البداية والنهاية/الجزء السادس/قصة سلمان في تكثيره صلى الله عليه وسلم تلك القطعة من الذهب
لوفاء دينه في مكاتبته:
قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي عن ابن إسحاق، حدثني يزيد ابن أبي حبيب، عن رجل من عبد القيس عن سلمان قال: لما قلت: وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله؟
أخذها رسول الله ﷺ فقلبها على لسانه ثم قال: « خذها فأوفهم منها ».
فأخذتها فأوفيتهم منها حقهم أربعين أوقية.
ذكر مزود أبي هريرة وتمرة:
قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حماد - يعني ابن زيد - عن المهاجر، عن أبي العالية، عن أبي هريرة قال: أتيت رسول الله ﷺ يوما بتمرات.
فقال: قلت: أدع الله لي فيهن بالبركة.
قال: فصفهن بين يديه، ثم دعا فقال لي: « إجعلهن في مزود، وأدخل يدك ولا تنثره ».
قال: فحملت منه كذا كذا وسقا في سبيل الله ونأكل ونطعم، وكان لا يفارق حقوي، فلما قتل عثمان رضي الله عنه انقطع عن حقوي فسقط.
ورواه الترمذي عن عمران بن موسى القزاز البصري، عن حماد بن زيد، عن المهاجر، عن أبي مخلد، عن رفيع أبي العالية عنه، وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه.
طريق أخرى عنه:
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار، أنا الحسين بن يحيى بن عباس القطان، ثنا حفص بن عمر، ثنا سهل بن زياد، ثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله ﷺ في غزاة فأصابهم عوز من الطعام.
فقال: « يا أبا هريرة عندك شيء؟ »
قال: قلت: شيء من تمر في مزود لي.
قال: « جيء به ».
قال: فجئت بالمزود.
قال: « هات نطعا » فجئت بالنطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر فأخذه هو واحد وعشرون ثم قال: « بسم الله » فجعل يضع كل تمرة ويسمي حتى أتى على التمر فقال به هكذا فجمعه.
فقال: « أدع فلانا وأصحابه » فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا.
ثم قال: « أدع فلانا وأصحابه » فأكلوا حتى شبعوا، وخرجوا.
ثم قال: « أدع فلانا وأصحابه » فأكلوا، وشبعوا، وخرجوا.
ثم قال: « أدع فلانا وأصحابه » فأكلوا وشبعوا وخرجوا وفضل.
ثم قال لي: « أقعد » فقعدت فأكل وأكلت.
قال: وفضل تمر فأدخلته في المزود.
وقال لي: « يا أبا هريرة إذا أردت شيئا فأدخل يدك وخذه، ولا تكفي فيكفى عليك ».
قال: فما كنت أريد تمرا إلا أدخلت يدي فأخذت منه، خمسين وسقا في سبيل الله.
قال: وكان معلقا خلف رحلي، فوقع في زمن عثمان فذهب.
طريق أخرى عن أبي هريرة في ذلك:
روى البيهقي من طريقين عن سهل بن أسلم العدوي، عن يزيد ابن أبي منصور، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: أصبت بثلاث مصيبات في الإسلام لم أصب بمثلهن: موت رسول الله ﷺ وكنت صويحبه، وقتل عثمان والمزود.
قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟
قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر فقال: « يا أبا هريرة أمعك شيء؟ »
قال: قلت: تمر في مزود.
قال: « جيء به »
فأخرجت تمرا فأتيته به قال: فمسه ودعا فيه.
قال: « أدع عشرة » فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا، ثم كذلك حتى أكل الجيش كله، وبقي من التمر معي في المزود.
فقال: « يا أبا هريرة إذا أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه، ولا تكفه ».
قال: فأكلت منه حياة النبي ﷺ، وأكلت منه حياة أبي بكر كلها، وأكلت منه حياة عمر كلها، وأكلت منه حياة عثمان كلها، فلما قتل عثمان انتهب ما في يدي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه؟ أكلت منه أكثر من مائتي وسق.
طريق أخرى:
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، ثنا إسمعيل - يعني ابن مسلم - عن أبي المتوكل، عن أبي هريرة قال: أعطاني رسول الله ﷺ شيئا من تمر، فجعلته في مكتل فعلقناه في سقف البيت، فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره إصابة أهل الشام حيث أغاروا بالمدينة.
تفرد به أحمد.
حديث عن العرباض بن سارية في ذلك:
رواه الحافظ بن عساكر في ترجمته من طريق محمد بن عمر الوافدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعد، عن العرباض قال: كنت ألزم باب رسول الله ﷺ في الحضر والسفر، فرأينا ليلة ونحن بتبوك أو ذهبنا لحاجة فرجعنا إلى رسول الله ﷺ وقد تعشى ومن عنده فقال: « أين كنت منذ الليلة؟ »
فأخبرته، وطلع جعال بن سراقة، وعبد الله بن معقل المزني فكنا ثلاثة كلنا جائع فدخل رسول الله - ﷺ - بيت أم سلمة فطلب شيئا نأكله فلم يجده، فنادى بلالا: « هل من شيء؟ »
فأخذ الجرب ينقفها، فاجتمع سبع تمرات فوضعها في صحفة ووضع عليهن يده وسمى الله وقال: « كلوا باسم الله ».
فأكلنا، فأحصيت أربعا وخمسين تمرة، كلها أعدها ونواها في يدي الأخرى، وصاحباي يصنعان ما أصنع، فأكل كل منهما خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هن فقال: « يا بلال ارفعهن في جرابك ».
فلما كان الغد وضعهن في الصحفة وقال: « كلوا بسم الله » فأكلنا حتى شبعنا، وإنا لعشرة، ثم رفعنا أيدينا وإنهن كما هن سبع فقال: « لولا أني أستحي من ربي عز وجل لأكلت من هذه التمرات حتى نرد إلى المدينة عن آخرنا ».
فلما رجع إلى المدينة طلع غليم من أهل المدينة، فدفعهن إلى ذلك الغلام فانطلق يلوكهن.
حديث آخر:
روى البخاري ومسلم من حديث أبي أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت له: لقد توفي رسول الله ﷺ وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي فكلته، ففني.
حديث آخر:
روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن شبيب، عن الحسن بن أعين، عن معقل، عن أبي الزبير، عن جابر أن رجلا أتى النبي ﷺ يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي ﷺ فقال: « لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم ».
وبهذا الإسناد عن جابر أن أم مالك كانت تهدي إلى رسول الله ﷺ في عكتها سمنا، فيأتيها بنوها فيسألون الأدم وليس عندها شيء فتعمد إلى التي كانت تهدي فيه إلى رسول الله ﷺ فتجد فيه سمنا، فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها، فأتت رسول الله ﷺ فقال: « أعصرتيها؟ »
قالت: نعم.
فقال: « لو تركتيها ما زالت قائمة ».
وقد رواهما الإمام أحمد عن موسى، عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر.
حديث آخر:
قال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو جعفر البغدادي، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا حسان بن عبد الله، ثنا ابن لهيعة، ثنا يونس بن يزيد، ثنا أبو إسحاق عن سعيد بن الحرث بن عكرمة، عن جده نوفل بن الحرث بن عبد المطلب أنه استعان رسول الله في التزويج فأنكحه امرأة فالتمس شيئا فلم يجده، فبعث رسول الله ﷺ أبا رافع وأبا أيوب بدرعه فرهناها عند رجل من اليهود بثلاثين صاعا من شعير، فدفعه رسول الله ﷺ إليه.
قال: فطعمنا منه نصف سنة، ثم كلناه فوجدناه كما أدخلناه.
قال نوفل: فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال: « لو لم تكله لأكلت منه ما عشت ».
حديث آخر:
قال الحافظ البيهقي فيالدلائل: أنا عبد الله بن يوسف الأصبهاني، أنا أبو سعيد بن الأعرابي، ثنا عباس بن محمد الدوري، أنا أحمد بن عبد الله بن يونس، أنا أبو بكر ابن عياش عن هشام - يعني: ابن حسان -، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: أتى رجل أهله فرأى ما بهم من الحاجة فخرج إلى البرية.
فقالت امرأته: اللهم ارزقنا ما نعتجن ونختبز.
قال: فإذا الجفنة ملأى خميرا، والرحى تطحن، والتنور ملأى خبزا وشواء.
قال: فجاء زوجها فقال: عندكم شيء؟
قالت: نعم رزق الله، فرفع الرحى فكنس ما حوله، فذكر ذلك للنبي ﷺ فقال: « لو تركها لدارت إلى يوم القيامة ».
وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان: أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا أبو إسمعيل الترمذي، ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، حدثني الليث بن سعد، عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن رجلا من الأنصار كان ذا حاجة فخرج وليس عند أهله شيء فقالت امرأته: لو حركت رحاي وجعلت في تنوري سعفات، فسمع جيراني صوت الرحى ورأوا الدخان فظنوا أن عندنا طعاما وليس بنا خصاصة، فقامت إلى تنورها فأوقدته وقعدت تحرك الرحا.
قال: فأقبل زوجها وسمع الرحا، فقامت إليه لتفتح له الباب.
فقال: ماذا كنت تطحنين؟
فأخبرته فدخلا وإن رحاهما لتدور، وتصب دقيقا، فلم يبق في البيت وعاء إلا ملئ، ثم خرجت إلى تنورها فوجدته مملوءا خبزا، فأقبل زوجها فذكر ذلك للنبي ﷺ قال: « فما فعلت الرحا؟ »
قال: رفعتها ونفضتها.
فقال رسول الله ﷺ: « لو تركتموها ما زالت لكم حياتي - أو قال: - حياتكم ».
وهذا الحديث غريب سندا ومتنا.
حديث آخر:
وقال مالك عن سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ ضافه ضيف كافر فأمر بشاة فحلبت فشرب حلابها، ثم أخرى فشرب حلابها، ثم أخرى فشرب حلابها، حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم، فأتى رسول الله ﷺ فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها، ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها.
فقال رسول الله ﷺ: « إن المسلم يشرب في معا واحد، والكافر يشرب في سبعة أمعاء ».
ورواه مسلم من حديث مالك.
حديث آخر:
قال الحافظ البيهقي: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، ثنا أحمد بن عبيد الصفار، حدثني محمد بن الفضل بن حاتم، ثنا الحسين بن عبد الأول، ثنا حفص بن غياث، ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: ضاف النبي ﷺ أعرابي قال: فطلب له شيئا فلم يجد إلا كسرة في كوة قال: فجزأها رسول الله ﷺ أجزاء ودعا عليها وقال: « كل ».
قال: فأكل فأفضل.
قال: فقال: يا محمد إنك لرجل صالح.
فقال له النبي ﷺ: « أسلم ».
فقال: إنك لرجل صالح.
ثم رواه البيهقي من حديث سهل بن عثمان عن حفص بن غياث بإسناده نحوه.
حديث آخر:
قال الحافظ البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال: وفيما ذكر عبدان الأهوازي، ثنا محمد بن زياد البرجمي، ثنا عبيد الله بن موسى عن مسعر، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود قال: أضاف النبي ﷺ ضيف، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما فلم يجد عند واحدة منهن شيئا فقال: « اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنه لا يملكها إلا أنت ».
قال: فأهديت له شاة مصلية.
فقال: « هذا من فضل الله، ونحن ننتظر الرحمة ».
قال أبو علي: حدثنيه محمد بن عبدان الأهوازي عنه قال: والصحيح عن زبيد مرسلا، حدثناه محمد بن عبدان، حدثنا أبي، ثنا الحسن بن الحرث الأهوازي، أنا عبيد الله بن موسى عن مسعر، عن زبيد فذكره مرسلا.
حديث آخر:
قال البيهقي: أنا أبو عبد الرحمن السلمي، ثنا أبو عمر بن حمدان، أنا الحسن بن سفيان، ثنا إسحاق بن منصور، ثنا سليمان بن عبد الرحمن، ثنا عمرو بن بشر بن السرح، ثنا الوليد بن سليمان ابن أبي السائب، ثنا واثلة بن الخطاب عن أبيه، عن جده واثلة بن الأسقع قال: حضر رمضان ونحن في أهل الصفة فصمنا، فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجل من أهل البيعة فانطلق به فعشاه، فأتت علينا ليلة لم يأتنا أحد وأصبحنا صياما، وأتت علينا القابلة فلم يأتنا أحد، فانطلقنا إلى رسول الله -ﷺ - فأخبرناه بالذي كان من أمرنا، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها هل عندهاشيء؟ فما بقيت منهن امرأة إلا أرسلت تقسم ما أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد.
فقال لهم رسول الله ﷺ: « فاجتمعوا » فدعا وقال: « اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنها بيدك لا يملكها أحد غيرك ».
فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن فإذا بشاة مصلية ورغف، فأمر بها رسول الله ﷺ فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا.
فقال لنا رسول الله ﷺ: « إنا سألنا الله من فضله ورحمته فهذا فضله، وقد ادخر لنا عنده رحمته ».