البداية والنهاية/الجزء الخامس/قدوم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من سنة تسع
تقدم أن رسول الله ﷺ لما ارتحل عن ثقيف سئل أن يدعو عليهم، فدعا لهم بالهداية.
وقد تقدم أن رسول الله ﷺ حين أسلم مالك بن عوف النضري أنعم عليه وأعطاه وجعله أميرا على من أسلم من قومه، فكان يغزو بلاد ثقيف ويضيق عليهم حتى ألجأهم إلى الدخول في الإسلام.
وتقدم أيضا فيما رواه أبو داود عن صخر بن العيلة الأحمسي، أنه لم يزل بثقيف حتى أنزلهم من حصنهم على حكم رسول الله ﷺ فأقبل بهم إلى المدينة النبوية بإذن رسول الله ﷺ له في ذلك.
وقال ابن إسحاق: وقدم رسول الله ﷺ المدينة من تبوك في رمضان، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد من ثقيف، وكان من حديثهم أن رسول الله ﷺ لما انصرف عنهم اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام.
فقال له رسول الله - كما يتحدث قومه -: «إنهم قاتلوك».
وعرف رسول الله أن فيهم نخوة الامتناع للذي كان منهم.
فقال عروة: يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم، وكان فيهم كذلك محببا مطاعا، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم، فلما أشرف على علية له وقد دعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه، رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله، فتزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم يقال له: أوس بن عوف - أخو بني سالم بن مالك - ويزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم من بني عتاب يقال له: وهب بن جابر.
فقيل لعروة: ما ترى في دينك؟
قال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إلي، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله ﷺ قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم، فدفنوه معهم.
فزعموا أن رسول الله ﷺ قال فيه: «إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه».
وهكذا ذكر موسى بن عقبة قصة عروة، ولكن زعم أن ذلك كان بعد حجة أبي بكر الصديق.
وتابعه أبو بكر البيهقي في ذلك، وهذا بعيد.
والصحيح أن ذلك قبل حجة أبي بكر، كما ذكره ابن إسحاق، والله أعلم.
قال ابن إسحاق: ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة شهرا، ثم إنهم ائتمروا بينهم، رأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب، وقد بايعوا وأسلموا، فائتمروا فيما بينهم وذلك عن رأي عمرو بن أمية - أخي بني علاج - فائتمروا بينهم، ثم أجمعوا على أن يرسلوا رجلا منهم، فأرسلوا عبد ياليل بن عمرو بن عمير، ومعه اثنان من الأحلاف، وثلاثة من بني مالك، وهم: الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب، وشرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب، وعثمان ابن أبي العاص، وأوس بن عوف - أخو بني سالم -، ونمير بن خرشة بن ربيعة.
وقال موسى بن عقبة: كانوا بضعة عشر رجلا فيهم: كنانة بن عبد ياليل - وهو رئيسهم -، وفيهم: عثمان ابن أبي العاص - وهو أصغر الوفد -.
قال ابن إسحاق: فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة؛ ألفوا المغيرة بن شعبة يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله ﷺ، فلما رآهم ذهب يشتد ليبشر رسول الله بقدومهم، فلقيه أبو بكر الصديق فأخبره عن ركب ثقيف أن قدموا يريدون البيعة والإسلام إن شرط لهم رسول الله شروطا، ويكتبوا كتابا في قومهم.
فقال أبو بكر للمغيرة: أقسمت عليك لا تسبقني إلى رسول الله حتى أكون أنا أحدثه، ففعل المغيرة، فدخل أبو بكر فأخبر رسول الله ﷺ بقدومهم.
ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم، وعلمهم كيف يحيون رسول الله ﷺ فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية.
ولما قدموا على رسول الله ﷺ ضربت عليهم قبة في المسجد، وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله، فكان إذا جاءهم بطعام من عنده لم يأكلوا منه حتى يأكل خال ابن سعيد قبلهم، وهو الذي كتب لهم كتابهم.
قال: وكان مما اشترطوا على رسول الله ﷺ أن يدع لهم الطاغية ثلاث سنين، فما برحوا يسألونه سنة سنة، ويأبى عليهم، حتى سألوه شهرا واحدا بعد مقدمهم ليتألفوا سفهاءهم، فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى، إلا أن يبعث معهم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة ليهدماها، وسألوه مع ذلك أن لا يصلوا، وأن لا يكسروا أصنامهم بأيديهم.
فقال: «أما كسر أصنامكم بأيديكم فسنعفيكم من ذلك، وأما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه».
فقالوا: سنؤتيكها وإن كانت دناءة.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا محمد بن مسلمة عن حميد، عن الحسن، عن عثمان ابن أبي العاص أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله ﷺ فأنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم، فاشترطوا على رسول الله ﷺ أن لاتحشروا، ولا يعشروا، ولا يجبوا، ولا يستعمل عليهم غيرهم.
فقال رسول الله ﷺ: «لكم أن لا تحشروا، ولا تجبوا، ولا يستعمل عليكم غيركم، ولا خير في دين لا ركوع فيه».
وقال عثمان ابن أبي العاص: يا رسول الله علمني القرآن، واجعلني إمام قومي.
وقد رواه أبو داود من حديث أبي داود الطيالسي، عن حماد بن سلمة، عن حميد به.
وقال أبو داود: حدثنا الحسن بن الصباح، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدثني إبراهيم بن عقيل بن منبه، عن وهب، سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت.
قال: اشترطت على رسول الله ﷺ أن لا صدقة عليها، ولا جهاد.
وأنه سمع رسول الله ﷺ يقول بعد ذلك: «سيتصدقون، ويجاهدون إذا أسلموا».
قال ابن إسحاق: فلما أسلموا وكتب لهم كتابهم، أمر عليهم عثمان ابن أبي العاص وكان أحدثهم سنا.
لأن الصديق قال: يا رسول الله إني رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه في الإسلام، وتعلم القرآن.
وذكر موسى بن عقبة أن وفدهم كانوا إذا أتوا رسول الله خلفوا عثمان ابن أبي العاص في رحالهم، فإذا رجعوا وسط النهار جاء هو إلى رسول الله ﷺ فسأله عن العلم، فاستقرأه القرآن، فإن وجده نائما ذهب إلى أبي بكر الصديق، فلم يزل دأبه حتى فقه في الإسلام، وأحبه رسول الله ﷺ حبا شديدا.
قال ابن إسحاق: حدثني سعيد ابن أبي هند، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن عثمان ابن أبي العاص قال: كان من آخر ما عهد إلى رسول الله ﷺ حين بعثني إلى ثقيف قال:
«يا عثمان تجوز في الصلاة، وأقدر الناس بأضعفهم فإن فيهم الكبير، والصغير، والضعيف، وذا الحاجة».
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا سعيد الجريري عن أبي العلاء، عن مطرف، عن عثمان ابن أبي العاص قال: قلت: يا رسول الله اجعلني إمام قومي.
قال: «أنت إمامهم، فاقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا».
رواه أبو داود، والترمذي من حديث حماد بن سلمة به.
ورواه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن علية، عن محمد بن إسحاق كما تقدم.
وروى أحمد عن عفان، عن وهب، وعن معاوية بن عمرو، عن زائدة كلاهما، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن داود ابن أبي عاصم، عن عثمان ابن أبي العاص أن آخر ما فارقه رسول الله حين استعمله على الطائف، أن قال:
«إذا صليت بقوم فخفف بهم».
حتى وقت لي: { اقرأ باسم ربك الذي خلق } وأشباهها من القرآن.
وقال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة، سمعت سعيد بن المسيب قال: حدث عثمان ابن أبي العاص قال: آخر ما عهد إلى رسول الله ﷺ أن قال:
«إذا أممت قوما فخفف بهم الصلاة».
ورواه مسلم، عن محمد بن مثنى، وبندار كلاهما، عن محمد بن جعفر، عن عبد ربه.
وقال أحمد: حدثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي عن عبد الله بن الحكم أنه سمع عثمان ابن أبي العاص يقول:
استعملني رسول الله ﷺ على الطائف، فكان آخر ما عهد إلي أن قال:
«خفف عن الناس الصلاة».
تفرد به من هذا الوجه.
وقال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، أخبرنا عمرو بن عثمان، حدثني موسى - هو: ابن طلحة - أن عثمان ابن أبي العاص حدثه أن رسول الله ﷺ أمره أن يؤم قومه.
ثم قال: «من أم قوما فليخفف بهم، فإن فيهم الضعيف، والكبير، وذا الحاجة، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء».
ورواه مسلم من حديث عمرو بن عثمان به.
وقال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن النعمان بن سالم، سمعت أشياخا من ثقيف قالوا: حدثنا عثمان ابن أبي العاص أنه قال:
قال لي رسول الله ﷺ «وأم قومك، وإذا أممت قوما، فخفف بهم الصلاة، فإنه يقوم فيها الصغير، والكبير، والضعيف، والمريض، وذو الحاجة».
وقال أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل، عن الجريري، عن أبي العلاء بن الشخير أن عثمان قال: يا رسول الله حال الشيطان بيني وبين صلاتي وقراءتي.
قال: «ذاك شيطان يقال له: خنرب، فإذا أنت حسسته فتعوذ بالله منه، وأتفل عن يسارك ثلاثا».
قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني.
ورواه مسلم من حديث سعيد الجريري به.
وروى مالك، وأحمد، ومسلم، وأهل السنن من طرق عن نافع بن جبير بن مطعم، عن عثمان ابن أبي العاص أنه شكى إلى رسول الله ﷺ وجعا يجده في جسده.
فقال له: «ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثا، وقل: سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر».
وفي بعض الروايات ففعلت ذلك، فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم.
وقال أبو عبد الله ابن ماجه: حدثنا محمد بن يسار، ثنا محمد ابن عبد الله الأنصاري، حدثني عيينة بن عبد الرحمن وهو - ابن جوشن -، حدثني أبي عن عثمان ابن أبي العاص قال: لما استعملني رسول الله ﷺ على الطائف، جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله ﷺ فقال:
«ابن أبي العاص؟».
قلت: نعم يا رسول الله.
قال: «ما جاء بك؟».
قلت: يا رسول الله عرض لي شيء في صلاتي، حتى ما أدري ما أصلي.
قال: «ذاك الشيطان، أدن».
فدنوت منه، فجلست على صدور قدمي.
قال: فضرب صدري بيده، وتفل في فمي.
وقال: «أخرج عدو الله» فعل ذلك ثلاث مرات.
ثم قال «الحق بعملك».
قال: فقال عثمان: فلعمري ما أحسبه خالطني بعد.
تفرد به ابن ماجه.
قال ابن إسحاق: وحدثني عيسى بن عبد الله عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي، عن بعض وفدهم.
قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا، وصمنا مع رسول الله ﷺ ما بقي من شهر رمضان بفطورنا، وسحورنا، فيأتينا بالسحور.
فإنا لنقول: إنا لنرى الفجر قد طلع؟
فيقول: قد تركت رسول الله ﷺ يتسحر لتأخير السحور، ويأتينا بفطرنا وإنا لنقول: ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد.
فيقول: ما جئتكم حتى أكل رسول الله ﷺ ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها.
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي عن عثمان بن عبد الله بن أوس، عن جده أوس بن حذيفة قال: قدمنا على رسول الله ﷺ في وفد ثقيف قال: فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة، وأنزل رسول الله ﷺ بني مالك في قبة له، كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا قائما على رجليه، حتى يراوح بين رجليه من طول القيام، فأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش ثم يقول: «لا آسى وكنا مستضعفين مستذلين بمكة، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم، ندال عليهم، ويدالون علينا».
فلما كانت ليلة أبطأ عنا الوقت الذي كان يأتينا فيه فقلنا: لقد أبطأت علينا الليلة؟
فقال: «إنه طرئ علي جزئي من القرآن، فكرهت أن أجيء حتى أتمه».
قال أوس: سألت أصحاب رسول الله ﷺ كيف يجزئون القرآن؟
فقالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشر، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده.
لفظ أبو داود، قال ابن إسحاق: فلما فرغوا من أمرهم، وتوجهوا إلى بلادهم راجعين، بعث رسول الله ﷺ معهم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة في هدم الطاغية، فخرجا مع القوم حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة أن يقدم أبا سفيان، فأبى ذلك عليه أبو سفيان وقال: أدخل أنت على قومك، وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم، فلما دخل المغيرة علاها يضربها بالمعول، وقام قومه بني معتب دونه خشية أن يرمي أو يصاب كما أصيب عروة بن مسعود.
قال: وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها، ويقلن:
لنبكين دفاع * أسلمها الرضاع، لم يحسنوا المصاع
قال ابن إسحاق: ويقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفاس: وآها لك، وآها لك، فلما هدمها المغيرة، وأخذ مالها، وحليها، أرسل إلى أبي سفيان فقال: إن رسول الله قد أمرنا أن نقضي عن عروة بن مسعود، وأخيه الأسود بن مسعود، والد قارب بن الأسود دينهما من مال الطاغية، يقضي ذلك عنهما.
قلت: كان الأسود قد مات مشركا، ولكن أمر رسول الله بذلك تأليفا وإكراما لولده قارب بن الأسود رضي الله عنه.
وذكر موسى بن عقبة أن وفد ثقيف كانوا بضعة عشر رجلا، فلما قدموا، أنزلهم رسول الله المسجد ليسمعوا القرآن، فسألوه عن الربا، والزنا، والخمر، فحرم عليهم ذلك كله.
فسألوه عن الربة ما هو صانع بها؟
قال: «اهدموها».
قالوا: هيهات لو تعلم الربة أنك تريد أن تهدمها قتلت أهلها.
فقال عمر بن الخطاب: ويحك يا ابن عبد ياليل ما أجهلك، إنما الربة حجر.
فقالوا: إنا لم نأتك يا ابن الخطاب، ثم قالوا يا رسول الله: تول أنت هدمها، أما نحن فإنا لن نهدمها أبدا.
فقال: سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها، فكاتبوه على ذلك، واستأذنوه أن يسبقوا رسله إليهم، فلما جاءوا قومهم، تلقوهم فسألوهم ما وراءكم، فأظهروا الحزن وأنهم إنما جاءوا من عند رجل فظ غليظ قد ظهر بالسيف بحكم ما يريد وقد دوخ العرب، قد حرم الربا، والزنا، والخمر، وأمر بهدم الربة، فنفرت ثقيف وقالوا: لا نطيع لهذا أبدا قال: فتأهبوا للقتال، وأعدوا السلاح، فمكثوا على ذلك يومين أو ثلاثة، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب فرجعوا، وأنابوا، وقالوا: ارجعوا إليه فشارطوه على ذلك، وصالحوه عليه.
قالوا: فإنا قد فعلنا ذلك، ووجدناه أتقى الناس، وأوفاهم وأرحمهم، وأصدقهم، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه، وفيما قاضيناه فافهموا القضية، واقبلوا عافية الله.
قالوا: فلم كتمتمونا هذا أولا؟
قالوا: أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان فأسلموا مكانهم، ومكثوا أياما، ثم قدم عليهم رسل رسول الله ﷺ، وقد أمر عليهم خالد بن الوليد، وفيهم المغيرة بن شعبة، فعمدوا إلى اللات، وقد استكفت ثقيف رجالها، ونساءها، والصبيان، حتى خرج العواتق من الحجال، ولا يرى عامة ثقيف أنها مهدومة، ويظنون أنها ممتنعة، فقام المغيرة بن شعبة فأخذ الكرزين يعني المعول وقال لأصحابه: والله لأضحكنكم من ثقيف، فضرب بالكرزين، ثم سقط يركض برجله، فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة، وفرحوا.
وقالوا: أبعد الله المغيرة قتلته الربة، وقالوا لأولئك: من شاء منكم فليقترب، فقام المغيرة فقال: والله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع حجارة ومدر، فاقبلوا عافية الله واعبدوه، ثم إنه ضرب الباب فكسره، ثم علا سورها وعلا الرجال معه، فما زالوا يهدمونها حجرا حجرا، حتى سووها بالأرض، وجعل سادنها يقول: ليغضبن الأساس فليخسفن بهم، فلما سمع المغيرة قال لخالد: دعني أحفر أساسها، فحفروه حتى أخرجوا ترابها، وجمعوا ماءها، وبناءها، وبهتت عند ذلك ثقيف، ثم رجعوا إلى رسول الله ﷺ فقسم أموالها من يومه، وحمدوا الله تعالى على اعتزاز دينه، ونصرة رسوله.
قال ابن إسحاق: وكان كتاب رسول الله ﷺ الذي كتب لهم:
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين: إن عضاه وج وصيده لا يعضده من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه، وإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي محمدا وإن هذا أمر النبي محمد.
وكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله، فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن الحارث من أهل مكة مخزومي - حدثني محمد ابن عبد الله بن إنسان - وأثنى عليه خيرا - عن أبيه، عن عروة بن الزبير قال: أقبلنا مع رسول الله ﷺ من لية، حتى إذا كنا عند السدرة، وقف رسول الله ﷺ في طرف القرن حذوها فاستقبل محبسا ببصره يعني: واديا ووقف حتى اتفق الناس كلهم، ثم قال: «إن صيد وج وعضاهه حرم محرم لله».
وذلك قبل نزوله الطائف، وحصاره ثقيفا.
وقد رواه أبو داود من حديث محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي.
وقد ذكره ابن حبان في ثقاته.
وقال ابن معين: ليس به بأس، تكلم فيه بعضهم.
وقد ضعف أحمد والبخاري وغيرهما هذا الحديث، وصححه الشافعي وقال بمقتضاه، والله أعلم.