البداية والنهاية/الجزء السادس/ومن كتاب دلائل النبوة في باب إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيوب المستقبلة
فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: « إنه قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر بن الخطاب ».
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا عبيد الله بن موسى، أنا أبو إسرائيل كوفي عن الوليد بن العيزار، عن عمر بن ميمون، عن علي رضي الله عنه قال: ما كنا ننكر ونحن متوافرون أصحاب محمد ﷺ أن السكينة تنطق على لسان عمر.
قال البيهقي: تابعه زر بن حبيش والشعبي عن علي.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: كنا نتحدث أن عمر بن الخطاب ينطق على لسان ملك.
وقد ذكرنا في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشياء كثيرة من مكاشفاته وما كان يخبر به من المغيبات كقصة سارية بن زنيم وما شاكلها ولله الحمد والمنة.
ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث فراس عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها أن نساء النبي ﷺ اجتمعن عنده فقلن يوما: يا رسول الله أيتنا أسرع بك لحوقا؟
فقال: « أطولكن يدا » وكانت سودة أطولنا ذراعا فكانت أسرعنا به لحوقا.
هكذا وقع في الصحيح عند البخاري أنها سودة.
وقد رواه يونس بن بكير عن زكريا ابن أبي زائدة عن الشعبي فذكر الحديث مرسلا، وقال: فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة.
والذي رواه مسلم عن محمود بن غيلان، عن الفضل بن موسى، عن طلحة بن يحيى بن طلحة، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فذكرت الحديث، وفيه فكانت زينب أطولنا يدا لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق.
وهذا هو المشهور عن علماء التاريخ أن زينب بنت جحش كانت أول أزواج النبي ﷺ وفاة.
قال الواقدي: توفيت سنة عشرين، وصلى عليها عمر بن الخطاب.
قلت: وأما سودة فإنها توفيت في آخر إمارة عمر بن الخطاب أيضا، قاله ابن أبي خيثمة.
ومن ذلك ما رواه مسلم من حديث أسيد بن جابر عن عمر بن الخطاب في قصة أويس القرني وإخباره عليه السلام عنه بأنه خير التابعين، وأنه كان به برص فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضعا قدر الدرهم من جسده، وأنه بار بأمه، وأمره لعمر بن الخطاب أن يستغفر له، وقد وجد هذا الرجل في زمان عمر بن الخطاب على الصفة والنعت الذي ذكره في الحديث سواء.
وقد ذكرت طرق هذا الحديث وألفاظه والكلام عليه مطولا في الذي جمعته من مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولله الحمد والمنة.
ومن ذلك ما رواه أبو داود: حدثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا الوليد بن عبد الله بن جميع، حدثني جرير بن عبد الله وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة بنت نوفل أن رسول الله ﷺ لما غزا بدرا، قالت: يا رسول الله إئذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم لعل الله يرزقني بالشهادة.
فقال لها: « قري في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة » فكانت تسمى الشهيدة، وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي ﷺ أن تتخذ في بيتها مؤذنا يؤذن لها، وكانت دبرت غلاما لها وجارية، فقاما إليها بالليل فغماها في قطيفة لها حتى ماتت وذهبا.
فأصبح عمر فقام في الناس وقال: من عنده من هذين علم أو من رآهما فليجيء بهما، فجيء بهما فأمر بهما فصلبا وكانا أول مصلوبين بالمدينة.
وقد رواه البيهقي من حديث أبي نعيم، ثنا الوليد بن جميع، حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث وكان رسول الله ﷺ يزورها ويسميها الشهيدة، فذكر الحديث.
وفي آخره فقال عمر: صدق رسول الله ﷺ كان يقول: « انطلقوا بنا نزور الشهيدة ».
ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني عن عوف بن مالك في حديثه عنه في الآيات الست بعد موته وفيه ثم موتان بأحدكم كقصاص الغنم.
وهذا قد وقع في أيام عشر وهو طاعون عمواس سنة ثماني عشرة ومات بسببه جماعات من سادات الصحابة منهم: معاذ بن جبل، وأبو عبيدة، ويزيد ابن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وأبو جندل سهل بن عمر وأبوه، والفضل بن العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنهم أجمعين -.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا النهاس بن قهم، ثنا شداد أبو عمار، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله ﷺ: « ست من أشراط الساعة موتي، وفتح بيت المقدس، وموت يأخذ في الناس كقصاص الغنم، وفتنة يدخل حربها بيت كل مسلم، وأن يعطى الرجل ألف دينار فيسخطها، وأن يغزو الروم فيسيرون إليه بثمانين بندا تحت كل بند اثنا عشر ألفا ».
وقد قال الحافظ البيهقي: أنا أبو زكريا ابن أبي إسحاق، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر، ثنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن حبان أنه سمع سليمان بن موسى يذكر أن الطاعون وقع بالناس يوم جسر عموسة، فقام عمرو بن العاص فقال: يا أيها الناس إنما هذا الوجع رجس فتنحوا عنه.
فقام شرحبيل بن حسنة فقال: يا أيها الناس إني قد سمعت قول صاحبكم وإني والله لقد أسلمت وصليت، وإن عمرا لأضل من بعير أهله، وإنما هو بلاء أنزله الله عز وجل فاصبروا.
فقام معاذ بن جبل فقال: يا أيها الناس إني قد سمعت قول صاحبيكم هذين وإن هذا الطاعون رحمة بكم، ودعوة نبيكم ﷺ وإني قد سمعت رسول الله ﷺ يقول: « إنكم ستقدمون الشام فتنزلون أرضا يقال لها: أرض عموسة فيخرج بكم فيها خرجان له ذباب كذباب الدمل يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم ويزكي به أموالكم ».
اللهم إن كنت تعلم أني قد سمعت هذا من رسول الله ﷺ فارزق معاذا وآل معاذ منه الحظ الأوفى ولا تعافه منه.
قال: فطعن في السبابة فجعل ينظر إليها ويقول: اللهم بارك فيها فإنك إذا باركت في الصغير كان كبيرا، ثم طعن ابنه فدخل عليه فقال: { الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } [البقرة: 147] .
فقال: { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } [الصافات: 102] .
وثبت في الصحيحين من حديث الأعمش وجامع ابن أبي راشد عن شقيق بن سلمة، عن حذيفة قال: كنا جلوسا عند عمر، فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله ﷺ في الفتنة؟
قلت: أنا.
قال: هات إنك لجريء.
فقلت: ذكر فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ».
فقال: ليس هذا أعني إنما أعني التي تموج موج البحر.
فقلت: يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابا مغلقا.
قال: ويحك يفتح الله أم يكسر؟
قلت: بل يكسر.
قال: إذا لا يغلق أبدا.
قلت: أجل.
فقلنا لحذيفة: فكان عمر يعلم من الباب؟
قال: نعم، وإني حدثته حديثا ليس بالأغاليط.
قال: فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب.
فقلنا لمسروق فسأله، فقال: من بالباب؟
قال: عمر، وهكذا وقع من بعد مقتل عمر وقعت الفتن في الناس، وتأكد ظهورها بمقتل عثمان بن عفان - رضي الله عنهما.
وقد قال يعلى بن عبيد: عن الأعمش عن سفيان، عن عروة بن قيس قال: خطبنا خالد بن الوليد فقال: إن أمير المؤمنين عمر بعثني إلى الشام فحين ألقى بوانيه بثنية وعسلا أراد أن يؤثر بها غيري ويبعثني إلى الهند.
فقال رجل من تحته: إصبر أيها الأمير فإن الفتن قد ظهرت.
فقال خالد: أما وابن الخطاب حي فلا، وإنما ذاك بعده.
وقد روى الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: أبصر رسول الله ﷺ على عمر ثوبا فقال: « أجديد ثوبك أم غسيل؟ »
قال: بل غسيل.
قال: « إلبس جديدا، وعش حميدا، ومت شهيدا » وأظنه قال: « ويرزقك الله قرة عين في الدنيا والآخرة ».
وهكذا رواه النسائي وابن ماجه من حديث عبد الرزاق به ثم قال النسائي: هذا حديث منكر أنكره يحيى القطان على عبد الرزاق.
وقد روي عن الزهري من وجه آخر مرسلا، قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ: لا أعلم أحدا رواه عن الزهري غير معمر وما أحسبه بالصحيح والله أعلم.
قلت: رجال إسناده واتصاله على شرط الصحيحين وقد قيل الشيخان، تفرد معمر عن الزهري في غير ما حديث.
ثم قد روى البزار هذا الحديث من طريق جابر الجعفي - وهو ضعيف - عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله سواء.
وقد وقع ما أخبر به في هذا الحديث فإنه رضي الله عنه قتل شهيدا وهو قائم يصلي الفجر في محرابه من المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام.
وقد تقدم حديث أبي ذر في تسبيح الحصا في يد أبي بكر ثم عمر ثم عثمان، وقوله عليه السلام: « هذه خلافة النبوة ».
وقال نعيم بن حماد: ثنا عبد الله بن المبارك، أنا خرج بن نباتة عن سعيد بن جهمان، عن سفينة قال: لما بنى رسول الله ﷺ مسجد المدينة جاء أبو بكر بحجر فوضعه ثم جاء عمر بحجر فوضعه ثم جاء عثمان بحجر فوضعه فقال رسول الله ﷺ: « هؤلاء يكونون خلفاء بعدي ».
وقد تقدم في حديث عبد الله بن حوالة قوله ﷺ: « ثلاث من نجا منهن فقد نجا موتي وقتل خليفة مصطبر والدجال ».
وفي حديثه الآخر الأمر باتباع عثمان عند وقوع الفتنة.
وثبت في الصحيحين من حديث سليمان بن بلال عن شريك ابن أبي نمر، عن سعيد بن المسيب، عن أبي موسى قال: توضأت في بيتي ثم خرجت فقلت: لأكونن اليوم مع رسول الله ﷺ فجئت المسجد فسألت عنه، فقالوا: خرج وتوجه ههنا، فخرجت في أثره حتى جئت بئر أريس وما بها من جريد فمكثت عند بابها حتى علمت أن النبي ﷺ قد قضى حاجته وجلس فجئته فسلمت عليه فإذا هو قد جلس على قف بئر أريس فتوسطه ثم دلى رجليه في البئر وكشف عن ساقيه، فرجعت إلى الباب وقلت: لأكونن بواب رسول الله ﷺ فلم أنشب أن دق الباب فقلت: من هذا؟
قال: أبو بكر.
قلت: على رسلك وذهبت إلى النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن.
فقال: « إئذن لي وبشره بالجنة ».
قال: فخرجت مسرعا حتى قلت لأبي بكر: إدخل ورسول الله ﷺ يبشرك بالجنة.
قال: فدخل حتى جلس إلى جنب النبي ﷺ في القف على يمينه ودلى رجليه وكشف عن ساقيه كما صنع النبي ﷺ.
قال: ثم رجعت وقد كنت تركت أخي يتوضأ وقد كان قال لي: أنا على إثرك.
فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا يأت به.
قال: فسمعت تحريك الباب فقلت: من هذا؟
قال: عمر.
قلت: على رسلك قال: وجئت النبي ﷺ فسلمت عليه وأخبرته.
فقال: « إئذن له وبشره بالجنة ».
قال: فجئت وأذنت له وقلت له: رسول الله ﷺ يبشرك بالجنة، قال: فدخل حتى جلس مع رسول الله ﷺ على يساره وكشف عن ساقيه ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي ﷺ وأبو بكر.
قال: ثم رجعت فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا يأت به - يريد أخاه - فإذا تحريك الباب فقلت: من هذا؟
قال: عثمان بن عفان.
قلت: على رسلك وذهبت إلى رسول الله فقلت: هذا عثمان يستأذن.
فقال: « إئذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ».
قال: فجئت فقلت: رسول الله ﷺ يأذن لك ويبشرك بالجنة على بلوى أو بلاء يصيبك.
فدخل وهو يقول: الله المستعان فلم يجد في القف مجلسا فجلس وجاههم من شق البئر وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر كما صنع رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم اجتمعت وانفرد عثمان.
وقد روى البيهقي من حديث عبد الأعلى ابن أبي المساور: عن إبراهيم بن محمد بن حاطب عن عبد الرحمن بن بجير، عن زيد بن أرقم قال: بعثني رسول الله ﷺ فقال: « انطلق حتى تأتي أبا بكر فتجده في داره جالسا محتبيا فقل: إن رسول الله ﷺ يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة ثم انطلق حتى تأتي الثنية فتلقى عمر راكبا على حمار تلوح صلعته فقل: إن رسول الله يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة ثم انصرف حتى تأتي عثمان فتجده في السوق يبيع ويبتاع فقل: إن رسول الله ﷺ يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد » فذكر الحديث في ذهابه إليهم فوجد كلا منهم كما ذكر رسول الله ﷺ وكلا منهم يقول: أين رسول الله؟
فيقول: في مكان كذا وكذا فيذهب إليه.
وأن عثمان لما رجع قال: يا رسول الله وأي بلاء يصيبني؟ والذي بعثك بالحق ما تغيبت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك فأي بلاء يصيبني؟
فقال: هو ذاك.
ثم قال البيهقي: عبد الأعلى ضعيف فإن كان حفظ هذا الحديث فيحتمل أن رسول الله ﷺ بعث إليهم زيد بن أرقم، فجاء وأبو موسى الأشعري جالس على الباب كما تقدم.
وهذا البلاء الذي أصابه هو ما اتفق وقوعه على يدي من أنكر عليه من رعاع أهل الأمصار بلا علم فوقع ما سنذكره في دولته إن شاء الله من حصرهم إياه في داره حتى آل الحال بعد ذلك كله إلى اضطهاده وقتله وإلقائه على الطريق أياما لا يصلى عليه، ولا يلتفت إليه حتى غسل بعد ذلك وصلي عليه، ودفن بحش كوكب - بستان في طريق البقيع - رضي الله عنه وأرضاه - وجعل جنات الفردوس متقلبه ومثواه.
كما قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى عن إسماعيل بن قيس، عن أبي سهلة مولى عثمان، عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: « إدعو لي بعض أصحابي ».
قلت: أبو بكر؟
قال: « لا ».
قلت: عمر؟
قال: « لا ».
قلت: ابن عمك علي؟
قال: « لا ».
قلت: عثمان؟
قال: « نعم ».
فلما جاء عثمان قال: تنحى فجعل يساره ولون عثمان يتغير.
قال أبو سهلة: فلما كان يوم الدار وحضر فيها قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل؟
قال: لا إن رسول الله ﷺ عهد إلي عهدا وإني صابر نفسي عليه تفرد به أحمد.
ثم قد رواه أحمد عن وكيع عن إسماعيل، عن قيس، عن عائشة فذكر مثله.
وأخرجه ابن ماجه من حديث وكيع.
وقال نعيم بن حماد في كتابه الفتن والملاحم: حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف، عن مجاهد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على رسول الله ﷺ وعثمان بين يديه يناجيه، فلم أدرك من مقالته شيئا إلا قول عثمان: ظلما وعدوانا يا رسول الله، فما دريت ما هو حتى قتل عثمان فعلمت أن رسول الله ﷺ إنما عنى قتله.
قالت عائشة: وما أحببت أن يصل إلى عثمان شيء إلا وصل إلي مثله غيره، إن شاء الله علم أني لم أحب قتله ولو أحببت قتله لقتلت وذلك لما رمى هودجها من النبل حتى صار مثل القنفذ.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو ابن أبي عمرو مولى المطلب، عن حذيفة قال: قال رسول الله ﷺ: « لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم، ويرث دنياكم شراركم ».
وقال البيهقي: أنا أبو الحسين بن بشران، أنا علي بن محمد المصري، ثنا محمد بن إسماعيل السلمي، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني خالد بن يزيد عن سعيد ابن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف أنه حدثه أنه جلس يوما مع شفي الأصبحي فقال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « سيكون فيكم اثنا عشر خليفة أبو بكر الصديق لا يلبث خلفي إلا قليلا، وصاحب رحى العرب يعيش حميدا، ويموت شهيدا ».
فقال رجل: ومن هو يا رسول الله؟
قال: « عمر بن الخطاب » ثم التفت إلى عثمان فقال: « وأنت يسألك الناس أن تخلع قميصا كساكه الله والذي بعثني بالحق لئن خلعته لا تدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ».
ثم روى البيهقي من حديث موسى بن عقبة: حدثني جدي أبو أمي أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: « إنكم ستلقون بعدي فتنة واختلافا ».
فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ أو ما تأمرنا؟
فقال: « عليكم بالأمين وأصحابه - وهو يشير إلى عثمان بذلك - ».
وقد رواه الإمام أحمد: عن عفان عن وهيب، عن موسى بن عقبة به.
وقد تقدم في حديث عبد الله بن حوالة شاهدان له بالصحة والله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان، عن منصور، عن ربعي، عن البراء بن ناجية، عن عبد الله - هو ابن مسعود - عن النبي - ﷺ - قال: « تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين، أو ست وثلاثين، أو سبع وثلاثين، فإن هلكوا فسبيل من قد هلك وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما ».
قال: قلت: أمما مضى؟ أو مما بقي؟
ورواه أبو داود عن محمد بن سليمان الأنباري، عن عبد الرحمن ابن مهدي به.
ثم رواه أحمد عن إسحاق وحجاج عن سفيان، عن منصور، عن ربعي، عن البراء بن ناجية الكاهلي، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: « إن رحى الإسلام ستزول لخمس وثلاثين، أو سبع وثلاثين فإن تهلك فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما ».
قال: قال عمر: يا رسول الله أبما مضى؟ أو بما بقي؟
قال: « بل بما بقي ».
وهكذا رواه يعقوب بن سفيان: عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل، عن منصور به، فقال له عمر فذكره.
قال البيهقي: وقد تابع إسرائيل الأعمش وسفيان الثوري عن منصور قال: وبلغني أن في هذا إشارة إلى الفتنة التي كان منها قتل عثمان سنة خمس وثلاثين، ثم إلى الفتن التي كانت في أيام علي وأراد بالسبعين ملك بني أمية فإنه بقي بين ما استقر لهم الملك إلى أن ظهرت الدعاة بخراسان وضعف أمر بني أمية ودخل الوهن فيه نحوا من سبعين سنة.
قلت: ثم انطوت هذه الحروب أيام صفين وقاتل علي الخوارج في أثناء ذلك كما تقدم الحديث المتفق على صحته في الأخبار بذلك، وفي صفتهم، وصفة الرجل المخدج فيهم.
حديث آخر:
قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثني يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن أم ذر قالت: لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت.
فقال: ما يبكيك؟
فقلت: ومالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض، ولا يد لي بدفنك، وليس عندي ثوب يسعك فأكفنك فيه.
قال: فلا تبكي وابشري فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: « ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين ».
وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية أو جماعة، وإني أنا الذي أموت بالفلاة والله ما كذب ولا كذبت، تفرد به أحمد رحمه الله.
وقد رواه البيهقي من حديث علي بن المديني عن يحيى بن سليم الطائفي به مطولا، والحديث مشهور في موته رضي الله عنه بالربذة سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان وكان في النفر الذين قدموا عليه وهو في السياق عبد الله بن مسعود وهو الذي صلى عليه، ثم قدم المدينة فأقام بها عشر ليال ومات رضي الله عنه.
حديث آخر:
قال البيهقي: أنا الحاكم، أنا الأصم، ثنا محمد بن إسحاق الصنعاني، ثنا عمر بن سعيد الدمشقي، ثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي عبد الله الأشعري، عن أبي الدرداء قال: قلت: يا رسول الله بلغني أنك تقول: « ليرتدن أقوام بعد إيمانهم ».
قال: « أجل ولست منهم ».
قال: فتوفي أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا صفوان، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا عبد الله أو عبد الغفار بن إسماعيل بن عبد الله عن أبيه أنه حدثه عن شيخ من السلف قال: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله ﷺ: « إني فرطكم على الحوض أنتظر من يرد علي منكم فلا ألفين أنازع أحدكم فأقول: إنه من أمتي، فيقال: هل تدري ما أحدثوا بعدك ».
قال أبو الدرداء: فتخوفت أن أكون منهم فأتيت رسول الله ﷺ فذكرت ذلك له.
فقال: « إنك لست منهم ».
قال: فتوفي أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان وقبل أن تقع الفتن.
قال البيهقي: تابعه يزيد ابن أبي مريم عن أبي عبيد الله مسلم بن يشكر، عن أبي الدرداء إلى قوله: « لست منهم ».
قلت: قال سعيد بن عبد العزيز: توفي أبو الدرداء لسنتين بقيتا من خلافة عثمان.
وقال الواقدي وأبو عبيد وغير واحد: توفي سنة اثنتين وثلاثين رضي الله عنه.