البداية والنهاية/الجزء الرابع/نزول الحجاب صبيحة عرس زينب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



نزول الحجاب صبيحة عرس زينب


فناسب نزول الحجاب في هذا العرس صيانة لها، ولأخواتها من أمهات المؤمنين، وذلك وفق الرأي العمري.

قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله الرقاش، حدثنا معتمر بن سليمان، سمعت أبي حدثنا أبو مجلز، عن أنس بن مالك قال: لما تزوج رسول الله زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا وجلسوا يتحدثون، فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا.

فلما رأى ذلك قام، فلما قام، قام من قام، وقعد ثلاثة نفر، وجاء النبي ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقوا، فجئت فأخبرت النبي أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي... } الآية.

وقد رواه البخاري في مواضع أخر، ومسلم، والنسائي، من طرق، عن معتمر.

ثم رواه البخاري منفردا به من حديث أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس نحوه.

وقال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: بُني على النبي بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأرسلت على الطعام داعيا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه، فقلت: يا نبي الله ما أجد أحدا أدعوه، قال: «ارفعوا طعامكم».

وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت، فخرج النبي فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال: «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته» قالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، كيف وجدت أهلك بارك الله لك؟ فتقرَّى حجر نسائه كلهن، ويقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة.

ثم رجع النبي فإذا رهط ثلاثة في البيت يتحدثون، وكان النبي شديد الحياء، فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة، فما أدري أخبرته أم أخبر أن القوم خرجوا، فخرج حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب، وأخرى خارجه أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب.

تفرد به البخاري من هذا الوجه، ثم رواه منفردا به أيضا: عن إسحاق هو ابن نصر، عن عبد الله بن بكير السهمي، عن حميد بن أنس بنحو ذلك، وقال: رجلان بدل ثلاثة، فالله أعلم.

قال البخاري: وقال إبراهيم بن طهمان، عن الجعد أبي عثمان، عن أنس فذكر نحوه.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو المظفر، حدثنا جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عثمان اليشكري، عن أنس بن مالك قال: أعرس رسول الله ببعض نسائه، فصنعت أم سليم حيسا، ثم حطته في ثور فقالت: اذهب إلى رسول الله وأخبره إن هذا منا له قليل.

قال أنس: والناس يومئذ في جهد، فجئت به فقلت: يا رسول الله بعثت بهذا أم سليم إليك، وهي تقرئك السلام وتقول: إن هذا منا له قليل، فنظر إليه ثم قال: «ضعه في ناحية البيت».

ثم قال: «اذهب فادع لي فلانا وفلانا» فسمى رجالا كثيرا.

قال: ومن لقيت من المسلمين، فدعوت من قال لي، ومن لقيت من المسلمين، فجئت والبيت والصفة والحجرة ملاء من الناس، فقلت: يا أبا عثمان كم كانوا؟

قال: كانوا زهاء ثلثمائة.

قال أنس: فقال لي رسول الله : «جيء» فجئت به إليه، فوضع يده عليه، ودعا، وقال ما شاء الله، ثم قال: «ليتلحق عشرة عشرة ويسموا، وليأكل كل أنسان مما يليه» فجعلوا يسمون، ويأكلون، حتى أكلوا كلهم.

فقال لي رسول الله : «ارفعه».

قال: فجئت فأخذت الثور، فنظرت فيه فلا أدري أهو حين وضعته أكثر أم حين رفعته؟

قال: وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول الله ، وزوج رسول الله التي دخل بها معهم، مولية وجهها إلى الحائط، فأطالوا الحديث، فشقوا على رسول الله ، وكان أشد الناس حياء، ولو علموا كان ذلك عليهم عزيزا.

فقام رسول الله فسلم على حجره وعلى نسائه، فلما رأوه قد جاء ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ابتدروا الباب، فخرجوا وجاء رسول الله حتى أرخى الستر، ودخل البيت وأنا في الحجرة، فمكث رسول الله في بيته يسيرا، وأنزل الله القرآن فخرج وهو يقرأ هذه الآية:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيما } [الأحزاب: 53-54] .

قال أنس: فقرأهن عليَّ قبل الناس، وأنا أحدث الناس بهن عهدا.

وقد رواه مسلم، والترمذي، والنسائي جميعا، عن قتيبة، عن جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عثمان به.

وقال الترمذي: حسن صحيح.

ورواه مسلم أيضا عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الجعد أبي عثمان به.

وقد روى هذا الحديث البخاري، والترمذي، والنسائي، من طرق: عن أبي بشر الأحمسي الكوفي، عن أنس بنحوه.

ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي نضرة العبدي، عن أنس بنحوه، ولم يخرجوه.

ورواه ابن جرير من حديث عمرو بن سعيد، ومن حديث الزهري عن أنس نحو ذلك.

قلت: كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها من المهاجرات الأول، وكانت كثيرة الخير والصدقة، وكان اسمها أولا بره، فسماها النبي زينب، وكانت تكنى بأم الحكم.

قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم أمانة وصدقة.

وثبت في الصحيحين كما سيأتي في حديث الإفك، عن عائشة أنها قالت: وسأل رسول الله عني زينب بنت جحش، وهي التي كانت تساميني من نساء النبي ، فعصمها الله بالورع، فقالت: يا رسول الله احمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا.

وقال مسلم بن الحجاج في (صحيحه): حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا الفضل بن موسى الشيباني، حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله : «أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا».

قالت: فكنا نتطاول أينا أطول يدا، قالت: فكانت زينب أطولنا يدا، لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق.

انفرد به مسلم.

قال الواقدي وغيره من أهل السير، والمغازي، والتواريخ: توفيت سنة عشرين من الهجرة، وصلى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ودفنت بالبقيع، وهي أول امرأة صنع لها النعش.

البداية والنهاية - الجزء الرابع
سنة ثلاث من الهجرة غزوة نجد | غزوة الفرع من بحران | خبر يهود بني قينقاع في المدينة | سرية زيد بن حارثة إلى ذي القردة | مقتل كعب بن الأشرف | غزوة أحد في شوال سنة ثلاث | مقتل حمزة رضي الله عنه | فصل نصر الله للمسلمين يوم بدر | فصل فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ من المشركين قبحهم الله | فصل رد رسول الله عين قتادة بن النعمان عندما سقطت يوم أحد | فصل مشاركة أم عمارة في القتال يوم أحد | فصل في أول من عرف رسول الله بعد الهزيمة كعب بن مالك | دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد | فصل سؤال النبي عليه السلام عن سعد بن الربيع أهو حي أم ميت | الصلاة على حمزة وقتلى أحد | فصل في عدد الشهداء | فصل نعي رسول الله لحمنة بنت جحش أخيها وخالها وزوجها يوم أحد | خروج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه على ما بهم من القرح والجراح في أثر أبي سفيان | فصل فيما تقاول به المؤمنون والكفار في وقعة أحد من الأشعار | آخر الكلام على وقعة أحد | سنة أربع من الهجرة النبوية | غزوة الرجيع | سرية عمرو بن أمية الضمري | سرية بئر معونة | غزوة بني النضير وفيها سورة الحشر | قصة عمرو بن سعدي القرظي | غزوة بني لحيان | غزوة ذات الرقاع | قصة غورث بن الحارث | قصة الذي أصيبت امرأته يومذاك | قصة جمل جابر | غزوة بدر الآخرة | فصل في جملة من الحوادث الواقعة سنة أربع من الهجرة | سنة خمس من الهجرة النبوية غزوة دومة الجندل | غزوة الخندق أو الأحزاب | فصل نزول قريش بمجتمع الأسيال يوم الخندق | فصل في دعائه عليه السلام على الأحزاب | فصل في غزوة بني قريظة | وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه | فصل الأشعار في الخندق وبني قريظة | مقتل أبي رافع اليهودي | مقتل خالد بن سفيان الهذلي | قصة عمرو بن العاص مع النجاشي | فصل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة | تزويجه بزينب بنت جحش | نزول الحجاب صبيحة عرس زينب | سنة ست من الهجرة | غزوة ذي قرد | غزوة بني المصطلق من خزاعة | قصة الإفك | غزوة الحديبية | سياق البخاري لعمرة الحديبية | فصل في السرايا التي كانت في سنة ست من الهجرة | فصل فيما وقع من الحوادث في هذه السنة | سنة سبع من الهجرة غزوة خيبر في أولها | فصل فتح رسول الله عليه السلام للحصون | ذكر قصة صفية بنت حيي النضرية | فصل محاصرة النبي عليه السلام أهل خيبر في حُصنيهم | فصل فتح حصونها وقسيمة أرضها | فصل تخصيص شيء من الغنيمة للعبيد والنساء ممن شهدوا خيبر | ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب ومسلمو الحبشة المهاجرون | قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر | فصل انصراف رسول الله إلى وادي القرى ومحاصرة أهله | فصل من استشهد بخيبر من الصحابة | خبر الحجاج بن علاط البهزي | فصل مروره صلى الله عليه وسلم بوادي القرى ومحاصرة اليهود ومصالحتهم | فصل تقسيم الثمار و الزروع في خيبر بين المسلمين و اليهود بالعدل | سرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة | سرية عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة وراء مكة بأربعة أميال | سرية عبد الله بن رواحة إلى يسير بن رزام اليهودي | سرية أخرى مع بشير بن سعد | سرية بني حدرد إلى الغابة | السرية التي قتل فيها محلم بن جثامة عامر بن الأضبط | سرية عبد الله بن حذافة السهمي | عمرة القضاء | قصة تزويجه عليه السلام بميمونة | ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة بعد قضاء عمرته | فصل إرسال سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم | فصل رد رسول الله عليه السلام ابنته زينب على زوجها أبي العاص | سنة ثمان من الهجرة النبوية | طريق إسلام خالد بن الوليد | سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى هوازن | سرية كعب بن عمير إلى بني قضاعة | غزوة مؤتة | فصل إصابة جعفر وأصحابه | فصل عطف رسول الله عليه السلام على ابن جعفر عند إصابة أبيه | فصل في فضل زيد وجعفر وعبد الله رضي الله عنهم | فصل في من استشهد يوم مؤتة | ما قيل من الأشعار في غزوة مؤتة | كتاب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الآفاق وكتبه إليهم | إرساله صلى الله عليه وسلم إلى ملك العرب من النصارى بالشام | بعثه إلى كسرى ملك الفرس | بعثه صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب مدينة الإسكندرية واسمه جريج بن مينا القبطي | غزوة ذات السلاسل | سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر | غزوة الفتح الأعظم وكانت في رمضان سنة ثمان | قصة حاطب بن أبي بلتعة | فصل استخلاف كلثوم بن حصين الغفاري على المدينة | فصل إسلام العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم | فصل نزول النبي عليه السلام إلى مر الظهران | صفة دخوله صلى الله عليه وسلم مكة | فصل عدد الذين شهدوا فتح مكة | بعثه عليه السلام خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة | بعث خالد بن الوليد لهدم العزى | فصل في مدة إقامته عليه السلام بمكة | فصل فيما حكم عليه السلام بمكة من الأحكام | فصل مبايعة رسول الله الناس يوم الفتح على الإسلام والشهادة | غزوة هوازن يوم حنين | الوقعة وما كان أول الأمر من الفرار ثم العاقبة للمتقين | فصل هزيمة هوازن | فصل في الغنائم | فصل أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يقتل وليدا | غزوة أوطاس | من استشهد يوم حنين وأوطاس | ما قيل من الأشعار في غزوة هوازن | غزوة الطائف | مرجعه عليه السلام من الطائف | قدوم مالك بن عوف النصري على الرسول | اعتراض بعض أهل الشقاق على الرسول | مجيء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة عليه بالجعرانة | عمرة الجعرانة في ذي القعدة | إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى وذكر قصيدته بانت سعاد | الحوادث المشهورة في سنة ثمان والوفيات