البداية والنهاية/الجزء الرابع/فصل تقسيم الثمار و الزروع في خيبر بين المسلمين و اليهود بالعدل
ثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ لما افتتح خيبر، عامل يهودها عليها على شطر ما يخرج منها من تمر أو زرع.
وقد ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث على أن يعملوها من أموالها، وفي بعضها، وقال لهم النبي ﷺ: «نقركم ما شئنا».
وفي السنن: أنه كان يبعث عليهم عبد الله بن رواحة يخرصها عليهم عند استواء ثمارها ثم يضمنهم إياه، فلما قتل عبد الله بن رواحة بمؤتة، بعث جبار بن صخر كما تقدم.
وموضع تحرير ألفاظه، وبيان طرقه، كتاب المزارعة من كتاب (الأحكام) إن شاء الله وبه الثقة.
وقال محمد بن إسحاق: سألت ابن شهاب كيف أعطى رسول الله ﷺ يهود خيبر نخلهم؟
فأخبرني أن رسول الله ﷺ افتتح خيبر عنوة بعد القتال، وكانت خيبر مما أفاء الله عليه خمسها، وقسمها بين المسلمين، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال.
فدعاهم رسول الله ﷺ فقال: «إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها، وتكون ثمارها بيننا وبينكم فأقركم ما أقركم الله» فقبلوا وكانوا على ذلك يعملونها.
وكان رسول الله ﷺ يبعث عبد الله بن رواحة فيقسم ثمرها، ويعدل عليهم في الخرص، فلما توفَّى الله نبيه ﷺ، أقرها أبو بكر بأيديهم على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله ﷺ حتى توفي.
ثم أقرهم عمر بن الخطاب صدرا من إمارته، ثم بلغ عمر أن رسول الله ﷺ قال في وجعه الذي قبضه الله فيه: «لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان».
ففحص عمر عن ذلك، حتى بلغه الثبت، فأرسل إلى يهود فقال: إن الله أذن لي في إجلائكم، وقد بلغني أن رسول الله ﷺ قال:
«لا يجتمعن في جزيرة العرب دينان» فمن كان عنده عهد من رسول الله ﷺ فليأتني به أنفذه له، ومن لم يكن عنده عهد فليتجهز للجلاء، فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد رسول الله ﷺ منهم.
قلت: قد ادعى يهود خيبر في أزمان متأخرة بعد الثلثمائة أن بأيديهم كتابا من رسول الله ﷺ فيه أنه وضع الجزية عنهم، وقد اغتر بهذا الكتاب بعض العلماء حتى قال بإسقاط الجزية عنهم، من الشافعية الشيخ أبو علي خيرون، وهو كتاب مزور مكذوب مفتعل لا أصل له، وقد بينت بطلانه من وجوه عديدة في كتاب مفرد.
وقد تعرض لذكره وإبطاله جماعة من الأصحاب في كتبهم كابن الصباغ في مسائله، والشيخ أبي حامد في تعليقته، وصنف فيه ابن المسلمة جزءا منفردا للرد عليه، وقد تحركوا به بعد السبعمائة، وأظهروا كتابا فيه نسخة ما ذكره الأصحاب في كتبهم.
وقد وقفت عليه فإذا هو مكذوب، فإن فيه شهادة سعد بن معاذ، وقد كان مات قبل زمن خيبر، وفيه شهادة معاوية بن أبي سفيان ولم يكن أسلم يومئذ.
وفي آخره: وكتبه علي بن أبي طالب وهذا لحن وخطأ، وفيه وضع الجزية ولم تكن شرعت بعد، فإنها إنما شرعت أول ما شرعت وأخذ من أهل نجران. وذكروا أنهم وفدوا في حدود سنة تسع، والله أعلم.
ثم قال ابن إسحاق: وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال: خرجت أنا، والزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها، فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا.
قال: فعدي عليَّ تحت الليل، وأنا نائم على فراشي ففدعت يداي من مرفقي، فلما استصرخت عليَّ صاحباي فأتياني فسألاني: من صنع هذا بك؟
فقلت: لا أدري، فأصلحا من يدي، ثم قدما بي على عمر فقال: هذا عمل يهود خيبر.
ثم قام في الناس خطيبا فقال: أيها الناس إن رسول الله ﷺ كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا، وقد عدوا على عبد الله بن عمر، ففدعوا يديه كما بلغكم مع عدوتهم على الأنصاري قبله، لا نشك أنهم كانوا أصحابه، ليس لنا هناك عدو غيرهم، فمن كان له مال من خيبر فليلحق به، فإني مخرج يهود، فأخرجهم.
قلت: كان لعمر بن الخطاب سهمه الذي بخيبر، وقد كان وقفه في سبيل الله، وشرط في الوقف ما أشار به رسول الله ﷺ كما هو ثابت في الصحيحين، وشرط أن يكون النظر فيه للأرشد فالأرشد من بناته وبنيه.
قال الحافظ البيهقي في (الدلائل): جماع أبواب السرايا التي تذكر بعد فتح خيبر، وقبل عمرة القضية، وإن كان تاريخ بعضها ليس بالواضح عند أهل المغازي.