البداية والنهاية/الجزء السادس/إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك مقتل الحسين
وسيادة ولده الحسن بن علي في تركه الأمر من بعده وإعطائه لمعاوية:
قال البخاري في دلائل النبوة: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا يحيى بن آدم، ثنا حسين الجعفي عن أبي موسى، عن الحسن، عن أبي بكرة قال: أخرج النبي ﷺ ذات يوم الحسن بن علي فصعد به على المنبر فقال: « إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ».
وقال في كتاب الصلح: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا سفيان عن أبي موسى قال: سمعت الحسن يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية ابن أبي سفيان بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها.
فقال له معاوية: فكان والله خير الرجلين: أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس؟ من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟
فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كريز فقال: إذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه.
فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلبا إليه.
فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها.
قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك.
قال: فمن لي بهذا؟
قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به فصالحه.
فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله ﷺ على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: « إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ».
وقال البخاري: قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت لنا سماع الحسن ابن أبي بكرة بهذا الحديث.
وقد رواه البخاري أيضا في فضل الحسن، وفي كتاب الفتن عن علي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن أبي موسى - وهو إسرائيل بن موسى ابن أبي إسحاق -.
ورواه أبو داود والترمذي من حديث أشعث.
وأبو داود أيضا والنسائي من حديث علي بن زيد بن جدعان، كلهم عن الحسن البصري، عن أبي بكرة به.
وقال الترمذي: صحيح وله طرق عن الحسن مرسلا، وعن الحسن، وعن أم سلمة به.
وهكذا وقع الأمر كما أخبر به النبي ﷺ سواء، فإن الحسن بن علي لما صار إليه الأمر بعد أبيه وركب في جيوش أهل العراق وسار إليه معاوية فتصافا بصفين على ما ذكره الحسن البصري فمال الحسن بن علي إلى الصلح وخطب الناس، وخلع نفسه من الأمر وسلمه إلى معاوية وذلك سنة أربعين فبايعه الأمراء من الجيشين واستقل بأعباء الأمة فسمي ذلك العام عام الجماعة، لاجتماع الكلمة فيه على رجل واحد وسنورد ذلك مفصلا في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقد شهد الصادق المصدوق للفرقتين بالإسلام فمن كفرهم أو واحدا منهم لمجرد ما وقع فقد أخطأ وخالف النص النبوي المحمدي الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وقد تكمل بهذه السنة المدة التي أشار إليها رسول الله ﷺ أنها مدة الخلافة المتتابعة بعده.
كما تقدم في حديث سفينة مولاه أنه قال: « الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا ».
وفي رواية « عضوضا ».
وفي رواية عن معاوية أنه قال: رضينا بها ملكا.
وقد قال نعيم بن حماد في كتابه الفتن والملاحم: سمعت محمد بن فضيل عن السري بن إسماعيل، عن عامر الشعبي، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت الحسن بن علي يقول: سمعت عليا يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « لا تذهب الأيام والليالي حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع القدم ضخم البلغم، يأكل ولا يشبع وهو عري ».
وهكذا وقع في هذه الرواية.
وفي رواية بهذا الإسناد: « لا تذهب الأيام والليالي حتى تجتمع هذه الأمة على معاوية ».
وروى البيهقي من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر - وهو ضعيف - عن عبد الملك بن عمار قال: قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة إلا قول رسول الله ﷺ لي: « يا معاوية إن ملكت فأحسن ».
ثم قال البيهقي: وله شواهد من ذلك حديث عمرو بن يحيى عن سعيد بن العاص، عن جده سعيد أن معاوية أخذ الأداوة فتبع رسول الله ﷺ فنظر إليه فقال: « يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله واعدل ».
قال معاوية: فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول الله ﷺ.
ومنها حديث الثوري عن ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد الداري، عن معاوية قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم ».
ثم يقول أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله ﷺ فنفعه الله بها، رواه أبو داود.
وروى البيهقي من طريق هشيم عن العوام بن حوشب، عن سليمان ابن أبي سليمان، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: « الخلافة بالمدينة والملك بالشام ».
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، ثنا يحيى بن حمزة عن زيد بن واقد، حدثني بشر بن عبيد الله، حدثني أبو إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله ﷺ: « بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب رفع واحتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان - حين تقع الفتن - بالشام ههنا ».
رواه البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان عن عبد الله بن يوسف، عن يحيى بن حمزة السلمي به.
قال البيهقي: وهذا إسناد صحيح، وروي من وجه آخر ثم ساقه من طريق عقبة بن علقمة عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي، عن عطية بن قيس، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: « إني رأيت أن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا إنو الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام ».
ثم أورده البيهقي من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز، عن يونس بن ميسرة، عن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله ﷺ فذكر نحوه، إلا أنه قال: « فأتبعته بصري حتى ظننت أنه مذهوب به » قال: « وإني أولت أن الفتن إذا وقعت أن الإيمان بالشام ».
قال الوليد: حدثني عفير بن معدان أنه سمع سليمان بن عامر يحدث عن أبي أمامة، عن رسول الله ﷺ مثل ذلك.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثني نصر بن محمد بن سليمان الحمصي، ثنا أبي أبو ضمرة محمد بن سليمان السلمي، حدثني عبد الله ابن أبي قيس سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله ﷺ: « رأيت عمودا من نور خرج من تحت رأسي ساطعا حتى استقر بالشام ».
وقال عبد الرزاق: أنا معمر عن الزهري، عن عبد الله بن صفوان قال: قال رجل يوم صفين: اللهم إلعن أهل الشام.
فقال له علي: لا تسب أهل الشام جما غفيرا فإن بها الأبدال، فإن بها الأبدال.
وقد روي من وجه آخر عن علي.
قال الإمام أحمد: ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، حدثني شريح - يعني: ابن عبيد الحضرمي - قال: ذكر أهل الشام عند علي ابن أبي طالب وهو بالعراق فقالوا: إلعنهم يا أمير المؤمنين.
قال: لا، إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: « الأبدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يستسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب ».
تفرد به أحمد، وفيه انقطاع فقد نص أبو حاتم الرازي على أن شريح ابن عبيد هذا لم يسمع من أبي أمامة ولا من أبي مالك الأشعري وأنه رواية عنهما مرسلة، فما ظنك بروايته عن علي ابن أبي طالب وهو أقدم وفاة منهما.