البداية والنهاية/الجزء الخامس/ذكر طوافه صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة
روى مسلم في صحيحه عن جابر في حديثه الطويل المتقدم بعد ذكره طوافه عليه السلام بالبيت سبعا، وصلاته عند المقام ركعتين قال: ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: { إن الصفا والمروة من شعائر الله } أبدأ بما بدأ الله به».
فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره وقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده».
ثم دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة، فرقي عليها حتى نظر إلى البيت، فقال عليها كما قال على الصفا.
وقال الإمام أحمد: ثنا عمر بن هارون البلخي أبو حفص، ثنا ابن جريج عن بعض بني يعلى بن أمية، عن أبيه قال: رأيت النبي ﷺ مضطبعا بين الصفا والمروة ببرد له نجراني.
وقال الإمام أحمد: ثنا يونس، ثنا عبد الله بن المؤمل عن عمر بن عبد الرحمن، ثنا عطية عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت: دخلت دار حصين في نسوة من قريش، والنبي ﷺ يطوف بين الصفا والمروة قالت: وهو يسعى يدور به إزاره من شدة السعي، وهو يقول لأصحابه: «اسعوا إن الله كتب عليكم السعي».
وقال أحمد أيضا: ثنا شريح، ثنا عبد الله بن المؤمل، ثنا عطاء ابن أبي رباح عن صفية بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت: رأيت النبي ﷺ يطوف بين الصفا والمروة، والناس بين يديه وهو وراءهم، وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يكور به إزاره وهو يقول: «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي».
تفرد به أحمد.
وقد رواه أحمد أيضا عن عبد الرزاق، عن معمر، عن واصل مولى أبي عيينة، عن موسى بن عبيدة، عن صفية بنت شيبة أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي ﷺ بين الصفا والمروة يقول: «كتب عليكم السعي فاسعوا».
وهذه المرأة هي: حبيبة بنت أبي تجراة، المصرح بذكرها في الإسنادين الأولين.
وعن أم ولد شيبة بن عثمان أنها أبصرت النبي ﷺ وهو يسعى بين الصفا والمروة، وهو يقول: «لا يقطع الأبطح إلا شدا». رواه النسائي.
والمراد بالسعي هاهنا هو: الذهاب من الصفا إلى المروة ومنها إليها، وليس المراد بالسعي ههنا الهرولة والإسراع، فإن الله لم يكتبه علينا حتما، بل لو مشى الانسان على هينة في السبع الطوافات بينهما، ولم يرمل في المسير، أجزأه ذلك عند جماعة العلماء لا نعرف بينهم اختلافا في ذلك.
وقد نقله الترمذي رحمه الله عن أهل العلم.
ثم قال: ثنا يوسف بن عيسى، ثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب، عن كثير بن جهمان قال: رأيت ابن عمر يمشي في المسعى فقلت: أتمشي في السعي بين الصفا والمروة؟
فقال: لئن سعيت فقد رأيت رسول الله ﷺ يسعى، ولئن مشيت لقد رأيت رسول الله ﷺ يمشي، وأنا شيخ كبير.
ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس نحو هذا.
وقد رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث عطاء بن السائب عن كثير بن جهمان السلمي الكوفي، عن ابن عمر.
فقول ابن عمر: أنه شاهد الحالين منه ﷺ يحتمل شيئين:
أحدهما: أنه رآه يسعى في وقت ماشيالم يمزجه برمل فيه بالكلية.
والثاني: أنه رآه يسعى في بعض الطريق، ويمشي في بعضه، وهذا له قوة لأنه قد روى البخاري ومسلم من حديث عبيد الله بن عمر العمري عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة.
وتقدم في حديث جابر أنه عليه السلام نزل من الصفا، فلما انصبت قدماه في الوادي، رمل حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة.
وهذا هو الذي تستحبه العلماء قاطبة أن الساعي بين الصفا والمروة، - وتقدم في حديث جابر - يستحب له أن يرمل في بطن الوادي في كل طوافه في بطن المسيل الذي بينهما، وحددوا ذلك بما بين الأميال الخضر فواحد مفرد من ناحية الصفا مما يلي المسجد، واثنان مجتمعان من ناحية المروة مما يلي المسجد أيضا.
وقال بعض العلماء: ما بين هذه الأميال اليوم أوسع من بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله ﷺ، فالله أعلم.
وأما قول محمد بن حزم في الكتاب الذي جمعه في حجة الوداع: ثم خرج عليه السلام إلى الصفا فقرأ: { إن الصفا والمروة من شعائر الله } أبدأ بما بدأ الله به، فطاف بين الصفا والمروة أيضا سبعا راكبا على بعير يخب ثلاثا، ويمشي أربعا، فإنه لم يتابع على هذا القول، ولم يتفوه به أحد قبله من أنه عليه السلام خب ثلاثة أشواط بين الصفا والمروة ومشى أربعا، ثم مع هذا الغلط الفاحش لم يذكر عليه دليلا بالكلية، بل لما انتهى إلى موضع الاستدلال عليه قال: ولم نجد عدد الرمل بين الصفا والمروة منصوصا، ولكنه متفق عليه هذا لفظه.
فإن أراد بأن الرمل في الثلاث التطوافات الأول على ما ذكر متفق عليه فليس بصحيح، بل لم يقله أحد.
وإن أراد أن الرمل في الثلاث الأول في الجملة متفق عليه، فلا يجدي له شيئا ولا يحصل له شيئا مقصودا، فإنهم كما اتفقوا على الرمل في الثلاث الأول في بعضها على ما ذكرناه، كذلك اتفقوا على استحبابه في الأربع الأخر أيضا، فتخصيص ابن حزم الثلاث الأول باستحباب الرمل فيها مخالف لما ذكره العلماء، والله أعلم.
وأما قول ابن حزم: أنه عليه السلام كان راكبا بين الصفا والمروة.
فقد تقدم عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ كان يسعى بطن المسيل - أخرجاه -.
وللترمذي عنه: إن أسعى فقد رأيت رسول الله يسعى، وإن مشيت فقد رأيت رسول الله يمشي.
وقال جابر: فلما انصبت قدماه في الوادي رمل، حتى إذا صعد مشى - رواه مسلم -.
وقالت حبيبة بنت أبي مجراة: يسعى يدور به إزاره من شدة السعي - رواه أحمد -.
وفي صحيح مسلم عن جابر كما تقدم أنه رقي على الصفا حتى رأى البيت، وكذلك على المروة.
وقد قدمناه من حديث محمد بن إسحاق عن أبي جعفر الباقر، عن جابر أن رسول الله ﷺ أناخ بعيره على باب المسجد - يعني: حتى طاف -، ثم لم يذكر أنه ركبه حال ما خرج إلى الصفا، وهذا كله مما يقتضي أنه عليه السلام سعى بين الصفا والمروة ماشيا.
ولكن قال مسلم: ثنا عبد بن حميد، ثنا محمد - يعني: ابن بكر -، أنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: طاف النبي ﷺ في حجة الوداع على راحلته بالبيت، وبين الصفا والمروة على بعير ليراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه، ولم يطف النبي ﷺ ولا أصحابه بين الصفا والمروة، إلا طوافا واحدا.
ورواه مسلم أيضا عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن علي بن مسهر، وعن علي بن خشرم، عن عيسى بن يونس، وعن محمد بن حاتم، عن يحيى بن سعيد، كلهم عن ابن جريج به، وليس في بعضها: وبين الصفا والمروة.
وقد رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن سعيد القطان، عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: طاف النبي ﷺ في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة.
ورواه النسائي عن الفلاس، عن يحيى، وعن عمران بن يزيد عن سعيد بن إسحاق، كلاهما عن ابن جريج به.
فهذا محفوظ من حديث ابن جريج، وهو مشكل جدا، لأن بقية الروايات عن جابر وغيره تدل على أنه عليه السلام كان ماشيا بين الصفا والمروة، وقد تكون رواية أبي الزبير لهذه الزيادة، وهي قوله: وبين الصفا والمروة، مقحمة أو مدرجة ممن بعد الصحابي، والله أعلم.
أو أنه عليه السلام طاف بين الصفا والمروة بعض الطوفان على قدميه، وشوهد منه ما ذكر فلما ازدحم الناس عليه وكثروا، ركب كما يدل عليه حديث ابن عباس الآتي قريبا، وقد سلم ابن حزم أن طوافه الأول بالبيت كان ماشيا، وحمل ركوبه في الطواف على ما بعد ذلك، وادعى أنه كان راكبا في السعي بين الصفا والمروة قال: لأنه لم يطف بينهما الا مرة واحدة، ثم تأول قول جابر: حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل، بأنه لم يصدق ذلك وإن كان راكبا، فإنه إذا انصب بعيره فقد انصب كله، وانصبت قدماه مع سائر جسده.
قال: وكذلك ذكر الرمل - يعني به: رمل الدابة براكبها -، وهذا التأويل بعيد جدا، والله أعلم.
وقال أبو داود: ثنا أبو سلمة موسى، ثنا حماد، أنبأنا أبو عاصم الغنوي عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: يزعم قومك أن رسول الله ﷺ قد رمل بالبيت، وأن ذلك من سنته.
قال: صدقوا وكذبوا.
فقلت: ما صدقوا وما كذبوا؟
قال: صدقوا رمل رسول الله، وكذبوا ليس بسنة إن قريشا قالت زمن الحديبية: دعوا محمدا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف، فلما صالحوه على أن يحجوا العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام، فقدم رسول الله ﷺ والمشركون من قبل قعيقعان.
فقال رسول الله لأصحابه: «ارملوا بالبيت ثلاثا وليس بسنة».
قالت: يزعم قومك أن رسول الله طاف بين الصفا والمروة على بعير، وأن ذلك سنة.
قال: صدقوا وكذبوا.
قلت: ما صدقوا وما كذبوا.
قال: صدقوا، قد طاف رسول الله ﷺ بين الصفا والمروة على بعير، وكذبوا ليست بسنة، كان الناس لا يدفعون عن رسول الله ﷺ ولا يصرفون عنه، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه، وليروا مكانه، ولا تناله أيديهم.
هكذا رواه أبو داود.
وقد رواه مسلم عن أبي كامل، عن عبد الواحد بن زياد، عن الجريري، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس، فذكر فضل الطواف بالبيت بنحو ما تقدم.
ثم قال: قلت لابن عباس: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا، أسنة هو فإن قومك يزعمون أنه سنة؟
قال: صدقوا وكذبوا.
قلت: فما قولك: صدقوا وكذبوا؟
قال: إن رسول الله كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد، هذا محمد، حتى خرج العواتق من البيوت، وكان رسول الله لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثر عليه الناس ركب.
قال ابن عباس: والمشي والسعي أفضل.
هذا لفظ مسلم، وهو يقتضي أنه إنما ركب في أثناء الحال، وبه يحصل الجمع بين الأحاديث، والله أعلم.
وأما ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال: ثنا محمد بن رافع، ثنا يحيى بن آدم، ثنا زهير عن عبد الملك بن سعيد، عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: أراني قد رأيت رسول الله ﷺ.
قال: فصفه لي.
قلت: رأيته عند المروة على ناقة، وقد كثر الناس عليه.
فقال ابن عباس: ذاك رسول الله ﷺ إنهم كانوا لا يضربون عنه، ولا يكرهون.
فقد تفرد به مسلم، وليس فيه دلالة على أنه عليه السلام سعى بين الصفا والمروة راكبا إذ لم يقيد ذلك بحجة الوداع ولا غيرها، وبتقدير أن يكون ذلك في حجة الوداع، فمن الجائز أنه عليه السلام بعد فراغه من السعي وجلوسه على المروة، وخطبته الناس، وأمره إياهم من لم يسق الهدي منهم أن يفسخ الحج إلى العمرة، فحل الناس كلهم، إلا من ساق الهدي - كما تقدم في حديث جابر -، ثم بعد هذا كله أتى بناقته فركبها، وسار إلى منزله بالأبطح - كما سنذكره قريبا - وحينئذ رآه أبو الطفيل عامر بن واثلة البكري، وهو معدود في صغار الصحابة.
قلت: قد ذهب طائفة من العراقيين: كأبي حنيفة وأصحابه، والثوري، إلى أن القارن يطوف طوافين، ويسعى سعيين، وهو مروي عن علي وابن مسعود ومجاهد والشعبي.
ولهم أن يحتجوا بحديث جابر الطويل، ودلالة على أنه سعى بين الصفا والمروة ماشيا، وحديثه هذا أن النبي ﷺ سعى بينهما راكبا على تعداد الطواف بينهما مرة ماشيا، ومرة راكبا.
وقد روى سعيد بن منصور في سند عن علي رضي الله عنه أنه أهل بحجة وعمرة، فلما قدم مكة طاف بالبيت وبالصفا والمروة لعمرته، ثم عاد فطاف بالبيت وبالصفا والمروة لحجته، ثم أقام حراما إلى يوم النحر - هذا لفظه -.
ورواه أبو ذر الهروي في مناسكه عن علي أنه جمع بين الحج والعمرة، فطاف لهما طوافين، وسعى لهما سعيين وقال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ فعل.
وكذلك رواه البيهقي، والدارقطني، والنسائي في (خصائص علي) فقال البيهقي في سننه: أنبانا أبو بكر ابن الحارث الفقيه، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، أنبانا أبو محمد بن صاعد، ثنا محمد بن زنبور، ثنا فضيل بن عياض عن منصور، عن إبراهيم، عن مالك بن الحارث، أو منصور عن مالك بن الحارث، عن أبي نصر قال: لقيت عليا، وقد أهللت بالحج وأهل هو بالحج والعمرة.
فقلت: هل أستطيع أن أفعل كما فعلت؟
قال: ذلك لو كنت بدأت بالعمرة.
قلت: كيف أفعل إذا أردت ذلك؟
قال: تأخذ إداوة من ماء فتفيضها عليك، ثم تهل بهما جميعا، ثم تطوف لهما طوافين، وتسعى لهما سعيين، ولا يحل لك حرام دون يوم النحر.
قال منصور: فذكرت ذلك لمجاهد.
قال: ما كنا نفيء إلا بطواف واحد، فأما الآن فلا نفعل.
قال الحافظ البيهقي: وقد رواه سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وشعبة عن منصور فلم يذكر فيه السعي.
قال: وأبو نصر هذا مجهول، وإن صح فيحتمل أنه أراد طواف القدوم وطواف الزيارة.
قال: وقد روي بأسانيد أخر عن علي مرفوعا وموقوفا، ومدارها على الحسن بن عمارة، وحفص ابن أبي داود، وعيسى بن عبد الله، وحماد بن عبد الرحمن وكلهم ضعيف، لا يحتج بشيء مما رووه في ذلك، والله أعلم.
قلت: والمنقول في الأحاديث الصحاح خلاف ذلك، فقد قدمنا عن ابن عمر في صحيح البخاري أنه أهل بعمرة وأدخل عليها الحج فصار قارنا، وطاف لهما طوافا واحدا بين الحج والعمرة وقال: هكذا فعل رسول الله ﷺ.
وقد روى الترمذي، وابن ماجه، والبيهقي من حديث الدراوردي عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: «من جمع بين الحج والعمرة طاف لهما طوافا واحدا، وسعى لهما سعيا واحدا».
قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب.
قلت: إسناده على شرط مسلم.
وهكذا جرى لعائشة أم المؤمنين، فإنها كانت ممن أهل بعمرة لعدم سوق الهدي معها، فلما حاضت أمرها رسول الله ﷺ أن تغتسل وتهل بحج مع عمرتها فصارت قارنة، فلما رجعوا من منى طلبت أن يعمرها بعد الحج فأعمرها تطييبا لقلبها - كما جاء مصرحا به في الحديث -.
وقد قال الإمام أبو عبد الله الشافعي: أنبأنا مسلم - هو: ابن خالد الزنجي - عن ابن جريج، عن عطاء أن رسول الله قال لعائشة: طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك.
وهذا ظاهره الإرسال، وهو مسند في المعنى بدليل ما قال الشافعي أيضا: أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عائشة، عن النبي ﷺ قال الشافعي: وربما قال سفيان عن عطاء، عن عائشة، وربما قال عن عطاء أن النبي ﷺ قال لعائشة: فذكره.
قال الحافظ البيهقي: ورواه ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة موصولا.
وقد رواه مسلم من حديث وهيب عن ابن طاوس، عن ابن عباس، عن أبيه، عن عائشة بمثله.
وروى مسلم من حديث ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: دخل رسول الله على عائشة وهي تبكي، فقال: «مالك تبكين؟»
قالت: أبكي أن الناس حلوا ولم أحل، وطافوا بالبيت ولم أطف، وهذا الحج قد حضر.
قال: «إن هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي وأهلي بحج.
قالت: ففعلت ذلك، فلما طهرت، قال: «طوفي بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم قد حللت من حجك وعمرتك».
قالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي من عمرتي أني لم أكن طفت حتى حججت.
قال: «اذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم».
وله من حديث ابن جريج أيضا: أخبرني أبو الزبير سمعت جابرا قال: لم يطف النبي ﷺ وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا.
وعند أصحاب أبي حنيفة رحمه الله أن النبي ﷺ وأصحابه الذين ساقوا الهدي كانوا قد قرنوا بين الحج والعمرة، كما دل عليه الأحاديث المتقدمة، والله أعلم.
وقال الشافعي: أنبأنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي قال في القارن: يطوف طوافين، ويسعى سعيين.
قال الشافعي: وقال بعض الناس: طوافان وسعيان.
واحتج فيه برواية ضعيفة عن علي.
قال جعفر: يروى عن علي قولنا: رويناه عن النبي ﷺ، لكن قال أبو داود: ثنا هارون بن عبد الله، ومحمد بن رافع قالا: ثنا أبو عاصم عن معروف - يعني: ابن خربوذ المكي -، حدثنا أبو الطفيل قال: رأيت النبي ﷺ يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن اليماني بمحجن ثم يقبله.
زاد محمد بن رافع: ثم خرج إلى الصفا والمروة فطاف سبعا على راحلته.
وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي داود الطيالسي عن معروف بن خربوذ به دون الزيادة التي ذكرها محمد بن رافع، وكذلك رواه عبيد الله بن موسى عن معروف بدونها.
ورواه الحافظ البيهقي عن أبي سعيد ابن أبي عمرو، عن الأصم، عن يحيى ابن أبي طالب، عن يزيد ابن أبي حكيم، عن يزيد بن مالك، عن أبي الطفيل بدونها، فالله أعلم.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو بكر ابن الحسن، وأبو زكريا ابن أبي إسحاق قالا: ثنا أبو جعفر محمد بن علي بن رحيم، ثنا أحمد بن حازم، أنبأنا عبيد الله بن موسى، وجعفر بن عون قالا: أنبأنا أيمن بن نابل عن قدامة بن عبد الله بن عمار قال: رأيت رسول الله ﷺ يسعى بين الصفا والمروة على بعير لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك.
وقال البيهقي: كذا قالا.
وقد رواه جماعة غير أيمن فقالوا: يرمي الجمرة يوم النحر.
قال: ويحتمل أن يكونا صحيحين.
قلت: رواه الإمام أحمد في مسنده عن وكيع، وقران بن تمام، وأبي قرة موسى بن طارف - قاضي أهل اليمن - وأبي أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، ومعتمر بن سليمان عن أيمن بن نابل الحبشي أبي عمران المكي نزيل عسقلان مولى أبي بكر الصديق، وهو ثقة جليل من رجال البخاري، عن قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي أنه رأى رسول الله ﷺ يرمي الجمرة يوم النحر من بطن الوادي على ناقة صهباء، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك.
وهكذا رواه الترمذي عن أحمد بن منيع، عن مروان بن معاوية.
وأخرجه النسائي عن إسحاق بن راهويه، وابن ماجه، عن أبي بكر ابن أبي شيبة، كلاهما عن وكيع، كلاهما عن أيمن بن نابل، عن قدامة، كما رواه الإمام أحمد.
وقال الترمذي: حسن صحيح.