البداية والنهاية/الجزء السادس/ذكر شعره عليه السلام

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



ذكر شعره عليه السلام


قد ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: كان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، فسدل رسول الله ثم فرق بعده.

وقال الإمام أحمد: ثنا حماد بن خالد، ثنا مالك، ثنا زياد بن سعد عن الزهري، عن أنس أن رسول الله سدل ناصيته ما شاء أن يسدل، ثم فرق بعد.

تفرد به من هذا الوجه.

وقال محمد بن إسحاق بن جعفر بن الزبير عن عروة، عن عائشة قالت: أنا فرقت لرسول الله رأسه، صدعت فرقه عن يافوخه وأرسلت ناصيته بين عينيه.

قال ابن إسحاق: وقد قال محمد بن جعفر بن الزبير - وكان فقيها مسلما -: ما هي إلا سيما من سيما النصارى تمسكت بها النصارى من الناس.

وثبت في الصحيحين عن البراء أن رسول الله كان يضرب شعره إلى منكبيه.

وجاء في الصحيح عنه وعن غيره: إلى أنصاف أذنيه.

ولا منافاة بين الحالين، فإن الشعر تارة يطول، وتارة يقصر منه، فكل حكى بحسب ما رأى.

وقال أبو داود: ثنا ابن نفيل، ثنا عبد الرحمن ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان شعر رسول الله فوق الوفرة ودون الجمة.

وقد ثبت أنه عليه السلام حلق جميع رأسه في حجة الوداع، وقد مات بعد ذلك بأحد وثمانين يوما - صلوات الله وسلامه عليه - دائما إلى يوم الدين.

وقال يعقوب بن سفيان: ثنا عبد الله بن مسلم ويحيى بن عبد الحميد قالا: ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قالت أم هانئ: قدم النبي مكة قدمة وله أربع غدائر - تعني: ضفائر -.

وروى الترمذي من حديث سفيان بن عيينة، وثبت في الصحيحين من حديث ربيعة عن أنس قال بعد ذكره شعر رسول الله أنه ليس بالسبط ولا بالقطط قال: وتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.

وفي صحيح البخاري من حديث أيوب عن ابن سيرين أنه قال: قلت لأنس: أخضب رسول الله؟

قال: إنه لم ير من الشيب إلا قليلا.

وكذا روى هو ومسلم من طريق حماد بن زيد عن ثابت، عن أنس.

وقال حماد بن سلمة عن ثابت: قيل لأنس: هل كان شاب رسول الله؟

فقال: ما شانه الله بالشيب ما كان في رأسه إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة شعرة.

وعند مسلم من طريق المثنى بن سعيد عن قتادة، عن أنس أن رسول الله لم يختضب إنما كان شمط عند العنفقة يسيرا، وفي الصدغين يسيرا، وفي الرأس يسيرا.

وقال البخاري: ثنا أبو نعيم، ثنا همام عن قتادة قال: سألت أنسا هل خضب رسول الله ؟

قال: لا، إنما كان شيء في صدغيه.

وروى البخاري عن عصام بن خالد، عن جرير بن عثمان قال: قلت لعبد الله بن بسر السلمي رأيت رسول الله أكان شيخا؟

قال: كان في عنفقته شعرات بيض.

وتقدم عن جابر بن سمرة مثله.

وفي الصحيحين من حديث أبي إسحاق عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول الله هذه منه بيضاء - يعني: عنفقته -.

وقال يعقوب بن سفيان: ثنا عبد الله بن عثمان عن أبي حمزة السكري، عن عثمان بن عبد الله بن موهب القرشي قال: دخلنا على أم سلمة، فأخرجت إلينا من شعر رسول الله فإذا هو أحمر مصبوغ بالحناء والكتم.

رواه البخاري عن إسماعيل بن موسى، عن سلام ابن أبي مطيع، عن عثمان بن عبد الله بن موهب، عن أم سلمة به.

وقال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا يحيى بن بكير، ثنا إسرائيل عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: كان عند أم سلمة جلجل من فضة ضخم فيه من شعر رسول الله، فكان إذا أصاب إنسانا الحمى بعث إليها فحضحضته فيه، ثم ينضحه الرجل على وجهه.

قال: فبعثني أهلي إليها، فأخرجته فإذا هو هكذا - وأشار إسرائيل بثلاث أصابع - وكان فيه خمس شعرات حمر.

رواه البخاري عن مالك بن إسماعيل، عن إسرائيل.

وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو نعيم، ثنا عبيد الله بن إياد، حدثني إياد عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله فلما رأيته قال: هل تدري من هذا؟

قلت: لا.

قال: إن هذا رسول الله، فاقشعررت حين قال ذلك، وكنت أظن أن رسول شيء لا يشبه الناس، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء، وعليه بردان أخضران.

ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبيد الله بن إياد بن لقيط عن أبيه، عن أبي رمثة - واسمه: حبيب بن حيان - ويقال: رفاعة بن يثربي.

وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث إياد كذا قال.

وقد رواه النسائي أيضا من حديث سفيان الثوري وعبد الملك بن عمير، كلاهما عن إياد بن لقيط به ببعضه.

ورواه يعقوب بن سفيان أيضا عن محمد بن عبد الله المخرمي، عن أبي سفيان الحميري، عن الضحاك بن حمزة بن غيلان بن جامع، عن إياد بن لقيط بن أبي رمثة قال: كان رسول الله يخضب بالحناء والكتم، وكان شعره يبلغ كتفيه أو منكبيه.

وقال أبو داود: ثنا عبد الرحيم بن مطرف بن سفيان، ثنا عمرو بن محمد، أنا ابن أبي داود عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله كان يلبس النعال السبتية، ويصفر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل ذلك.

ورواه النسائي عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي، عن عمرو بن محمد المنقري به.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، ثنا الحسن بن محمد بن زياد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا يحيى بن آدم.

ح وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل، أنا عبد الله بن جعفر، أنا يعقوب بن سفيان، حدثني أبو جعفر محمد بن عمر بن الوليد الكندي الكوفي، ثنا يحيى بن آدم، ثنا شريك عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان شيب رسول الله نحوا من عشرين شعرة.

وفي رواية إسحاق: رأيت شيب رسول الله نحوا من عشرين شعرة بيضاء في مقدمه.

قال البيهقي: وحدثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أحمد بن سلمان الفقيه، ثنا هلال بن العلاء الرقي، ثنا حسين بن عياش الرقي، ثنا جعفر بن برقان، ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل قال: قدم أنس بن مالك المدينة، وعمر بن عبد العزيز وال عليها فبعث إليه عمر وقال للرسول: سله هل خضب رسول الله فإني رأيت شعرا من شعره قد لون.

فقال أنس: إن رسول الله قد منع بالسواد، ولو عددت ما أقبل على من شيبه في رأسه ولحيته ما كنت أزيد على إحدى عشرة شيبة، وإنما هو الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله هو الذي غير لونه.

قلت: ونفي أنس للخضاب معارض بما تقدم عن غيره من إثباته، والقاعدة المقررة أن الإثبات مقدم على النفي، لأن المثبت معه زيادة علم ليست عند النافي، وهكذا إثبات غيره لزيادة ما ذكر من السبب مقدم، لا سيما عن ابن عمر الذي المظنون أنه تلقى ذلك عن أخته أم المؤمنين حفصة، فإن اطلاعها أتم من إطلاع أنس، لأنها ربما أنها فلت رأسه الكريم عليه الصلاة والسلام.

البداية والنهاية - الجزء السادس
باب آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يختص بها في حياته | باب في ترك الخاتم | ذكر سيفه عليه السلام | ذكر نعله التي كان يمشي فيها | صفة قدح النبي صلى الله عليه وسلم | المكحلة التي كان عليه السلام يكتحل منها | البردة | أفراسه ومراكيبه عليه الصلاة والسلام | فصل إيراد ما بقي من متعلقات السيرة الشريفة | كتاب شمائل رسول الله وصفاته الخلقية | باب ما ورد في حسنه الباهر | صفة لون رسول الله صلى الله عليه وسلم | صفة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر محاسنه | ذكر شعره عليه السلام | ما ورد في منكبيه وساعديه وإبطيه وقدميه وكعبيه صلى الله عليه وسلم | قوامه عليه السلام وطيب رائحته | صفة خاتم النبوة الذي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم | باب أحاديث متفرقة وردت في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم | حديث أم معبد في ذلك | حديث هند ابن أبي هالة في ذلك | باب ذكر أخلاقه وشمائله الطاهرة صلى الله عليه وسلم | كرمه عليه السلام | مزاحه عليه السلام | باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدار | حديث بلال في ذلك | ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام | فصل عبادته عليه السلام واجتهاده في ذلك | فصل في شجاعته صلى الله عليه وسلم | فصل فيما يذكر من صفاته عليه السلام في الكتب المأثورة عن الأنبياء الأقدمين | كتاب دلائل النبوة | فصل وإنك لعلى خلق عظيم | فصل دلائل نبوته من خلال سيرته وأخلاقه | باب دلائل النبوة الحسية | فصل إيراد هذا الحديث من طرق متفرقة | فصل في المعجزات الأرضية | باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته صلى الله عليه وسلم | باب تكثيره عليه السلام الأطعمة | تكثيره عليه السلام السمن لأم سليم | قصة أخرى في تكثير الطعام في بيت فاطمة | قصة أخرى في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم | قصة قصعة بيت الصديق | حديث آخر في تكثير الطعام في السفر | قصة جابر ودين أبيه وتكثيره عليه السلام التمر | قصة سلمان في تكثيره صلى الله عليه وسلم تلك القطعة من الذهب | حديث الذراع | باب انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم | باب حنين الجزع شوقا إلى رسول الله وشغفا من فراقه | باب تسبيح الحصى في كفه عليه الصلاة والسلام | باب ما يتعلق بالحيوانات من دلائل النبوة | حديث في سجود الغنم له صلى الله عليه وسلم | قصة الذئب وشهادته بالرسالة | قصة الوحش الذي كان في بيت النبي وكان يحترمه عليه السلام ويوقره ويجله | قصة الأسد | حديث الغزالة | حديث الضـب على ما فيه من النكارة والغرابة | حديث الحمار | حديث الحمرة وهو طائر مشهور | باب في كلام الأموات وعجائبهم | قصة الصبي الذي كان يصرع فدعا له عليه السلام فبرأ | فصل آداب الطعام | باب المسائل التي سئل عنها رسول الله فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء | فصل المباهلة | حديث آخر يتضمن اعتراف اليهود بأنه رسول الله | فصل البشارة برسول الله صلى الله عليه وسلم | جوابه صلى الله عليه وسلم لمن ساءل عما سأل قبل أن يسأله عن شيء منه | باب ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده | أما القرآن | فصل الدلائل على إخباره صلى الله عليه وسلم بما وقع | فصل في الإخبار بغيوب ماضية ومستقبلة | فصل في ترتيب الإخبار بالغيوب المستقبلة بعده صلى الله عليه وسلم | ومن كتاب دلائل النبوة في باب إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيوب المستقبلة | ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن الواقعة | باب ما جاء في إخباره عن الحكمين اللذين بعثا في زمن علي | إخباره صلى الله عليه وسلم عن الخوارج وقتالهم | إخباره صلى الله عليه وسلم بمقتل علي ابن أبي طالب | إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك مقتل الحسين | إخباره صلى الله عليه وسلم عن غزاة البحر إلى قبرص | باب ما قيل في قتال الروم | الإخبار عن غزوة الهند | فصل في الإخبار عن قتال الترك | خبر آخر عن عبد الله بن سلام | الإخبار عن بيت ميمونة بنت الحارث بسرف | ما روي في إخباره عن مقتل حجر بن عدي | إخباره صلى الله عليه وسلم لما وقع من الفتن من بني هاشم | الإخبار بمقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما | الإخبار عن وقعة الحرة التي كانت في زمن يزيد | فصل حديث إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا | الإشارة النبوية إلى دولة عمر بن عبد العزيز تاج بني أمية | الإشارة إلى محمد بن كعب القرظي وعلمه بتفسير القرآن وحفظه | الإخبار بانخرام قرنة صلى الله عليه وسلم بعد مائة سنة من ليلة إخباره | الإخبار عن الوليد بن يزيد بما فيه له من الوعيد الشديد | ذكر الإخبار عن خلفاء بني أمية | الإخبار عن دولة بني العباس | الإخبار عن الأئمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش | الإخبار عن أمور وقعت في دولة بني العباس | حديث آخر فيه إشارة إلى مالك بن أنس الإمام | حديث آخر فيه إشارة إلى محمد بن إدريس الشافعي | باب البينة على ذكر معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم | القول فيما أوتي نوح عليه السلام | القول فيما أوتي هود عليه السلام | القول فيما أوتي صالح عليه السلام | القول فيما أوتي إبراهيم الخليل عليه السلام | القول فيما أوتي موسى عليه السلام | قصة أبي موسى الخولاني | باب ما أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أعطي الأنبياء قبله | قصة حبس الشمس | القول فيما أعطي إدريس عليه السلام | القول فيما أوتي داود عليه السلام | القول فيما أوتي سليمان بن داود عليه السلام | القول فيما أوتي عيسى بن مريم عليه السلام | قصة الأعمى الذي رد الله عليه بصره بدعاء الرسول | كتاب تاريخ الإسلام الأول من الحوادث الواقعة في الزمان ووفيات المشاهير والأعيان سنة إحدى عشرة من الهجرة | خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما فيها من الحوادث | فصل في تنفيذ جيش أسامة بن زيد | مقتل الأسود العنسي المتنبي الكذاب | صفة خروجه وتمليكه ومقتله | خروج الأسود العنسي | فصل في تصدي الصديق لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة | خروجه إلى ذي القصة حين عقد ألوية الأمراء الأحد عشر | فصل في مسيرة الأمراء من ذي القصة على ما عوهدوا عليه | قصة الفجاءة | قصة سجاح وبني تميم | فصل في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي | مقتل مسيلمة الكذاب لعنه الله | ذكر ردة أهل البحرين وعودهم إلى الإسلام | ذكر ردة أهل عمان ومهرة اليمن | ذكر من توفي في هذه السنة | سنة اثنتي عشرة من الهجرة النبوية | بعث خالد بن الوليد إلى العراق | وقعة المذار أو الثني | وقعة الولجة | وقعة أليس | فصل نزول خالد بن الوليد النجف | فتح الأنبار معركة ذات العيون | وقعة عين التمر | خبر دومة الجندل | خبر وقعتي الحصيد والمضيح | وقعة الفراض | فصل فيما كان من الحوادث في هذه السنة | فصل فيمن توفي في هذه السنة