البداية والنهاية/الجزء السادس/أفراسه ومراكيبه عليه الصلاة والسلام
قال ابن إسحاق عن يزيد بن حبيب، عن مرثد بن عبد الله المزني، عن عبد الله بن رزين، عن علي قال: كان للنبي ﷺ فرس يقال له: المرتجز، وحمار يقال له: عفير، وبغلة يقال لها: دلدل، وسيفه: ذو الفقار، ودرعه: ذو الفضول.
ورواه البيهقي من حديث الحكم عن يحيى بن الجزار، عن علي نحوه.
قال البيهقي: وروينا في كتاب السنن أسماء أفراسه التي كانت عند الساعد بين لزاز واللحيف، وقيل: اللخيف، والظرب، والذي ركبه لأبي طلحة يقال له: المندوب، وناقته: القصواء، والعضباء، والجدعاء، وبغلته: الشهباء والبيضاء.
قال البيهقي: وليس في شيء من الروايات أنه مات عنهن، إلا ما روينا في بغلته البيضاء وسلاحه، وأرض جعلها صدقة، ومن ثيابه، وبلغته، وخاتمه، ما روينا في هذا الباب.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا زمعة بن صالح عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: توفي رسول الله ﷺ وله جبة صوف في الحياكة.
وهذا إسناد جيد.
وقد روى الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثنا مجاهد عن موسى، ثنا علي بن ثابت، ثنا غالب الجزري عن أنس قال: لقد قبض رسول الله ﷺ وإنه لينسج له كساء من صوف.
وهذا شاهد لما تقدم.
وقال أبو سعيد بن الأعرابي: حدثنا سعدان بن نصير، ثنا سفيان بن عيينة عن الوليد بن كثير، عن حسين، عن فاطمة بنت الحسين أن رسول الله ﷺ قبض وله بردان في الجف يعملان، وهذا مرسل.
وقال أبو القاسم الطبراني: ثنا الحسن بن إسحاق التستري، ثنا أبو أمية عمرو بن هشام الحرني، ثنا عثمان بن عبد الرحمن بن علي بن عروة عن عبد الملك ابن أبي سليمان، عن عطاء وعمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: كان لرسول الله ﷺ سيف قائمته من فضة وقبيعته، وكان يسميه: ذا الفقار، وكان له قوس تسمى: السداد، وكانت له كنانة تسمى: الجمع، وكانت له درع موشحة بالنحاس تسمى: ذات الفضول، وكانت له حربة تسمى: السغاء، وكان له مجن يسمى: الذقن، وكان له ترس أبيض يسمى: الموجز، وكان له فرس أدهم يسمى: السكب، وكان له سرج يسمى: الداج، وكان له بغلة شهباء يقال لها: دلدل، وكانت له ناقة تسمى: القصواء، وكان له حمار يقال له: يعفور، وكان له بساط يسمى: الكره، وكان له نمرة تسمى: النمر، وكانت له ركوة تسمى: الصادر، وكانت له مرآة تسمى: المرآة، وكان له مقراض يسمى: الجاح، وكان له قضيب شوحط يسمى: الممشوق.
قلت: قد تقدم عن غير واحد من الصحابة أن رسول الله ﷺ لم يترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة، سوى بغلة وأرض جعلها صدقة.
وهذا يقتضي أنه عليه السلام نجز العتق في جميع ما ذكرناه من العبيد والإماء والصدقة في جميع ما ذكر من السلاح، والحيوانات، والأثاث، والمتاع مما أوردناه ومالم نورده.
وأما بغلته فهي: الشهباء، وهي: البيضاء أيضا: والله أعلم، وهي التي أهداها له المقوقس صاحب الإسكندرية، واسمه: جريج بن ميناء فيما أهدي من التحف، وهي التي كان رسول الله ﷺ راكبها يوم حنين وهو في نحور العدو ينوه باسمه الكريم شجاعة وتوكلا على الله - عز وجل -، فقد قيل: إنها عمرت بعده حتى كانت عند علي ابن أبي طالب في أيام خلافته، وتأخرت أيامها حتى كانت بعد علي عند عبد الله بن جعفر فكان يجش لها الشعير حتى تأكله من ضعفها بعد ذلك.
وأما حماره: يعفور، ويصغر فيقال له: عفير، فقد كان عليه السلام يركبه في بعض الأحايين.
وقد روى أحمد من حديث محمد بن إسحاق عن يزيد ابن أبي حبيب، عن يزيد بن عبد الله العوفي، عن عبد الله بن رزين، عن علي قال: كان رسول الله ﷺ يركب حمارا يقال له: عفير.
ورواه أبو يعلى من حديث عون بن عبد الله عن ابن مسعود، وقد ورد في أحاديث عدة أنه عليه السلام ركب الحمار.
وفي الصحيحين: أنه عليه السلام مر وهو راكب حمارا بمجلس فيه عبد الله ابن أبي بن سلول، وأخلاط من المسلمين، والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، فنزل ودعاهم إلى الله عز وجل - وذلك قبل وقعة بدر - وكان قد عزم على عيادة سعد بن عبادة.
فقال له عبد الله: لا أحسن مما تقول أيها المرء، فإن كان حقا فلا تغشنا به في مجالسنا، وذلك قبل أن يظهر الإسلام، ويقال: إنه خمر أنفه لما غشيتهم عجاجة الدابة.
وقال: لا تؤذنا بنتن حمارك.
فقال له عبد الله بن رواحة: والله لريح حمار رسول الله ﷺ أطيب من ريحك.
وقال عبد الله: بل يا رسول الله أغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك.
فتثاور الحيان وهموا أن يقتتلوا، فسكنهم رسول الله، ثم ذهب إلى سعد بن عبادة، فشكى إليه عبد الله ابن أبي.
فقال: ارفق به يا رسول الله فوالذي أكرمك بالحق لقد بعثك الله بالحق، وإنا لننظم له الخدر لنملكه علينا، فلما جاء الله بالحق شرق بريقه.
وقد قدمنا أنه ركب الحمار في بعض أيام خيبر، وجاء أنه أردف معاذا على حمار، ولو أوردناها بألفاظها وأسانيدها لطال الفصل، والله أعلم.
فأما ما ذكره القاضي عياض بن موسى السبتي في كتابه الشفا وذكره قبل إمام الحرمين في كتابه الكبير في أصول الدين وغيرهما أنه كان لرسول الله ﷺ حمار يسمى: زياد بن شهاب، وأن رسول الله ﷺ كان يبعثه ليطلب له بعض أصحابه، فيجيء إلى باب أحدهم فيقعقعه، فيعلم أن رسول الله ﷺ يطلبه، وأنه ذكر للنبي ﷺ أنه سلالة سبعين حمارا كل منها ركبه نبي، وأنه لما توفي رسول الله ﷺ ذهب فتردى في بئر فمات، فهو حديث لا يعرف له إسناد بالكلية، وقد أنكره غير واحد من الحفاظ منهم: عبد الرحمن ابن أبي حاتم، وأبوه - رحمهما الله -.
وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله ينكره غير مرة إنكارا شديدا.
وقال الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة: ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى العنبري، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف، ثنا إبراهيم بن سويد الجذوعي، حدثني عبد الله بن أذين الطائي عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: أتى النبي ﷺ وهو بخيبر حمار أسود فوقف بين يديه فقال: « من أنت؟ »
قال: أنا عمرو بن فلان كنا، سبعة إخوة كلنا ركبنا الأنبياء، وأنا أصغرهم وكنت لك، فملكني رجل من اليهود فكنت إذا ذكرتك كبوت به فيوجعني ضربا.
فقال رسول الله ﷺ: « فأنت يعفور ».
هذا حديث غريب جدا.