البداية والنهاية/الجزء الخامس/كتاب حجة الوداع في سنة عشر
ويقال لها: حجة البلاغ، وحجة الإسلام، وحجة الوداع.
لأنه عليه الصلاة والسلام ودع الناس فيها ولم يحج بعدها.
وسميت: حجة الإسلام، لأنه عليه السلام لم يحج من المدينة غيرها، ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها، وقد قيل: إن فريضة الحج نزلت عامئذ، وقيل: سنة تسع، وقيل: سنة ست، وقيل: قبل الهجرة، وهو غريب.
وسميت حجة البلاغ، لأنه عليه السلام بلغ الناس شرع الله في الحج قولا وفعلا، ولم يكن بقي من دعائم الإسلام وقواعده شيء إلا وقد بينه عليه السلام، فلما بين لهم شريعة الحج ووضحه وشرحه، أنزل الله عز وجل عليه وهو واقف بعرفة: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } [المائدة: 3] .
وسيأتي إيضاح لهذا كله.
والمقصود: ذكر حجته عليه السلام كيف كانت، فإن النقلة اختلفوا فيها اختلافا كثيرا جدا، بحسب ما وصل إلى كل منهم من العلم، وتفاوتوا في ذلك تفاوتا كثيرا، لا سيما من بعد الصحابة رضي الله عنهم ونحن نورد بحمد الله وعونه وحسن توفيقه ما ذكره الأئمة في كتبهم من هذه الروايات، ونجمع بينهما جمعا يثلج قلب من تأمله وأنعم النظر فيه، وجمع بين طريقتي الحديث وفهم معانيه، إن شاء الله، وبالله الثقة، وعليه التكلان.
وقد اعتنى الناس بحجة رسول الله ﷺ اعتناء كثيرا من قدماء الأئمة ومتأخريهم، وقد صنف العلامة أبو محمد ابن حزم الأندلسي رحمه الله مجلدا في حجة الوداع، أجاد في أكثره، ووقع له فيه أوهام سننبه عليها في مواضعها، وبالله المستعان.