البداية والنهاية/الجزء السادس/فصل نزول خالد بن الوليد النجف

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



فصل نزول خالد بن الوليد النجف


ثم سار خالد فنزل الخورنق والسدير وبالنجف، وبث سراياه هاهنا وهاهنا يحاصرون الحصون من الحيرة، ويستنزلون أهلها قسرا وقهرا، وصلحا ويسرا وكان في جملة ما نزل بالصلح قوم من نصارى العرب فيهم ابن بقيلة المتقدم ذكره.

وكتب لأهل الحيرة كتاب أمان، فكان الذي راوده عليه عمرو بن عبد المسيح ابن نقيلة، ووجد خالد معه كيسا فقال: ما في هذا؟ وفتحه خالد فوجد فيه شيئا.

فقال ابن بقيلة: هو سم الساعة.

فقال: ولم استصحبته معك؟

فقال: حتى إذا رأيت مكروها في قومي أكلته، فالموت أحب إلي من ذلك، فأخذه خالد في يده وقال: إنه لن تموت نفس حتى تأتي على أجلها، ثم قال: بسم الله خير الأسماء، رب الأرض والسماء الذي ليس يضر مع اسمه داء، الرحمن الرحيم.

قال: وأهوى إليه الأمراء ليمنعوه منه فبادرهم فابتلعه، فلما رأى ذلك ابن بقيلة قال: والله يا معشر العرب لتملكن ما أردتم ما دام منكم أحد، ثم التفت إلى أهل الحيرة فقال: لم أر كاليوم أوضح إقبالا من هذا.

ثم دعاهم وسألوا خالدا الصلح فصالحهم وكتب لهم كتابا بالصلح، وأخذ منهم أربعمائة ألف درهم عاجلة، ولم يكن صالحهم حتى سلموا كرامة بنت عبد المسيح إلى رجل من الصحابة يقال له: شويل وذلك أنه لما ذكر رسول الله قصور الحيرة كأن شرفها أنياب الكلاب.

فقال له: يا رسول الله هب لي ابنة بقيلة.

فقال: « هي لك ».

فلما فتحت ادعاها شويل، وشهد له اثنان من الصحابة فامتنعوا من تسليمها إليه وقالوا: ما تريد إلى امرأة ابنة ثمانين سنة؟

فقالت لقومها: إدفعوني إليه، فإني سأفتدي منه وإنه قد رآني وأنا شابة، فسلمت إليه فلما خلا بها، قالت: ما تريد إلى امرأة بنت ثمانين سنة وأنا أفتدى منك فاحكم بما أردت.

فقال: والله لا أفديك بأقل من عشر مائة فاستكثرتها خديعة منها، ثم أتت قومها فأحضروا له ألف درهم.

ولامه الناس وقالوا: لو طلبت أكثر من مائة ألف لدفعوها إليك.

فقال: وهل عدد أكثر من عشر مائة؟

وذهب إلى خالد وقال: إنما أردت أكثر العدد.

فقال خالد: أردت أمرا وأراد الله غيره، وإنا نحكم بظاهر قولك ونيتك عند الله كاذبا أنت أم صادقا.

وقال سيف بن عمر: عن عمرو بن محمد، عن الشعبي لما افتتح خالد الحيرة صلى ثماني ركعات بتسليمة واحدة، وقد قال عمرو بن القعقاع في هذه الأيام ومن قتل من المسلمين بها، وأيام الردة:

سقى الله قتلى بالفرات مقيمة * وأخرى بأثباج النجاف الكوانف

ونحن وطئنا بالكواظم هرمزا * وبالثنى قرني قارن بالجوارف

ويوم أحطنا بالقصور تتابعت * على الحيرة الروحاء إحدى المصارف

حططناهم منها وقد كان عرشهم * يميل بهم فعل الجبان المخالف

رمينا عليهم بالقبول وقد رأوا * غبوق المنايا حول تلك المحارف

صبيحة قالوا نحن قوم تنزلوا * إلى الريف من أرض العريب المقانف

وقد قدم جرير بن عبد الله البجلي على خالد بن الوليد وهو بالحيرة بعد الوقعات المتعددة، والغنائم المتقدم ذكرها ولم يحضر شيئا منها وذلك لأنه كان قد بعثه الصديق مع خالد بن سعيد بن العاص إلى الشام فاستأذن خالد بن سعيد في الرجوع إلى الصديق ليجمع له قومه من بجيلة فيكونوا معه.

فلما قدم على الصديق فسأله ذلك، غضب الصديق وقال: أتيتني لتشغلني عما هو أرضى لله من الذي تدعوني إليه، ثم سيره الصديق إلى خالد بن الوليد بالعراق.

قال سيف بأسانيده: ثم جاء ابن صلوبا فصالح خالدا على بانقيا، وبسما، وما حول ذلك على عشرة آلاف دينار، وجاءه دهاقين تلك البلاد فصالحوه على بلدانهم وأهاليهم كما صالح أهل الحيرة، واتفق في تلك الأيام التي كان قد تمكن بأطراف العراق واستحوذ على الحيرة وتلك البلدان، وأوقع بأهل أليس والثنى وما بعدها بفارس ومن ناشب معهم ما أوقع من القتل الفظيع في فرسانهم، أن عدت فارس على ملكهم الأكبر أردشير وابنه شيرين فقتلوهما، وقتلوا كل من ينسب إليهما، وبقيت الفرس حائرين فيمن يولوه أمرهم، واختلفوا فيما بينهم غير أنهم قد جهزوا جيوشا تكون حائلة بين خالد وبين المدائن التي فيها إيوان كسرى، وسرير مملكته.

فحينئذ كتب خالد إلى من هنالك من المرازبة والأمراء والدولة يدعوهم إلى الله، وإلى الدخول إلى دين الإسلام ليثبت ملكهم عليهم، وإلا فليدفعوا الجزية، وإلا فليعلموا وليستعدوا لقدومه عليهم بقوم يحبون الموت كما يحبون هم الحياة، فجعلوا يعجبون من جرأة خالد وشجاعته، ويسخرون من ذلك لحماقتهم، ورعونتهم في أنفسهم.

وقد أقام خالد هنالك بعد صلح الحيرة سنة يتردد في بلاد فارس هاهنا وهاهنا، ويوقع بأهلها من البأس الشديد، والسطوة الباهرة، ما يبهر الأبصار لمن شاهد ذلك، ويشنف أسماع من بلغه ذلك، ويحير العقول لمن تدبره.

البداية والنهاية - الجزء السادس
باب آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يختص بها في حياته | باب في ترك الخاتم | ذكر سيفه عليه السلام | ذكر نعله التي كان يمشي فيها | صفة قدح النبي صلى الله عليه وسلم | المكحلة التي كان عليه السلام يكتحل منها | البردة | أفراسه ومراكيبه عليه الصلاة والسلام | فصل إيراد ما بقي من متعلقات السيرة الشريفة | كتاب شمائل رسول الله وصفاته الخلقية | باب ما ورد في حسنه الباهر | صفة لون رسول الله صلى الله عليه وسلم | صفة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر محاسنه | ذكر شعره عليه السلام | ما ورد في منكبيه وساعديه وإبطيه وقدميه وكعبيه صلى الله عليه وسلم | قوامه عليه السلام وطيب رائحته | صفة خاتم النبوة الذي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم | باب أحاديث متفرقة وردت في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم | حديث أم معبد في ذلك | حديث هند ابن أبي هالة في ذلك | باب ذكر أخلاقه وشمائله الطاهرة صلى الله عليه وسلم | كرمه عليه السلام | مزاحه عليه السلام | باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدار | حديث بلال في ذلك | ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام | فصل عبادته عليه السلام واجتهاده في ذلك | فصل في شجاعته صلى الله عليه وسلم | فصل فيما يذكر من صفاته عليه السلام في الكتب المأثورة عن الأنبياء الأقدمين | كتاب دلائل النبوة | فصل وإنك لعلى خلق عظيم | فصل دلائل نبوته من خلال سيرته وأخلاقه | باب دلائل النبوة الحسية | فصل إيراد هذا الحديث من طرق متفرقة | فصل في المعجزات الأرضية | باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته صلى الله عليه وسلم | باب تكثيره عليه السلام الأطعمة | تكثيره عليه السلام السمن لأم سليم | قصة أخرى في تكثير الطعام في بيت فاطمة | قصة أخرى في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم | قصة قصعة بيت الصديق | حديث آخر في تكثير الطعام في السفر | قصة جابر ودين أبيه وتكثيره عليه السلام التمر | قصة سلمان في تكثيره صلى الله عليه وسلم تلك القطعة من الذهب | حديث الذراع | باب انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم | باب حنين الجزع شوقا إلى رسول الله وشغفا من فراقه | باب تسبيح الحصى في كفه عليه الصلاة والسلام | باب ما يتعلق بالحيوانات من دلائل النبوة | حديث في سجود الغنم له صلى الله عليه وسلم | قصة الذئب وشهادته بالرسالة | قصة الوحش الذي كان في بيت النبي وكان يحترمه عليه السلام ويوقره ويجله | قصة الأسد | حديث الغزالة | حديث الضـب على ما فيه من النكارة والغرابة | حديث الحمار | حديث الحمرة وهو طائر مشهور | باب في كلام الأموات وعجائبهم | قصة الصبي الذي كان يصرع فدعا له عليه السلام فبرأ | فصل آداب الطعام | باب المسائل التي سئل عنها رسول الله فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء | فصل المباهلة | حديث آخر يتضمن اعتراف اليهود بأنه رسول الله | فصل البشارة برسول الله صلى الله عليه وسلم | جوابه صلى الله عليه وسلم لمن ساءل عما سأل قبل أن يسأله عن شيء منه | باب ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده | أما القرآن | فصل الدلائل على إخباره صلى الله عليه وسلم بما وقع | فصل في الإخبار بغيوب ماضية ومستقبلة | فصل في ترتيب الإخبار بالغيوب المستقبلة بعده صلى الله عليه وسلم | ومن كتاب دلائل النبوة في باب إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيوب المستقبلة | ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن الواقعة | باب ما جاء في إخباره عن الحكمين اللذين بعثا في زمن علي | إخباره صلى الله عليه وسلم عن الخوارج وقتالهم | إخباره صلى الله عليه وسلم بمقتل علي ابن أبي طالب | إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك مقتل الحسين | إخباره صلى الله عليه وسلم عن غزاة البحر إلى قبرص | باب ما قيل في قتال الروم | الإخبار عن غزوة الهند | فصل في الإخبار عن قتال الترك | خبر آخر عن عبد الله بن سلام | الإخبار عن بيت ميمونة بنت الحارث بسرف | ما روي في إخباره عن مقتل حجر بن عدي | إخباره صلى الله عليه وسلم لما وقع من الفتن من بني هاشم | الإخبار بمقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما | الإخبار عن وقعة الحرة التي كانت في زمن يزيد | فصل حديث إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا | الإشارة النبوية إلى دولة عمر بن عبد العزيز تاج بني أمية | الإشارة إلى محمد بن كعب القرظي وعلمه بتفسير القرآن وحفظه | الإخبار بانخرام قرنة صلى الله عليه وسلم بعد مائة سنة من ليلة إخباره | الإخبار عن الوليد بن يزيد بما فيه له من الوعيد الشديد | ذكر الإخبار عن خلفاء بني أمية | الإخبار عن دولة بني العباس | الإخبار عن الأئمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش | الإخبار عن أمور وقعت في دولة بني العباس | حديث آخر فيه إشارة إلى مالك بن أنس الإمام | حديث آخر فيه إشارة إلى محمد بن إدريس الشافعي | باب البينة على ذكر معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم | القول فيما أوتي نوح عليه السلام | القول فيما أوتي هود عليه السلام | القول فيما أوتي صالح عليه السلام | القول فيما أوتي إبراهيم الخليل عليه السلام | القول فيما أوتي موسى عليه السلام | قصة أبي موسى الخولاني | باب ما أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أعطي الأنبياء قبله | قصة حبس الشمس | القول فيما أعطي إدريس عليه السلام | القول فيما أوتي داود عليه السلام | القول فيما أوتي سليمان بن داود عليه السلام | القول فيما أوتي عيسى بن مريم عليه السلام | قصة الأعمى الذي رد الله عليه بصره بدعاء الرسول | كتاب تاريخ الإسلام الأول من الحوادث الواقعة في الزمان ووفيات المشاهير والأعيان سنة إحدى عشرة من الهجرة | خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما فيها من الحوادث | فصل في تنفيذ جيش أسامة بن زيد | مقتل الأسود العنسي المتنبي الكذاب | صفة خروجه وتمليكه ومقتله | خروج الأسود العنسي | فصل في تصدي الصديق لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة | خروجه إلى ذي القصة حين عقد ألوية الأمراء الأحد عشر | فصل في مسيرة الأمراء من ذي القصة على ما عوهدوا عليه | قصة الفجاءة | قصة سجاح وبني تميم | فصل في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي | مقتل مسيلمة الكذاب لعنه الله | ذكر ردة أهل البحرين وعودهم إلى الإسلام | ذكر ردة أهل عمان ومهرة اليمن | ذكر من توفي في هذه السنة | سنة اثنتي عشرة من الهجرة النبوية | بعث خالد بن الوليد إلى العراق | وقعة المذار أو الثني | وقعة الولجة | وقعة أليس | فصل نزول خالد بن الوليد النجف | فتح الأنبار معركة ذات العيون | وقعة عين التمر | خبر دومة الجندل | خبر وقعتي الحصيد والمضيح | وقعة الفراض | فصل فيما كان من الحوادث في هذه السنة | فصل فيمن توفي في هذه السنة