنا أبو الوليد المخزومي، ثنا أنس بن عياض عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: لما توفي رسول الله ﷺ عزتهم الملائكة يسمعون الحس ولا يرون الشخص.
فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل فائت، ودركا من كل هالك، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المحروم من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم قال البيهقي: هذان الإسنادان وإن كانا ضعيفان فأحدهما يتأكد بالآخر، ويدل على أن له أصلا من حديث جعفر، والله أعلم.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ: أنبأنا أبو بكر أحمد بن بالويه، ثنا محمد بن بشر بن مطر، ثنا كامل بن طلحة، ثنا عباد بن عبد الصمد عن أنس بن مالك قال: لما قبض رسول الله ﷺ أحدق به أصحابه فبكوا حوله واجتمعوا فدخل رجل أشهب اللحية، جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول الله ﷺ فقال: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل فائت، وخلفا من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا، وإليه فارغبوا، ونظره إليكم في البلايا فانظروا، فإن المصاب من لم يجبر، فانصرف.
فقال بعضهم لبعض: تعرفون الرجل؟
فقال أبو بكر وعلي: نعم!هذا أخو رسول الله ﷺ الخضر.
ثم قال البيهقي: عباد بن عبد الصمد ضعيف، وهذا منكر بمرة.
وقد روى الحارث ابن أبي أسامة عن محمد بن سعد، أنبأنا هشام بن القاسم، ثنا صالح المري عن أبي حازم المدني أن رسول الله حين قبضه الله عز وجل دخل المهاجرون فوجا فوجا يصلون عليه ويخرجون، ثم دخلت الأنصار على مثل ذلك، ثم دخل أهل المدينة حتى إذا فرغت الرجال دخلت النساء، فكان منهن صوت وجزع كبعض ما يكون منهن، فسمعن هزة في البيت فعرفن فسكتن فإذا قائل يقول: إن في الله عزاء من كل هالك، وعوض من كل مصيبة، وخلف من كل فائت، والمجبور من جبره الثواب، والمصاب من لم يجبره الثواب.