البداية والنهاية/الجزء الخامس/سنة عشر من الهجرة باب بعث رسول الله خالد بن الوليد
قال ابن إسحاق: ثم بعث رسول الله ﷺ خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر، أو جمادى الأولى سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران؛ وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا، فإن استجابوا فاقبل منهم، وإن لم يفعلوا فقاتلهم.
فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام، ويقولون: أيها الناس أسلموا تسلموا، فأسلم الناس، ودخلوا فيما دعوا إليه، فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام، وكتاب الله وسنة نبيه ﷺ كما أمره رسول الله إن هم أسلموا ولم يقاتلوا، ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول الله ﷺ:
بسم الله الرحمن الرحيم، لمحمد النبي رسول الله من خالد بن الوليد: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام، وأن أدعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا قبلت منهم، وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه، وإن لم يسلموا قاتلتهم، وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله، وبعثت فيهم ركبانا قالوا: يا بني الحارث أسلموا تسلموا، فأسلموا ولم يقاتلوا، وأنا مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم الله به، وأنهاهم عما نهاهم الله عنه، وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي ﷺ حتى يكتب إلي رسول الله ﷺ، والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
فكتب إليه رسول الله ﷺ: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن قد هداهم الله بهداه فبشرهم وأنذرهم وأقبل، وليقبل معك وفدهم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته».
فأقبل خالد إلى رسول الله ﷺ، وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب، منهم: قيس بن الحصين ذو الغصة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجل، وعبد الله بن قراد الزيادي، وشداد بن عبيد الله القناني، وعمرو بن عبد الله الضبابي، فلما قدموا على رسول الله ﷺ ورآهم، قال: «من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند؟»
قيل: يا رسول الله هؤلاء بنوالحارث بن كعب، فلما وقفوا على رسول الله ﷺ سلموا عليه، وقالوا: نشهد أنك رسول الله، وأنه لا إله إلا الله.
فقال رسول الله ﷺ: «وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله».
ثم قال: «أنتم الذين إذا زجروا استقدموا».
فسكتوا فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الثانية ثم الثالثة، فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الرابعة قال يزيد بن عبد المدان: نعم يا رسول الله!نحن الذين إذا زجروا استقدموا، قالها أربع مرات.
فقال رسول الله ﷺ: «لو أن خالدا لم يكتب إلي أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا، لألقيت رؤسكم تحت أقدامكم».
فقال يزيد بن عبد المدان: أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالدا.
قال: «فمن حمدتم؟»
قالوا: حمدنا الله الذي هدانا بك يا رسول الله.
فقال رسول الله ﷺ: «صدقتم».
ثم قال: «بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟».
قالوا: لم نك نغلب أحدا.
قال: «بلى قدكنتم تغلبون من قاتلكم».
قالوا: كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله، إنا كنا نجتمع ولا نتفرق ولا نبدأ أحدا بظلم.
قال: «صدقتم».
ثم أمر عليهم قيس بن الحصين.
قال ابن إسحاق: ثم رجعوا إلى قومهم، في بقية شوال أو في صدر ذي القعدة، قال: ثم بعث إليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم ليفقههم في الدين، ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم، وكتب له كتابا عهد إليه فيه عهده وأمره أمره.
ثم أورده ابن إسحاق، وقد قدمناه في وفد ملوك حمير من طريق البيهقي، وقد رواه النسائي نظير ما ساقه محمد بن إسحاق بغير إسناد.