البداية والنهاية/الجزء السادس/صفة خاتم النبوة الذي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم
قال البخاري: ثنا محمد بن عبيد الله، ثنا حاتم عن الجعد قال: سمعت السائب بن يزيد يقول: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، وتوضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم بين كتفيه مثل زر الحجلة.
وهكذا رواه مسلم عن قتيبة ومحمد بن عباد، كلاهما عن حاتم بن إسماعيل به.
ثم قال البخاري: الحجلة من حجلة الفرس الذي بين عينيه.
وقال إبراهيم بن حمزة: رز الحجلة.
قال أبو عبد الله: الرز الراء قبل الزاي.
وقال مسلم: ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا عبيد الله عن إسرائيل، عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله ﷺ قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا ادهن لم يتبين، وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية.
فقال رجل: وجهه مثل السيف؟
قال: لا! بل كان المثل الشمس والقمر وكان مستديرا، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده.
حدثنا محمد بن المثنى، ثنا محمد بن حزم، ثنا شعبة عن سماك سمعت جابر بن سمرة قال: رأيت خاتما في ظهر رسول الله ﷺ كأنه بيضة حمام.
وحدثنا ابن نمير، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا حسن بن صالح عن سماك بهذا الإسناد مثله.
وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر عن عاصم بن سليمان، عن عبد الله بن السرجس قال: ترون هذا الشيخ - يعني: نفسه - كلمت نبي الله ﷺ وأكلت معه، ورأيت العلامة التي بين كتفيه، وهي في طرف نغض كتفه اليسرى، كأنه جمع - بمعنى: الكف المجتمع وقال بيده: فقبضها - عليه خيلان كهيئة الثواليل.
وقال أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم وأسود بن عامر قالا: ثنا شريك عن عاصم، عن عبد الله بن السرجس قال: رأيت رسول الله ﷺ وسلمت عليه، وأكلت معه، وشربت من شرابه، ورأيت خاتم النبوة.
قال هاشم: في نغض كتفه اليسرى كأنه جمع فيه خيلان سود كأنها الثآليل.
ورواه عن غندر، عن شعبة، عن عاصم، عن عبد الله بن السرجس، فذكر الحديث.
وشك شعبة في أنه هل هو في نغض الكتف اليمنى أو اليسرى.
وقد رواه مسلم من حديث حماد بن زيد وعلي بن مسهر وعبد الواحد بن زياد، ثلاثتهم عن عاصم، عن عبد الله بن الرجس قال: أتيت رسول الله ﷺ وأكلت معه خبزا ولحما - أو قال: ثريدا -.
فقلت: يا رسول الله غفر الله لك.
قال: « ولك ».
فقلت: أستغفر لك يا رسول الله؟
قال: « نعم! ولكم » ثم تلا هذه الآية { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات }. [محمد: 19] .
قال: ثم درت خلفه، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى جمعا عليه خيلان كأمثال الثآليل.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا قرة بن خالد، ثنا معاوية بن قرة عن أبيه قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله أرني خاتم الخاتم.
فقال: « أدخل يدك ».
فأدخلت يدي في جربانه، فجعلت ألمس أنظر إلى الخاتم الرجس، فإذا هو على نغض كتفه مثل البيضة، فما منعه ذاك أن جعل يدعو لي وإن يدي لفي جربانه.
ورواه النسائي عن أحمد بن سعيد، عن وهب بن جرير، عن قرة بن خالد به.
وقال الإمام أحمد: ثنا وكيع، ثنا سفيان عن إياد بن لقيط السدوسي، عن أبي رمثة التيمي قال: خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله ﷺ فرأيت برأسه ردع حناء، ورأيت على كتفه مثل التفاحة.
فقال أبي: إني طبيب أفلا أطبها لك.
قال: « طبيبها الذي خلقها ».
قال: وقال لأبي: « هذا ابنك؟ »
قال: نعم!
قال: « أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه ».
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو نعيم، ثنا عبيد الله بن زياد، حدثني أبي عن أبي ربيعة أو رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو النبي ﷺ فنظر إلى مثل السلعة بين كتفيه فقال: يا رسول الله إني كأطب الرجال أفأعالجها لك.
قال: « لا طبيبها الذي خلقها ».
قال البيهقي، وقال الثوري عن إياد بن لقيط: في هذا الحديث فإذا خلف كتفيه مثل التفاحة.
وقال عاصم بن بهدلة عن أبي رمثة: فإذا في نغض كتفه مثل بعرة البعير أو بيضة الحمامة.
ثم روى البيهقي من حديث سماك بن حرب عن سلامة العجلي، عن سلمان الفارسي قال: أتيت رسول الله فألقى إلي رداءه وقال: « يا سلمان انظر إلى ما أمرت به ».
قال: فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمامة.
وروى يعقوب بن سفيان عن الحميدي، عن يحيى بن سليم، عن أبي خيثم، عن سعيد ابن أبي راشد، عن التنوخي الذي بعثه هرقل إلى رسول الله ﷺ وهو بتبوك، فذكر الحديث كما قدمناه في غزوة تبوك إلى أن قال: فحل حبوته عن ظهره ثم قال: « ههنا امض لما أمرت به ».
قال: فجلت في ظهره الرجس أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف، مثل الحجمة الضخمة.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا عبد الله بن ميسرة، ثنا عتاب سمعت أبا سعيد يقول: الخاتم الذي بين كتفي النبي ﷺ لحمة نابتة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا شريح، ثنا أبو ليلى عبد الله بن ميسرة الخراساني عن غياث البكري قال: كنا نجالس أبا سعيد الخدري بالمدينة فسألته عن خاتم رسول الله ﷺ الذي كان بين كتفيه.
فقال: بإصبعه السبابة هكذا لحم ناشز بين كتفيه ﷺ.
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقد ذكر الحافظ أبو الخطاب بن دحية المصري في كتابه التنوير في مولد البشير النذير عن أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن بشر - المعروف: بالحكيم الترمذي - أنه قال: كان الخاتم الذي بين كتفي رسول الله ﷺ كأنه بيضة حمامة مكتوب في باطنها: الله وحده، وفي ظاهرها: توجه حيث شئت فإنك منصور.
ثم قال: وهذا غريب واستنكره.
قال: وقيل: كان من نور ذكره الإمام أبو زكريا يحيى بن مالك بن عائذ في كتابه تنقل الأنوار وحكى أقوالا غريبة غير ذلك.
ومن أحسن ما ذكره ابن دحية رحمه الله وغيره من العلماء قبله في الحكمة في كون الخاتم كان بين كتفي رسول الله ﷺ: إشارة إلى أنه لا نبي بعدك يأتي من ورائك.
قال: وقيل: كان على نغض كتفه لأنه يقال: هو الموضع الذي يدخل الشيطان منه إلى الإنسان، فكان هذا عصمة له عليه السلام من الشيطان.
قلت: وقد ذكرنا الأحاديث الدالة على أنه لا نبي بعده عليه السلام ولا رسول عند تفسير قوله تعالى: { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما } [الأحزاب: 40] .