البداية والنهاية/الجزء السادس/باب في ترك الخاتم
حدثنا محمد بن سليمان لوين عن إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك أنه رأى في يد النبي ﷺ خاتما من ورق يوما واحدا، فصنع الناس فلبسوا، وطرح النبي ﷺ فطرح الناس.
ثم قال: رواه عن الزهري زياد بن سعد وشعيب وابن مسافر، كلهم قال: من ورق.
قلت: وقد رواه البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث عن يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني أنس بن مالك أنه رأى في يد النبي ﷺ خاتما من ورق يوما واحدا، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها، فطرح رسول الله ﷺ خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم، ثم علقه البخاري عن إبراهيم بن سعد الزهري المدني، وشعيب ابن أبي حمزة، وزياد بن سعد الخراساني.
وأخرجه مسلم من حديثه.
وانفرد أبو داود بعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، كلهم عن الزهري كما قال أبو داود: خاتما من ورق.
والصحيح: أن الذي لبسه يوما واحدا ثم رمى به، إنما هو خاتم الذهب لا خاتم الورق، لما ثبت في الصحيحين عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: كان رسول الله يلبس خاتما من ذهب فنبذه.
وقال: « لا ألبسه أبدا ».
فنبذ الناس خواتيمهم، وقد كان خاتم الفضة يلبسه كثيرا ولم يزل في يده حتى توفي - صلوات الله وسلامه عليه - وكان فصه منه - يعني: ليس فيه فص ينفصل عنه - ومن روى أنه كان فيه صورة شخص فقد أبعد وأخطأ، بل كان فضه كله وفصه منه، ونقشه محمد رسول الله ثلاثة أسطر: محمد سطر، رسول سطر، الله سطر، وكأنه والله أعلم كان منقوشا وكتابته مقلوبة ليطبع على الاستقامة كما جرت العادة بهذا.
وقد قيل: إن كتابته كانت مستقيمة، وتطبع كذلك، وفي صحة هذا نظر ولست أعرف لذلك إسنادا لا صحيحا ولا ضعيفا، وهذه الأحاديث التي أوردناها أنه عليه السلام كان له خاتم من فضة ترد الأحاديث التي قدمناها في سنن أبي داود والنسائي من طريق أبي عتاب سهل بن حماد الدلال عن أبي مكين نوح بن ربيعة، عن إياس بن الحارث بن معيقيب ابن أبي فاطمة، عن جده قال: كان خاتم النبي ﷺ من حديد ملوي عليه فضة.
ومما يزيده ضعفا الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود، والترمذي والنسائي من حديث أبي طيبة عبد الله بن مسلم السلمي المروزي عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن رجلا جاء إلى رسول الله ﷺ وعليه خاتم من شبه فقال: « مالي أجد منك ريح الأصنام؟ ».
فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال: « مالي أرى عليك حلية أهل النار؟ ».
فطرحه ثم قال: يا رسول الله من أي شيء اتخذه؟
قال: « اتخذه من ورق، ولا تنمه مثقالا ».
وقد كان عليه السلام يلبسه في يده اليمنى، كما رواه أبو داود والترمذي في الشمائل.
والنسائي من حديث شريك، وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن القاضي عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسن، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه عن رسول الله قال شريك: وأخبرني أبو سلمة ابن عبد الرحمن أن رسول الله كان يتختم في يمينه، وروي في اليسرى.
رواه أبو داود من حديث عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ كان يتختم في يساره، وكان فصه في باطن كفه.
قال أبو داود: رواه أبو إسحاق وأسامة بن زيد عن نافع في يمينه.
وحدثنا هناد عن عبدة، عن عبيد الله، عن نافع أن ابن عمر كان يلبس خاتمه في يده اليسرى.
ثم قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن سعيد، ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: رأيت على الصلت بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتما في خنصره اليمنى فقلت: ما هذا؟
فقال: رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا، وجعل فصه على ظهرها.
قال: ولا يخال ابن عباس إلا قد كان يذكر أن رسول الله ﷺ كان يلبس خاتمه كذلك.
وهكذا رواه الترمذي من حديث محمد بن إسحاق به.
ثم قال محمد بن إسماعيل - يعني: البخاري -: حديث ابن إسحاق عن الصلت حديث حسن.
وقد روى الترمذي في الشمائل عن أنس، وعن جابر، وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله ﷺ كان يتختم في اليمين.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، ثنا أبي عن ثمامة، عن أنس بن مالك أن أبا بكر لما استخلف كتب له، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر.
قال أبو عبد الله، وزاد أبو أحمد: ثنا الأنصاري، حدثني أبي، ثنا ثمامة عن أنس قال: كان خاتم النبي ﷺ في يده، وفي يد أبي بكر، وفي يد عمر بعد أبي بكر، قال: فلما كان عثمان جلس على بئر أريس فأخذ الخاتم فجعل يعبث به فسقط قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان، فنزح البئر فلم يجده.
فأما الحديث الذي رواه الترمذي في الشمائل: حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة عن أبي يسر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ اتخذ خاتما من فضة، فكان يختم به ولا يلبسه.
فإنه حديث غريب جدا.
وفي السنن من حديث ابن جريج عن الزهري، عن أنس قال: كان رسول الله ﷺ إذا دخل الخلاء نزع خاتمه.