البداية والنهاية/الجزء السادس/باب انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
البداية والنهايةالجزء السادس المؤلف ابن كثير
باب انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم



باب انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم


قد تقدم الحديث الذي رواه مسلم من حديث حاتم بن إسماعيل عن أبي حرزة يعقوب بن مجاهد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن جابر بن عبد الله قال: سرنا مع النبي حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول الله يقضي حاجته، فأبتعته بإداوة من ماء فنظر فلم ير شيئا يستتر به، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها وقال: « انقادي علي بإذن الله » فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها وقال: « انقادي علي بإذن الله » فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لأم بينهما - يعني: جمعهما - وقال: « التئما علي بإذن الله » فالتأمتا.

قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس بقربي فيبعد، فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله مقبل، وإذا الشجرتان قد افترقتا وقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله وقف وقفة وقال برأسه: هكذا يمينا وشمالا، وذكر تمام الحديث في قصة الماء، وقصة الحوت الذي دسره البحر كما تقدم، ولله الحمد والمنة.

حديث آخر:

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن أبي سفيان - وهو طلحة بن نافع - عن أنس قال: جاء جبريل إلى رسول الله ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب بالدماء من ضربة بعض أهل مكة قال: فقال له: مالك؟

فقال: « فعل بي هؤلاء وفعلوا ».

قال: فقال له جبريل: أتحب أن أريك آية؟

قال: فقال: نعم.

قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال: أدع تلك الشجرة فدعاها.

قال: فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه.

فقال: مرها فلترجع، فأمرها فرجعت إلى مكانها.

فقال رسول الله : « حسبي ».

وهذا إسناد على شرط مسلم ولم يروه إلا ابن ماجه عن محمد بن طريف، عن أبي معاوية.

حديث آخر:

روى البيهقي من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمر بن الخطاب أن رسول الله كان على الحجون كئيبا لما أذاه المشركون فقال: « اللهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها ».

قال: فأمر فنادى شجرة من قبل عقبة المدينة فأقبلت تخد الأرض حتى انتهت إليه.

قال: ثم أمرها فرجعت إلى موضعها.

قال: فقال: « ما أبالي من كذبني بعدها من قومي ».

ثم قال البيهقي: أنا الحاكم وأبو سعيد بن عمرو قالا: ثنا الأصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير، عن مبارك ابن فضالة، عن الحسن قال: خرج رسول الله إلى بعض شعاب مكة وقد دخله من الغم ما شاء الله من تكذيب قومه إياه فقال: « يا رب أرني ما أطمئن إليه ويذهب عني هذا الغم » فأوحى الله إليه أدع إليك أي أغصان هذه الشجرة شئت.

قال: فدعا غصنا فانتزع من مكانه، ثم خد في الأرض حتى جاء رسول الله فقال له رسول الله: « ارجع إلى مكانك » فرجع، فحمد الله رسول الله وطابت نفسه.

وكان قد قال المشركون: أفضلت أباك وأجدادك يا محمد.

فأنزل الله: « أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون » الآيات.

وقال البيهقي: وهذا المرسل يشهد له ما قبله.

حديث آخر:

قال الإمام أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن أبي ظبيان - وهو حصين بن جندب - عن ابن عباس قال: أتى النبي رجل من بني عامر فقال: يا رسول الله أرني الخاتم الذي بين كتفيك، فإني من أطب الناس.

فقال له رسول الله : « ألا أريك آية؟ »

قال: بلى.

قال: فنظر إلى نخلة فقال: « أدع ذلك العذق » فدعاه، فجاء ينقز بين يديه.

فقال له رسول الله : « ارجع » فرجع إلى مكانه.

فقال العامري: يا آل بني عامر ما رأيت كاليوم رجلا أسحر من هذا هكذا.

رواه الإمام أحمد.

وقد أسنده البيهقي من طريق محمد بن أبي عبيدة عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: جاء رجل من بني عامر إلى رسول الله فقال: إن عندي طبا وعلما فما تشتكي؟ هل يريبك من نفسك شيء إلى ما تدعو؟

قال: « أدعو إلى الله والإسلام ».

قال: فإنك لتقول قولا فهل لك من آية؟

قال: نعم إن شئت أريتك آية، وبين يديه شجرة فقال لغصن منها: « تعال يا غصن » فانقطع الغصن من الشجرة، ثم أقبل ينقز حتى قام بين يديه.

فقال: « ارجع إلى مكانك » فرجع.

فقال العامري: يا آل عامر بن صعصعة لا ألومك على شيء قلته أبدا.

وهذا يقتضي أنه سالم الأمر، ولم يجب من كل وجه.

وقد قال البيهقي: أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا ابن أبي قماش، ثنا ابن عائشة عن عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن سالم ابن أبي الجعد، عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: ما هذا الذي يقول أصحابك؟

قال: وحول رسول الله أعذاق وشجر.

قال: فقال رسول الله: « هل لك أن أريك آية؟ »

قال: نعم.

قال: فدعا عذقا منها، فأقبل يخد الأرض حتى وقف بين يديه يخد الأرض ويسجد، ويرفع رأسه، حتى وقف بين يديه، ثم أمره فرجع.

قام العامري وهو يقول: يا آل عامر بن صعصعة والله لا أكذبه بشيء يقوله أبدا.

طريق أخرى فيها أن العامري أسلم:

قال البيهقي: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أنا أبو علي حامد بن محمد بن الوفا، أنا علي بن عبد العزيز، ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني، أنا شريك عن سماك، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى رسول الله قال: بما أعرف أنك رسول الله؟

قال: « أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة، أتشهد أني رسول الله؟ »

قال: نعم.

قال: فدعا العذق، فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض، فجعل ينقز حتى أتى رسول الله ثم قال له: « ارجع » فرجع حتى عاد إلى مكانه.

فقال: أشهد أنك رسول الله وآمن.

قال البيهقي: رواه البخاري في التاريخ عن محمد بن سعيد الأصبهاني.

قلت: ولعله قال أولا: إنه سحر، ثم تبصر لنفسه فأسلم وآمن لما هداه الله عز وجل، والله أعلم.

حديث آخر عن أبي عمر في ذلك:

قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الوراق، أنا الحسين بن سفيان، أنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي، ثنا محمد بن فضيل عن أبي حيان، عن عطاء، عن ابن عمر قال: كنا مع رسول الله في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال له رسول الله: « أين تريد؟ »

قال: إلى أهلي.

قال: « هل لك إلى خير؟ »

قال: ما هو؟

قال: « تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله ».

قال: هل من شاهد على ما تقول؟

قال: « هذه الشجرة ».

فدعاها رسول الله وهي على شاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض خدا فقامت بين يديه، فاستشهد ثلاثا فشهدت أنه كما قال، ثم إنها رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه فقال: إن يتبعوني أتيتك بهم وإلا رجعت إليك وكنت معك.

وهذا إسناد جيد، ولم يخرجوه، ولا رواه الإمام أحمد، والله أعلم.

البداية والنهاية - الجزء السادس
باب آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يختص بها في حياته | باب في ترك الخاتم | ذكر سيفه عليه السلام | ذكر نعله التي كان يمشي فيها | صفة قدح النبي صلى الله عليه وسلم | المكحلة التي كان عليه السلام يكتحل منها | البردة | أفراسه ومراكيبه عليه الصلاة والسلام | فصل إيراد ما بقي من متعلقات السيرة الشريفة | كتاب شمائل رسول الله وصفاته الخلقية | باب ما ورد في حسنه الباهر | صفة لون رسول الله صلى الله عليه وسلم | صفة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر محاسنه | ذكر شعره عليه السلام | ما ورد في منكبيه وساعديه وإبطيه وقدميه وكعبيه صلى الله عليه وسلم | قوامه عليه السلام وطيب رائحته | صفة خاتم النبوة الذي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم | باب أحاديث متفرقة وردت في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم | حديث أم معبد في ذلك | حديث هند ابن أبي هالة في ذلك | باب ذكر أخلاقه وشمائله الطاهرة صلى الله عليه وسلم | كرمه عليه السلام | مزاحه عليه السلام | باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدار | حديث بلال في ذلك | ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام | فصل عبادته عليه السلام واجتهاده في ذلك | فصل في شجاعته صلى الله عليه وسلم | فصل فيما يذكر من صفاته عليه السلام في الكتب المأثورة عن الأنبياء الأقدمين | كتاب دلائل النبوة | فصل وإنك لعلى خلق عظيم | فصل دلائل نبوته من خلال سيرته وأخلاقه | باب دلائل النبوة الحسية | فصل إيراد هذا الحديث من طرق متفرقة | فصل في المعجزات الأرضية | باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته صلى الله عليه وسلم | باب تكثيره عليه السلام الأطعمة | تكثيره عليه السلام السمن لأم سليم | قصة أخرى في تكثير الطعام في بيت فاطمة | قصة أخرى في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم | قصة قصعة بيت الصديق | حديث آخر في تكثير الطعام في السفر | قصة جابر ودين أبيه وتكثيره عليه السلام التمر | قصة سلمان في تكثيره صلى الله عليه وسلم تلك القطعة من الذهب | حديث الذراع | باب انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم | باب حنين الجزع شوقا إلى رسول الله وشغفا من فراقه | باب تسبيح الحصى في كفه عليه الصلاة والسلام | باب ما يتعلق بالحيوانات من دلائل النبوة | حديث في سجود الغنم له صلى الله عليه وسلم | قصة الذئب وشهادته بالرسالة | قصة الوحش الذي كان في بيت النبي وكان يحترمه عليه السلام ويوقره ويجله | قصة الأسد | حديث الغزالة | حديث الضـب على ما فيه من النكارة والغرابة | حديث الحمار | حديث الحمرة وهو طائر مشهور | باب في كلام الأموات وعجائبهم | قصة الصبي الذي كان يصرع فدعا له عليه السلام فبرأ | فصل آداب الطعام | باب المسائل التي سئل عنها رسول الله فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء | فصل المباهلة | حديث آخر يتضمن اعتراف اليهود بأنه رسول الله | فصل البشارة برسول الله صلى الله عليه وسلم | جوابه صلى الله عليه وسلم لمن ساءل عما سأل قبل أن يسأله عن شيء منه | باب ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده | أما القرآن | فصل الدلائل على إخباره صلى الله عليه وسلم بما وقع | فصل في الإخبار بغيوب ماضية ومستقبلة | فصل في ترتيب الإخبار بالغيوب المستقبلة بعده صلى الله عليه وسلم | ومن كتاب دلائل النبوة في باب إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيوب المستقبلة | ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن الواقعة | باب ما جاء في إخباره عن الحكمين اللذين بعثا في زمن علي | إخباره صلى الله عليه وسلم عن الخوارج وقتالهم | إخباره صلى الله عليه وسلم بمقتل علي ابن أبي طالب | إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك مقتل الحسين | إخباره صلى الله عليه وسلم عن غزاة البحر إلى قبرص | باب ما قيل في قتال الروم | الإخبار عن غزوة الهند | فصل في الإخبار عن قتال الترك | خبر آخر عن عبد الله بن سلام | الإخبار عن بيت ميمونة بنت الحارث بسرف | ما روي في إخباره عن مقتل حجر بن عدي | إخباره صلى الله عليه وسلم لما وقع من الفتن من بني هاشم | الإخبار بمقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما | الإخبار عن وقعة الحرة التي كانت في زمن يزيد | فصل حديث إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا | الإشارة النبوية إلى دولة عمر بن عبد العزيز تاج بني أمية | الإشارة إلى محمد بن كعب القرظي وعلمه بتفسير القرآن وحفظه | الإخبار بانخرام قرنة صلى الله عليه وسلم بعد مائة سنة من ليلة إخباره | الإخبار عن الوليد بن يزيد بما فيه له من الوعيد الشديد | ذكر الإخبار عن خلفاء بني أمية | الإخبار عن دولة بني العباس | الإخبار عن الأئمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش | الإخبار عن أمور وقعت في دولة بني العباس | حديث آخر فيه إشارة إلى مالك بن أنس الإمام | حديث آخر فيه إشارة إلى محمد بن إدريس الشافعي | باب البينة على ذكر معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم | القول فيما أوتي نوح عليه السلام | القول فيما أوتي هود عليه السلام | القول فيما أوتي صالح عليه السلام | القول فيما أوتي إبراهيم الخليل عليه السلام | القول فيما أوتي موسى عليه السلام | قصة أبي موسى الخولاني | باب ما أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أعطي الأنبياء قبله | قصة حبس الشمس | القول فيما أعطي إدريس عليه السلام | القول فيما أوتي داود عليه السلام | القول فيما أوتي سليمان بن داود عليه السلام | القول فيما أوتي عيسى بن مريم عليه السلام | قصة الأعمى الذي رد الله عليه بصره بدعاء الرسول | كتاب تاريخ الإسلام الأول من الحوادث الواقعة في الزمان ووفيات المشاهير والأعيان سنة إحدى عشرة من الهجرة | خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما فيها من الحوادث | فصل في تنفيذ جيش أسامة بن زيد | مقتل الأسود العنسي المتنبي الكذاب | صفة خروجه وتمليكه ومقتله | خروج الأسود العنسي | فصل في تصدي الصديق لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة | خروجه إلى ذي القصة حين عقد ألوية الأمراء الأحد عشر | فصل في مسيرة الأمراء من ذي القصة على ما عوهدوا عليه | قصة الفجاءة | قصة سجاح وبني تميم | فصل في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي | مقتل مسيلمة الكذاب لعنه الله | ذكر ردة أهل البحرين وعودهم إلى الإسلام | ذكر ردة أهل عمان ومهرة اليمن | ذكر من توفي في هذه السنة | سنة اثنتي عشرة من الهجرة النبوية | بعث خالد بن الوليد إلى العراق | وقعة المذار أو الثني | وقعة الولجة | وقعة أليس | فصل نزول خالد بن الوليد النجف | فتح الأنبار معركة ذات العيون | وقعة عين التمر | خبر دومة الجندل | خبر وقعتي الحصيد والمضيح | وقعة الفراض | فصل فيما كان من الحوادث في هذه السنة | فصل فيمن توفي في هذه السنة