البداية والنهاية/الجزء الخامس/باب زوجاته وأولاده صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى: { يانساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا }. [الأحزاب: 32 - 34] .
لا خلاف أنه عليه السلام توفي عن تسع وهن: عائشة بنت أبي بكر الصديق التيمية، وحفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموية، وزينب بنت جحش الأسدية، وأم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وسودة بنت زمعة العامرية، وجويرية بنت الحارث ابن أبي ضرار المصطلقية، وصفية بنت حيي بن أخطب النضرية الإسرائيلية الهارونية رضي الله عنهن أرضاهن.
وكانت له سريتان وهما: مارية بنت شمعون القبطية المصرية من كورة أنصنا، - وهي أم ولده إبراهيم عليه السلام وريحانة بنت شمعون القرظية أسلمت ثم أعتقها فلحقت بأهلها.
ومن الناس من يزعم أنها احتجبت عندهم، والله أعلم.
وأما الكلام على ذلك مفصلا ومرتبا من حيث ما وقع أولا فأولا مجموعا من كلام الأئمة رحمهم الله فنقول، وبالله المستعان.
روى الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي من طريق سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة قال: تزوج رسول الله ﷺ بخمس عشرة امرأة، دخل منهن بثلاث عشرة، واجتمع عنده إحدى عشرة، ومات عن تسع، ثم ذكر هؤلاء التسع اللاتي ذكرناهن رضي الله عنهن.
ورواه سيف بن عمر عن سعيد، عن قتادة عن أنس، والأول أصح.
ورواه سيف بن عمر التميمي عن سعيد، عن قتادة، عن أنس وابن عباس مثله.
وروي عن سعيد بن عبد الله، عن عبد الله ابن أبي مليكة، عن عائشة مثله.
قالت: فالمرأتان اللتان لم يدخل بهما فهما: عمرة بنت يزيد الغفارية، والشنباء.
فأما عمرة: فإنه خلا بها وجردها فرأى بها وضحا فردها، وأوجب لها الصداق، وحرمت على غيره.
وأما الشنباء: فلما أدخلت عليه لم تكن يسيرة، فتركها ينتظر بها اليسر، فلما مات ابنه إبراهيم على بغتة ذلك قالت: لو كان نبيا لم يمت ابنه فطلقها وأوجب لها الصداق، وحرمت على غيره.
قالت: فاللاتي اجتمعن عنده: عائشة، وسودة، وحفصة، وأم سلمة، وأم حبيبة، وزينب بنت جحش، وزينب بنت خزيمة، وجويرية، وصفية، وميمونة، وأم شريك.
قلت: وفي صحيح البخاري عن أنس أن رسول الله ﷺ كان يطوف على نسائه، وهن إحدى عشرة امرأة.
والمشهور: أن أم شريك لم يدخل بها كما سيأتي بيانه، ولكن المراد بالإحدى عشرة اللاتي كان يطوف عليهن التسع المذكورات، والجاريتان: مارية وريحانة.
وروى يعقوب بن سفيان الفسوي عن الحجاج ابن أبي منيع، عن جده عبيد الله ابن أبي زياد الرصافي، عن الزهري - وقد علقه البخاري في صحيحه عن الحجاج هذا - وأورد له الحافظ ابن عساكر طرفا عنه أن أول امرأة تزوجها رسول الله ﷺ خديجة بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، زوجه إياها أبوها قبل البعثة.
وفي رواية قال الزهري: وكان عمر رسول الله ﷺ يوم تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة، وقيل: خمسا وعشرين سنة زمان بنيت الكعبة.
وقال الواقدي وزاد: ولها خمس وأربعون سنة.
وقال آخرون من أهل العلم: كان عمره عليه السلام يومئذ ثلاثين سنة.
وعن حكيم بن حزام قال: كان عمر رسول الله يوم تزوج خديجة خمسا وعشرين سنة، وعمرها أربعون سنة.
وعن ابن عباس كان عمرها ثمانيا وعشرين سنة، رواهما ابن عساكر.
وقال ابن جريج: كان عليه السلام ابن سبع وثلاثين سنة، فولدت له القاسم وبه كان يكنى، والطيب، والطاهر، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.
قلت: وهي أم أولاده كلهم سوى إبراهيم فمن مارية، كما سيأتي بيانه.
ثم تكلم على كل بنت من بنات رسول الله ﷺ ومن تزوجها.
وحاصله:
أن زينب تزوجها العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، وهو ابن أخت خديجة، أمه هالة بنت خويلد، فولدت له ابنا اسمه: علي، وبنتا اسمها: إمامة بنت زينب، وقد تزوجها علي ابن أبي طالب بعد وفاة فاطمة، ومات وهي عنده، ثم تزوجت بعده المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
وأما رقية: فتزوجها عثمان بن عفان، فولدت له ابنه عبد الله وبه كان يكنى أولا، ثم اكتنى بابنه عمرو، وماتت رقية ورسول الله ﷺ ببدر، ولما قدم زيد بن حارثة بالبشارة وجدهم قد ساووا التراب عليها، وكان عثمان قد أقام عندها يمرضها، فضرب له رسول الله ﷺ بسهمه وأجره، ثم زوجه بأختها أم كلثوم ولهذا كان يقال له: ذو النورين، فتوفيت عنده أيضا في حياة رسول الله ﷺ.
وأما فاطمة: فتزوجها ابن عمه علي ابن أبي طالب بن عبد المطلب، فدخل بها بعد وقعة بدر، كما قدمنا فولدت له حسنا وبه كان يكنى، وحسينا وهو المقتول شهيدا بأرض العراق.
قلت: ويقال: ومحسنا قال: وزينب وأم كلثوم، وقد تزوج زينب هذه ابن عمها عبد الله بن جعفر، فولدت له عليا وعونا وماتت عنده، وأما أم كلثوم: فتزوجها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فولدت له زيدا ومات عنها، فتزوجت بعده ببني عمها جعفر واحدا بعد واحد، تزوجت بعون بن جعفر فمات، فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها، فخلف عليها أخوهما عبد الله بن جعفر، فماتت عنده.
قال الزهري: وقد كانت خديجة بنت خويلد تزوجت قبل رسول الله ﷺ برجلين، الأول منهما: عتيق بن عابد بن مخزوم، فولدت منه جارية وهي: أم محمد بن صيفي، والثاني: أبو هالة التميمي، فولدت له هند بن هند.
وقد سماه ابن إسحاق فقال: ثم خلف عليها بعد هلاك عابد، أبو هالة النباش بن زرارة أحد بني عمرو بن تميم حليف بني عبد الدار، فولدت له رجلا وامرأة ثم هلك عنها، فخلف عليها رسول الله ﷺ فولدت له بناته الأربع، ثم بعدهن القاسم والطيب والطاهر، فذهب الغلمة جميعا وهم يرضعون.
قلت: ولم يتزوج عليها رسول الله ﷺ مدة حياتها امرأة، كذلك رواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنها قالت ذلك، وقد قدمنا تزويجها في موضعه، وذكرنا شيئا من فضائلها بدلائلها.
قال الزهري: ثم تزوج رسول الله ﷺ بعد خديجة بعائشة بنت أبي بكر عبد الله ابن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، ولم يتزوج بكرا غيرها.
قلت: ولم يولد له منها ولد وقيل: بل أسقطت منه ولدا سماه رسول الله ﷺ: عبد الله، ولهذا كانت تكنى: بأم عبد الله، وقيل: إنما كانت تكنى بعبد الله ابن أختها أسماء من الزبير بن العوام رضي الله عنهم.
قلت: وقد قيل: إنه تزوج سودة قبل عائشة، قاله ابن إسحاق وغيره كما قدمنا ذكر الخلاف في ذلك، فالله أعلم.
وقد قدمنا صفة تزويجه عليه السلام بهما قبل الهجرة، وتأخر دخوله بعائشة إلى ما بعد الهجرة.
قال: وتزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن حذافة بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، مات عنها مؤمنا.
قال: وتزوج أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكانت قبله تحت ابن عمها أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
قال: وتزوج سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وكانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو بن عبد شمس، مات عنها مسلما بعد رجوعه وإياها من أرض الحبشة إلى مكة رضي الله عنهما.
قال: وتزوج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش بن رئاب من بني أسد بن خزيمة، مات بأرض الحبشة نصرانيا، بعث إليها رسول الله عمرو بن أمية الضمري إلى أرض الحبشة فخطبها عليه، فزوجها منه عثمان بن عفان كذا قال، والصواب: عثمان ابن أبي العاص، وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة، وقد قدمنا ذلك كله مطولا ولله الحمد.
قال: وتزوج زينب بنت جحش بن رئاب بن أسد بن خزيمة، وأمها: أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله ﷺ، وكانت قبله تحت زيد بن حارثة مولاه عليه الصلاة والسلام وهي أول نسائه لحوقا به، وأول من عمل عليها النعش صنعته أسماء بنت عميس عليها، كما رأت ذلك بأرض الحبشة.
قال: وتزوج زينب بنت خزيمة، وهي من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة، ويقال لها: أم المساكين، وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش بن رئاب قتل يوم أحد، فلم تلبث عنده عليه السلام إلا يسيرا حتى توفيت رضي الله عنها.
وقال يونس عن محمد بن إسحاق: كانت قبله عند الحصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، أو عند أخيه الطفيل بن الحارث.
قال الزهري: وتزوج رسول الله ﷺ ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رؤيبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة قال: وهي التي وهبت نفسها.
قلت الصحيح: أنه خطبها وكان السفير بينهما أبو رافع مولاه، كما بسطنا ذلك في عمرة القضاء.
قال الزهري: وقد تزوجت قبله رجلين، أولهما: ابن عبد ياليل، وقال: سيف بن عمر في روايته كانت تحت عمير بن عمرو أحد بني عقدة بن ثقيف بن عمرو الثقفي مات عنها، ثم خلف عليها أبو رهم ابن عبد العزى ابن أبي قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي.
قال: وسبى رسول الله ﷺ جويرية بنت الحارث ابن أبي ضرار بن الحارث بن عامر بن مالك بن المصطلق من خزاعة يوم المريسيع، فأعتقها وتزوجها ويقال: بل قدم أبوها الحارث وكان ملك خزاعة فأسلم ثم تزوجها منه، وكانت قبله عند ابن عمها صفوان ابن أبي السفر.
قال قتادة عن سعيد بن المسيب، والشعبي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم قالوا: وكان هذا البطن من خزاعة حلفاء لأبي سفيان على رسول الله ﷺ ولهذا يقول حسان:
وحلف الحارث ابن أبي ضرار * وحلف قريظة فيكم سواء.
وقال سيف بن عمر في روايته عن سعيد بن عبد الله، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: وكانت جويرية تحت ابن عمها مالك بن صفوان بن تولب ذي الشفر ابن أبي السرح بن مالك بن المصطلق.
قال: وسبى صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير يوم خيبر وهي عروس بكنانة ابن أبي الحقيق، وقد زعم سيف بن عمر في روايته أنها كانت قبل كنانة عند سلام بن مشكم، فالله أعلم.
قال: فهذه إحدى عشرة امرأة دخل بهن.
قال: وقد قسم عمر بن الخطاب في خلافته لكل امرأة من أزواج النبي ﷺ اثنا عشر ألفا، وأعطى جويرية وصفية ستة آلاف ستة آلاف بسبب أنهما سبيتا.
قال الزهري: وقد حجبهما رسول الله ﷺ وقسم لهما.
قلت: وقد بسطنا الكلام فيما تقدم في تزويجه عليه السلام كل واحدة من هذه النسوة رضي الله عنهن في موضعه.
قال الزهري: وقد تزوج العالية بنت ظبيان بن عمرو من بني بكر بن كلاب ودخل بها وطلقها.
قال البيهقي: كذا في كتابي وفي رواية غيره ولم يدخل بها، فطلقها.
وقد قال محمد بن سعد عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي: حدثني رجل من بني أبي بكر ابن كلاب أن رسول الله ﷺ تزوج العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف بن كعب بن عبد ابن أبي بكر بن كلاب، فمكثت عنده دهرا ثم طلقها.
وقد روى يعقوب بن سفيان عن حجاج ابن أبي منيع، عن جده، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن الضحاك بن سفيان الكلابي هو الذي دل رسول الله ﷺ عليها وأنا أسمع من وراء الحجاب.
قال: يا رسول الله هل لك في أخت أم شبيب، وأم شبيب امرأة الضحاك.
وبه قال الزهري: تزوج رسول الله ﷺ امرأة من بني عمرو بن كلاب فأنبئ أن بها بياضا فطلقها، ولم يدخل بها.
قلت: الظاهر أن هذه هي التي قبلها، والله أعلم.
قال: وتزوج أخت بني الجون الكندي وهم حلفاء بني فزارة، فاستعاذت منه فقال: «لقد عذت بعظيم، إلحقي بأهلك» فطلقها ولم يدخل بها.
قال: وكانت لرسول الله ﷺ سرية يقال لها: مارية، فولدت له غلاما أسامه: إبراهيم، فتوفي وقد ملأ المهد، وكانت له وليدة يقال لها: ريحانة بنت شمعون من أهل الكتاب من خنافة، وهم بطن من بني قريظة، أعتقها رسول الله ﷺ ويزعمون أنها قد احتجبت.
وقد روى الحافظ ابن عساكر بسنده عن علي بن مجاهد أن رسول الله ﷺ تزوج خولة بنت الهذيل بن هبيرة التغلبي، وأمها: حرنق بنت خليفة أخت دحية بن خليفة، فحملت إليه من الشام فماتت في الطريق، فتزوج خالتها: شراف بنت فضالة بن خليفة فحملت إليه من الشام، فماتت في الطريق أيضا.
وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: وقد كان رسول الله ﷺ تزوج أسماء بنت كعب الجونية فلم يدخل بها حتى طلقها، وتزوج عمرة بنت زيد إحدى نساء بني كلاب ثم بنى من الوحيد، وكانت قبله عند الفضل بن عباس بن عبد المطلب فطلقها، ولم يدخل بها.
قال البيهقي: فهاتان هما اللتان ذكرهما الزهري ولم يسمهما، إلا أن ابن إسحاق لم يذكر العالية.
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الأصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير، عن زكريا ابن أبي زائدة، عن الشعبي قال: وهبن لرسول الله ﷺ نساء أنفسهن، فدخل ببعضهن أرجى بعضهن، فلم يقربهن حتى توفي ولم ينكحن بعده.
منهن: أم شريك فذلك قوله تعالى: { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك }. [الأحزاب: 51] .
قال البيهقي: وقد روينا عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كانت خولة - يعني: بنت حكيم - ممن وهبن أنفسهن لرسول الله ﷺ.
وقال البيهقي: وروينا في حديث أبي أسيد الساعدي في قصة الجونية التي استعاذت، فألحقها بأهلها أن اسمها: أميمة بنت النعمان بن شراحيل كذا قال.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري، ثنا عبد الرحمن بن الغسيل عن حمزة ابن أبي أسيد، عن أبيه، وعباس بن سهل عن أبيه قالا: مر بنا النبي ﷺ وأصحاب له فخرجنا معه حتى انطلقنا إلى حائط يقال له: الشوط حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما.
فقال رسول الله ﷺ: «اجلسوا» ودخل هو وقد أتى بالجونية فعزلت في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها داية لها، فلما دخل عليها رسول الله ﷺ قال: «هبي لي نفسك».
قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟!.
وقالت: إني أعوذ بالله منك.
قال: «لقد عذت بمعاذ».
ثم خرج علينا فقال: «يا أبا أسيد اكسها دراعتين وألحقها بأهلها».
وقال غير أبي أحمد: امرأة من بني الجون يقال لها: أمينة.
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، ثنا عبد الرحمن بن الغسيل عن حمزة ابن أبي أسيد قال: خرجنا مع رسول الله حتى انطلقنا إلى حائط يقال له: الشوط حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما.
فقال: «اجلسوا ها هنا» فدخل وقد أتي بالجونية فأنزلت في محل بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها داية حاضنة لها، فلما دخل عليها رسول الله ﷺ قال: «هبي لي نفسك».
قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟!.
قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن.
فقالت: إني أعوذ بالله منك.
قال: «لقد عذت بمعاذ».
ثم خرج علينا فقال: «يا أبا أسيد اكسها رازقتين وألحقها بأهلها».
قال البخاري: وقال الحسين بن الوليد عن عبد الرحمن بن الغسيل، عن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه وأبي أسيد قالا: تزوج النبي ﷺ أميمة بنت شراحيل، فلما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك.
فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقتين.
ثم قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا إبراهيم بن الوزير، ثنا عبد الرحمن بن حمزة عن أبيه وعن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه بهذا.
انفرد البخاري بهذه الروايات من بين أصحاب الكتب.
وقال البخاري: ثنا الحميدي، ثنا الوليد، ثنا الأوزاعي سألت الزهري: أي أزواج النبي ﷺ استعاذت منه؟.
فقال: أخبرني عروة عن عائشة أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله قالت: أعوذ بالله منك.
فقال: «لقد عذت بعظيم إلحقي بأهلك».
وقال: ورواه حجاج ابن أبي منيع عن جده، عن الزهري أن عروة أخبره أن عائشة قالت (الحديث) انفرد به دون مسلم.
قال البيهقي: ورأيت في كتاب (المعرفة) لابن منده أن اسم التي استعاذت منه أميمة بنت النعمان بن شراحيل، ويقال: فاطمة بنت الضحاك، والصحيح أنها: أميمة، والله أعلم.
وزعموا أن الكلابية اسمها: عمرة، وهي التي وصفها أبوها بأنها لم تمرض قط، فرغب عنها رسول الله ﷺ.
وقد روى محمد بن سعد عن محمد بن عبد الله، عن الزهري قال: هي فاطمة بنت الضحاك بن سفيان استعاذت منه، فطلقها، فكانت تلقط البعر وتقول: أنا الشقية.
قال: وتزوجها في ذي القعدة سنة ثمان، وماتت سنة ستين.
وذكر يونس عن ابن إسحاق فيمن تزوجها عليه السلام ولم يدخل بها: أسماء بنت كعب الجونية، وعمرة بنت يزيد الكلابية.
وقال ابن عباس وقتادة: أسماء بنت النعمان ابن أبي الجون، فالله أعلم.
قال ابن عباس: لما استعاذت منه، خرج من عندها مغضبا.
فقال له الأشعث: لا يسؤك ذلك يا رسول الله فعندي أجمل منها فزوجه أخته قتيلة.
وقال غيره: كان ذلك في ربيع سنة تسع.
وقال سعيد ابن أبي عروة عن قتادة: تزوج رسول الله ﷺ خمس عشرة امرأة، فذكر منهن أم شريك الأنصارية النجارية.
قال: وقد قال رسول الله ﷺ: «إني لأحب أن أتزوج من الأنصار، ولكني أكره غيرتهن» ولم يدخل بها.
قال: وتزوج أسماء بنت الصلت من بني حرام، ثم من بني سلم ولم يدخل بها، وخطب حمزة بنت الحارث المزنية.
وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوج رسول الله ثماني عشرة امرأة، فذكر منهن: قتيلة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس، فزعم بعضهم أنه تزوجها قبل وفاته بشهرين، وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه.
قال: ولم يكن قدمت عليه ولا رآها ولم يدخل بها.
قال: وزعم آخرون أنه عليه السلام أوصى أن تخير قتيلة، فإن شاءت يضرب عليها الحجاب وتحرم على المؤمنين، وإن شاءت فلتنكح من شاءت فاختارت النكاح، فتزوجها عكرمة ابن أبي جهل بحضرموت، فبلغ ذلك أبا بكر فقال: لقد هممت أن أحرق عليهما.
فقال عمر بن الخطاب: ما هي من أمهات المؤمنين ولا دخل بها ولا ضرب عليها الحجاب.
قال أبو عبيدة: وزعم بعضهم أن رسول الله ﷺ لم يوص فيها بشيء، وأنها ارتدت بعده، فاحتج عمر على أبي بكر بارتدادها أنه ليست من أمهات المؤمنين.
وذكر ابن منده أن التي ارتدت هي: البرحاء من بني عوف بن سعد بن ذبيان.
وقد روى الحافظ ابن عساكر من طرق عن داود ابن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله تزوج قتيلة أخت الأشعث بن قيس، فمات قبل أن يخيرها فبرأها الله منه.
وروى حماد بن سلمة عن داود ابن أبي هند، عن الشعبي أن عكرمة ابن أبي جهل لما تزوج قتيلة أراد أبو بكر أن يضرب عنقه، فراجعه عمر بن الخطاب فقال: إن رسول الله ﷺ لم يدخل بها، وأنها ارتدت مع أخيها فبرئت من الله ورسوله، فلم يزل به حتى كف عنه.
قال الحاكم وزاد أبو عبيدة في العدد: فاطمة بنت شريح، وسبأ بنت أسماء بن الصلت السلمية.
هكذا روى ذلك ابن عساكر من طريق ابن منده بسنده عن قتادة فذكره.
وقال محمد بن سعد عن ابن الكلبي مثل ذلك.
قال ابن سعد: وهي سبأ.
قال ابن عساكر: ويقال: سبأ بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن سماك بن عوف السلمي.
قال ابن سعد: وأخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، حدثني العرزمي عن نافع، عن ابن عمر قال: كان في نساء رسول الله ﷺ سبأ بنت سفيان بن عوف بن كعب ابن أبي بكر بن كلاب.
وقال ابن عمر: إن رسول الله بعث أبا أسيد يخطب عليه امرأة من بني عامر يقال لها: عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رواس بن كلاب، فتزوجها فبلغه أن بها بياضا فطلقها.
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: حدثني أبو معشر قال: تزوج رسول الله مليكة بنت كعب وكانت تذكر بجمال بارع فدخلت عليها عائشة فقالت: ألا تستحين أن تنكحي قاتل أبيك؟ فاستعاذت منه، فطلقها.
فجاء قومها فقالوا: يا رسول الله إنها صغيرة، ولا أرى لها وإنها خدعت فارتجعها، فأبى فاستأذنوه أن يزوجوها بقريب لها من بني عذرة، فأذن لهم.
قال: وكان أبوها قد قتله خالد بن الوليد يوم الفتح.
قال الواقدي: وحدثني عبد العزيز الجندعي عن أبيه، عن عطاء بن يزيد قال: دخل بها رسول الله في رمضان سنة ثمان وماتت عنده.
قال الواقدي: وأصحابنا ينكرون ذلك.
وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: أنبأنا يوسف بن عبد الواحد الماهاني، أنبأنا شجاع علي بن شجاع، أنبأنا أبو عبد الله بن منده، أنبأنا الحسن بن محمد بن حكيم المروزي، ثنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه الفزاري، أنبأنا عبد الله بن عثمان، أنبأنا عبد الله بن المبارك، أنبأنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري قال: تزوج رسول الله ﷺ خديجة بنت خويلد بن أسد بمكة وكانت قبله تحت عقيق بن عائذ المخزومي، ثم تزوج بمكة عائشة بنت أبي بكر، ثم تزوج بالمدينة حفصة بنت عمر وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي، ثم تزوج سودة بنت زمعة وكانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي بني عامر بن لؤي، ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش الأسدي أحد بني خزيمة، ثم تزوج أم سلمة بنت أبي أمية وكان اسمها هند وكانت قبله تحت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد العزى، ثم تزوج زينب بنت خزيمة الهلالية، وتزوج العالية بنت ظبيان من بني بكر بن عمرو بن كلاب، وتزوج امرأة من بني الجون من كندة، وسبى جويرية - في الغزوة التي هدم فيها مناة غزوة المريسيع - ابنة الحارث ابن أبي ضرار من بني المصطلق من خزاعة، وسبى صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير، وكانتا مما أفاء الله عليه فقسمهما له، واستسر مارية القبطية فولدت له إبراهيم، واستسر ريحانة من بني قريظة ثم أعتقها فلحقت بأهلها واحتجبت وهي عند أهلها، وطلق رسول الله ﷺ العالية بنت ظبيان، وفارق أخت بني عمرو بن كلاب، وفارق أخت بني الجون الكندية من أجل بياض كان بها، وتوفيت زينب بنت خزيمة الهلالية ورسول الله ﷺ حي، وبلغنا أن العالية بنت ظبيان التي طلقت تزوجت قبل أن يحرم الله النساء، فنكحت ابن عم لها من قومها وولدت فيهم.
سقناه بالسند لغرابة ما فيه من ذكره تزويج سودة بالمدينة، والصحيح أنه كان بمكة قبل الهجرة كما قدمناه، والله أعلم.
قال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: فماتت خديجة بنت خويلد قبل أن يهاجر رسول الله ﷺ بثلاث سنين لم يتزوج عليها امرأة حتى ماتت هي وأبو طالب في سنة، فتزوج رسول الله ﷺ بعد خديجة سودة بنت زمعة، ثم تزوج بعد سودة عائشة بنت أبي بكر لم يتزوج بكرا غيرها ولم يصب منها ولدا حتى مات، ثم تزوج بعد عائشة حفصة بنت عمر، ثم تزوج بعد حفصة زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين، ثم تزوج بعدها أم حبيبة بنت أبي سفيان، ثم تزوج بعدها أم سلمة هند بنت أبي أمية، ثم تزوج بعدها زينب بنت جحش، ثم تزوج بعدها جويرية بنت الحارث ابن أبي ضرار قال: ثم تزوج بعد جوهرية صفية بنت حيي بن أخطب، ثم تزوج بعدها ميمونة بنت الحارث الهلالية.
فهذا الترتيب أحسن وأقرب مما رتبه الزهري، والله أعلم.
وقال يونس بن بكير عن أبي يحيى، عن حميل بن زيد الطائي، عن سهل بن زيد الأنصاري قال: تزوج رسول الله ﷺ امرأة من بني غفار فدخل بها، فأمرها فنزعت ثوبها فرأى بها بياضا من برص عند ثدييها، فانماز رسول الله ﷺ وقال: «خذي ثوبك».
وأصبح فقال لها: «إلحقي بأهلك» فأكمل لها صداقها.
وقد رواه أبو نعيم من حديث حميل بن زيد عن سهل بن زيد الأنصاري، وكان ممن رأى النبي ﷺ قال: تزوج رسول الله ﷺ امرأة من غفار، فذكر مثله.
قلت: وممن تزوجها ﷺ ولم يدخل بها أم شريك الأزدية.
قال الواقدي: والمثبت أنها دوسية وقيل: الأنصارية، ويقال: عامرية وأنها خولة بنت حكيم السلمي.
وقال الواقدي: اسمها: غزية بنت جابر بن حكيم.
قال محمد بن إسحاق عن حكيم بن حكيم، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه قال: كان جميع ما تزوج رسول الله ﷺ خمس عشرة امرأة منهن: أم شريك الأنصارية، وهبت نفسها للنبي ﷺ.
وقال سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة: وتزوج أم شريك الأنصارية من بني النجار.
وقال: «إني أحب أن أتزوج من الأنصار ولكني أكره غيرتهن» ولم يدخل بها.
وقال ابن إسحاق عن حكيم، عن محمد بن علي، عن أبيه قال: تزوج ﷺ ليلى بنت الخطيم الأنصارية، وكانت غيورا فخافت نفسها عليه فاستقالته فأقالها.