البداية والنهاية/الجزء الرابع/غزوة أوطاس

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



غزوة أوطاس


وكان سببها أن هوازن لما انهزمت ذهبت فرقة منهم فيهم الرئيس مالك بن عوف النصري، فلجأوا إلى الطائف فتحصنوا بها، وسارت فرقة فعسكروا بمكان يقال له أوطاس، فبعث إليهم رسول الله سرية من أصحابه عليهم أبو عامر الأشعري فقاتلوهم فغلبوهم.

ثم سار رسول الله بنفسه الكريمة، فحاصر أهل الطائف كما سيأتي.

قال ابن إسحاق: ولما انهزم المشركون يوم حنين أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجه بعضهم إلى نخلة، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف، وتبعت خيل رسول الله من سلك الثنايا.

قال: فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهان السلمي ويعرف بابن الدغنة - وهي أمه - دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة، وذلك أنه في شجار لهم، فإذا برجل فأناخ به، فإذا شيخ كبير، وإذا دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام، فقال له دريد: ماذا تريد بي؟

قال: أقتلك.

قال: ومن أنت؟

قال: أنا ربيعة بن رفيع السلمي، ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا.

قال: بئس ما سلحتك أمك! خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في الشجار، ثم اضرب به، وارفع عن العظام، واخفض عن الدماغ، فإني كذلك كنت أضرب الرجال.

ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلك دريد بن الصمة، قرب والله يوم منعت فيه نساءك، فزعم بنو سليم أن ربيعة قال: لما ضربته فوقع تكشف، فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل أعراء.

فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه، فقالت: أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا.

ثم ذكر ابن إسحاق ما رثت به عمرة بنت دريد أباها، فمن ذلك قولها:

قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا * فظل دمعي على السربال منحدر

لولا الذي قهر الأقوام كلهم * رأت سليم وكعب كيف يأتمر

إذن لصبحهم غبا وظاهرة * حيث استقرت نواهم جحفل ذفر

قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري، فأدرك من الناس بعض من انهزم، فناوشوه القتال، فرمى أبو عامر فقتل، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري وهو ابن عمه، فقاتلهم ففتح الله عليه وهزمهم الله عز وجل.

ويزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم فأصاب ركبته فقتله، وقال:

إن تسألوا عني فإني سلمه * ابن سمادير لمن توسمه

أضرب بالسيف رؤوس المسلمه

قال ابن إسحاق: وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر وحديثه: أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين، فحمل عليه أحدهم، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر، ثم حمل عليه آخر، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: اللهم اشهد عليه، فقتله أبو عامر.

ثم جعلوا يحملون عليه وهو يقول ذلك، حتى قتل تسعة وبقي العاشر، فحمل على أبي عامر، وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: اللهم اشهد عليه.

فقال الرجل: اللهم لا تشهد عليَّ، فكف عنه أبو عامر فأفلت، فأسلم بعد فحسن إسلامه، فكان النبي إذا رآه قال: «هذا شريد أبي عامر».

قال: ورمى أبا عامر؛ أخوان: العلاء وأوفى ابنا الحارث، من بني جشم بن معاوية، فأصاب أحدهما قلبه، والآخر ركبته فقتلاه، وولى الناس أبا موسى، فحمل عليهما فقتلهما، فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما:

إن الرزية قتل العلا * ء وأوفى جميعا ولم يسندا

هما القاتلان أبا عامر * وقد كان داهية أربدا

هما تركاه لدى معرك * كأن على عطفه مجسدا

فلم ير في الناس مثليهما * أقل عثارا وأرمى يدا

وقال البخاري: ثنا محمد بن العلاء، وحدثنا أبو أسامة، عن يزيد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: لما فرغ رسول الله من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه.

قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، فرمى أبو عامر في ركبته، رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته.

قال: فانتهيت إليه فقلت: يا عم من رماك؟

فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له فلحقته، فلما رآني ولى، فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي ألا تثبت؟

فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك.

قال: فانتزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء.

قال: يا ابن أخي أقرئ رسول الله السلام، وقل له: استغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيرا ثم مات، فرجعت فدخلت على رسول الله في بيته على سرير مرمل وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقوله: قل له استغفر لي.

قال: فدعا بماء فتوضأ، ثم رفع يديه فقال: «اللهم اغفر لعبيد أبي عامر» ورأيت بياض إبطيه ثم قال: «اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك - أو من الناس».

فقلت: ولي فاستغفر.

فقال: «اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما».

قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى رضي الله عنهما.

ورواه مسلم، عن أبي كريب محمد بن العلاء، وعبد الله بن أبي براد، عن أبي أسامة به نحوه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبا سفيان - وهو الثوري - عن عثمان البتي، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا نساء من سبي أوطاس ولهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي فنزلت هذه الآية: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [النساء: 24] .

قال: فاستحللنا بها فروجهن.

وهكذا رواه الترمذي، والنسائي من حديث عثمان البتي به.

وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث شعبة، عن قتادة عن، أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري.

وقد رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة، زاد مسلم، وشعبة، والترمذي من حديث همام، عن يحيى ثلاثتهم عن قتادة، عن أبي الخليل، عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد:

أن أصحاب رسول الله أصابوا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج من أهل الشرك، فكان أناس من أصحاب رسول الله كفوا وتأثموا من غشيانهن، فنزلت هذه الآية في ذلك: { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم }

وهذا لفظ أحمد بن حنبل، فزاد في هذا الإسناد أبا علقمة الهاشمي وهو ثقة، وكان هذا هو المحفوظ، والله أعلم.

وقد استدل جماعة من السلف بهذه الآية الكريمة على أن بيع الأمة طلاقها.

روى ذلك عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري وخالفهم الجمهور مستدلين بحديث بريرة حيث بيعت، ثم خيرت في فسخ نكاحها أو إبقائه، فلو كان بيعها طلاقها لها لما خيرت.

وقد تقصينا الكلام على ذلك في التفسير بما فيه كفاية وسنذكره إن شاء الله في (الأحكام الكبير)، وقد استدل جماعة من السلف على إباحة الأمة المشركة بهذا الحديث في سبايا أوطاس، وخالفهم الجمهور وقالوا: هذه قضية عين، فلعلهن أسلمن أو كن كتابيات، وموضع تقرير ذلك في (الأحكام الكبير) إن شاء الله تعالى.

البداية والنهاية - الجزء الرابع
سنة ثلاث من الهجرة غزوة نجد | غزوة الفرع من بحران | خبر يهود بني قينقاع في المدينة | سرية زيد بن حارثة إلى ذي القردة | مقتل كعب بن الأشرف | غزوة أحد في شوال سنة ثلاث | مقتل حمزة رضي الله عنه | فصل نصر الله للمسلمين يوم بدر | فصل فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ من المشركين قبحهم الله | فصل رد رسول الله عين قتادة بن النعمان عندما سقطت يوم أحد | فصل مشاركة أم عمارة في القتال يوم أحد | فصل في أول من عرف رسول الله بعد الهزيمة كعب بن مالك | دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد | فصل سؤال النبي عليه السلام عن سعد بن الربيع أهو حي أم ميت | الصلاة على حمزة وقتلى أحد | فصل في عدد الشهداء | فصل نعي رسول الله لحمنة بنت جحش أخيها وخالها وزوجها يوم أحد | خروج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه على ما بهم من القرح والجراح في أثر أبي سفيان | فصل فيما تقاول به المؤمنون والكفار في وقعة أحد من الأشعار | آخر الكلام على وقعة أحد | سنة أربع من الهجرة النبوية | غزوة الرجيع | سرية عمرو بن أمية الضمري | سرية بئر معونة | غزوة بني النضير وفيها سورة الحشر | قصة عمرو بن سعدي القرظي | غزوة بني لحيان | غزوة ذات الرقاع | قصة غورث بن الحارث | قصة الذي أصيبت امرأته يومذاك | قصة جمل جابر | غزوة بدر الآخرة | فصل في جملة من الحوادث الواقعة سنة أربع من الهجرة | سنة خمس من الهجرة النبوية غزوة دومة الجندل | غزوة الخندق أو الأحزاب | فصل نزول قريش بمجتمع الأسيال يوم الخندق | فصل في دعائه عليه السلام على الأحزاب | فصل في غزوة بني قريظة | وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه | فصل الأشعار في الخندق وبني قريظة | مقتل أبي رافع اليهودي | مقتل خالد بن سفيان الهذلي | قصة عمرو بن العاص مع النجاشي | فصل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة | تزويجه بزينب بنت جحش | نزول الحجاب صبيحة عرس زينب | سنة ست من الهجرة | غزوة ذي قرد | غزوة بني المصطلق من خزاعة | قصة الإفك | غزوة الحديبية | سياق البخاري لعمرة الحديبية | فصل في السرايا التي كانت في سنة ست من الهجرة | فصل فيما وقع من الحوادث في هذه السنة | سنة سبع من الهجرة غزوة خيبر في أولها | فصل فتح رسول الله عليه السلام للحصون | ذكر قصة صفية بنت حيي النضرية | فصل محاصرة النبي عليه السلام أهل خيبر في حُصنيهم | فصل فتح حصونها وقسيمة أرضها | فصل تخصيص شيء من الغنيمة للعبيد والنساء ممن شهدوا خيبر | ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب ومسلمو الحبشة المهاجرون | قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر | فصل انصراف رسول الله إلى وادي القرى ومحاصرة أهله | فصل من استشهد بخيبر من الصحابة | خبر الحجاج بن علاط البهزي | فصل مروره صلى الله عليه وسلم بوادي القرى ومحاصرة اليهود ومصالحتهم | فصل تقسيم الثمار و الزروع في خيبر بين المسلمين و اليهود بالعدل | سرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة | سرية عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة وراء مكة بأربعة أميال | سرية عبد الله بن رواحة إلى يسير بن رزام اليهودي | سرية أخرى مع بشير بن سعد | سرية بني حدرد إلى الغابة | السرية التي قتل فيها محلم بن جثامة عامر بن الأضبط | سرية عبد الله بن حذافة السهمي | عمرة القضاء | قصة تزويجه عليه السلام بميمونة | ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة بعد قضاء عمرته | فصل إرسال سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم | فصل رد رسول الله عليه السلام ابنته زينب على زوجها أبي العاص | سنة ثمان من الهجرة النبوية | طريق إسلام خالد بن الوليد | سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى هوازن | سرية كعب بن عمير إلى بني قضاعة | غزوة مؤتة | فصل إصابة جعفر وأصحابه | فصل عطف رسول الله عليه السلام على ابن جعفر عند إصابة أبيه | فصل في فضل زيد وجعفر وعبد الله رضي الله عنهم | فصل في من استشهد يوم مؤتة | ما قيل من الأشعار في غزوة مؤتة | كتاب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الآفاق وكتبه إليهم | إرساله صلى الله عليه وسلم إلى ملك العرب من النصارى بالشام | بعثه إلى كسرى ملك الفرس | بعثه صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب مدينة الإسكندرية واسمه جريج بن مينا القبطي | غزوة ذات السلاسل | سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر | غزوة الفتح الأعظم وكانت في رمضان سنة ثمان | قصة حاطب بن أبي بلتعة | فصل استخلاف كلثوم بن حصين الغفاري على المدينة | فصل إسلام العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم | فصل نزول النبي عليه السلام إلى مر الظهران | صفة دخوله صلى الله عليه وسلم مكة | فصل عدد الذين شهدوا فتح مكة | بعثه عليه السلام خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة | بعث خالد بن الوليد لهدم العزى | فصل في مدة إقامته عليه السلام بمكة | فصل فيما حكم عليه السلام بمكة من الأحكام | فصل مبايعة رسول الله الناس يوم الفتح على الإسلام والشهادة | غزوة هوازن يوم حنين | الوقعة وما كان أول الأمر من الفرار ثم العاقبة للمتقين | فصل هزيمة هوازن | فصل في الغنائم | فصل أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يقتل وليدا | غزوة أوطاس | من استشهد يوم حنين وأوطاس | ما قيل من الأشعار في غزوة هوازن | غزوة الطائف | مرجعه عليه السلام من الطائف | قدوم مالك بن عوف النصري على الرسول | اعتراض بعض أهل الشقاق على الرسول | مجيء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة عليه بالجعرانة | عمرة الجعرانة في ذي القعدة | إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى وذكر قصيدته بانت سعاد | الحوادث المشهورة في سنة ثمان والوفيات