الفتاوى الكبرى/كتاب النكاح/5
باب الرضاع
502 - 104 مسألة: ما الذي يحرم من الرضاع؟ وما الذي لا يحرم؟ وما دليل حديث عائشة رضي الله عنها: أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وليتبينوا جميع التحريم منه؟ وهل للعلماء فيه اختلاف؟ وإن كان لهم اختلاف فما هو الصواب والراجح فيه؟ وهل حكم رضاع الصبي الكبير الذي دون البلوغ أو الذي يبلغ حكمه حكم الصغير الرضيع فإن بعض النسوة يرضعن أولادهن خمس سنين وأكثر وأقل؟ وهل يقع تحريم بين المرأة والرجل المتزوجين برضاع بعض قراباتهم لبعض ويبنوه بيانا شافيا؟
الجواب: الحمد لله حديث عائشة حديث صحيح متفق على صحته وهو متلقى بالقبول فإن الأئمة اتفقوا على العمل به ولفظه: [ يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ]
والثاني: [ يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة ] وقد استثنى بعض الفقهاء المتأخرين من هذا العموم صورتين وبعضهم أكثر من ذلك وهذا خطأ فإنه لا يحتاج أن يستثنى من الحديث شيء ونحن نبين ذلك فنقول:
إذا ارتضع الرضيع من المرأة خمس رضعات من الحولين صارت المرأة أمه وصار زوجها الذي جاء اللبن بوطئه أباه فصار ابنا لكل منهما من الرضاعة وحينئذ فيكون جميع أولاد المرأة من هذا الرجل ومن غيره وجميع أولاد الرجل منها ومن غيرها أخوة له سواء ولدوا قبل الرضاع أو بعده باتفاق الأئمة
وإذا كان أولادهما أخوته كان أولاد أولادهما وأولاد أخوته فلا يجوز للمرتضع أن يتزوج أحدا من أولادهما فإنهما إما أخوته وإما أولاد أخوته وذلك يحرم من الولادة وأخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته من الرضاع وأبوها وأمها أجداده وجداته من الرضاع فلا يجوز له أن يتزوج أحدا من أخوتها ولا من أخواتها وأخوة الرجل أعمامه وعماته وأبو الرجل وأمهاته أجداده وجداته فلا يتزوج بأعمامه وعماته ولا بأجداده وجداته لكن تتزوج بأولاد الأعمام والعمات فإن جميع أقارب الرجل حرام عليه إلا أولاد الأعمام والعمات وأولاد الخال والخالات كما ذكر الله في قوله: { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك }
فهؤلاء الأصناف الأربعة من المباحات من الأقارب فيبحن من الرضاعة وإذا كان المرتضع ابنا للمرأة وزوجها فأولاده أولاد أولادهما ويحرم على أولاده ما يحرم على الأولاد من النسب فهذه الجهات الثلاث منها تنتشر حرمة الرضاع
وأما أخوة المرتضع من النسب وأبوه من النسب وأمه من النسب فهم أجانب أبيه وأمه وأخوته من الرضاع ليس بين هؤلاء وهؤلاء صلة ولا نسب ولا رضاع لأن الرجل يمكن أن يكون له أخ من أبيه وأخ من أمه ولا نسب بينهما بل يجوز لأخيه من أبيه أن يتجوز أخاه من أمه فكيف إذا كان أخ من النسب وأخت من الرضاع فإنه يجوز لهذا أن يتزوج هذا ولهذا أن يتزوج بهذا
وبهذا تزول الشبهة لبعض الناس فإنه يجوز للمرتضع أن يتزوج أخوه من الرضاعة بأمه من النسب كما يتزوج بأخته من النسب ويجوز لأخيه من النسب أن يتزوج أخته من الرضاعة
وهذا لا نظير له في النسب فإن أخ الرجل من النسب لا يتزوج بأمه من النسب وأخته من الرضاع ليست بنت أبيه من النسب ولا ربيبته فلهذا جاز أن تتزوج به فيقول من لا يحقق: يحرم في النسب على أخي أن يتزوج أمي ولا يحرم مثل هذا في الرضاع وهذا غلط منه فإنه نظير المحرم من النسب أن تتزوج أخته أو أخوه من الرضاعة بابن هذا الأخ أو بأمه من الرضاعة كما لو ارتضع هو وآخر من امرأة واللبن لفحل فإنه يحرم على أخته من الرضاعة أن تتزوج أخاه وأخته من الرضاعة لكونهما أخوين للمرتضع ويحرم عليهما أن يتزوجا أباه وأمه من الرضاعة لكونهما ولديهما من الرضاعة لا لكونهما أخوي ولديهما فمن تدبر هذا ونحوه زالت عنه الشبهة
وأما رضاع الكبير فإنه لا يحرم في مذهب الأئمة الأربعة بل لا يحرم الإرضاع الصغير كالذي رضع في الحولين وفيمن رضع قريبا من الحولين نزاع بين الأئمة لكن مذهب الشافعي وأحمد أنه لا يحرم فأما الرجل الكبير والمرأة الكبيرة فلا يحرم أحدهما على الآخر برضاع القرايب مثل أن ترضع زوجته لأخيه من النسب فهنا لا تحرم عليه زوجته لما تقدم من أنه يجوز له أن يتزوج بالتي هي أخته من الرضاعة لأخيه من النسب إذ ليس بينه وبينها صلة نسب ولا رضاع وإنما حرمت على أخيها لأنها أمه من الرضاع وليست أم نفسه من الرضاع وأم المرتضع من الرضاع لا تكون أم لأخوته من النسب لأنها إنما أرضعت الرضيع ولم ترضع غيره نعم لو كان للرجل نسوة يطأهن وأرضعت كل واحدة طفلا لم يحل أن يتزوج أحدهما الآخر ولهذا لما سئل ابن عباس عن ذلك قال: اللقاح واحد وهذا مذاهب الأئمة الأربعة لحديث أبي القعيس الذي في الصحيحين عن عائشة وهو معروف
وتحرم عليه أم أخيه من النسب لأنها أمة أو امرأة أبيه وكلاهما حرام عليه وأما أخيه من الرضاعة فليست أمه ولا امرأة أبيه لأن زوجها صاحب اللبن ليس أبا لهذا لا من النسب ولا من الرضاعة
فإذا قال القائل: إن النبي ﷺ قال: [ يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ] وأم أخيه من النسب حرام فكذلك من الرضاع
قلنا: هذا تلبيس وتدليس فإن الله لم يقل: حرمت عليكم أمهات أخوانكم وإنما قال: { حرمت عليكم أمهاتكم } وقال تعالى: { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } فحرم على الرجل أمه ومنكوحة أبيه وإن لم تكن أمه وهذه تحرم من الرضاعة فلا يتزوج أمه من الرضاعة وأما منكوحة أبيه من الرضاع فالمشهور عند الأئمة أنها تحرم لكن فيها نزاع لكونها من المحرمات بالصهر لا بالنسب والولادة وليس الكلام هنا في تحريمها فإنه إذا قيل تحرم منكوحة أبيه من الرضاعة وفينا بعموم الحديث وأما أخيه التي ليست أما ولا منكوحة أب فهذه لا توجد في النسب فلا يجوز أن يقال تحرم من النسب فلا يحرم نظيرها من الرضاعة فتبقى أم الأم من النسب لأخيه من الرضاعة أو الأم من الرضاعة لأخيه من النسب لا نظير لها من الولادة فلا تحرم وهذا متفق عليه بين المسلمين والله أعلم
503 - 105 مسألة: في امرأة أعطت لامرأة أخرى ولدا وهما في الحمام فلم تشعر المرأة التي أخذت الولد إلا وثديها في فم الصبي فانتزعته منه في ساعته وما علمت هل ارتضع أم لا؟ فهل يحرم على الصبي المذكور أن يتزوج من بنات المرأة المذكورة أم لا؟
الجواب: لا يحرم على الصبي المذكور بذلك أن يتزوج واحدة من أولاد هذه المرأة فإنها ليست أمه والله أعلم ولا تحرم عليه بالشك عند أحد من الأئمة الأربعة
504 - 106 في رجل رمد فغسل عينيه بلبن زوجته فهل تحرم عليه إذا حصل لبنها في بطنه؟ ورجل يحب زوجته فلعب معها فرضع من لبنها فهل تحرم عليه؟
الجواب: الحمد لله أما غسل عينيه بلبن امرأته يجوز ولا تحرم بذلك عليه امرأته لوجهين:
أحدهما: أنه كبير والكبير إذا ارتضع من امرأته أو من غير امرأته لم تنتشر بذلك حرمة الرضاع عند الأئمة الأربعة وجماهير العلماء لما دل على ذلك الكتاب والسنة وحديث عائشة في قصة سالم مولى أبي حذيفة مختص عندهم بذلك لأجل أنهم تبنوه قبل تحريم التبني
الثاني: أن حصول اللبن في العين لا ينشر الحرمة ولا أعلم في هذا نزاعا ولكن تنازع العلماء في السعوط وهو ما إذا أدخل في أنفه بعد تنازعهم بالوجور وهو ما يطرح فيه من غير رضاع وأكثر العلماء على أن الوجور يحرم وهو أشهر الروايتين عن أحمد وكذلك يحرم السعوط في إحدى الروايتين عنه وهو مذهب أبي حنيفة ومالك ووللشافعي قولان
والجواب عن المسألة الثانية: أن ارتضاعه لا يحرم امرأته في مذهب الأئمة الأربعة
505 - 107 مسألة في امرأة أودعت بنتها عند امرأة أخيها وغابت وجاءت فقالت: أرضعيها فقالت: لا وحلفت على ذلك ثم أن ولد أخيها كبر وكبرت بنتها الصغيرة وأختها ارتضعت مع أخيه الذي يريد أن يزوج بها فهل يجوز ذلك؟
الجواب: إذا كانت البنت لم ترضع [ من ] أم الخاطب ولا الخاطب ارتضع من أمها جاز أن يتزوج أحدهما بالآخر وإن كان أخوتها وأخواتها من أم الخاطب فإن هذا لا يؤثر بإجماع المسلمين بل الطفل إذا ارتضع من امرأة صارت أمه وزوجها صاحب اللبن أباه وصار أولادهما أخوته وأخواته وأما أخوة المرتضع من النسب وأبوه من النسب وأمه من النسب فهم أجانب يجوز لهم أن يتزوجوا أخواته كما يجوز من النسب أن تتزوج أخت الرجل من أمه بأخيه من أبيه وكل هذا متفق عليه بين المسلمين بلا نزاع فيه والله أعلم
506 - 108 مسألة: في رجل له بنات خاله أختان الواحدة رضعت معه والأخرى لم ترضع معه فهل يجوز له أن يتزوج التي لم ترضع معه؟
الجواب: إذا ارتضع منها خمس رضعات في الحولين صار ابنا لها وحرم عليه جميع بناتها من ولد قبل الرضاع ومن ولد بعده لأنهن أخواته باتفاق العلماء ومتى ارتضعت المخطوبة من أم لم يجز لها أن تتزوج واحدا من إبني المرضعة وأما إذا كان الخاطب لم يرتضع من أم المخطوبة ولا هي رضعت من أمه فإنه يجوز أن يتزوج أحدهما بالآخر باتفاق العلماء وإن كان أخوتها تراضعا والله أعلم
507 - 109 مسألة: في رجل خطب قرابته فقال والده: هي رضعت معك ونهاه عن التزويج فلما توفي أبوه تزوج بها وكان العدول شهدوا على والدتها أنها أرضعته ثم بعد ذلك أنكرت وقالت ما قلت هذا القول إلا لغرض فهل يحل تزويجها؟
الجواب: إن كانت الأم معروفة بالصدق وذكرت إنها أرضعته خمس رضعات فإنه يقبل قولها في ذلك فيفرق بينهما إذا تزوجها في أصح قولي العلماء كما ثبت في صحيح البخاري: أن النبي ﷺ أمر عقبة بن الحارث أن يفارق امرأته لما ذكرت الأمة السوداء أنها أرضعتها
وأما إذا شك في صدقها أو في عدد الرضعات فإنها تكون من الشبهات فاجتنابها أولى لا يحكم بالتفريق بينهما إلا بحجة توجب ذلك وإذا رجعت عن الشهادة قبل التزويج لم تحرم الزوجة
لكن إن عرف أنها كاذبة في رجوعها وأنها رجعت لأنه دخل عليها حتى كتمت الشهادة لم يحل التزويج والله أعلم
508 - 110 مسألة: فيمن تسلط عليه ثلاثة: الزوجة والقط والنمل الزوجة ترضع من ليس ولدها وتنكد عليه حاله وفراشه بذلك والقط يأكل الفراريج والنمل يدب في الطعام فهل لهم حرق بيوتهم بالنار أم لا؟ وهل يجوز لهم قتل القط؟ وهل لهم منع الزوجة من إرضاعها؟
الجواب: ليس للزوجة أن ترضع غير ولدها إلا بإذن الزوج والقط إذا صال على ماله فله دفعه عن الصول ولو بالقتل وله أن يرميه بمكان بعيد فإن لم يمكن دفع ضرره إلا بالقتل قتل وأما النمل فيدفع ضرره بغير التحريق والله أعلم
509 - 111 مسألة: في أختين ولهما بنات وبنين فإذا أرضع الأختان هذه بنات هذه وهذه بنات هذه فهل يحرم من على البنين أم لا؟
الجواب: إذا أرضعت المرأة الطفلة خمس رضعات في الحولين صارت بنتا لها وصار جميع أولاد المرضعة أخوة لهذه المرتضعة ذكورهم وإناثهم من ولد قبل الرضاع ومن ولد بعده فلا يجوز لأحد من أولاد المرضعة أن يتزوج المرتضعة بل يجوز لأخوة المرتضعة أن يتزوجوا بأولاد المرضعة الذين لم يرضعوا من أمهن فالتحريم إنما هو على المرتضعة لا على أخوتها الذين لم يرتضعوا فيجوز أن يتزوج أخت أخته إذا كان هو لم يرتضع من أمها وهي لن ترضع من أمه وأما هذه المرتضعة فلا يتزوج واحدا من أولاد من أرضعتها وهذا باتفاق الأئمة
وأصل هذا أن المرتضعة تصير المرضعة أمها فيحرم عليها أولادها وتصير أخوتها وأخواتها أخوالها وخالاتها ويصير الرجل الذي له اللبن أباها وأولاده من تلك المرأة وغيرها أخوتها وأخوة الرجل أعمامها وعماتها ويصير المرتضع وأولاده وأولاد أولاده أولاد المرضعة والرجل الذي در اللبن بوطئه وأما أخوة المرتضع وأخوته وأبوه وأمه من النسب فهم أجانب لا يحرم عليهم بهذا الرضاع شيء وهذا كله باتفاق الأئمة الأربعة وإن كان لهم نزاع في غير ذلك
510 - 112 مسألة: في رجل له بنت ابن عم ووالد البنت المذكور قد رضع بأم الرجل المذكور مع أحد أخواته وذكرت أم الرجل المذكورة أنه لما رضعها كان عمره أكثر من حولين فهل للرجل المذكور أن يتزوج بنت عمه؟
الجواب: إن كان الرضاع بعد تمام الحولين لم يحرم شيئا
511 - 113 مسألة: في رجل ارتضع من امرأة وهو طفل صغير على بنت لها ولها أخوات أصغر منها فهل يحرم منهن أحد أم لا؟
الجواب: إذا ارتضع من امرأة خمس رضعات في الحولين صار ابنا لتلك المرأة فجميع الأولاد الذين ولدوا قبل الرضاع والذين ولدوا بعده هم أخوة لهذا المرتضع باتفاق المسلمين أيضا
512 - 114 مسألة: في امرأة مطلقة وهي ترضع وقد آجرت لبنها ثم انقضت عدتها وتزوجت فهل للمستأجر أن يمنعها أن تدخل على زوجها خشية أن تحمل منه فيقل اللبن على الولد
الجواب: أما مجرد الشك فلا يمنع الزوج ما يستحقه من الوطء لا سيما وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: [ لقد هممت أن أنهي عن ذلك ثم ذكرت أن فارس والروم يفعلون ذلك فلا يضر أولادهم ] فقد أخبر ﷺ أنهم يفعلون ذلك فلا يضر الأولاد ولم ينه عنه وإذا كان كذلك لم يجز منع الزوج حقه إذا لم يكن فيه منع الحق السابق المستحق بعقد الإجارة
513 - 115 مسألة: في الأب إذا كان عاجزا عن أجرة الرضاع فهل له إذا امتنعت الأم عن الاسترضاع إلا بأجرة أن يسترضع غيرها؟
الجواب: نعم لأنه لا يجب عليه ما لا يقدر عليه
514 - 116 مسألة: في رجل تزوج امرأة بعد امرأة وقد ارتضع طفل من الأولى وللأب من الثانية بنت فهل للمرتضع أن يتزوج هذه البنت؟ وإذا تزوجها ودخل بها فهل يفرق بينهما؟ وهل في ذلك خلاف بين الأئمة؟
الجواب: إذا ارتضع الرضاع المحرم لم يجز له أن يتزوج هذه البنت في مذاهب الأئمة الأربعة بلا خلاف بينهم لأن اللبن للفحل
وقد سئل ابن عباس عن رجل له امرأتان أرضعت إحداهما طفلا والأخرى طفلة فهل يتزوج أحدهما الآخر؟ فقال: لا اللقاح واحد والأصل في ذلك حديث عائشة المتفق عليه قالت: [ استأذن علي أفلح أخو أبي القعيس وكانت قد أرضعتني امرأة أبي القعيس فقلت: لا آذن لك حتى أستأذن رسول الله ﷺ فسألته فقال: إنه عمك فليلج عليك فقالت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني فقال: إنه عمك فليلج عليك يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة ]
وإذا تزوجها ودخل بها فإنه يفرق بينهما بلا خلاف بين الأئمة والله أعلم
515 - 117 مسألة: في طفل ارتضع من امرأة مع ولدها رضعة أو بعض رضعة ثم تزوجت برجل آخر فرزقت منه ابنة فهل يحل للطفل المرتضع تزويج الابنة على هذه الصورة أم لا؟ وما دليل مالك رحمه الله وأبي حنيفة في أن المصة الواحدة أو الرضعة الواحدة تحرم مع ما ورد من الأحاديث التي خرجها مسلم صحيحه منها: أن النبي ﷺ قال: [ لا تحرم المصة ولا المصتان ] ومنها أنه ﷺ قال: [ لا تحرم الإملاجة ولا الأملاجتان ] ومنها أن رجلا من بني عامر بن صعصعة قال: يا رسول الله عل تحرم الرضعة الواحدة؟ قال لا ومنها عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن نسخت بخمس معلومات فتوفي رسول الله ﷺ وهن فيما يقرر من القرآن وما حجتهما مع هذه الأحاديث الصحيحة؟
الجواب: هذه المسألة فيها نزاع مشهور في مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه لا يحرم إلا خمس رضعات لحديث عائشة المذكور وحديث سالم مولى أبي حذيفة لما أمر النبي ﷺ امرأة أبي حذيفة بن عتبة بن أبي ربيعة أن ترضعه خمس رضعات وهو في الصحيح أيضا فيكون ما دون ذلك لم يحرم فيحتاج إلى خمس رضعات وقيل: يحرم الثلاث فصاعدا وهو طائفة منهم أبو ثور وغيره وهو رواية عن أحمد واحتجوا بما في الصحيح: [ لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الأملاجة ولا الأملاجتان ] قالوا مفهومه: أن الثلاث تحرم ولم يحتج هؤلاء بحديث عائشة قالوا لأنه لم يثبت أنه قرآن إلا بالتواتر وليس هذا بمتواتر فقال لهم الأولون معنا حديثان صحيحان مثبتان
أحدهما: يتضمن شيئين حكما وكونه قرآنا فما ثبت من الحكم يثبت بالأخبار الصحيحة وأما ما فيه من كونه قرآن فهذا لم نثبته ولم نتصور أن ذلك قرآن إنما نسخ رسمه وبقي حكمه فقال أولئك: هذا تناقض وقراءة شاذة عند الشافعي فإن عنده أن القراءة الشاذة لا يجوز الاستلال بها لأنها لم تثبت بالتواتر كقراءة ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات وأجابوا عن ذلك بجوابين
أحدهما: أن هذا فيه حديث آخر صحيح وأيضا فلم يثبت أنه نفى قرآنا لكن بين حكمه
والثاني: أن هذا الأصل لا يقول به أكثر العلماء بل مذهب أبي حنيفة بل ذكر ابن عبد البر إجماع العلماء على أن القراءة الشاذة إذا صح النقل بها عن الصحابة فإنه يجوز الاستدلال بها في الأحكام
والقول الثاني: في المسألة أنه يحرم قليله وكثيره كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك وهي رواية ضعيفة عن أحمد وهؤلاء احتجوا بظاهر قوله: { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } وقال: اسم الرضاعة في القرآن مطلق وأما الأحاديث فمنهم من لم تبلغه ومنهم من اعتقد أنها ضعيفة ومنهم من ظن أنها تخالف ظاهر القرآن واعتقد أنه لا يجوز تخصيص عموم القرآن وتقييد مطلقة بأخبار الآحاد فقال الأولون: هذه أخبار صحيحة ثابتة عند أهل العلم بالحديث وكونها لم تبلغ بعض السلف لا يوجب ذلك ترك العمل بها عند من يعلم صحتها
وأما القرآن فإنه يحتمل أن يقال: فكما أنه قد علم بدليل آخر أن الرضاعة مقيدة بسن مخصوص فكذلك يعلم أنها مقيدة بقدر مخصوص وهذا كما أنه علم بالسنة مقدار الفدية في قوله: { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } وإن كان الخبر المروي خبرا واحدا بل كما ثبت بالسنة أنه: [ لا تنكح المرأة على عمتها ولا تنكح المرأة على خالتها ] وهو خبر واحد يظاهر القرآن واتفقت الأمة على العمل به وكذلك فسر بالسنة المتواترة وغير المتواترة بحمل قوله: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وفسر بالنسبة المتواترة أمور من العبادات والكفارات والحدود ما هو مطلق من القرآن فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه والتقييد بالخمس له أصول كثيرة في الشريعة فإن الإسلام بني على خمس والصلوات المفروضة خمس وليس فيما دون خمس صدقة والأوقاص بين النصب خمس أو عشر أو خمس عشرة وأنواع البر خمس كما قال تعالى: { ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين }
وقال في الكفر: { ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر } وأولو العزم وأمثال ذلك بقدر الرضاع المحرم ليس بغريب بأصول الشريعة والرضاع إذا حرم لكونه ينبت اللحم وينشر العظم فيصير نباته به كنباته من الأبوين وإنما يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة ولهذا لم يحرم رضاع الكبير لأنه بمنزلة الطعام والشراب والرضعة والرضعتان ليس لهما تأثير كما أنه قد يسقط اعتبارها ما دون نصاب السرقة حتى لا تقطع الأيدي بشيء من التافه واعتباره في نصاب الزكاة فلا يجب فيها شيء إذا كان أقل ولا بد من حد فاصل فهذا هو التنبيه على مأخذ الآية في هذه المسألة وبسط الكلام فيها يحتاج إلى ورقة أكبر من هذه وهي من أشهر مسائل النزاع والنزاع فيها من زمان الصحابة والصحابة رضي الله عنهم تنازعوا في هذه المسألة والتابعون بعدهم وأما إذا شك هل دخل اللبن في جوف الصبي أو لم يحصل فهنا لا نحكم بالتحريم بلا ريب وإن علم أنه حصل في فمه فإن حصول اللبن في الفم لا ينشر الحرمة باتفاق المسلمين
516 - 118 - مسألة: في رجل تزوج بامرأة وولد له منها أولاد عديدة فلما كان في هذه المدة حضر من نازع الزوجة وذكر لزوجها أن هذه الزوجة التي في عصمتك شربت من لبن أمك؟
الجواب: إن كان هذا الرجل معروفا بالصدق وهو خبير بما ذكر وأخبر أنها رضعت من أم الزوج خمس رضعات في الحولين رجع إلى قوله في ذلك وإلا لم يجب الرجوع وإن كان قد عاين الرضاع والله أعلم
517 - 119 - مسألة: في رجل له قرينة لم يتراضع هو وأبوها لكن لهما أخوة صغار تراضعوا فهل يحل له أن يتزوج بها وإن دخل بها ورزق منها ولدا فما حكمهم وما قول العلماء فيهم؟
الجواب: الحمد لله إذا لم يرتضع هو من أمها ولم ترتضع هي من أمه بل أخوته رضعوا من أمها وأخواتها رضعوا من أمه كانت حلالا له باتفاق المسلمين بمنزلة أخت أخيه من أبيه فإن الرضاع ينشر الحرمة من المرتضع وذريته وإلى المرضعة وإلى زوجها الذي وطئها حتى صار لها لبن فتصير المرضعة أمها وولدها قبل الرضاع وبعده أخو الرضيع ويصير الرجل أباه وولده قبل الرضاع وبعده أخو الرضيع فأما أخوة المرتضع من النسب وأبوه من النسب فهم أجانب من أبويه من الرضاعة وأخوته من الرضاع وهذا كله متفق عليه بين المسلمين إلا انتشار الحرمة إلى الرجل فإن هذه تسمى مسألة الفحل والذي ذكرناه هو مذهب الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين وكان بعض السلف يقول: لبن الفحل لا يحرم والنصوص الصحيحة هي تقرر مذهب الجماعة
518 - 120 - مسألة: في أختين أشقاء لأحدهما بنتان وللأخرى ذكر وقد ارتضعت واحدة من البنتين وهي الكبيرة مع الولد فهل يجوز له أن يتزوج بالتي لم ترضع معه؟
الجواب: إذا ارتضعت الواحدة من أم الصبي ولم يرتضع هو من أمها جاز له أن يتزوج أختها باتفاق المسلمين
519 - 121 - مسألة: في امرأة ذات بعل ولها لبن على غير ولد ولا حمل وأرضعت طفلة لها دون الحولين خمس رضعات متفرقات وهي المرضعة عمة الرضعة من النسب ثم أراد ابن بنت هذه المرضعة أن يتزوج بهذه الرضيعة فهل يحرم ذلك؟
الجواب: أما إذا وطئها زوج ثم بعد ذلك ثاب لها لبن فهذا اللبن ينشر الحرمة فإذا ارتضعت طفلة خمس رضعات صارت بنتها وابن بنتها أختها وهي خالته سواء كان الارتضاع مع طفل أو لم يكن وأما أختها من النسب التي لم ترضع فيحل له أن يتزوج بها ولو قدر أن هذا اللبن ثاب لامرأة لم تتزوج قط فهذا ينشر الحرمة في مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وهي رواية عن أحمد وظاهر مذهبه أنه لا ينشر الحرمة والله أعلم
520 - 122 مسألة: في رجل ارتضع مع رجل وجاء لأحدهما بنت فهل للمرتضع أن يتزوج بالبنت؟
الجواب: إذا ارتضع الطفل من المرأة خمس رضعات في الحولين صار ابنا لها وصار جميع أولادها أخوته الذين ولدتهم قبل الرضاعة والذين ولدتهم بعد الرضاعة والرضاعة يحرم فيها ما يحرم من الولادة بسنة رسول الله ﷺ واتفاق الأئمة فلا يجوز لأحد أن يتزوج بنت الآخر كما لا يجوز أن يتزوج بنت أخيه من النسب باتفاق الأئمة
521 - 123 مسألة: في رجل اشترى جارية ووطئها ثم ملكها لولده فهل يجوز لولده وطئها؟
الجواب: الحمد لله لا يجوز للابن أن يطأها بعد وطء أبيه والحال هذه باتفاق المسلمين ومن استحل ذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل وفي السنن عن البراء بن عازب قال: رأيت خالي أبا بردة ومعه راية فقلت: إلى أين؟ فقال: بعثني رسول الله ﷺ إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وأخمس ماله ولا نزاع بين الأئمة أنه لا فرق بين وطئها بالنكاح وبين وطئها بملك اليمين
522 - 124 مسألة: في إتيان الحائض قبل الغسل وما معنى قول أبي حنيفة: فإن انقطع الدم لأقل من عشرة أيام لم يجز وطئها حتى تغتسل وإن انقطع دمها لعشرة أيام جاز وطئها قبل الغسل وهل الأئمة موافقون على ذلك؟
الجواب: أما مذهب الفقهاء كمالك والشافعي وأحمد فإنه لا يجوز وطؤها حتى تغتسل كما قال تعالى: { ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله }
وأما أبو حنيفة فيجوز وطأها إذا انقطع لأكثر الحيض أو مر عليها وقت الصلاة فاغتسلت وقول الجمهور هو الذي يدل عليه ظاهر القرآن والآثار
523 - 125 مسألة: في جماع الحائض يجوز أم لا؟
الجواب: وطء الحائض لا يجوز باتفاق الأئمة كما حرم الله ذلك ورسوله ﷺ فإن وطئها وكانت حائضا ففي الكفارة عليه نزاع مشهور وفي غسلها من الجنابة دون الحيض نزاع بين العلماء ووطء النفساء كوطء الحيض حرام باتفاق الأئمة لكن له أن يستمتع من الحائض والنفساء بما فوق الإزار وسواء استمتع منها بفمه أو بيده أو برجله فلو وطئها في بطنها واستمنى جاز ولو استمتع بفخذيها ففي جوازه نزاع بين العلماء والله أعلم
524 - 126 مسألة: في رجل اشترى جارية ثم بعد يومين أو ثلاثة وطئها قبل أن تحيض ثم باعها بعد عشرة أيام فهل يجوز للسيد الثاني أن يطأها قبل أن تحيض؟
الجواب: لم يكن يحل له وطؤها قبل أن يستبرئها باتفاق الأئمة كما قال النبي ﷺ: [ لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تستبرأ بحيضة ] وكذلك المشتري الثاني لا يجوز له وطؤها قبل أن تحيض عنده باتفاق الأئمة بل لا يجوز في أحد قولي العلماء أن يبيعها الواطئ حتى يستبرئها وهل عليه استبراء وعلى المشتري استبراء أو استبراءان أو يكفيهما استبراء واحد؟ على قولين والله أعلم
525 - 127 مسألة: في رجل يأتي زوجته في دبرها أحلال هو أن حرام؟
الجواب: وطء المرأة في دبرها حرام بالكتاب والسنة وقول جماهير السلف والخلف بل هو اللوطية الصغرى وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: [ إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن ] وقد قال تعالى: { نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم }
والحرث هو موضع الولد فإن الحرث هو محل الغرس والزرع وكانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فأنزل الله هذه الآية وأباح للرجل أن يأتي امرأته من جميع جهاتها لكن في الفرج خاصة ومتى وطئها في الدبر وطاوعته عزرا جميعا فإن لم ينتهيا فرق بينهما كما يفرق بين الفاجر ومن يفجر به والله أعلم
526 - 128 -: مسألة في أعراب نازلين على البحر وأهل بادية وليس عندهم ولا قريبا منهم حاكم ولا لهم عادة أن يعقدوا نكاحا إلا في القرى حولهم عند أئمتها فهل يصح عقد أئمة القرى لهم مطلقا لمن لها ولي ولمن ليس لها ولي؟ وربما كان أئمة ليس لهم إذن من متول فهل يصح عقدهم في الشرع مع إشهاد من اتفق من المسلمين على العقود أم لا؟ وهل على الأئمة إثم إذا لم يكن في العقد مانع غير هذا الحال الذي هو عدم إذن الحاكم للإمام بذلك أم لا؟
الجواب: الحمد لله أما من كان لها ولي من النسب وهو العصبة من النسب أو الولاء مثل: أبيها وجدها وأخيها وعمها وابن أخيها وابن عمها وعم أبيها وابن عم أبيها وإن كانت معتقة فمعتقها أو عصبة معتقها فهذه يزوجها الولي بإذنها والابن ولي عند الجمهور ولا يفتقر ذلك إلى حاكم باتفاق العلماء وإذا كان النكاح بحضرة شاهدين من المسلمين صح النكاح وإن لم يكن هناك أحد من الأئمة ولو لم يكن الشاهدان معدلين عند القاضي بأن كانا مستورين صح النكاح إذا أعلنوه ولم يكتموه في ظاهر مذهب الأئمة الأربعة ولو كان بحضرة فاسقين صح النكاح أيضا عند أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين ولو لم يكن بحضرة شهود بل زوجها وليها وشاع ذلك بين الناس صح النكاح في مذهب مالك وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه وهذا أظهر قولي العلماء فإن المسلمين ما زالوا يزوجون النساء على عهد النبي ﷺ ولم يكن النبي ﷺ يأمرهم بالإشهاد وليس في اشتراط الشهادة في النكاح حديث ثابت لا في الصحاح ولا في السنن ولا المسند
وأما من لا ولي لها فإن كان في القرية أو الحلة نائب حاكم زوجها هو وأمير الأعراب ورئيس القرية وإذا فيهم أمام مطاع زوجها أيضا بإذنها والله أعلم
527 - 129 مسألة: في امرأة تطعم من بيت زوجها بحكم أنها تتعب فيه؟
الجواب: الحمد لله تعالى تطعم بالمعروف مثل: الخبز والطبيخ والفاكهة ونحو ذلك مما جرت العادة بإطعامه والله أعلم