البداية والنهاية/الجزء الخامس/فصل في ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومبلغ سنه حال وفاته، وفي كيفية غسله عليه السلام والصلاة عليه، ودفنه، وموضع قبره صلوات الله وسلامه عليه.
لا خلاف أنه عليه السلام توفي يوم الإثنين.
قال ابن عباس: ولد نبيكم ﷺ يوم الإثنين، ونبئ يوم الإثنين، وخرج من مكة مهاجرا يوم الإثنين، ودخل المدينة يوم الإثنين، ومات يوم الإثنين.
رواه الإمام أحمد والبيهقي.
وقال سفيان الثوري عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال لي أبو بكر: أي يوم توفي رسول الله ﷺ؟.
قلت: يوم الإثنين.
فقال: إني لأرجو أن أموت فيه، فمات فيه.
رواه البيهقي من حديث الثوري به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، ثنا هريم، حدثني ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: توفي رسول الله ﷺ يوم الإثنين، ودفن ليلة الأربعاء.
تفرد به أحمد.
وقال عروة بن الزبير في مغازيه، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب: لما اشتد برسول الله ﷺ وجعه، أرسلت عائشة إلى أبي بكر، وأرسلت حفصة إلى عمر، وأرسلت فاطمة إلى علي، فلم يجتمعوا حتى توفي رسول الله ﷺ وهو في صدر عائشة، وفي يومها يوم الإثنين حين زاغت الشمس لهلال ربيع الأول.
وقد قال أبو يعلى: ثنا أبو خيثمة، ثنا ابن عيينة عن الزهري، عن أنس قال: آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله يوم الإثنين كشف الستارة والناس خلف أبي بكر، فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف، فأراد الناس أن ينحرفوا فأشار إليهم أن امكثوا وألقى السجف، وتوفي من آخر ذلك اليوم.
وهذا الحديث في الصحيح، وهو يدل على أن الوفاة وقعت بعد الزوال، والله أعلم.
وروى يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، وعن صفوان عن عمر بن عبد الواحد جميعا، عن الأوزاعي أنه قال: توفي رسول الله ﷺ يوم الإثنين قبل أن ينتصف النهار.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أحمد بن حنبل، ثنا الحسن بن علي البزار، ثنا محمد بن عبد الأعلى، ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه وهو سليمان بن طرخان التيمي في كتاب المغازي قال: إن رسول الله ﷺ مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وبدأه وجعه عند وليدة له يقال لها: ريحانة، كانت من سبي اليهود، وكان أول يوم مرض فيه يوم السبت، وكانت وفاته عليه السلام اليوم العاشر يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، لتمام عشر سنين من مقدمه عليه السلام المدينة.
وقال الواقدي: حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال: اشتكى رسول الله ﷺ يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة، فاجتمع عنده نساؤه كلهن، فاشتكى ثلاثة عشر يوما، وتوفي يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة.
وقال الواقدي: وقالوا: بدئ رسول الله ﷺ يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، وتوفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول.
وهذا جزم به محمد بن سعد كاتبه، وزاد: ودفن يوم الثلاثاء.
قال الواقدي وحدثني سعيد بن عبد الله ابن أبي الأبيض عن المقبري، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة: أن رسول الله ﷺ بدئ في بيت ميمونة.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا أحمد بن يونس، ثنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال: اشتكى رسول الله ﷺ ثلاثة عشر يوما فكان إذا وجد خفة صلى، وإذا ثقل صلى أبو بكر رضي الله عنه.
وقال محمد بن إسحاق: توفي رسول الله ﷺ لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجرا، واستكمل رسول الله ﷺ في هجرته عشر سنين كوامل.
قال الواقدي: وهو المثبت عندنا، وجزم به محمد بن سعد كاتبه.
وقال يعقوب بن سفيان عن يحيى بن بكير، عن الليث أنه قال: توفي رسول الله يوم الإثنين لليلة خلت من ربيع الأول، وفيه قدم المدينة على رأس عشر سنين من مقدمه.
وقال سعد بن إبراهيم الزهري: توفي رسول الله ﷺ يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة.
رواه ابن عساكر، ورواه الواقدي عن أبي معشر، عن محمد بن قيس مثله سواء، وقاله خليفة بن خياط أيضا.
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: توفي رسول الله يوم الإثنين مستهل ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مقدمه المدينة.
ورواه ابن عساكر أيضا، وقد تقدم قريبا عن عروة، وموسى بن عقبة، والزهري مثله، فيما نقلناه عن مغازيهما، فالله أعلم.
والمشهور قول ابن إسحاق، والواقدي، ورواه الواقدي عن ابن عباس، عن عائشة رضي الله عنها فقال: حدثني إبراهيم بن يزيد عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، وحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالا: توفي رسول الله ﷺ يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول.
ورواه ابن إسحاق عن عبد الله ابن أبي بكر بن حزم، عن أبيه مثله، وزاد: ودفن ليلة الأربعاء.
وروى سيف بن عمر عن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: لما قضى رسول الله ﷺ حجة الوداع ارتحل فأتى المدينة، فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا، ومات يوم الإثنين لعشر خلون من ربيع الأول.
وروى أيضا عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة.
وفي حديث فاطمة عن عمرة، عن عائشة مثله.
إلا أن ابن عباس قال في أوله: لأيام مضين منه، وقالت عائشة: بعد ما مضى أيام منه.
فائدة: قال أبو القاسم السهيلي في (الروض) ما مضمونه: لا يتصور وقوع وفاته عليه السلام يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة، وذلك لأنه عليه السلام وقف في حجة الوداع سنة عشر يوم الجمعة، فكان أول ذي الحجة يوم الخميس، فعلى تقدير أن تحسب الشهور تامة أو ناقصة، أو بعضها تام وبعضها ناقص، لا يتصور أن يكون يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول، وقد اشتهر هذا الإيراد على هذا القول.
وقد حاول جماعة الجواب عنه، ولا يمكن الجواب عنه إلا بمسلك واحد، وهو اختلاف المطالع بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس، وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة، ويؤيد هذا قول عائشة وغيرها: خرج رسول الله ﷺ لخمس بقين من ذي القعدة يعني: من المدينة إلى حجة الوداع، ويتعين بما ذكرناه أنه خرج يوم السبت، وليس كما زعم ابن حزم أنه خرج يوم الخميس، لأنه قد بقي أكثر من خمس بلا شك، ولا جائز أن يكون خرج يوم الجمعة، لأن أنسا قال: صلى رسول الله ﷺ الظهر بالمدينة أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، فتعين أنه خرج يوم السبت لخمس بقين، فعلى هذا إنما رأى أهل المدينة هلال ذي الحجة ليلة الجمعة، وإذا كان أول ذي الحجة عند أهل المدينة الجمعة وحسبت الشهور بعده كوامل يكون أول ربيع الأول يوم الخميس، فيكون ثاني عشرة يوم الإثنين، والله أعلم.
وثبت في الصحيحين من حديث مالك عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله ﷺ ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق ولا بالأدم، ولا بالجعد القطط ولا بالسبط، بعثه الله عز وجل على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.
وهكذا رواه ابن وهب عن عروة، عن الزهري، عن أنس، وعن قرة بن ربيعة، عن أنس مثل ذلك.
قال الحافظ ابن عساكر: حديث قرة عن الزهري غريب.
وأما من رواية ربيعة عن أنس، فرواها عنه جماعة كذلك، ثم أسند من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد، وربيعة عن أنس أن رسول الله ﷺ توفي وهو ابن ثلاث وستين.
وكذلك رواه ابن البربري، ونافع ابن أبي نعيم عن ربيعة، عن أنس به قال: والمحفوظ عن ربيعة عن أنس ستون.
ثم أورده ابن عساكر من طريق مالك، والأوزاعي، ومسعر، وإبراهيم بن طهمان، وعبد الله بن عمر، وسليمان بن بلال، وأنس بن بلال، وأنس بن عياض، والدراوردي، ومحمد بن قيس المدني، كلهم عن ربيعة، عن أنس قال: توفي رسول الله ﷺ وهو ابن ستين سنة.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو الحسين بن بشران، ثنا أبو عمرو ابن السماك، ثنا حنبل بن إسحاق، ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو، حدثنا عبد الوارث، ثنا أبو غالب الباهلي قال: قلت لأنس بن مالك: ابن أي الرجال كان رسول الله إذ بعث؟
قال: كان ابن أربعين سنة.
قال: ثم كان ماذا؟
قال: كان بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، فتمت له ستون سنة يوم قبضه الله عز وجل وهوكأشد الرجال وأحسنهم، وأجملهم، وألحمهم.
ورواه الإمام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه به.
وقد روى مسلم عن أبي غسان محمد بن عمرو الرازي الملقب: برشح عن حكام بن مسلم، عن عثمان بن زائدة، عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك قال: قبض النبي ﷺ وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وقبض عمر وهو ابن ثلاث وستين.
انفرد به مسلم.
وهذا لا ينافي ما تقدم عن أنس لأن العرب كثيرا ما تحذف الكسر، وثبت في الصحيحين من حديث الليث بن سعد عن عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: توفي رسول الله وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب مثله، وروى موسى بن عقبة وعقيل ويونس بن يزيد، وابن جريج عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: توفي رسول الله ﷺ وهو ابن ثلاث وستين.
قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب مثل ذلك.
وقال البخاري: ثنا أبو نعيم، ثنا شيبان عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة وابن عباس أن رسول الله ﷺ مكث بمكة عشر سنين يتنزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا.
لم يخرجه مسلم.
وقال أبو داود الطيالسي في مسنده: ثنا شعبة عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، عن جرير بن عبد الله، عن معاوية ابن أبي سفيان قال: قبض النبي ﷺ وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وعمر وهو ابن ثلاث وستين.
وهكذا رواه مسلم من حديث غندر عن شعبة، وهو من إفراده دون البخاري.
ومنهم من يقول عن عامر بن سعد، عن معاوية، والصواب ما ذكرناه عن عامر بن سعد، عن جرير، عن معاوية فذكره، وروينا من طريق عامر بن شراحيل عن الشعبي، عن جرير بن عبد الله البجلي، عن معاوية فذكره.
وروى الحافظ ابن عساكر من طريق القاضي أبي يوسف عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس قال: توفي رسول الله ﷺ وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي عمر وهو ابن ثلاث وستين.
وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة قالت: تذاكر رسول الله وأبو بكر ميلادهما عندي، فكان رسول الله أكبر من أبي بكر، فتوفي رسول الله وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي أبو بكر بعده وهو ابن ثلاث وستين.
وقال الثوري عن الأعمش، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: توفي رسول الله، وأبو بكر، وعمر وهم بنو ثلاث وستين.
وقال حنبل: حدثنا الإمام أحمد، ثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: أنزل على النبي ﷺ وهو ابن ثلاث وأربعين، فأقام بمكة عشرا، وبالمدينة عشرا، وهذا غريب عنه، وصحيح إليه.
وقال أحمد: ثنا هشيم، ثنا داود ابن أبي هند عن الشعبي قال: نبئ رسول الله وهو ابن أربعين سنة، فمكث ثلاث سنين، ثم بعث إليه جبريل بالرسالة، ثم مكث بعد ذلك عشر سنين، ثم هاجر إلى المدينة، فقبض وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل: الثابت عندنا ثلاث وستون.
قلت: وهكذا روي عن مجاهد، عن الشعبي.
وروي من حديث إسماعيل ابن أبي خالد عنه، وفي الصحيحين من حديث روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، أن رسول الله ﷺ مكث بمكة ثلاث عشرة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وفي صحيح البخاري من حديث روح بن عبادة أيضا عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعث رسول الله ﷺ لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ثم مات وهو ابن ثلاث وستين.
وكذلك رواه الإمام أحمد عن روح بن عبادة، ويحيى بن سعيد، ويزيد بن هارون، كلهم عن هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس به.
وقد رواه أبو يعلى الموصلي عن الحسن بن عمر بن شقيق، عن جعفر بن سليمان، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس فذكر مثله.
ثم أورده من طرق عن ابن عباس مثل ذلك.
ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن أبي حمزة، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ أقام بمكة ثلاث عشرة يوحى إليه، وبالمدينة عشرا، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وقد أسند الحافظ ابن عساكر من طريق مسلم بن جنادة عن عبد الله بن عمر، عن كريب، عن ابن عباس قال: توفي رسول الله ﷺ وهو ابن ثلاث وستين.
ومن حديث أبي نضرة عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس مثله.
وهذا القول هو الأشهر وعليه الأكثر.
وقال الإمام أحمد: ثنا إسماعيل عن خالد الحذاء، حدثني عمار مولى بني هاشم سمعت ابن عباس يقول: توفي رسول الله ﷺ وهو ابن خمس وستين سنة.
ورواه مسلم من حديث خالد الحذاء به.
وقال أحمد: ثنا حسن بن موسى، ثنا حماد بن سلمة عن عمارة ابن أبي عمار، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ أقام بمكة خمس عشرة سنة، ثماني سنين - أو سبع - يرى الضوء ويسمع الصوت، وثمانية أو سبعا يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشرا.
ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به.
وقال أحمد أيضا: حدثنا عفان، ثنا يزيد بن زريع، ثنا يونس عن عمار مولى بني هاشم قال: سألت ابن عباس كم أتى لرسول الله ﷺ يوم مات؟
قال: ما كنت أرى مثلك في قومه يخفى عليك ذلك.
قال: قلت: إني قد سألت فاختلف علي فأحببت أن أعلم قولك فيه.
قال: أتحسب؟
قلت: نعم!
قال: أمسك أربعين بعث لها، وخمس عشرة أقام بمكة يأمن ويخاف، وعشرا مهاجرا بالمدينة.
وهكذا رواه مسلم من حديث يزيد بن زريع، وشعبة بن الحجاج، كلاهما، عن يونس بن عبيد، عن عمار، عن ابن عباس بنحوه.
وقال الإمام أحمد: ثنا ابن نمير، ثنا العلاء بن صالح، ثنا المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير، أن رجلا أتى ابن عباس فقال: أنزل على النبي ﷺ عشرا بمكة، وعشرا بالمدينة.
فقال: من يقول ذلك؟ لقد أنزل عليه بمكة خمس عشرة، وبالمدينة عشرا، خمسا وستين وأكثر، وهذا من أفراد أحمد إسنادا، ومتنا.
وقال الإمام أحمد: ثنا هشيم، ثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: قبض النبي ﷺ وهو ابن خمس وستين سنة، تفرد به أحمد.
وقد روى الترمذي في كتاب (الشمائل) وأبو يعلى الموصلي، والبيهقي من حديث قتادة عن الحسن البصري، عن دغفل بن حنظلة الشيباني النسابة، أن النبي ﷺ قبض وهو ابن خمس وستين.
ثم قال الترمذي: دغفل لا يعرف له سماعا عن النبي ﷺ وقد كان في زمانه رجلا.
وقال البيهقي: وهذا يوافق رواية عمار ومن تابعه عن ابن عباس، ورواية الجماعة عن ابن عباس في ثلاث وستين أصح، فهم أوثق وأكثر ورواياتهم توافق الرواية الصحيحة عن عروة، عن عائشة، وإحدى الروايتين عن أنس، والرواية الصحيحة عن معاوية، وهي قول سعيد بن المسيب، وعامر الشعبي، وأبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهم.
قلت: وعبد الله بن عقبة، والقاسم بن عبد الرحمن، والحسن البصري، وعلي بن الحسين، وغير واحد.
ومن الأقوال الغريبة: ما رواه خليفة بن خياط عن معاذ بن هشام، حدثني أبي عن قتادة قال: توفي رسول الله ﷺ وهو ابن اثنتين وستين سنة.
ورواه يعقوب بن سفيان عن محمد بن المثنى، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة مثله.
ورواه زيد العمي عن يزيد، عن أنس.
ومن ذلك ما رواه محمد بن عابد عن القاسم بن حميد، عن النعمان بن المنذر الغساني، عن مكحول قال: توفي رسول الله وهو ابن اثنتين وستين سنة وأشهر.
ورواه يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، عن النعمان بن المنذر، عن مكحول قال: توفي رسول الله ﷺ وهو ابن اثنتين وستين سنة ونصف.
وأغرب من ذلك كله: ما رواه الإمام أحمد عن روح، عن سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن قال: نزل القرآن على رسول الله ﷺ ثماني سنين بمكة، وعشرا بعد ما هاجر، فإن كان الحسن ممن يقول بقول الجمهور: وهو أنه عليه السلام أنزل عليه القرآن وعمره أربعون سنة، فقد ذهب إلى أنه عليه السلام عاش ثمانيا وخمسين سنة، وهذا غريب جدا، لكن روينا من طريق مسدد عن هشام بن حسان، عن الحسن أنه قال: توفي رسول الله ﷺ وهو ابن ستين سنة.
وقال خليفة بن خياط: حدثنا أبو عاصم عن أشعث، عن الحسن قال: بعث رسول الله وهو ابن خمس وأربعين، فأقام بمكة عشرا، وبالمدينة ثمانيا، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وهذا بهذا الصفة غريب جدا، والله أعلم.