البداية والنهاية/الجزء الرابع/فصل نعي رسول الله لحمنة بنت جحش أخيها وخالها وزوجها يوم أحد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



فصل نعي رسول الله لحمنة بنت جحش أخيها وخالها وزوجها يوم أحد


قال ابن إسحاق: ثم انصرف رسول الله إلى المدينة فلقيته حمنة بنت جحش كما ذكر لي، فلما لقيت الناس نعي إليها أخوها عبد الله بن جحش فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير فصاحت وولولت.

فقال رسول الله : «إن زوج المرأة منها لبمكان» لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها وصياحها على زوجها.

وقد قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا إسحاق بن محمد الفروي، حدثنا عبد الله بن عمر، عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جحش، عن أبيه، عن حمنة بنت جحش: أنه قيل لها قتل أخوك، فقالت: رحمه الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

فقالوا: قتل زوجك.

قالت: واحزناه.

فقال رسول الله : «إن للزوج من المرأة لشعبة ما هي لشيء».

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الواحد بن أبي عون، عن إسماعيل، عن محمد عن سعد بن أبي وقاص قال: مر رسول الله بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها، وأخوها، وأبوها مع رسول الله بأحد، فلما نعوا لها قالت: ما فعل رسول الله ؟

قالوا: خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين.

قالت: أرونيه حتى أنظر إليه.

قال: فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل.

قال ابن هشام: الجلل يكون من القليل والكثير، وهو ههنا القليل.

قال امرؤ القيس:

لقتل بني أسد ربهم * ألا كل شيء خلاه جلل

أي: صغير وقليل.

قال ابن إسحاق: فلما انتهى رسول الله إلى أهله، ناول سيفه ابنته فاطمة فقال: «اغسلي عن هذا دمه يا بنيه، فوالله لقد صدقني في هذا اليوم» وناولها علي بن أبي طالب سيفه فقال: وهذا فاغسلي عنه دمه، فوالله لقد صدقني اليوم.

فقال رسول الله : «لئن كنت صدقت القتال، لقد صدقه معك سهل بن حنيف وأبو دجانة».

وقال موسى بن عقبة في موضع آخر: ولما رأى رسول الله سيف علي مخضبا بالدماء قال: «لئن كنت أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف»

وروى البيهقي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جاء علي بن أبي طالب بسيفه يوم أحد قد انحنى فقال لفاطمة: هاك السيف حميدا فإنها قد شفتني.

فقال رسول الله : «لئن كنت أجدت الضرب بسيفك، لقد أجاده سهل بن حنيف، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة».

قال ابن هشام: وسيف رسول الله هذا هو ذو الفقار.

قال: وحدثني بعض أهل العلم، عن ابن أبي نجيح قال: نادى مناد يوم أحد: لا سيف إلا ذو الفقار.

قال: وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله قال لعلي: لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح علينا.

قال ابن إسحاق: ومر رسول الله بدار بني عبد الأشهل، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم، فذرفت عينا رسول الله ثم قال: «لكن حمزة لا بواكي له».

فلما رجع سعد بن معاذ، وأسيد بن الحضير إلى دار بني عبد الأشهل أمرا نساءهن أن يتحزمن، ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله .

فحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن بعض رجال بني عبد الأشهل قال: لما سمع رسول الله بكاءهن على حمزة، خرج عليهن وهن في باب المسجد يبكين فقال: «ارجعن يرحمكن الله فقد آسيتن بأنفسكن».

قال: ونهى رسول الله يومئذ عن النوح فيما قال ابن هشام.

وهذا الذي ذكره منقطع ومنه مرسل، وقد أسنده الإمام أحمد فقال: حدثنا زيد بن الحباب، حدثني أسامة بن زيد، حدثني نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله لما رجع من أحد، فجعل نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهن قال: فقال رسول الله : «ولكن حمزة لا بواكي له».

قال: ثم نام فاستنبه وهن يبكين، قال: «فهن اليوم إذا يبكين يندبن حمزة». وهذا على شرط مسلم.

وقد رواه ابن ماجه، عن هارون بن سعيد، عن ابن وهب، عن أسامة بن زيد الليثي، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله مر بنساء بني عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم أحد، فقال رسول الله : «لكن حمزة لا بواكي له».

فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة، فاستيقظ رسول الله فقال: «ويحهن ما انقلبن بعد مرورهن، فلينقلبن ولا يبكين على هالك بعد اليوم».

وقال موسى بن عقبة: ولما دخل رسول الله أزقة المدينة، إذا النوح والبكاء في الدور، قال: «ما هذا؟» قالوا: هذه نساء الأنصار يبكين قتلاهم.

فقال: «لكن حمزة لا بواكي له» واستغفر له فسمع ذلك سعد بن معاذ بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن رواحة، فمشوا إلى دورهم فجمعوا كل نائحة باكية كانت بالمدينة فقالوا: والله لا تبكين قتلى الأنصار حتى تبكين عم النبي ، فإنه قد ذكر أنه لا بواكي له بالمدينة، وزعموا أن الذي جاء بالنوائح عبد الله بن رواحة.

فلما سمع رسول الله قال: «ما هذا؟» فأخبر بما فعلت الأنصار بنسائهم فاستغفر لهم، وقال لهم خيرا، وقال: «ما هذا أردت وما أحب البكاء» ونهى عنه.

وهكذا ذكر ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير سواء قال موسى بن عقبة: وأخذ المنافقون عند بكاء المسلمين في المكر والتفريق عن رسول الله ، وتحزين المسلمين، وظهر غش اليهود، وفارت المدينة بالنفاق فور المرجل وقالت اليهود: لو كان نبيا ما ظهروا عليه، ولا أصيب منه ما أصيب، ولكنه طالب ملك تكون له الدولة وعليه.

وقال المنافقون مثل قولهم، وقالوا للمسلمين: لو كنتم أطعتمونا ما أصابكم الذين أصابوا منكم، فأنزل الله القرآن في طاعة من أطاع، ونفاق من نافق، وتعزية المسلمين يعني فيمن قتل منهم، فقال: { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم.. } الآيات كلها كما تكلمنا على ذلك في التفسير، ولله الحمد والمنة.

البداية والنهاية - الجزء الرابع
سنة ثلاث من الهجرة غزوة نجد | غزوة الفرع من بحران | خبر يهود بني قينقاع في المدينة | سرية زيد بن حارثة إلى ذي القردة | مقتل كعب بن الأشرف | غزوة أحد في شوال سنة ثلاث | مقتل حمزة رضي الله عنه | فصل نصر الله للمسلمين يوم بدر | فصل فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ من المشركين قبحهم الله | فصل رد رسول الله عين قتادة بن النعمان عندما سقطت يوم أحد | فصل مشاركة أم عمارة في القتال يوم أحد | فصل في أول من عرف رسول الله بعد الهزيمة كعب بن مالك | دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد | فصل سؤال النبي عليه السلام عن سعد بن الربيع أهو حي أم ميت | الصلاة على حمزة وقتلى أحد | فصل في عدد الشهداء | فصل نعي رسول الله لحمنة بنت جحش أخيها وخالها وزوجها يوم أحد | خروج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه على ما بهم من القرح والجراح في أثر أبي سفيان | فصل فيما تقاول به المؤمنون والكفار في وقعة أحد من الأشعار | آخر الكلام على وقعة أحد | سنة أربع من الهجرة النبوية | غزوة الرجيع | سرية عمرو بن أمية الضمري | سرية بئر معونة | غزوة بني النضير وفيها سورة الحشر | قصة عمرو بن سعدي القرظي | غزوة بني لحيان | غزوة ذات الرقاع | قصة غورث بن الحارث | قصة الذي أصيبت امرأته يومذاك | قصة جمل جابر | غزوة بدر الآخرة | فصل في جملة من الحوادث الواقعة سنة أربع من الهجرة | سنة خمس من الهجرة النبوية غزوة دومة الجندل | غزوة الخندق أو الأحزاب | فصل نزول قريش بمجتمع الأسيال يوم الخندق | فصل في دعائه عليه السلام على الأحزاب | فصل في غزوة بني قريظة | وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه | فصل الأشعار في الخندق وبني قريظة | مقتل أبي رافع اليهودي | مقتل خالد بن سفيان الهذلي | قصة عمرو بن العاص مع النجاشي | فصل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة | تزويجه بزينب بنت جحش | نزول الحجاب صبيحة عرس زينب | سنة ست من الهجرة | غزوة ذي قرد | غزوة بني المصطلق من خزاعة | قصة الإفك | غزوة الحديبية | سياق البخاري لعمرة الحديبية | فصل في السرايا التي كانت في سنة ست من الهجرة | فصل فيما وقع من الحوادث في هذه السنة | سنة سبع من الهجرة غزوة خيبر في أولها | فصل فتح رسول الله عليه السلام للحصون | ذكر قصة صفية بنت حيي النضرية | فصل محاصرة النبي عليه السلام أهل خيبر في حُصنيهم | فصل فتح حصونها وقسيمة أرضها | فصل تخصيص شيء من الغنيمة للعبيد والنساء ممن شهدوا خيبر | ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب ومسلمو الحبشة المهاجرون | قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر | فصل انصراف رسول الله إلى وادي القرى ومحاصرة أهله | فصل من استشهد بخيبر من الصحابة | خبر الحجاج بن علاط البهزي | فصل مروره صلى الله عليه وسلم بوادي القرى ومحاصرة اليهود ومصالحتهم | فصل تقسيم الثمار و الزروع في خيبر بين المسلمين و اليهود بالعدل | سرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة | سرية عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة وراء مكة بأربعة أميال | سرية عبد الله بن رواحة إلى يسير بن رزام اليهودي | سرية أخرى مع بشير بن سعد | سرية بني حدرد إلى الغابة | السرية التي قتل فيها محلم بن جثامة عامر بن الأضبط | سرية عبد الله بن حذافة السهمي | عمرة القضاء | قصة تزويجه عليه السلام بميمونة | ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة بعد قضاء عمرته | فصل إرسال سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم | فصل رد رسول الله عليه السلام ابنته زينب على زوجها أبي العاص | سنة ثمان من الهجرة النبوية | طريق إسلام خالد بن الوليد | سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى هوازن | سرية كعب بن عمير إلى بني قضاعة | غزوة مؤتة | فصل إصابة جعفر وأصحابه | فصل عطف رسول الله عليه السلام على ابن جعفر عند إصابة أبيه | فصل في فضل زيد وجعفر وعبد الله رضي الله عنهم | فصل في من استشهد يوم مؤتة | ما قيل من الأشعار في غزوة مؤتة | كتاب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الآفاق وكتبه إليهم | إرساله صلى الله عليه وسلم إلى ملك العرب من النصارى بالشام | بعثه إلى كسرى ملك الفرس | بعثه صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب مدينة الإسكندرية واسمه جريج بن مينا القبطي | غزوة ذات السلاسل | سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر | غزوة الفتح الأعظم وكانت في رمضان سنة ثمان | قصة حاطب بن أبي بلتعة | فصل استخلاف كلثوم بن حصين الغفاري على المدينة | فصل إسلام العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم | فصل نزول النبي عليه السلام إلى مر الظهران | صفة دخوله صلى الله عليه وسلم مكة | فصل عدد الذين شهدوا فتح مكة | بعثه عليه السلام خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة | بعث خالد بن الوليد لهدم العزى | فصل في مدة إقامته عليه السلام بمكة | فصل فيما حكم عليه السلام بمكة من الأحكام | فصل مبايعة رسول الله الناس يوم الفتح على الإسلام والشهادة | غزوة هوازن يوم حنين | الوقعة وما كان أول الأمر من الفرار ثم العاقبة للمتقين | فصل هزيمة هوازن | فصل في الغنائم | فصل أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يقتل وليدا | غزوة أوطاس | من استشهد يوم حنين وأوطاس | ما قيل من الأشعار في غزوة هوازن | غزوة الطائف | مرجعه عليه السلام من الطائف | قدوم مالك بن عوف النصري على الرسول | اعتراض بعض أهل الشقاق على الرسول | مجيء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة عليه بالجعرانة | عمرة الجعرانة في ذي القعدة | إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى وذكر قصيدته بانت سعاد | الحوادث المشهورة في سنة ثمان والوفيات