البداية والنهاية/الجزء الخامس/فصل صلاته صلى الله عليه وسلم بالأبطح الصبح وهو يوم التروية
فأقام عليه السلام بالأبطح كما قدمنا يوم الأحد، ويوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، وقد حل الناس إلا من ساق الهدي، وقدم في هذه الأيام علي ابن أبي طالب من اليمن بمن معه من المسلمين، وما معه من الأموال، ولم يعد عليه السلام إلى الكعبة بعد ما طاف بها، فلما أصبح عليه السلام يوم الخميس صلى بالأبطح الصبح من يومئذ، وهو يوم التروية، ويقال له: يوم منى لأنه يسار فيه إليها.
وقد روي أن النبي ﷺ خطب قبل هذا اليوم ويقال للذي قبله فيما رأيته في بعض التعاليق: يوم الزينة، لأنه يزين فيه البدن بالجلال ونحوها، فالله أعلم.
قال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أحمد بن محمد بن جعفر الجلودي، ثنا محمد بن إسماعيل بن مهران، ثنا محمد بن يوسف، ثنا أبو قرة عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله ﷺ إذا خطب يوم التروية، خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم، فركب عليه السلام قاصدا إلى منى قبل الزوال، وقيل: بعده، وأحرم الذين كانوا قد حلوا بالحج من الأبطح حين توجهوا إلى منى، وانبعثت رواحلهم نحوها.
قال عبد الملك عن عطاء، عن جابر بن عبد الله: قدمنا مع رسول الله ﷺ فأحللنا حتى كان يوم التروية، وجعلنا مكة منا بظهر، لبينا بالحج.
ذكره البخاري تعليقا مجزوما.
وقال مسلم: ثنا محمد بن حاتم، ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير عن جابر قال: أمرنا رسول الله ﷺ لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى.
قال: وأهللنا من الأبطح.
وقال عبيد بن جريج لابن عمر: رأيتك اذا كنت بمكة أهل الناس اذا رأوا الهلال، ولم تهل أنت حتى يوم التروية.
فقال: لم أر النبي ﷺ يهل حتى تنبعث به راحلته.
رواه البخاري في جملة حديث طويل.
قال البخاري: وسئل عطاء عن المجاوز منى يلبي بالحج؟
فقال: كان ابن عمر يلبي يوم التروية إذا صلى الظهر واستوى على راحلته.
قلت: هكذا كان ابن عمر يصنع إذا حج معتمرا، يحل من العمرة، فإذا كان يوم التروية لا يلبي حتى تنبعث به راحلته متوجها إلى منى، كما أحرم رسول الله ﷺ من ذي الحليفة بعد ما صلى الظهر، وانبعثت به راحلته، لكن يوم التروية لم يصل النبي ﷺ الظهر بالأبطح، وإنما صلاها يومئذ بمنى، وهذا مما لا نزاع فيه.
قال البخاري باب أين يصلي الظهر يوم التروية: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا إسحاق الأزرق، ثنا سفيان عن عبد العزيز بن رفيع قال: سألت أنس بن مالك قال: قلت: أخبرني بشيء علقت من رسول الله ﷺ أين صلى الظهر والعصر يوم التروية؟
قال: بمنى.
قلت: فأين صلى العصر يوم النفر؟
قال: بالأبطح.
ثم قال: إفعل كما يفعل أمراؤك.
وقد أخرجه بقية الجماعة، إلا ابن ماجه من طرق عن إسحاق بن يوسف الأزرق، عن سفيان الثوري به.
وكذلك رواه الإمام أحمد عن إسحاق بن يوسف الأزرق به.
وقال الترمذي: حسن صحيح يستغرب من حديث الأزرق عن الثوري.
ثم قال البخاري: أنبأنا علي سمع أبا بكر ابن عياش، ثنا عبد العزيز بن رفيع قال: لقيت أنس بن مالك، وحدثني إسماعيل بن أبان، ثنا أبو بكر ابن عياش عن عبد العزيز قال: خرجت إلى منى يوم التروية فلقيت أنسا ذاهبا على حمار، فقلت: أين صلى النبي ﷺ هذا اليوم الظهر؟
فقال: انظر حيث صلى أمراؤك فصلي.
وقال أحمد: ثنا أسود بن عامر، ثنا أبو كدينة عن الأعمش، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ صلى خمس صلوات بمنى.
وقال أحمد أيضا: حدثنا أسود بن عامر، ثنا أبو محياة يحيى بن يعلى التيمي عن الأعمش، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أن النبي ﷺ صلى الظهر يوم التروية بمنى، وصلى الغداة يوم عرفة بها.
وقد رواه أبو داود عن زهير بن حرب، عن أحوص، عن جواب، عن عمار بن رزيق، عن سليمان بن مهران الأعمش به، ولفظه: صلى رسول الله ﷺ الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى.
وأخرجه الترمذي عن الأشج، عن عبد الله بن الأجلح، عن الأعمش بمعناه، وقال: ليس هذا مما عده شعبة فيما سمعه الحكم عن مقسم.
وقال الترمذي: ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا عبد الله بن الأجلح عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس قال: صلى بنا رسول الله بمنى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم غدا إلى عرفات.
ثم قال: وإسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه، وفي الباب عن عبد الله بن الزبير، وأنس ابن مالك.
وقال الإمام أحمد عمن رأى النبي ﷺ: أنه راح إلى منى يوم التروية وإلى جانبه بلال بيده عود عليه ثوب يظلل به رسول الله ﷺ يعني: من الحر، تفرد به أحمد.
وقد نص الشافعي على أنه عليه السلام ركب من الأبطح إلى منى بعد الزوال، ولكنه إنما صلى الظهر بمنى، فقد يستدل له بهذا الحديث والله أعلم.
وتقدم في حديث جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر قال: فحل الناس كلهم، وقصروا، إلا النبي ﷺ ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله ﷺ فصلى بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة له من شعر فضربت له بنمرة، فسار رسول الله ﷺ ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله ﷺ حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، وكان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، واتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحد تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟»
قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت، ونصحت.
فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها على الناس: «اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات».
وقال أبو عبد الرحمن النسائي: أنبأنا علي بن حجر عن مغيرة، عن موسى بن زياد بن حذيم بن عمرو السعدي، عن أبيه، عن جده قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع: «إعلموا أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، كحرمة شهركم هذا، كحرمة بلدكم هذا».
وقال أبو داود - باب الخطبة على المنبر بعرفة -: حدثنا هناد عن ابن أبي زائدة، ثنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم، عن رجل من بني ضمرة، عن أبيه أو عمه قال: رأيت رسول الله ﷺ وهو على المنبر بعرفة.
وهذا الإسناد ضعيف، لأن فيه رجلا مبهما.
ثم تقدم في حديث جابر الطويل أنه عليه السلام خطب على ناقته القصواء.
ثم قال أبو داود: ثنا مسدد، ثنا عبد الله بن داود عن سلمة بن نبيط، عن رجل من الحي، عن أبيه نبيط، أنه رأى رسول الله ﷺ واقف بعرفة على بعير أحمر يخطب.
وهذا فيه مبهم أيضا، ولكن حديث جابر شاهد له.
ثم قال أبو داود: حدثنا هناد بن السري، وعثمان ابن أبي شيبة قالا: ثنا وكيع عن عبد المجيد ابن أبي عمرو قال: حدثني العداء بن خالد بن هوذة وقال هناد عن عبد المجيد: حدثني خالد بن العداء بن هوذة قال: رأيت رسول الله ﷺ يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائما في الركابين.
قال أبو داود: رواه ابن العلاء عن وكيع، كما قال هناد، وحدثنا عباس بن عبد العظيم، ثنا عثمان بن عمر، ثنا عبد المجيد أبو عمرو عن العداء بن خالد بمعناه.
وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله ﷺ يخطب بعرفات: «من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل للمحرم».
وقال محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال: كان الرجل الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله - وهو بعرفة -: ربيعة بن أمية بن خلف.
قال: يقول له رسول الله ﷺ: «قل: أيها الناس إن رسول الله يقول: هل تدرون أي شهر هذا؟»
فيقولون: الشهر الحرام.
فيقول: «قل لهم: إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة شهركم هذا».
ثم يقول: «قل: أيها الناس إن رسول الله يقول: هل تدرون أي بلد هذا؟» وذكر تمام الحديث.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني ليث ابن أبي سليم عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن خارجة قال: بعثني عتاب بن أسيد إلى رسول الله ﷺ وهو واقف بعرفة في حاجة فبلغته، ثم وقفت تحت ناقته وإن لعابها ليقع على رأسي، فسمعته يقول: «أيها الناس إن الله أدى إلى كل ذي حق حقه، وإنه لا تجوز وصية لوارث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، ومن ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله له صرفا ولا عدلا».
ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث قتادة عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن عمرو بن خارجة به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
قلت: وفيه اختلاف على قتادة، والله أعلم.
وسنذكر الخطبة التي خطبها عليه السلام بعد هذه الخطبة يوم النحر وما فيها من الحكم والمواعظ والتفاصيل، والآداب النبوية، إن شاء الله.
قال البخاري - باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة -: حدثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك عن محمد ابن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك - وهما غاديان من منى إلى عرفة - كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله ﷺ؟
فقال: كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه.
وأخرجه مسلم من حديث مالك، وموسى بن عقبة، كلاهما عن محمد ابن أبي بكر ابن عوف بن رباح الثقفي الحجازي، عن أنس به.
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن مسلمة، ثنا مالك عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج بن يوسف: أن يأتم بعبد الله بن عمر في الحج، فلما كان يوم عرفة جاء ابن عمر وأنا معه حين زاغت الشمس - أو زالت الشمس - فصاح عند فسطاطه: أين هذا؟
فخرج إليه.
فقال ابن عمر: الرواح.
فقال: الآن؟
قال: نعم!
فقال: أنظرني حتى أفيض علي ماء.
فنزل ابن عمر حتى خرج فسار بيني وبين أبي فقلت: إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فأقصر الخطبة وعجل الوقوف.
فقال ابن عمر: صدق.
ورواه البخاري أيضا عن القعنبي، عن مالك.
وأخرجه النسائي من حديث أشهب، وابن وهب عن مالك.
ثم قال البخاري بعد روايته هذا الحديث: وقال الليث: حدثني عقيل عن ابن شهاب، عن سالم أن الحجاج عام نزل بابن الزبير سأل عبد الله: كيف تصنع في هذا الموقف؟
فقال: إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة.
فقال ابن عمر: صدق، إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة.
فقلت لسالم: أفعل ذلك رسول الله ﷺ؟
فقال: هل تبتغون بذلك إلا سنة.
وقال أبو داود: ثنا أحمد بن حنبل، ثنا يعقوب، ثنا أبي عوف عن ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ غدا من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة فنزل بنمرة، وهي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة، حتى اذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله ﷺ مهجرا، فجمع بين الظهر والعصر.
وهكذا ذكر جابر في حديثه بعد ما أورد الخطبة المتقدمة قال: ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا، وهذا يقتضي أنه عليه السلام خطب أولا، ثم أقيمت الصلاة، ولم يتعرض للخطبة الثانية.
وقد قال الشافعي: أنبأنا إبراهيم بن محمد وغيره عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وعن جابر في حجة الوداع قال: فراح النبي ﷺ إلى الموقف بعرفة، فخطب الناس الخطبة الأولى، ثم أذن بلال، ثم أخذ النبي ﷺ في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الأذان، ثم أقام بلال فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر.
قال البيهقي: تفرد به إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى.
قال مسلم عن جابر: ثم ركب رسول الله ﷺ حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة.
وقال البخاري: ثنا يحيى بن سليمان عن ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير، عن كريب، عن ميمونة أن الناس شكوا في صيام النبي ﷺ، فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه، والناس ينظرون.
وأخرجه مسلم عن هارون بن سعيد الإيلي، عن ابن وهب به.
وقال البخاري: أنبأنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك عن النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن عمير مولى ابن عباس، عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي ﷺ فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه.
ورواه مسلم من حديث مالك أيضا، وأخرجاه من طرق أخر عن أبي النضر به.
قلت: أم الفضل هي: أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، وقصتهما واحدة، والله أعلم.
وصح إسناد الإرسال إليها أنه من عندها، اللهم إلا أن يكون بعد ذلك، أو تعدد الإرسال من هذه ومن هذه، والله أعلم.
وقال الإمام أحمد: ثنا إسماعيل، ثنا أيوب قال: لا أدري أسمعته من سعيد بن جبير، أم عن بنيه عنه قال: أتيت على ابن عباس وهو بعرفة، وهو يأكل رمانا، وقال: أفطر رسول الله ﷺ بعرفة، وبعثت إليه أم الفضل بلبن فشربه.
وقال أحمد: ثنا وكيع، ثنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التؤمة، عن ابن عباس أنهم تماروا في صوم النبي ﷺ يوم عرفة، فأرسلت أم فضل إلى رسول الله بلبن فشربه.
وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق وأبو بكر قالا: أنبأنا ابن جريج قال: قال عطاء: دعا عبد الله بن عباس الفضل بن عباس إلى الطعام يوم عرفة.
فقال: إني صائم.
فقال عبد الله: لا تصم، فإن رسول الله قرب إليه حلاب فيه لبن يوم عرفة فشرب منه، فلا تصم فإن الناس مستنون بكم.
وقال ابن بكير وروح: إن الناس يستنون بكم.
وقال البخاري: ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: بينا رجل واقف مع النبي ﷺ بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال: فأوقصته.
فقال النبي ﷺ: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيبا، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا».
ورواه مسلم عن أبي الربيع الزهراني، عن حماد بن زيد.
وقال النسائي: أنبأنا إسحاق بن إبراهيم - هو: ابن راهويه -، أخبرنا وكيع، أنبأنا سفيان الثوري عن بكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: شهدت رسول الله ﷺ بعرفة، وأتاه أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج فقال رسول الله ﷺ: «الحج عرفة، فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه».
وقد رواه بقية أصحاب السنن من حديث سفيان الثوري، زاد النسائي وشعبة عن بكير بن عطاء به.
وقال النسائي: أنبأنا قتيبة، أنبأنا سفيان عن عمرو بن دينار، أخبرني: عمرو بن عبد الله بن صفوان أن يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفا بعرفة مكانا بعيدا من الموقف، فأتانا ابن مربع الأنصاري فقال: إني رسول رسول الله إليكم يقول لكم: «كونوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم».
وقد رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ولا نعرفه إلا من حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار وابن مربع، اسمه زيد بن مربع الأنصاري، وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد.
قال: وفي الباب عن علي، وعائشة، وجبير بن مطعم، والشريد بن سويد.
وقد تقدم من رواية مسلم عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر أن رسول الله ﷺ قال: «وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف».
زاد مالك في موطئه: «وارفعوا عن بطن عرفة».