البداية والنهاية/الجزء السادس/إخباره صلى الله عليه وسلم بمقتل علي ابن أبي طالب
قال الإمام أحمد: ثنا علي بن بحر، ثنا عيسى بن يونس، ثنا محمد بن إسحاق، حدثني زيد بن محمد بن خيثم المحاربي عن محمد بن القرظي عن محمد كعب بن خيثم، عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله ﷺ لعلي حين ولي غزوة العثيرة: « يا أبا تراب - لما يرى عليه من التراب - ألا أحدثك بأشقى الناس رجلين؟ »
قلنا: بلى يا رسول الله.
قال: « أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذه - يعني: قرنه - حتى يبل هذه - يعني: لحيته - ».
وروى البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، عن الحسن بن مكرم، عن أبي النضر، عن محمد بن راشد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن فضالة ابن أبي فضالة الأنصاري - وكان أبوه من أهل بدر - قال: خرجت مع أبي عائدا لعلي ابن أبي طالب في مرض أصابه فثقل منه قال: فقال أبي: ما يقيمك بمنزلك هذا فلو أصابك أجلك لم يكن إلا أعراب جهينة تحملك إلى المدينة، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك.
فقال علي: إن رسول الله ﷺ عهد إلي أن لا أموت حتى تخضب هذه - يعني: لحيته - من دم هذه - يعني: هامته - فقتل، وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا شريك عن عثمان بن المغيرة، عن زيد بن وهب قال: جاء رأس الخوارج إلى علي فقال له: إتق الله فإنك ميت.
فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ولكن مقتول من ضربة على هذه تخضب هذه، وأشار بيده إلى لحيته، عهد معهود وقضاء مقضي وقد خاب من افترى.
وقد روى البيهقي بإسناد صحيح: عن زيد بن أسلم عن أبي سنان المدركي، عن علي في إخبار النبي ﷺ بقتله.
وروى من حديث هيثم عن إسماعيل بن سالم، عن أبي إدريس الأزدي، عن علي قال: إن مما عهد إلي رسول الله ﷺ أن الأمة ستغدر بك بعدي.
ثم ساقه من طريق قطر بن خليفة وعبد العزيز بن سياه عن حبيب ابن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد الحمامي قال: سمعت عليا يقول: إنه لعهد النبي الأمي إلي إن الأمة ستغدر بك بعدي.
قال البخاري: ثعلبة هذا فيه نظر، ولا يتابع على حديثه هذا.
وروى البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، عن محمد بن إسحاق الصنعاني، عن أبي الأجوب الأحوص بن خباب، عن عمار بن زريق، عن الأعمش، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد قال: قال علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه للحيته من رأسه، فما يحبس أشقاها.
فقال عبد الله بن سبيع: والله يا أمير المؤمنين لو أن رجلا فعل ذلك لأثرنا عشيرته.
فقال: أنشدك بالله أن لا تقتل بي غير قاتلي.
قالوا: يا أمير المؤمنين ألا تستخلف؟
قال: ولكن أترككم كما ترككم رسول الله ﷺ.
قالوا: فما تقول لربك إذا تركتنا هملا؟ قال: أقول اللهم استخلفتني فيهم ما بدا لك ثم قبضتني وتركتك فيهم فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم.
وهكذا روى البيهقي هذا وهو موقوف وفيه غرابة من حيث اللفظ ومن حيث المعنى، ثم المشهور عن علي أنه لما طعنه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي وهو خارج لصلاة الصبح عند السدة فبقي علي يومين من طعنته، وحبس ابن ملجم وأوصى علي إلى ابنه الحسن بن علي كما سيأتي بيانه وأمره أن يركب في الجنود وقال له: لا يجر علي كما تجر الجارية فلما مات قتل عبد الرحمن بن ملجم قودا، وقيل: حدا والله أعلم، ثم ركب الحسين بن علي في الجنود وسار إلى معاوية كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.