البداية والنهاية/الجزء الرابع/فصل سؤال النبي عليه السلام عن سعد بن الربيع أهو حي أم ميت
قال ابن إسحاق: وفرغ الناس لقتلاهم فحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني، أخو بني النجار: أن رسول الله ﷺ قال: «من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو أم في الأموات؟».
فقال رجل من الأنصار: أنا، فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق.
قال: فقال له: إن رسول الله ﷺ أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟
فقال: أنا في الأموات فأبلغ رسول الله ﷺ سلامي وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك الأنصار عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف.
قال: ثم لم أبرح حتى مات، وجئت النبي ﷺ فأخبرته خبره.
قلت: كان الرجل الذي التمس سعدا في القتلى: محمد بن سلمة فيما ذكره محمد بن عمر الواقدي، وذكر أنه ناداه مرتين فلم يجبه، فلما قال: إن رسول الله أمرني أن أنظر خبرك أجابه بصوت ضعيف وذكره.
وقال الشيخ أبو عمر في (الاستيعاب): كان الرجل الذي التمس سعدا أبي كعب، فالله أعلم.
وكان سعد بن الربيع من النقباء ليلة العقبة رضي الله عنه، وهو الذي آخى رسول الله ﷺ بينه وبين عبد الرحمن بن عوف.
قال ابن إسحاق: وخرج رسول الله ﷺ فيما بلغني يلتمس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثّل به فجدع أنفه وأذناه، فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير أن رسول الله ﷺ قال حين رأى ما رأى: «لولا أن تحزن صفية وتكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع، وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم».
فلما رأى المسلمون حزن رسول الله ﷺ وغيظه على من فعل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب.
قال ابن إسحاق: فحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب، وحدثني من لا أتهم عن ابن عباس: أن الله أنزل في ذلك: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ... } الآية [النحل: 126]
قال: فعفا رسول الله ﷺ وصبر، ونهى عن المثلة.
قلت: هذه الآية مكية، وقصة أحد بعد الهجرة بثلاث سنين فكيف يلتئم هذا، فالله أعلم؟
قال: وحدثني حميد الطويل، عن الحسن، عن سمرة بن جندب قال: ما قام رسول الله ﷺ في مقام قط ففارقه، حتى يأمر بالصدقة وينهى عن المثلة.
وقال ابن هشام: ولما وقف النبي ﷺ على حمزة قال: «لن أصاب بمثلك أبدا، ما وقفت قط موقفا أغيظ إلي من هذا».
ثم قال: «جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله».
قال ابن هشام: وكان حمزة وأبو سلمة بن عبد الأسد أخو رسول الله ﷺ من الرضاعة، أرضعتهم ثلاثتهم: ثويبة مولاة أبي لهب.