البداية والنهاية/الجزء السادس/خروجه إلى ذي القصة حين عقد ألوية الأمراء الأحد عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



خروجه إلى ذي القصة حين عقد ألوية الأمراء الأحد عشر


وذلك بعد ما جم جيش أسامة واستراحوا، وركب الصديق أيضا في الجيوش الإسلامية شاهرا سيفه مسلولا من المدينة إلى ذي القصة وهي من المدينة على مرحلة، وعلي ابن أبي طالب يقود براحلة الصديق رضي الله عنهما كما سيأتي فسأله الصحابة منهم علي وغيره وألحوا عليه أن يرجع إلى المدينة، وأن يبعث لقتال الأعراب غيره ممن يؤمره من الشجعان الأبطال، فأجابهم إلى ذلك، وعقد لهم الألوية لأحد عشر أميرا على ما سنفصله قريبا إن شاء الله.

وقد روى الدارقطني من حديث عبد الوهاب بن موسى الزهري عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر قال: لما برز أبو بكر إلى القصة واستوى على راحلته أخذ علي ابن أبي طالب بزمامها وقال: إلى أين يا خليفة رسول الله؟ أقول لك ما قال رسول الله يوم أحد « لم سيفك ولا تفجعنا بنفسك » وارجع إلى المدينة فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا.

فرجع، هذا حديث غريب من طريق مالك.

وقد رواه زكريا الساجي من حديث عبد الوهاب بن موسى بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف.

و الزهري أيضا عن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: خرج أبي شاهرا سيفه راكبا على راحلته إلى وادي القصة، فجاء علي ابن أبي طالب فأخذ بزمام راحلته فقال: إلى أين يا خليفة رسول الله؟ أقول لك ما قال رسول الله يوم أحد « لم سيفك ولا تفجعنا بنفسك » فوالله لئن أصبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبدا، فرجع وأمضى الجيش.

وقال سيف بن عمر: عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد لما استراح أسامة وجنده، وقد جاءت صدقات كثيرة تفضل عنهم، قطع أبو بكر البعوث، وعقد الألوية فعقد أحد عشر لواء: عقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة ابن خويلد فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له.

ولعكرمة ابن أبي جهل وأمره بمسيلمة.

وبعث شرحبيل بن حسنة في أثره إلى مسيلمة الكذاب، ثم إلى بني قضاعة.

وللمهاجر ابن أبي أمية وأمره بجنود العنسي ومعونة الأبناء على قيس بن مكشوح.

قلت: وذلك لأنه كان قد نزع يده من الطاعة على ما سيأتي.

قال: ولخالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام.

ولعمرو بن العاص إلى جماع قضاعة، ووديعة، والحارث.

ولحذيفة بن محصن الغطفاني وأمره بأهل دبا، وبعرفجة، وهرثمة وغير ذلك.

ولطرفة بن حاجب وأمره ببنى سليم ومن معهم من هوازن.

ولسويد بن مقرن وأمره بتهامة اليمن.

وللعلاء بن الحضرمي وأمره بالبحرين - رضي الله عنهم -.

وقد كتب لكل أمير كتاب عهده على حدته ففصل كل أمير بجنده من ذي القصة ورجع الصديق إلى المدينة، وقد كتب معهم الصديق كتابا إلى الربذة، وهذه نسخته:

بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر خليفة رسول الله إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة أقام على إسلامه أو رجع عنه، سلام على من اتبع الهدى ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والهوى، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، نقر بما جاء به، ونكفر من أبى ذلك ونجاهده، أما بعد فإن الله أرسل بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فهدى الله بالحق من

أجاب إليه، وضرب رسول الله من أدبر عنه حتى صار إلى الإسلام طوعا وكرها، ثم توفى الله رسوله وقد نفذ لأمر الله، ونصح لأمته، وقضى الذي عليه، وكان الله قد بين له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل، فقال: { إنك ميت وإنهم ميتون } [الزمر: 30] .

وقال: { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون } [الأنبياء: 34] .

وقال للمؤمنين: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين } [آل عمران: 144] .

فمن كان إنما يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ولا تأخذه سنة ولا نوم، حافظ لأمره منتقم من عدوه، وإني أوصيكم بتقوى الله، وحظكم ونصيبكم، وما جاءكم به نبيكم وأن تهتدوا بهداه، وأن تعتصموا بدين الله، فإن كل من لم يهده الله ضال، وكل من لم يعنه الله مخذول، ومن هداه غير الله كان ضالا، قال الله تعالى: { من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا } [الكهف: 17] .

ولن يقبل له في الدنيا عمل عبد حتى يقر به، ولم يقبل له في الآخرة صرف ولا عدل وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام، وعمل به اغترارا بالله، وجهلا بأمره، وإجابة للشيطان، قال الله تعالى: { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا } [الكهف: 50] .

وقال: { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } [فاطر: 6] .

وإني بعثت إليكم في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته أن لا يقبل من أحد إلا الإيمان بالله، ولا يقتله حتى يدعوه إلى الله عز وجل فإن أجاب وأقر وعمل صالحا قبل منه وأعانه عليه، وإن أبى حاربه عليه حتى يفيء إلى أمر الله، ثم لا يبقي على أحد منهم قدر عليه، وأن يحرقهم بالنار، وأن يقتلهم كل قتلة، وأن يسبي النساء والذراري، ولا يقبل من أحد غير الإسلام، فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابه في كل مجمع لكم والداعية الأذان، فإذا أذن المسلمون فكفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا فسلوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم، وإن أقروا حمل منهم على ما ينبغي لهم، رواه سيف بن عمر عن عبد الله بن سعيد، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك.

البداية والنهاية - الجزء السادس
باب آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يختص بها في حياته | باب في ترك الخاتم | ذكر سيفه عليه السلام | ذكر نعله التي كان يمشي فيها | صفة قدح النبي صلى الله عليه وسلم | المكحلة التي كان عليه السلام يكتحل منها | البردة | أفراسه ومراكيبه عليه الصلاة والسلام | فصل إيراد ما بقي من متعلقات السيرة الشريفة | كتاب شمائل رسول الله وصفاته الخلقية | باب ما ورد في حسنه الباهر | صفة لون رسول الله صلى الله عليه وسلم | صفة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر محاسنه | ذكر شعره عليه السلام | ما ورد في منكبيه وساعديه وإبطيه وقدميه وكعبيه صلى الله عليه وسلم | قوامه عليه السلام وطيب رائحته | صفة خاتم النبوة الذي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم | باب أحاديث متفرقة وردت في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم | حديث أم معبد في ذلك | حديث هند ابن أبي هالة في ذلك | باب ذكر أخلاقه وشمائله الطاهرة صلى الله عليه وسلم | كرمه عليه السلام | مزاحه عليه السلام | باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدار | حديث بلال في ذلك | ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام | فصل عبادته عليه السلام واجتهاده في ذلك | فصل في شجاعته صلى الله عليه وسلم | فصل فيما يذكر من صفاته عليه السلام في الكتب المأثورة عن الأنبياء الأقدمين | كتاب دلائل النبوة | فصل وإنك لعلى خلق عظيم | فصل دلائل نبوته من خلال سيرته وأخلاقه | باب دلائل النبوة الحسية | فصل إيراد هذا الحديث من طرق متفرقة | فصل في المعجزات الأرضية | باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته صلى الله عليه وسلم | باب تكثيره عليه السلام الأطعمة | تكثيره عليه السلام السمن لأم سليم | قصة أخرى في تكثير الطعام في بيت فاطمة | قصة أخرى في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم | قصة قصعة بيت الصديق | حديث آخر في تكثير الطعام في السفر | قصة جابر ودين أبيه وتكثيره عليه السلام التمر | قصة سلمان في تكثيره صلى الله عليه وسلم تلك القطعة من الذهب | حديث الذراع | باب انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم | باب حنين الجزع شوقا إلى رسول الله وشغفا من فراقه | باب تسبيح الحصى في كفه عليه الصلاة والسلام | باب ما يتعلق بالحيوانات من دلائل النبوة | حديث في سجود الغنم له صلى الله عليه وسلم | قصة الذئب وشهادته بالرسالة | قصة الوحش الذي كان في بيت النبي وكان يحترمه عليه السلام ويوقره ويجله | قصة الأسد | حديث الغزالة | حديث الضـب على ما فيه من النكارة والغرابة | حديث الحمار | حديث الحمرة وهو طائر مشهور | باب في كلام الأموات وعجائبهم | قصة الصبي الذي كان يصرع فدعا له عليه السلام فبرأ | فصل آداب الطعام | باب المسائل التي سئل عنها رسول الله فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء | فصل المباهلة | حديث آخر يتضمن اعتراف اليهود بأنه رسول الله | فصل البشارة برسول الله صلى الله عليه وسلم | جوابه صلى الله عليه وسلم لمن ساءل عما سأل قبل أن يسأله عن شيء منه | باب ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده | أما القرآن | فصل الدلائل على إخباره صلى الله عليه وسلم بما وقع | فصل في الإخبار بغيوب ماضية ومستقبلة | فصل في ترتيب الإخبار بالغيوب المستقبلة بعده صلى الله عليه وسلم | ومن كتاب دلائل النبوة في باب إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيوب المستقبلة | ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن الواقعة | باب ما جاء في إخباره عن الحكمين اللذين بعثا في زمن علي | إخباره صلى الله عليه وسلم عن الخوارج وقتالهم | إخباره صلى الله عليه وسلم بمقتل علي ابن أبي طالب | إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك مقتل الحسين | إخباره صلى الله عليه وسلم عن غزاة البحر إلى قبرص | باب ما قيل في قتال الروم | الإخبار عن غزوة الهند | فصل في الإخبار عن قتال الترك | خبر آخر عن عبد الله بن سلام | الإخبار عن بيت ميمونة بنت الحارث بسرف | ما روي في إخباره عن مقتل حجر بن عدي | إخباره صلى الله عليه وسلم لما وقع من الفتن من بني هاشم | الإخبار بمقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما | الإخبار عن وقعة الحرة التي كانت في زمن يزيد | فصل حديث إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا | الإشارة النبوية إلى دولة عمر بن عبد العزيز تاج بني أمية | الإشارة إلى محمد بن كعب القرظي وعلمه بتفسير القرآن وحفظه | الإخبار بانخرام قرنة صلى الله عليه وسلم بعد مائة سنة من ليلة إخباره | الإخبار عن الوليد بن يزيد بما فيه له من الوعيد الشديد | ذكر الإخبار عن خلفاء بني أمية | الإخبار عن دولة بني العباس | الإخبار عن الأئمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش | الإخبار عن أمور وقعت في دولة بني العباس | حديث آخر فيه إشارة إلى مالك بن أنس الإمام | حديث آخر فيه إشارة إلى محمد بن إدريس الشافعي | باب البينة على ذكر معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم | القول فيما أوتي نوح عليه السلام | القول فيما أوتي هود عليه السلام | القول فيما أوتي صالح عليه السلام | القول فيما أوتي إبراهيم الخليل عليه السلام | القول فيما أوتي موسى عليه السلام | قصة أبي موسى الخولاني | باب ما أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أعطي الأنبياء قبله | قصة حبس الشمس | القول فيما أعطي إدريس عليه السلام | القول فيما أوتي داود عليه السلام | القول فيما أوتي سليمان بن داود عليه السلام | القول فيما أوتي عيسى بن مريم عليه السلام | قصة الأعمى الذي رد الله عليه بصره بدعاء الرسول | كتاب تاريخ الإسلام الأول من الحوادث الواقعة في الزمان ووفيات المشاهير والأعيان سنة إحدى عشرة من الهجرة | خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما فيها من الحوادث | فصل في تنفيذ جيش أسامة بن زيد | مقتل الأسود العنسي المتنبي الكذاب | صفة خروجه وتمليكه ومقتله | خروج الأسود العنسي | فصل في تصدي الصديق لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة | خروجه إلى ذي القصة حين عقد ألوية الأمراء الأحد عشر | فصل في مسيرة الأمراء من ذي القصة على ما عوهدوا عليه | قصة الفجاءة | قصة سجاح وبني تميم | فصل في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي | مقتل مسيلمة الكذاب لعنه الله | ذكر ردة أهل البحرين وعودهم إلى الإسلام | ذكر ردة أهل عمان ومهرة اليمن | ذكر من توفي في هذه السنة | سنة اثنتي عشرة من الهجرة النبوية | بعث خالد بن الوليد إلى العراق | وقعة المذار أو الثني | وقعة الولجة | وقعة أليس | فصل نزول خالد بن الوليد النجف | فتح الأنبار معركة ذات العيون | وقعة عين التمر | خبر دومة الجندل | خبر وقعتي الحصيد والمضيح | وقعة الفراض | فصل فيما كان من الحوادث في هذه السنة | فصل فيمن توفي في هذه السنة