البداية والنهاية/الجزء السادس/الإخبار عن الأئمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش
وليسوا بالاثني عشر الذين يدعون إمامتهم الرافضة فإن هؤلاء الذين يزعمون لم يل أمور الناس منهم إلا علي ابن أبي طالب، وابنه الحسن، وآخرهم في زعمهم المهدي المنتظر في زعمهم بسرداب سامرا وليس له وجود ولا عين ولا أثر بل هؤلاء من الأئمة الاثني عشر المخبر عنهم في الحديث، الأئمة الأربعة أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم - ومنهم: عمر بن عبد العزيز بلا خلاف بين الأئمة على كلا القولين لأهل السنة في تفسير الاثني عشر كما سنذكره بعد إيراد الحديث.
ثبت في صحيح البخاري من حديث شعبة ومسلم من حديث سفيان بن عيينة كلاهما عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « يكون اثنا عشر خليفة » ثم قال كلمة لم أسمعها، فقلت لأبي: ما قال؟
قال: قال: « كلهم من قريش ».
وقال أبو نعيم بن حماد في كتاب الفتن والملاحم: حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا مجالد عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: « يكون بعدي من الخلفاء عدة أصحاب موسى ».
وقد روي مثل هذا عن عبد الله بن عمر وحذيفة، وابن عباس، وكعب الأحبار، من قولهم.
وقال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا مروان بن معاوية عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن أبيه، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « لا يزال هذا الأمر قائما حتى يكون عليهم اثني عشر خليفة، أو أميرا كلهم يجتمع عليهم الأمة ».
وسمعت كلاما من النبي ﷺ لم أفهمه، فقلت لأبي: ما يقول؟
قال: كلهم من قريش.
وقال أبو داود أيضا: حدثنا ابن نفيل، حدثنا زهير بن معاوية، حدثنا زياد بن خيثمة، حدثنا الأسود بن سعيد الهمداني عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله ﷺ: « لا تزال هذه الأمة مستقيما أمرها ظاهرة على عدوها حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ».
قال: فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا؟
قال: « ثم يكون الهرج ».
قال البيهقي: ففي الرواية الأولى بيان العدد وفي الثانية بيان المراد بالعدد، وفي الثالثة بيان وقوع الهرج وهو القتل بعدهم وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ثم وقع الهرج، والفتنة العظيمة كما أخبر في هذه الرواية، ثم ظهر ملك العباسية كما أشار إليه في الباب قبله وإنما يزيدون على العدد المذكور في الخبر إذا تركت الصفة المذكورة فيه، أو عد منهم من كان بعد الهرج المذكور فيه.
وقد قال النبي ﷺ: « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان ».
ثم ساقه من حديث عاصم بن محمد عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ فذكره.
وفي صحيح البخاري من طريق الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم، عن معاوية ابن أبي سفيان قال: قال رسول الله ﷺ: « إن الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ».
قال البيهقي: أي أقاموا معالمه وإن قصروا هم في أعمال أنفسهم، ثم ساق أحاديث بقية ما ذكره في هذا والله أعلم.
فهذا الذي سلكه البيهقي وقد وافقه عليه جماعة من أن المراد بالخلفاء الاثني عشر المذكورين في هذا الحديث هم المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق الذي قدمنا الحديث فيه بالذم والوعيد فإنه مسلك فيه نظر وبيان ذلك أن الخلفاء إلى زمن الوليد بن اليزيد هذا أكثر من اثني عشر على كل تقدير، وبرهانه أن الخلفاء الأربعة أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي خلافتهم محققة بنص حديث سفينة « الخلافة بعدي ثلاثون سنة »
ثم بعدهم الحسن بن علي كما وقع لأن عليا أوصى إليه، وبايعه أهل العراق وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام حتى اصطلح هو ومعاوية كما دل عليه حديث أبي بكرة في صحيح البخاري، ثم معاوية، ثم ابنه يزيد بن معاوية، ثم ابنه معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ثم ابنه عبد الملك بن مروان، ثم ابنه الوليد بن عبد الملك، ثم سليمان بن عبد الملك، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك، فهؤلاء خمسة عشر، ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فإن اعتبرنا ولاية الزبير قبل عبد الملك صاروا ستة عشر، وعلى كل تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز، فهذا الذي سلكه على هذا التقدير يدخل في الاثني عشر يزيد بن معاوية ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز الذي أطبق الأئمة على شكره وعلى مدحه وعدوه من الخلفاء الراشدين، وأجمع الناس قاطبة على عدله، وأن أيامه كانت من أعدل الأيام حتى الرافضة يعترفون بذلك.
فإن قال: أنا لا أعتبر إلا من اجتمعت الأمة عليه لزمه على هذا القول أن لا يعد علي ابن أبي طالب، ولا ابنه لأن الناس لم يجتمعوا عليهما وذلك أن أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما، وعد حبيب معاوية، وابنه يزيد، وابن ابنه معاوية بن يزيد، ولم يقيد بأيام مروان ولا ابن الزبير كأن الأمة لم تجتمع على واحد منهما، فعلى هذا نقول في مسلكه هذا عادا للخلفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، ثم معاوية، ثم يزيد بن معاوية، ثم عبد الملك، ثم الوليد بن سليمان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد، ثم هشام، فهؤلاء عشرة، ثم من بعدهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق، ولكن هذا لا يمكن أن يسلك فأخذها يلزم منه إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الاثني عشر وهو خلاف ما نص عليه أئمة السنة بل والشيعة، ثم هو خلاف ما دل عليه نصا حديث سفينة عن رسول الله ﷺ أنه قال: « الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا ».
وقد ذكر سفينة تفصيل هذه الثلاثين سنة فجمعها من خلافة الأربعة، وقد بينا دخول خلافة الحسن وكانت نحوا من ستة أشهر فيها أيضا ثم صار الملك إلى معاوية لما سلم الأمر إليه الحسن بن علي، وهذا الحديث فيه المنع من تسمية معاوية خليفة، وبيان أن الخلافة قد انقطعت بعد الثلاثين سنة لا مطلقا بل انقطع تتابعها، ولا ينفي وجود خلفاء راشدين بعد ذلك كما دل عليه حديث جابر بن سمرة.
وقال نعيم بن حماد: حدثنا راشد بن سعد عن ابن لهيعة، عن خالد ابن أبي عمران، عن حذيفة بن اليمان قال: يكون بعد عثمان اثنا عشر ملكا من بني أمية، وقيل له: خلفاء؟
قال: لا بل ملوك.
وقد روى البيهقي من حديث حاتم بن صفرة عن أبي بحر قال: كان أبو الجلد جارا لي فسمعته يقول: يحلف عليه أن هذه الأمة لن تهلك حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق منهم رجلان من أهل البيت أحدهما يعيش أربعين سنة والآخر ثلاثين سنة.
ثم شرع البيهقي في رد ما قاله أبو الجلد بما لا يحصل به الرد وهذا عجيب منه وقد وافق أبا الجلد طائفة من العلماء، ولعل قوله أرجح لما ذكرنا وقد كان ينظر في شيء من الكتب المتقدمة وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: أن الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل وأنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيما.
قال شيخنا العلامة أبو العباس ابن تيمية: وهؤلاء المبشر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرر أنهم يكونون مفرقين في الأمة ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا وغلط كثير ممن تشرف بالإسلام من اليهود فظنوا أنهم الذين تدعو إليهم فرقة الرافضة فاتبعوهم.
وقد قال نعيم بن حماد: حدثنا ضمرة عن ابن شوذب، عن أبي المنهال، عن أبي زياد بن كعب قال: إن الله وهب لإسماعيل من صلبه اثني عشر قيما أفضلهم أبو بكر وعمر وعثمان.
وقال نعيم: حدثنا ضمرة عن ابن شوذب، عن يحيى بن عمرو الشيباني قال: ليس من الخلفاء من لم يملك المسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى.