البداية والنهاية/الجزء الخامس/باب بسط البيان لما أحرم به عليه السلام في حجته هذه
من الإفراد والتمتع أو القران
رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله ﷺ أفرد الحج.
ورواه مسلم عن إسماعيل، عن أبي أويس ويحيى بن يحيى عن مالك.
ورواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك به.
وقال أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثني المنكدر بن محمد عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد، عن عائشة أن رسول الله ﷺ أفرد الحج.
وقال الإمام أحمد: ثنا شريح، ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، وعن علقمة ابن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة، وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله ﷺ أفرد الحج.
تفرد به أحمد من هذه الوجوه عنها.
وقال الإمام أحمد: حدثني عبد الأعلى بن حماد قال: قرأت على مالك بن أنس عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله ﷺ أفرد الحج.
وقال: حدثنا روح، ثنا مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل - وكان يتيما في حجر عروة - عن عروة بن الزبير، عن عائشة أن رسول الله ﷺ أفرد الحج.
ورواه ابن ماجه عن أبي مصعب، عن مالك كذلك.
ورواه النسائي عن قتيبة، عن مالك، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله أهل بالحج.
وقال أحمد أيضا: ثنا عبد الرحمن عن مالك، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله ﷺ فمنا من أهل بالحج، ومنا من أهل بالعمرة، ومنا من أهل بالحج والعمرة، وأهل رسول الله بالحج؛ فأما من أهل بالعمرة فأحلوا حين طافوا بالبيت وبالصفا والمروة، وأما من أهل بالحج أو بالحج والعمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر.
وهكذا رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، والقعيني وإسماعيل ابن أبي أويس عن مالك.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن مالك به.
وقال أحمد: حدثنا سفيان عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أهل رسول الله ﷺ بالحج وأهل ناس بالحج والعمرة، وأهل ناس بالعمرة.
ورواه مسلم عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة به نحوه.
فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا عبد العزيز بن محمد عن علقمة ابن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة أن رسول الله ﷺ أمر الناس في حجة الوداع فقال: «من أحب أن يبدأ بعمرة قبل الحج فليفعل».
وأفرد رسول الله ﷺ الحج ولم يعتمر.
فإنه حديث غريب جدا، تفرد به أحمد بن حنبل، وإسناده لا بأس به، ولكن لفظه فيه نكارة شديدة، وهو قوله: «فلم يعتمر» فإن أريد بهذا أنه لم يعتمر مع الحج ولا قبله هو قول من ذهب إلى الإفراد.
وإن أريد أنه لم يعتمر بالكلية لا قبل الحج ولا معه ولا بعده، فهذا مما لا أعلم أحدا من العلماء قال به؛ ثم هو مخالف لما صح عن عائشة وغيرها من أنه ﷺ اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته.
وسيأتي تقرير هذا في فصل القران مستقصى، والله أعلم.
وهكذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد قائلا في مسنده: حدثنا روح، ثنا صالح ابن أبي الأخضر، ثنا ابن شهاب أن عروة أخبره أن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: أهل رسول الله بالحج والعمرة في حجة الوداع، وساق معه الهدي، وأهل ناس بالعمرة وساقوا الهدي، وأهل ناس بالعمرة ولم يسوقوا هديا.
قالت عائشة: وكنت ممن أهل بالعمرة ولم أسق هديا، فلما قدم رسول الله ﷺ قال: «من كان منكم أهل بالعمرة فساق معه الهدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، ولا يحل منه شيء حرم منه حتى يقضي حجه وينحر هديه يوم النحر، ومن كان منكم أهل بالعمرة ولم يسق معه هديا فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم ليقصر وليحلل، ثم ليهل بالحج وليهد، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله».
قالت عائشة: فقدم رسول الله الحج الذي خاف فوته، وأخر العمرة.
فهو حديث من أفراد الإمام أحمد، وفي بعض ألفاظه نكارة، ولبعضه شاهد في الصحيح، وصالح ابن أبي الأخضر ليس من علية أصحاب الزهري، لا سيما إذا خالفه غيره كما ههنا في بعض ألفاظ سياقه هذا.
وقوله: «فقدم الحج الذي يخاف فوته، وأخر العمرة» لا يلتئم مع أول الحديث أهل بالحج والعمرة، فإن أراد أنه أهل بهما في الجملة، وقدم أفعال الحج، ثم بعد فراغه أهل بالعمرة، كما يقوله من ذهب إلى الإفراد، فهو مما نحن فيه ههنا.
وإن أراد أنه أخر العمرة بالكلية بعد إحرامه بها، فهذا لا أعلم أحدا من العلماء صار إليه.
وإن أراد أنه المقضي بأفعال الحج عن أفعال العمرة ودخلت العمرة في الحج، فهذا قول من ذهب إلى القران، وهم يؤولون قول من روى أنه عليه الصلاة والسلام أفرد الحج - أي: أفرد أفعال الحج - وإن كان قد نوى معه العمرة، قالوا: لأنه قد روى القرآن كل من روى الإفراد، كما سيأتي بيانه، والله تعالى أعلم.
رواية جابر بن عبد الله في الإفراد: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله قال: أهل رسول الله ﷺ في حجته بالحج.
إسناده جيد على شرط مسلم.
ورواه البيهقي عن الحاكم، وغيره عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: أهل رسول الله في حجته بالحج ليس معه عمرة.
وهذه الزيادة غريبة جدا، ورواية الإمام أحمد بن حنبل أحفظ، والله أعلم.
وفي صحيح مسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر قال: أهللنا بالحج لسنا نعرف العمرة.
وقد روى ابن ماجه عن هشام بن عمار، عن الداروردي وحاتم بن إسماعيل، كلاهما عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر أن رسول الله ﷺ أفرد الحج، وهذا إسناد جيد.
وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الوهاب الثقفي، ثنا حبيب - يعني: المعلم - عن عطاء، حدثني جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ أهل هو وأصحابه بالحج ليس مع أحد منهم هدي إلا النبي ﷺ وطلحة، وذكر تمام الحديث.
وهو في صحيح البخاري بطوله كما سيأتي، عن محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب رواية عبد الله بن عمر للإفراد.
قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن محمد، ثنا عباد - يعني: ابن عباد -، حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر قال: أهللنا مع النبي ﷺ بالحج مفردا.
ورواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عون، عن عباد بن عباد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ أهل بالحج مفردا.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا الحسن بن عبد العزيز، ومحمد بن مسكين قالا: ثنا بشر بن بكر، ثنا سعيد بن عبد العزيز بن زيد بن أسلم، عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ أهل بالحج يعني: - مفردا - إسناده جيد، ولم يخرجوه.
رواية ابن عباس للإفراد: روى الحافظ البيهقي من حديث روح بن عبادة عن شعبة، عن أيوب، عن أبي العالية البراء، عن ابن عباس أنه قال: أهل رسول الله ﷺ بالحج فقدم لأربع مضين من ذي الحجة، فصلى بنا الصبح بالبطحاء ثم قال: «من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها»
ثم قال: رواه مسلم عن إبراهيم بن دينار، عن ابن روح، وتقدم من رواية قتادة عن أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ صلى الظهر بذي الحليفة، ثم أتى ببدنة فأشعر صفحة سنامها الأيمن، ثم أتى براحلته فركبها، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج، وهو في صحيح مسلم أيضا.
وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا أبو بكر ابن عياش، ثنا أبو حصين عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه قال: حججت مع أبي بكر فجرد، ومع عمر فجرد، ومع عثمان فجرد.
تابعه الثوري عن أبي حصين، وهذا إنما ذكرناه ههنا لأن الظاهر: أن هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما يفعلون هذا عن توقيف، والمراد بالتجريد ههنا: الإفراد، والله أعلم.
وقال الدارقطني: ثنا أبو عبيد الله القاسم بن إسماعيل، ومحمد بن مخلد قالا: ثنا علي بن محمد بن معاوية الرزاز، ثنا عبد الله بن نافع عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي ﷺ استعمل عتاب بن أسيد على الحج فأفرد، ثم استعمل أبا بكر سنة تسع فأفرد الحج، ثم حج النبي ﷺ سنة عشر فأفرد الحج، ثم توفي رسول الله ﷺ واستخلف أبو بكر، فبعث عمر فأفرد الحج، ثم حج أبو بكر فأفرد الحج، وتوفي أبو بكر واستخلف عمر، فبعث عبد الرحمن بن عوف فأفرد الحج، ثم حج فأفرد الحج، ثم حصر. عثمان فأقام عبد الله بن عباس للناس فأفرد الحج.
في إسناده عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيف، لكن قال الحافظ البيهقي: له شاهد بإسناد صحيح.