البداية والنهاية/الجزء الرابع/فصل في من استشهد يوم مؤتة
فمن المهاجرين: جعفر بن أبي طالب، ومولاهم زيد بن حارثة الكلبي، ومسعود بن الأسود بن حارثة بن نضلة العدوي، ووهب بن سعد بن أبي سرح، فهؤلاء أربعة نفر.
ومن الأنصار: عبد الله بن رواحة، وعباد بن قيس الخزرجيان، والحارث بن النعمان بن أساف بن نضلة النجاري، وسراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء المازني أربعة نفر، فمجموع من قتل من المسلمين يومئذ هؤلاء الثمانية على ما ذكره ابن إسحاق.
لكن قال ابن هشام: وممن استشهد يوم مؤتة فيما ذكره ابن شهاب الزهري: أبو كليب، وجابر ابنا عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول المازنيان، وهما شقيقان لأب وأم، وعمرو وعامر ابنا سعد بن الحارث بن عباد بن سعد بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أقصى، فهؤلاء أربعة من الأنصار أيضا.
فالمجموع على القولين اثنا عشر رجلا، وهذا عظيم جدا أن يتقاتل جيشان متعاديان في الدين، أحدهما وهو الفئة التي تقاتل في سبيل الله عدتها ثلاثة آلاف، وأخرى كافرة وعدتها مائتا ألف مقاتل، من الروم مائة ألف، ومن نصارى العرب مائة ألف، يتبارزون ويتصاولون، ثم مع هذا كله لا يقتل من المسلمين إلا اثنا عشر رجلا، وقد قتل من المشركين خلق كثير.
هذا خالد وحده يقول: لقد اندقت في يدي يومئذ تسعة أسياف، وما صبرت في يدي إلا صفحة يمانية، فماذا ترى قد قتل بهذه الأسياف كلها؟!
دع غيره من الأبطال والشجعان من حملة القرآن، وقد تحكموا في عبدة الصلبان، عليهم لعائن الرحمن، في ذلك الزمان وفي كل أوان.
وهذا مما يدخل في قوله تعالى: { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ } [آل عمران: 13] .
حديث فيه فضيلة عظيمة لأمراء هذه السرية
وهم زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم.
قال الإمام العالم الحافظ أبو زرعة عبد الله بن عبد الكريم الرازي نضر الله وجهه في كتابه (دلائل النبوة) - وهو كتاب جليل - حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي، ثنا الوليد، ثنا ابن جابر، وحدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الوليد وعمرو - يعني ابن عبد الواحد - قالا:
ثنا ابن جابر، سمعت سليم بن عامر الخبائري يقول: أخبرني أبو أمامة الباهلي، سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«بينا أنا نائم إذا أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا فقالا اصعد، فقلت لا أطيقه، فقالا: أنا سنسهله لك، قال فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة فقلت ما هؤلاء الأصوات؟
فقالا: عواء أهل النار، ثم انطلقا بي فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، فقلت: ما هؤلاء فقالا هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم، فقال: خابت اليهود والنصارى».
قال سليم: سمعه من رسول الله ﷺ أم من رأيه؟
«ثم انطلقا بي فإذا قوم أشد شيء انتفاخا وأنتن شيء ريحا كأن ريحهم المراحيض، قلت: من هؤلاء؟
قال: هؤلاء قتلى الكفار، ثم انطلقا بي فإذا بقوم أشد انتفاخا وأنتن شيء ريحا كأن ريحهم المراحيض، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون والزواني، ثم انطلقا بي فإذا بنساء ينهش ثديهن الحيات، فقلت: ما بال هؤلاء؟ قالا: هؤلاء اللاتي يمنعن أولادهن ألبانهن.
ثم انطلقا بي فإذا بغلمان يلعبون بين بحرين، قلت: من هؤلاء؟ قالا: هؤلاء ذراري المؤمنين، ثم أشرفا بي شرفا فإذا بنفر ثلاثة يشربون من خمر لهم، فقلت: من هؤلاء؟ قالا: هذا جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة.
ثم أشرفا بي شرفا آخر فإذا أنا بنفر ثلاثة، فقلت: من هؤلاء؟ قالا: هذا إبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم السلام، وهم ينتظرونك».