البداية والنهاية/الجزء الخامس/ذكر رميه عليه السلام جمرة العقبة وحدها يوم النحر
وكيف رماها، ومتى رماها، ومن أي موضع رماها، وبكم رماها، وقطعة التلبية حين رماها.
قد تقدم من حديث أسامة والفضل وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أنه عليه السلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة.
وقال البيهقي: أنبأنا الإمام أبو عثمان، أنبانا أبو طاهر ابن خزيمة، أنبأنا جدي - يعني: إمام الأئمة محمد بن اسحاق بن خزيمة -، ثنا علي بن حجر، ثنا شريك عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: رمقت النبي ﷺ فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة.
وبه عن ابن خزيمة، ثنا عمر بن حفص الشيباني، ثنا حفص بن غياث، ثنا جعفر بن محمد عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس، عن الفضل قال: أفضت مع رسول الله من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة.
قال البيهقي: وهذه زيادة غريبة ليست في الروايات المشهورة عن ابن عباس عن الفضل، وإن كان ابن خزيمة قد اختارها.
وقال محمد بن اسحاق: حدثني أبان بن صالح عن عكرمة قال: أفضت مع الحسين بن علي، فما أزال أسمعه يلبي حتى رمى جمرة العقبة، فلما قذفها أمسك.
فقلت: ما هذا؟
فقال: رأيت أبي علي ابن أبي طالب يلبي حتى رمى جمرة العقبة، وأخبرني أن رسول الله ﷺ كان يفعل ذلك.
وتقدم من حديث الليث عن أبي الزبير، عن أبي معبد، عن ابن عباس، عن أخيه الفضل أن النبي ﷺ أمر الناس في وادي محسر بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة.
رواه مسلم.
وقال أبو العالية عن ابن عباس: حدثني الفضل قال: قال لي رسول الله ﷺ غداة يوم النحر: «هات فالقط لي حصا» فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف، فوضعهن في يده فقال: «بأمثال هؤلاء، بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين».
رواه البيهقي.
وقال جابر في حديثه: حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي.
رواه مسلم.
وقال البخاري: وقال جابر رضي الله عنه: رمى النبي ﷺ الجمرة يوم النحر ضحى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال.
وهذا الحديث الذي علقه البخاري أسنده مسلم من حديث ابن جريج، أخبرني أبو الزبير سمع جابرا قال: رمى رسول الله ﷺ الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس.
وفي الصحيحين من حديث الأعمش عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: رمى عبد الله من بطن الوادي.
فقلت: يا أبا عبد الرحمن إن ناسا يرمونها من فوقها.
فقال: والذي لا إله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
لفظ البخاري.
وفي لفظ له من حديث شعبة عن الحكم، عن ابراهيم، عن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود: أنه أتى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى بسبع.
وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
ثم قال البخاري - باب من رمى الجمار بسبع يكبر مع كل حصاة - قاله ابن عمر عن النبي ﷺ: وهذا إنما يعرف في حديث جابر من طريق جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر كما تقدم أنه أتى الجمرة، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف.
وقد روى البخاري في هذه الترجمة من حديث الأعمش عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم قال: من هاهنا والذي لا إله غيره قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
وروى مسلم من حديث ابن جريج: أخبرني أبو الزبير سمع جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله يرمي الجمرة بسبع مثل حصى الخذف.
وقال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن زكريا، ثنا حجاج عن الحكم، عن أبي القاسم - يعني: مقسما -، عن ابن عباس أن النبي ﷺ رمى الجمرة جمرة العقبة يوم النحر راكبا.
ورواه الترمذي عن أحمد بن منيع، عن يحيى ابن زكريا ابن أبي زائدة، وقال: حسن.
وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن أبي خالد الأحمر، عن الحجاج بن أرطاة به.
وقد روى أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والبيهقي من حديث يزيد بن زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أمه أم جندب الأزدية قالت: رأيت رسول الله ﷺ يرمي الجمار من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة، ورجل من خلفه يستره، فسألت عن الرجل فقالوا: الفضل بن عباس، فازدحم الناس فقال النبي ﷺ: «يا أيها الناس، لا يقتل بعضكم بعضا، وإذا رميتم الجمرة فارموه بمثل حصى الخذف».
لفظ أبي داود.
وفي رواية له: قالت: رأيته عند جمرة العقبة راكبا، ورأيت بين أصابعه حجرا فرمى، ورمى الناس ولم يقم عندها.
ولابن ماجه قالت: رأيت رسول الله ﷺ يوم النحر عند جمرة العقبة وهو راكب على بغلة. ذكر الحديث.
وذكر البغلة هاهنا غريب جدا.
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج: أخبرني أبو الزبير سمعت جابر بن عبد الله يقول: رأيت رسول الله ﷺ يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول: «لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه».
وروى مسلم أيضا من حديث زيد ابن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين، عن جدته أم الحصين سمعتها تقول: حججت مع رسول الله ﷺ حجة الوداع، فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته يوم النحر وهو يقول: «لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه».
وفي رواية: قالت: حججت مع رسول الله حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالا، أحدهما: آخذ بخطام ناقة النبي ﷺ، والآخر: رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة.
وقال الإمام أحمد: ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، ثنا أيمن بن نابل، ثنا قدامة بن عبد الله الكلابي أنه رأى رسول الله ﷺ رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك.
ورواه أحمد أيضا عن وكيع، ومعتمر ابن سليمان، وأبي قرة موسى بن طارق الزبيدي، ثلاثتهم عن أيمن بن نائل به.
ورواه أيضا عن أبي قرة، عن سفيان الثوري، عن أيمن.
وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث وكيع به.
ورواه الترمذي عن أحمد بن منيع، عن مروان بن معاوية، عن أيمن بن نابل به، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقال الإمام أحمد: ثنا نوح بن ميمون، ثنا عبد الله - يعني: العمري - عن نافع قال: كان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر، وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا، وزعم أن النبي ﷺ كان لا يأتيها إلا ماشيا ذاهبا وراجعا.
ورواه أبو داود عن القعنبي، عن عبد الله العمري به.