الفتاوى الكبرى/كتاب الجنايات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

كتاب الجنايات

العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله تعالى بعباده فهي صادرة عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان إليهم ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم كما يقصد الوالد تأديب ولده وكما يقصد الطبيب معالجة المريض

وتوية القاتل للنفس عمدا مقبولة عند الجمهور وقال ابن عباس لا تقبل وعن الإمام أحمد روايتان وإذا اقتص منه في الدنيا فهل للمقتول أن يستوفي حقه في الآخرة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره وليست التوبة بعد الجرح أو بعد الرمي قبل الإصابة مانعة من وجوب القصاص ذكر أصحابنا من صور القتل العمد الموجب للقود من شهدت عليه بينة بالردة فقتل بذلك ثم رجعوا وقالوا عمدنا قتله

وهذا فيه نظر لأن المرتد إنما يقتل إذا لم يتب فيمكن المشهود عليه التوبة كما يمكنه التخلص إذا القي في الغار

والدول على من يقتل بغير حق يلزمه القود والدية إذا تعمد وإمساك الحيات جناية محرمة قال في المحرر: لو أمر به يعني القتل سلطان عادل أو جائر ظلما من لم يعرف ظلمه فيه فقتله فالقود والدية على الآمر خاصة

قال أبو العباس: هذا بناء على وجوب طاعة السلطان في القتل المجهول وفيه نظر بل لا يطاع حتى يعلم جواز قتله وحينئذ فتكون الطاعة له معصية لا سيما إذا كان معروفا بالظلم فهنا الجهل بعدم الحل كالعلم بالحرمة وقياس المذهب أنه إذا كان المأمور ممن يطيعه غالبا في ذلك أنه يجب القتل عليهما وهو أولى من الحاكم والشهود سبب يقتضي غالبا فهو أقوى من المكره ولا يقتل مسلم بذمي إلا أن يقتله غيلة لأخذ ماله وهو مذهب مالك قال أصحابنا ولا يقتل حر بعبد ولكن ليس في العبد نصوص صحيحة صريحة كما في الذمي بل أجود ما روي [ من قتل عبده قتلناه ] وهذا لأنه إذا قتله ظلما كان الإمام ولي دمه

وأيضا فقد ثبت في السنة والآثار أنه إذا مثل بعبده عتق عليه وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما وقتله أعظم أنواع المثلة فلا يموت إلا حرا لكن حريته لم تثبت حال حياته حتى ترثه عصبته بل حريته ثبتت حكما وهو إذا عتق كان ولاؤه للمسلمين فيكون الإمام هو وليه فله قاتل عبده وقد يحتج بهذا من يقول إن قاتل عبد غيره لسيده قتله وإذا دل الحديث على هذا كان هذا القول هو الراجح وهذا قوي على قول أحمد فإنه يجوز شهادة العبد كالحر بخلاف الذمي فلماذا لا يقتل الحر بالعبد

وقد قال النبي : [ المؤمنون تتكافأ دماؤهم ] ومن قال لا يقتل حر بعبد يقول إنه لا يقتل الذمي الحر بالعبد المسلم والله سبحانه وتعالى يقول: { ولعبد مؤمن خير من مشرك } فالعبد المؤمن خير من الذمي المشرك فكيف لا يقتل به والسنة إنما جاءت لا يقتل والد بولد فإلحاق الجد أبي الأم بذلك بعيد ويتوجه أن لا يرث القاتل دما من وارث كما لا يرث هو المقتول وهو يشبه حد القذف المطالب به إذا كان القاذف هو الوارث أو وارث الوارث فعلى هذا لو قتل أحد الابنين أباه والآخر أمه وهي في زوجية الأب فكل واحد منهما يستحق قتل الآخر فيتقاصان لا سيما إذا قيل إنه مستحق القود بملك نقله إلى غيره إما بطريق التوكيل بلا ريب وإما بالتمليك وليس ببعيد

وإذا كان المقتول رضي بالإستيفاء أو بالذمة فينبغي أن يتعين كما لو عفا وعليه تخرج قصة علي إذا لم تخرج علي كونه مرتدا أو مفسدا في الأرض أو قاتل الأئمة وإذا قال أنا قاتل غلام زيد فقياس ال مذهب إن كان نحويا لم يكن مقرا وإن كان غير نحوي كان مقرا كما لو قاله بالإضافة ومن رأى رجلا يفجر بأهله جاز له قتلهما فيما بينه وبين الله تعالى وسواء كان الفاجر محصنا أو غير محصن معروفا بذلك أم لا كما دل عليه كلام الأصحاب وفتاوى الصحابة وليس هذا من باب دفع الصائل كما ظنه بعضهم بل هو من عقوبة المعتدين المؤذين

وأما إذا دخل ولم يفعل بعد فاحشة ولكن دخل لأجل ذلك فهذا فيه نزاع والأحوط لهذا أن يتوب من القتل في مثل هذه الصورة ومن طلب منه الفجور كان عليه أن يدفع الصائل عليه فإن لم يندفع إلا بالقتل كان له ذلك باتفاق الفقهاء

فإن ادعى القاتل أنه صال وأنكر أولياء المقتول فإن كان المقتول معروفا بالبر وقتله في محله لا ريبة فيه لم يقبل قول القاتل وإن كن معروفا بالفجور والقاتل معروفا بالبر فالقول قول القاتل مع يمينه لا سيما إذا كان معروفا بالتعرض له قبل ذلك

باب استيفاء القود والعفو عنه

والجماعة المشتركون في استحقاق دم المقتول الواحد إما أن يثبت لكل واحد بعض الإستيفاء فيكونون كالمشتركين في عقد أو خصومة وتعيين الإمام قوي كما يؤجر عليهم لنيابته عن الممتنع والقرعة الأكثر حقا أو الأفضل لقوله كبر وكالأولياء في النكاح وذلك أنهم قالوا: هنا من تقدم بالقرعة قدمته ولم تسقط حقوقهم ويتوجه إذا قلنا ليس للولي أخذ الدية إلا برضا الجاني أن يسقط حقه بموته كما لو مات العبد الجاني أو المكفول به وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي ثواب وأبي القاسم وأبي طالب ويتوجه ذلك وإن قلنا لواجب القود عينا أو أحد شيئين لأن الدية عديل العفو فأما الدية مع الهلاك فلا والذي ينبغي أن لا يعاقب المجنون بقتل ولا قطع لكن يضرب على فعل ليزجر وكذا الصبي المميز يعاقب على الفاحشة تعزيرا بليغا

قال أصحابنا: وإن وجب لعبد قصاص أو تعزير قذف فطلبه وإسقاطه إليه دون سيده ويتوجه أن لا يملك إسقاطه مجانا كالمفلس والورثة مع الديون المستغرفة على أحد الوجهين وكذلك الأصل في الوصي والقياس أن لا يملك السيد تعزير القذف إذا مات العبد إلا إذا طالب كالوارث ويفعل بالجاني على النفس مثل ما فعل بالمجني عليه ما لم يكن محرما في نفسه أو يقتله بالسيف إن شاء وهو رواية عن أحمد

ولو كوى شخصا بمسمار كان للمجني عليه أن يكويه مثل ما كواه إن أمكن ويجري القصاص في اللطمة والضربة ونحو ذلك وهو مذهب الخلفاء الراشدين وغيرهم ونص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعد الشالنجي ولا يستوفى القود في الطريق إلا بحضرة السلطان ومن أبرأ جانيا حرا جماية على عاقلته إن قلنا تجب الدية على العاقلة أو تحمل عنه ابتداء أو عبدا إن قلنا جناية في ذمته مع أنه يتوجه الصحة مطلقا وهو وجه بناء على أن مفهوم هذا اللفظ في عرف الناس العفو مطلقا والتصرفات تحمل موجباتها على عرف الناس فتختلف باختلاف الاصطلاحات وإذا عفا أولياء المقتول عن القاتل بشرط ألا يقيم في هذا البلد ولم يف بهذا الشرط لم يكن العفو لازما بل لهم أن يطالبوه بالدية في قول العلماء وبالدم في قول آخر

وسواء قيل هذا الشرط صحيح أم فاسد يفسد به العقد أم لا ولا يصح العفو في قتل الغفلة لتعذر الاحتراز منه كالقتل في المحاربة وولاية القصاص والعفو عنه ليست عامة لجميع الورثة بل تختص بالعصبة وهو مذهب مالك وتخرج رواية عن أحمد وإذا اتفق الجماعة على قتل شخص فلأولياء الدم أن يقتلوهم ولهم أن يقتلوا بعضهم وإن لم يعلم عين القاتل فللأولياء أن يحلفوا على واحد بقتله أنه قتله ويحكم لهم بالدم انتهى

كتاب الديات

المعروف أن الحر يضمن بالإتلاف لا باليد إلا الصغير ففيه روايتين كالروايتين في سرقته فإن كان الحر قد تعلق برقبته حق لغيره مثل أن يكون عليه حق قود أو في ذمته مال أو منفعته أو عنده أمانات أو غصوب تلفت بتلفه مثل أن يكون حافظا عليها وإذا تلف زال الحفظ فينبغي أنه إن أتلف فما ذهب باتلافه من عين أو منفعة مضمونه ضمنت كالقود فإنه مضمون لكن هل ينتقل الحق إلى القاتل فيخير الأولياء بين قتله والعفو عنه أو إلى ترك الأول ففيه روايتان وأما إذا تلف تحت اليد العادية فالمتوجه أن يضمن ما تلف بذلك من مال أو بدل قود بحيث يقال إذا كان عليه قود فحال بين أهل الحق والقرد حتى مات ضمن لهم الدية ومن جنى على سنة اثنان واختلفوا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلفه كل منهما قاله أصحابنا ويتوجه أن يقترعا على القدر المتنازع فيه لأنه ثبت على أحدهما لا بعينه كما لو ثبت الحق لأحدهما لا بعينه وإذا أخذ من لحيته ما لا جمال فيه فهل يجب القسط أو الحكومة

فصل

وأبو الرجل وابنه من عاقلته عند الجمهور كأبي حنيفة ومالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه وتؤخذ الدية من الجاني خطأ عند تعذر العاقلة في أصح قولي العلماء ولا يؤجل على العاقلة إذا رأى الإمام المصلحة فيه ونص على ذلك الإمام أحمد ويتوجه أن يعقل ذوو الأرحام عند عدم العصبة إذا قلنا تجب النفق عليهم والمرتد يجب أن يعقل عنه من يرثه من المسلمين أو أهل الدين الذي انتقل إليه

باب القسامة

نقل الميموني عن الإمام أحمد أنه قال: اذهب إلى القسامة إذا كان ثم لطخ وإذا كان ثم سبب بين وإذا كان ثم عداوة وإذا كان مثل المدعي عليه يفعل هذا فذكر الإمام أحمد أربعة أمور: اللطخ وهو التكلم في عرضه كالشهادة المردودة والسبب البين كالتعرف عن قتيل

والعداوة كون المطلوب من المعروفين بالقتل وهذا هو الصواب واختاره ابن الجوزي ثم لوث يغلب على الظن أنه قتل من اتهم بقتله جاز لأولياء المقتول أن يحلفوا خمسين يمينا ويستحقوا دمه وأما ضربه ليقر فلا يجوز إلا مع القرائن التي تدل على أنه قتله فإن بعض العلماء جوز تقريرا بالضرب في هذه الحال وبعضهم منع من ذلك مطلقا

كتاب الحدود

قوله تعالى: { فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } قد يستدل بذلك على أن المذنب إذا لم يعرف فيه حكم الشرع فإنه يمسك فيحبس حتى يعرف فيه الحكم الشرعي فينفذ فيه وإذا زنى الذمي بالمسلمة قتل ولا يصرف عنه القتل الإسلام ولا يعتبر فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم بل يكفي استفاضته واشتهاره وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سبب حدت إن لم تدعي الشبهة وكذا من وجد منه رائحة الخمر وهو رواية عن أحمد فيهما وغلظ المعصية وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان والكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات لكن قد تحبط ما يقابلها عند أهل السنة

ولا يشترط في القطع بالسرقة مطالبة المسروق منه بماله وهو رواية عن أحمد اختارها أبو بكر ومذهب مالك كإقراره بالزنا بأمة غيره ومن سرق تمرا أو ماشية من غير حرز أضعفت عليه القيمة وهو مذهب أحمد وكذا غيرها وهو رواية عنه

واللص الذي غرضه سرقة أموال الناس ولا غرض له في شخص معين فإن قطع يده واجب ولو عفا عنه رب المال

فصل

والمحاربون حكمهم في المصر والصحراء واحد وهو قول مالك في المشهور عنه والشافعي وأكثر أصحابنا قال القاضي المذهب على ما قال أبو بكر في عدم التفرقة ولا نص في الخلاف بل هم في البنيان أحق بالعقوبة منهم في الصحراء والزوى فالمباشرة في الخراب وهو مذهب أحمد وكذا في السرقة والمرأة التي تحضر النساء للقتل تقتل

والعقوبات التي تقام من حد أو تعزير إذا ثبتت بالبينة فإذا أظهر من وجب عليه الحد التوبة لم يوثق منه بها فيقام عليه وإن كان تائبا في الباطن كان الحد مكفرا وكان مأجورا على صبره وإن جاء تائبا بنفسه فاعترف فلا يقام عليه في ظاهر مذهب أحمد ونص عليه في غير موضع كما جزم به الأصحاب وغيرهم في المحاربين وإن شهد على نفسه كما شهد ه ما عزم والغامدية واختار إقامة الحد عليه اقيم وإلا لا وتصح التوبة من ذنب مع الإصرار على آخر إذا كان المقتضي للتوبة منه أقوى من المقتضي للتوبة من الآخر أو كان المانع من أحدهما أشد هذا هو المعروف عن السلف والخلف ويلزم الدفع عن مال الغير وسواء كان المدفوع من أهل مكة أو غيرهم

وقال أبو العباس: في جند قاتلوا عربا نهبوا أموال تجار ليردوها إليهم فهم مجاهدون في سبيل الله ولا ضمان عليهم بقود ولاية ولا كفارة ومن أمن للرئاسة والمال لم يثب على فساد نيته كالمصلي رياء وسمعة

فصل

والأفضل ترك قتال أهل البغي حتى يبدأ الإمام وقاله مالك وله قتل أهل الخوارج ابتداء أو متممة تخريجهم وجمهور العلماء يفرقون بين الخوارج والبغاة المتأولين وهو المعروف عن الصحابة وأكثر المصنفين لقتال أهل البغي يرى القتال من ناحية علي ومنهم من يرى الإمساك وهو المشهور من قول أهل المدينة وأهل الحديث مع رؤيتهم لقتال من خرج عن الشريعة كالحرورية ونحوهم وأنه يجب والأخبار توافق هذا فاتبعوا النص الصحيح والقياس المستقيم وعلي كان أقرب إلى الصواب من معاوية ومن استحل أذى من أمره ونهاه بتأويل فكالمبتدع ونحوه يسقط بتوبته حق الله تعالى وحق العبد

واحتج أبو العباس: لذلك بما أتلفه البغاة لأنه من الجهاد الذي يجب الأجر فيه على الله تعالى وقتال التتار ولو كانوا مسلمين هو قتال الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة ويأخذ مالهم وذريتهم وكذا المقفز إليهم ولو ادعى إكراها ومن أجهز على جريح لم يأثم ولو تشهد ومن أخذ منهم شيئا خمس وبقيته له والرافضة والجبلية يجوز أخذ أموالهم وسبي حريمهم يخرج على تكفيرهم قال أصحابنا وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رئاسة فهما ظالمتان ضمنتان فأوجبوا الضمان على مجموع الطائفة وإن لم يعلم عين المتلف وإن تقاتلا تقاصا لأن المباشرة والمعين سواء عند الجمهور وإن جهل قدر ما نهبه كل طائفة من الأخرى تساويا كمن جهل قدر الحرام المختلط بماله فإنه يخرج النصف والباقي له ومن دخل لصلح فقتل فجهل قاتله ضمنه الطائفتان وأجمع العلماء على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولى

فصل

وإذا شككت في المطعوم والمشروب هل يسكر أو لا لم يحرم بمجرد الشك ولم يقم الحد على شاربه ولا ينبغي إباحته للناس إذ كان يجوز أن يكون مسكرا لأن إباحة الحرام مثل تحريم الحلال فتكشف عن هذا شهادة من تقبل شهادته مثل أن يكون طعمه ثم تاب منه أو طعمه غير معتقد تحريمه أو معتقدا حله لتداو ونحوه أو على مذهب الكوفيين في تحليل يسير النبيذ فإن شهد به جماعة ممن يتأوله معتقدا تحريمه فينبغي إذا أخبر عدد كثير لا يمكن تواطؤهم على الكذب أن يحكم بذلك فإن هذا مثل التواتر والاستفاضة كما استفاض بين الفساق والكفار الموت والنسب والنكاح والطلاق فيكون أحد الأمرين أما الحكم بذلك لأن التواتر لا يشترط فيه الإسلام والعدالة

وأما الشهادة بذلك بناء على الاستفاضة فلا يحصل بها التواتر ولنا أن نمتحن بعض العدول بتأوله لوجهين:

أحدهما: أنه لا يعلم تحريم ذلك قبل التأويل فيجوز الإقدام على تناوله وكراهة الإقدام على الشبهة تعارضها مصلحة بيان الحال

الوجه الثاني: أن المحرمات قد تباح عند الضرورة والحاجة إلى البيان موضع ضرورة فيجوز تناولها لأجل ذلك والحشيشة القنبية نجسة في الأصح وهي حرام سكر منها أو لم يسكر والمسكر منها حرام باتفاق المسلمين وضررها من بعض الوجوه أعظم من ضرر الخمر ولهذا أوجب الفقهاء فيها الحد كالخمر وتوقف بعض المتأخرين في الحد بها وإن أكلها يوجب التعزير بما دون الحد فيه نظر إذ هي داخلة في عموم ما حرم الله تعالى وأكلتها يتبشون عنها ويشبهونها بشرب الخمر وأكثر وتصدهم عن ذكر الله وإنما لم يتكلم المتقدمون في خصوصها لأنها إنما حدث أكلها في أواخر المائة السادسة أو قريبا من ذلك فكان ظهورها مع ظهور سيف بن بخشخا

ولا يجوز التداوي بالخمر ولا بغيرها من المحرمات وهو مذهب أحمد ويجوز شرب لبن الخيل إذ لم يصر مسكرا والصحيح في حد الخمر أحد الروايتين الموافقة لمذهب الشافعي وغيره أن الزيادة على الأربعين إلى الثمانين ليست واجبة على الإطلاق بل يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام كما جوزنا له الاجتهاد في صفة الضرب فيه بالجريد والنعال وأطراف الثياب في بقية الحدود

ومن التعزير الذي جاءت به السنة ونص عليه أحمد والشافعي: نفي المخنث وحلق عمر رأس نصر بن حجاج ونفاه لما افتتن به النساء فكذا من افتتن به الرجال من المردان ولا يقدر التعزير بل بما يردع المعزر وقد يكون بالعمل والنيل من عرضه مثل أن يقال له: يا ظالم يا معتدي وبإقامته من المجلس والذين قدروا التعزير من أصحابنا إنما هو فيما إذا كان تعزيرا على ما مضى من فعل أو ترك فإن كان تعزيرا لأجل ترك ما هو فاعل له فهو بمنزلة قتل المرتد والحربي وقتال الباغي والعادي وهذا التعزير ليس بقدر بل ينتهي إلى القتل كما هو الصائل لأخذ المال يجوز أن يمنع من الأخذ ولو بالقتل وعلى هذا فإذا كان المقصود دفع الفساد ولم يندفع إلا بالقتل قتل

وحينئذ فمن تكرر منه فعل الفساد ولم يرتدع بالحدود المقدرة بل استمر على ذلك الفساد كالصائل الذي لا يندفع إلا بالقتل فيقتل قيل ويمكن أن يخرج شارب الخمر في الرابعة على هذا ويقتل الجاسوس الذي يكرر التجسس وقد ذكر شيئا من هذا الحنفية والمالكية وإليه يرجع قول ابن عقيل وهو أصل عظيم في صلاح الناس

وكذلك تارك الواجب فلا يزال يعاقب حتى يفعله ومن قفز إلى بلاد العدو أو لم يندفع ضرره إلا بقتله قتل والتعزير بالمال سائغ إتلافا وأخذا وهو جار على أصل أحمد لأنه لم يختلف أصحابه أن العقوبات في الأموال غير منسوخة كلها وقول الشيخ أبي محمد المقدسي ولا يجوز أخذ مال المعزر فإشارة منه إلى ما يفعله الولاة الظلمة

ومن وطئ امرأة مشركة قدح ذلك في عدالته وأدب والتعزير يكون على فعل المحرمات وترك الواجبات فمن جنس ترك الواجبات من كتم ما يجب بيانه كالبائع المدلس والمؤجر والناكح وغيرهم من العاملين وكذا الشاهد والمخبر والمفتي والحاكم ونحوهم فإن كتمان الحق مشبه بالكذب وينبغي أن يكون سببا للضمان كما أن الكذب سبب للضمان فإن الواجبات عندنا في الضمان كفعل المحرمات حتى قلنا لو قدر على إنجاء شخص بإطعام أو سقي فلم يفعل فمات ضمنه فعلى هذا فلو كتم شهادة كتمانا أبطل بها حق مسلم ضمنه مثل أن يكون عليه حق بينه وقد أداه حقه وله بينة بالأداء فكتم الشهادة حتى يغرم ذلك الحق وكما لو كانت وثائق لرجل فكتمها أو جحدها حتى فات الحق ولو قال أنا أعلمها ولا أؤديها فوجوب الضمان ظاهر

وظاهر نقل ابن حنبل وابن منصور سماع الدعوى من الأعداء والتحليف في الشهادة ومن هذا الباب لو كان في القرية أو المحلة أو البلدة رجل ظالم فسأل الوالي أو الغريم عن مكانه ليأخذ منه الحق فإنه يجب دلالته عليه بخلاف ما لو كان قصده أكثر من الحق فعلى هذا إذا كتموا ذلك حتى تلف الحق ضمنوه ويملك السلطان تعزير من ثبت عنده أنه كتم الخبر الواجب كما يملك تعزير المقر قرارا محمولا حتى يفسره أو من كتم الإقرار وقد يكون التعزير بتركه المستحب كما يعزر العاطس الذي لم يحمد الله بترك تشميته

وقال أبو العباس: في موضع آخر والتعزير على الشيء دليل على تحريمه من هذا الباب ما ذكره أصحابنا وأصحاب الشافعي من قتل الداعية من أهل البدع كما قتل الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وغيلان القدري وقتل هؤلاء له مأخذان

أحدهما: كون ذلك كفرا كقتل المرتد أو جحودا أو تغليظا وهذا المعنى يعم الداعي إليها وغير الداعي وإذا كفروا فيكون قتلهم من باب قتل المرتد

والمأخذ الثاني: لما في الدعاء إلى البدعة من إفساد دين الناس ولهذا كان أصل الإمام أحمد وغيره من فقهاء الحديث وعلمائهم يفرقون بين الداعي إلى البدعة وغير الداعي في رد الشهادة وترك الرواية عنه والصلاة خلفه وهجره ولهذا ترك في الكتب الستة ومسند أحمد الرواية عن مثل عمر وابن عبيد ونحوه ولم يترك عن القدرية الذين ليسوا بدعاة وعلى هذا المأخذ فقتلهم من باب قتل المفسدين المحاربين لأن المحاربة باللسان كالمحاربة باليد ويشبه قتل المحاربين للسنة بالرأي قتل المحاربين لها بالرواية وهو قتل من يتعمد الكذب على رسول الله كما قتل النبي الذي كذب عليه في حياته وهو حديث جيد لما فيه من تغيير سنته

وقد قرر أبو العباس هذا مع نظائر له في الصارم المسلول كقتل الذي يتعرض لحرمه أو يسبه ونحو ذلك وكما أمر النبي بقتل المفرق بين المسلمين لما فيه من تفريق الجماعة ومن هذا الباب الجاسوس المسلم الذي يخبر بعورات المسلمين ومنه الذي يكذب بلسانه أو بخطه أو يأمر بذلك حتى يقتل به أعيان الأمة علماؤها وأمراؤها فتحصل أنواع من الفساد كثيرة فهذا متى لم يندفع فساده إلا بقتله فلا ريب في قتله وإن جاز أن يندفع وجاز أن لا يندفع قتل أيضا وعلى هذا جاء قوله تعالى: { من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض } وقوله: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا } وأما إن اندفع الفساد الأكبر بقتله لكن قد بقي فساد دون ذلك فهو محل نظر

قال أبو العباس: وأفتيت أميرا مقدما على عسكر كبير في الحربية إذ نهبوا أموال المسلمين ولم ينزجروا إلا بالقتل أن يقتل من يكفون بقتله ولو أنهم عشرة إذ هو من باب دفع الصائل قال وأمر أميرا خرج لتسكين الفتنة الثائرة بين قيس يمن وقد قتل بينهم ألفان أن يقتل من يحصل بقتله كف الفتنة ولو أنهم مائة

قال: وأفتيت ولاة الأمور في شهر رمضان سنة أربع بقتل من أمسك في سوق المسلمين وهو سكران وقد شرب الخمر مع بعض أهل الذمة وهو مجتاز بشقة لحم يذهب بها إلى ندمائه وكنت أفتيتهم قبل هذا بأنه يعاقب عقوبتين: عقوبة على الشرب وعقوبة على الفطر فقالوا ما مقدار التعزير فقلت هذا يختلف باختلاف الذنب وحال المذنب وحال الناس وتوقف عن القتل فكبر هذا على الأمراء والناس حتى خفت أنه إن لم يقتل ينحل نظام الإسلام على انتهاك المحارم في نهار رمضان فأفتيت بقتله فقتل ثم ظهر فيما بعد أنه كان يهوديا وأنه أظهر الإسلام والمطلوب له ثلاثة أحوال:

أحدهما: براءته في الظاهر فهل يحضره الحاكم على روايتين

وذكر أبو العباس في موضع آخر أن المدعي حيث ظهر كذبه في دعواه بما يؤذي به المدعى عليه عزر لكذبه ولأذاه وأن طريقة القاضي رد هذه الدعوى على الروايتين بخلاف ما إذا كانت ممكنة ونص أحمد في رواية عبد الله فيما إذا علم بالعرف المطرد أنه لا حقيقة للدعوى لا يعذبه وفيما لم يعرف واحد من الأمرين يعذبه كما في رواية الأثرم وهذا وهذا التفريق حسن

والحال الثاني: إحتمال الأمرين وأنه يحضره بلا خلاف

والحال الثالث: تهمته وهو قياس سبب يوهم أن الحق عنده فإن الاتهام افتعال من الوهم وحبسه هنا بمنزلة حبسه بعد إقامة البينة وقبل التعزير أو بمنزلة حبسه بعد شهادة أحد الشاهدين فأما امتحانه بالضرب كما يجوز ضربه لامتناعه من أداء الحق الواجب دينا أو عينا ففي المسألة حديث النعمان بن بشير في سنن أبي داود لما قال: إن شئتم ضربته فإن ظهر الحق عنده وإلا ضربتكم وقال: هذا قضاء الله ورسوله وهذا يشبه تحليف المدعي إذا كان معه لون فإن اقتران اللون بالدعوى جعل جانبه مرجحا فلا يستبعد أن يكون اقترانه بالتهمة يبيح مثل ذلك والمقصود أنه إذا استحق التعزير وكان متهما بما يوجب حقا واحدا مثل أن يثبت عليه هتك الحرز ودخوله ولم يقر بأخذ المال وإخراجه ويثبت عليه الحراب خروجه بالسلاح وشهره له ولم يثبت عليه القتل والأخذ فهذا يعزر لما فعله من المعاصي وهل يجوز أن يفعل ذلك أيضا امتحانا لا غير فيجمع بين المصلحتين هذا قوي في حقوق الآدميين

فأما في حدود الله تعالى عند الحاجة إلى إقامتها فيحتمل ويقوي ذلك أن يعاقب الإمام من استحق العقوبة بقتل وتوهم العامة أنه عاقبه على بعض الذنوب التي يريد الحذر عنها وهذا شبه أنه إذا أراد غزوا وروى بغيرها والذي لا ريب فيه أن الحاكم إذا علم كتمانه الحق عاقبه حتى يقر به كما يعاقب كاتم المال الواجب أدؤها فأما إذا احتمل أن يكون كاتما فهذا كالمتهم سواء وخبر من قال له جني بأن فلانا سرق كذا كخبر إنسي مجهول فيفيد تهمة وإذا طلب المتهم بحق فمن عرف مكانه دل عليه

والقوادة التي تفسد النساء والرجال ما يجب عليها الضرب البليغ وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض هذا في النساء والرجال وإذا ركبت دابة وضمت علهيا ثيابها ونودي عليها هذا جزاء من يفعل كذا وكذا كان من أعظم الجرائم إذ هي بمنزلة عجوز السوء امرأة لوط وقد أهلكها الله تعالى مع قومها

ومن قال لمن لامه الناس تقرأون تواريخ آدم وظهر منه قصد معرفتهم بخطيئته عزر ولو كان صادقا وكذا من يمسك الجنة ويدخل النار ونحوه وكذا من ينقص مسلما بأنه مسلماني أو أباه مع حسن إسلامه ومن غضب فقال ما نحن مسلمون إن أراد ذم نفسه لنقص دينه فلا حرج فيه ولا عقوبة ومن قال لذمي يا حاج عزر لأن فيه تشبيه قاصد الكنائس بقاصد بيت الله وفيه تعظيم ذلك فهو بمنزلة من يشبه أعياد الكفار بأعياد المسلمين وكذا يعزر من يسمي من زار القبور والمشاهد حاجا إلا أن يسمى حاجا بقيد كحاج الكفار والضالين ومن سمى زيارة ذلك حجا أو جعل له مناسك فإنه ضال مضل ليس لأحد أن يفعل في ذلك ما هو من خصائص حج البيت العتيق

وإن اشترى اليهودي نصرانيا فجعله يهوديا عزر على جعله يهوديا ولا يكون مسلما ولا يجوز للجذماء مخالطة الناس عموما ولا مخالطة الناس لهم بل يسكنون في مكان مفرد لهم ونحو ذلك كما جاءت به سنة رسول الله وخلفائه وكما ذكره العلماء

وإذا امتنع ولي الأمر من ذلك أو المجذوم أثم بذلك وإذا أصر على ترك الواجب مع علمه به فسق ومن دعي عليه ظلما له أن يدعو على ظالمه بمثل ما دعا به عليه نحو أخزاك الله أو لعنك أو يشتمه بغير فرية نحو يا كلب يا خنزير فله أن يقول له مثل ذلك وإذا كان له أن يستعين بالمخلوق من وكيل ووال وغيرهما فاستعانته بخالقه أولى بالجواز ومن وجب عليه الحد بقتل أو غيره يسقط عنه بالتوبة وظاهر كلام أصحابنا لا يجب عليه التعزير كقولهم هو واجب في كل معصية لأحد فيها ولا كفارة

وذكر أبو العباس: في موضع آخر أن المرتد إذا قبلت توبته ساغ تعزيره بعد التوبة

فصل

ويقام الحد ولو كان من يقيمه شريكا لمن يقيمه عليه في المعصية أو عونا له ولهذا ذكر العلماء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يسقط بذلك بل عليه أن يأمر وينهي ولا يجمع بين معصيتين والرقيق إن زنا علانية وجب على السيد إقامة الحد عليه وإن عصى سرا فينبغي أن لا يجب عليه إقامته بل يخير بين ستره أو استتابته بحسب المصلحة في ذلك كما يخير الشهود على من وجب عليه الحد بين إقامتها عند الإمام وبين الستر عليه واستتابته بحسب المصلحة فإنه يرجح أن يتوب أن ستروه وإن كان في ترك إقامة الحد ضرر على الناس كان الراجح فعله ويجب على السيد بيع الأمة إذا زنت في المرة الرابعة ويجتمع الجلد والرجم في حق المحصن وهو رواية عن أحمد اختارها شيوخ المذهب

باب حكم المرتد

والمرتد من أشرك بالله تعالى أو كان مبغضا للرسول ولما جاء به أو ترك إنكار منكر بقلبه أو توهم أن أحدا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار أو جاز ذلك أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيا أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ومن شك في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهلها فمرتد وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد ولهذا لم يكفر النبي الرجل الشاك في قدرة الله وإعادته لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة ومنه قول عائشة رضي الله عنها: [ مهما يكتم الناس يعلمه الله قال: نعم ]

وإذا أسلم المرتد عصم دمه وماله وإن لم يحكم بصحة إسلامه حاكم باتفاق الأئمة بل مذهب الإمام أحمد المشهور عنه وهو قول أبي حنيفة والشافعي أنه من شهد عليه بالردة فأنكر حكم بإسلامه ولا يحتاج أن يفي بما شهد عليه به وقد بين الله تعالى أنه يتوب عن أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع ومن شفع عنده في رجل فقال لو جاء النبي يشفع فيه ما قبلت منه إن تاب بعد القدرة عليه قتل لا قبلها في أظهر قولي العلماء فيهما ولا يضمن المرتد ما أتلفه بدار الحرب أو في جماعة مرتدة ممتنعة وهو رواية عن أحمد اختارها الخلال وصاحبه

والتنجيم كالاستدلال بأحوال الفلك على الحوادث الأرضية هو من السحر ويحرم إجماعا وأقوال المنجمين إن الله يدفع عن أهل العبادة والدعاء ببركة ذلك ما زعموا أن الأفلاك توجبه وأن لهم من ثواب الدارين ما لا تقوى الأفلاك أن تجلبه

وأطفال المسلمين في الجنة إجماعا وأما أطفال المشركين فأصح الأجوبة فيهم ما ثبت في الصحيحين: أنه سئل عنهم رسول الله فقال: [ الله أعلم بما كانوا عاملين ] فلا نحكم على معين منهم لا بجنة ولا نار ويروى أنهم يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع منهم دخل الجنة ومن عصى دخل النار وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن بعضهم في الجنة وبعضهم في النار والصحيح في أطفال المشركين أنهم يمتحنون في عرضات القيامة

كتاب الجهاد

ومن عجز عن الجهاد ببدنه وقدر على الجهاد بماله وجب الجهاد بماله وهو نص أحمد في رواية أبي الحكم وهو الذي قطع به القاضي في أحكام القرآن في سورة براءة عند قوله: { انفروا خفافا وثقالا } فيجب على الموسرين النفقة في سبيل الله وعلى هذا فيجب على النساء الجهاد في أموالهن إن كان فيها فضل وكذلك في أموال الصغار وإذا احتيج إليها كما تجب النفقات والزكاة وينبغي أن يكون محل الروايتين في واجب الكفاية فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعا

قال أبو العباس: سئلت عمن عليه دين وله ما يوفيه وقد تعين الجهاد فقلت من الواجبات ما يقدم على وفاء الدين كنفقة النفس والزوجة والولد الفقير ومنها ما يقدم وفاء الدين عليه كالعبادات من الحج والكفارات ومنها ما يقدم عليه إلا إذا طولب به كصدقة الفطر فإن كان الجهاد المتعين لدفع الضرر كما إذا حضره العدو أو حضر الصف قدم على وفاء الدين كالنفقة وأولى وإن كان استنفار فقضاء الدين أولى إذ الإمام لا ينبغي له استنفار المدين مع الاستغناء عنه ولذلك قلت لو ضاق المال عن إطعام جياع والجهاد الذي يتضرر بتركه قدمنا الجهاد وإن مات الجياع كما في مسألة التفرس وأولى فإن هناك نقتلهم بفعلنا وهنا يموتون بفعل الله

وقلت أيضا: إذا كان الغرماء يجاهدون بالمال الذي يستوفونه فالواجب وفاؤهم لتحصيل المصلحتين: الوفاء والجهاد ونصوص الإمام أحمد توافق ما كتبته وقد ذكرها الخلال قال القاضي إذا تعين فرض الجهاد على أهل بلد وكان على مسافة يقصر فيها الصلاة فمن شرط وجوبه الزاد والراحلة كالحج وما قاله القاضي من القياس على الحج لم ينقل عن أحمد وهو ضعيف فإن وجوب الجهاد قد يكون لدفع ضرر العدو فيكون أوجب من الهجرة ثم الهجرة لا تعتبر فيها الراحلة فبعض الجهاد أولى

وثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت عن النبي أنه قال: [ على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه ] وأثره عليه فأوجب الطاعة التي عمادها الاستنفار في العسر واليسر وهنا نص في وجوبه مع الإعسار بخلاف الحج هذا كله في قتال الطلب

وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم وبين طلبه في بلاده والجهاد منه ما هو باليد ومنه ما هو بالقلب والدعوة والحجة واللسان والرأي والتدبير والصناعة فيجب بغاية ما يمكنه ويجب على القعدة لعذر أن يخلفوا الغزاة في أهليهم ومالهم قال المروزي سئل أبو عبد الله عن الغزو في شدة البرد في مثل الكانونين فيتخوف الرجل إن خرج في ذلك الوقت أن يفرط في الصلاة فترى له أن يغزو أو يقعد قال لا يقعد الغزو خير له وأفضل

فقد قال الإمام أحمد بالخروج مع خشية تضييع الفرض لأن هذا مشكوك فيه أو لأنه إذا أخر الصلاة بعض الأوقات عن وقتها كان ما يحصل له من فضل الغزو مريبا على ما فاته وكثيرا ما يكون ثواب بعض المستحبات أو واجبات الكفاية أعظم من ثواب واجب كما لو تصدق بألف درهم وزكى بدرهم قال ابن بخنان سألت أبا عبد الله عن الرجل يغزو قبل الحج قال نعم إلا أنه بعد الحج أجود

وسئل أيضا عن رجل قدم يريد الغزو ولم يحج فنزل على قوم مثبطوه عن الغزو وقالوا إنك لم تحج تريد أن تغزو قال أبو عبد الله يغزو ولا عليه فإن أعانه الله حج ولا نرى بالغزو قبل الحج بأسا

قال أبو العباس: هذا مع أن الحج واجب على الفور عنده لكن تأخيره لمصلحة الجهاد كتأخير الزكاة الواجبة على الفور لانتظار قوم أصلح من غيرهم أو لضرر أهل الزكاة وتأخير الفوائت للانتقال عن مكان الشيطان ونحو ذلك وهذا أجود ما ذكره بعض أصحابنا في تأخير النبي إن كان وجب عليه متقدما

وكلام أحمد يقتضي الغزو وإن لم يبق معه مال للحج لأنه قال فإن أعانه الله حج مع أن عنده تقديم الحج أولى كما أنه يتعين الجهاد بالشروع وعند استنفار الإمام لكن لو أذن الإمام لبعضهم لنوع مصلحة فلا بأس وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا وهو خير مما في المختصرات

لكن هل يجب على جميع أهل المكان النفير إذا نفر إليه الكفاية كلام أحمد فيه مختلف وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين فهنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الإنصراف فيه بحال ووقعة أحد من هذا الباب والواجب أن يعتبر في أمور الجهاد وترامي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا دون الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يؤخذ برأيهم ولا يراءا أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا والرباط أفضل من المقام بمكة إجماعا

ولا يستعان بأهل الذمة في عمالة ولا كتابة لأنه يلزم منه مفاسد أو يفضي إليها وسئل أحمد في رواية أبي طالب في مثل الخراج فقال لا يستعان بهم في شيء ومن تولى منهم ديونا للمسلمين أينقض عهده ومن ظهر منه أذى للمسلمين أو سعى في فساده لم يجز استعماله وغيره أولى منه بكل حال فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه عهد أن لا يستعمل من أهل الردة أحدا وإن عاد إلى الإسلام لما يخاف من فساد ديانتهم وللامام عمل المصلحة في المال والأسرى لعمل النبي بأهل مكة

وقال أبو العباس: في رده على الرافضي يقع منها التأويل في الدم والمال والعرض ثم ذكر قتل أسامة للرجل الذي أسلم بعد أن علاه بالسيف وخبر المقداد فقال قد ثبت أنهم مسلمون يحرم قتلهم ومع هذا فلم يضمن المقتول بقود ولا كفارة ولا دية لأن القاتل كان متأولا وهذا قول أكثرهم كالشافعي وأحمد وغيرهم وإن مثل الكفار بالمسلمين فالمثلة حق لهم فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر ولهم تركها والصبر أفضل وهذا حيث لا يكون في التمثيل السائغ لهم دعاء إلى الإيمان وحرز لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد ولم تكن القضية في أحد كذلك فلهذا كان الصبر أفضل فأما إن كانت المثلة حق الله تعالى فالصبر هناك واجب كما يجب حيث لا يمكن الانتصار ويحرم الجزع انتهى

باب قسمة الغنائم وأحكامها

لم ينص الإمام أحمد على أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالقهر ولا على عدمه وإنما نص على أحكام أخذ منها ذلك فالصواب أنهم يملكون ملكا مقيدا لا يساوي ملك المسلمين من كل وجه وإذا أسلموا وفي أيديهم أموال المسلمين فهي لهم نص عليه الإمام أحمد وقال في رواية أبي طلب ليس بين المسلمين اختلاف في ذلك

قال أبو العباس: وهذا يرجع إلى أن كل ما قبضه الكفار من الأموال قبضا يعتقدون جوازه فإنه يستقر لهم بالإسلام كالعقود الفاسدة والأنكحة والمواريث وغيرها ولهذا لا يضمنون ما أتلفوه على المسلمين بالإجماع وما باعه الإمام من الغنيمة أو قسمه وقلنا لم يملكوه ثم عرف ربه فالأشبه أن المالك لا يملك انتزاعه من المشتري مجانا لأن قبض الإمام بحق ظاهرا وباطنا ويشبه هذا ما يبيعه الوكيل والوصي ثم يتبين مودعا أو مغصوبا أو مرهونا وكذا القبض والقبض منه واجب ومنه مباح وكذلك صرفه منه واجب ومنه مباح قال في المحرر وكل ما قلنا قد ملكوه ما عدا أم الولد فإذا اغتنمناه وعرفه ربه قبل قسمته رد إليه إن شاء وإلا بقي غنيمة

قال أبو العباس: يظهر الفرق إذا قلنا قد ملكوه يكون الرد ابتداء ملك وإلا كان كالمغصوب وإذا كان ابتداء ملك فلا يملكه ربه إلا بالأخذ فيكون له حق الملك ولهذا قال وإلا بقي غنيمة والتحقيق أنه فيه بمنزلة سائر الغانمين في الغنيمة وهل يملكونها بالظهور أو بالقيمة على وجهين وعليهما من ترك حقه صار غنيمة ومثله لو ترك العامل حقه في المضاربة أو ترك أحد الورثة حقه أو أحد أهل الوقف المعين حقه ونحو ذلك وعلى ذلك إجازة الورثة ومثله عفو المرأة أو الزوج عن نصف الصداق قال في المحرر وإن لم يعرفه ربه بعينه قسم ثمنه وجاز التصرف فيه

قال أبو العباس: أما إذا لم يعلم أنه ملك المسلم فظاهر أنه لا يرده وأما إذا علم فهل يكون كاللقطة أو كالخمس والفيء واحدا أو يصير مصرفا في المصالح وهذا قول أكثر السلف ومذهب أهل المدينة ورواية عن أحمد ووجه في مذهبه وليس للغانمين إعطاء أهل الخمس قدره من غير الغنيمة وتحريق رجل الغال من باب التعزير لا الحد الواجب فيجتهد الإمام فيه بحسب المصلحة ومن العقوبة المالية حرمانه عليه السلام السلب للمددي لما كان في أخذه عدوانا على ولي الأمر

وإذا قال الإمام من أخذ فهو شيئا فهو له أو فضل بعض الغانمين على بعض وقلنا ليس له ذلك على رواية هل تباح لمن لا يعتقد جواز أخذه ويقال هذا مبني على الروايتين فيما إذا حكم بإباحة شيء يعتقده المحكوم له حراما

وقد يقال يجوز هنا قولا واحدا لا بالتفرق وإنا في تصرفات السلطان بين الجواز وبين النفوذ لأنا لو قلنا تبطل ولايته وقسمه وحكمه لما أمكن إزالة هذا الفساد إلا بأشد فسادا منه فينفذ دفعا لاحتماله ولما هو شر منه في الوفاء

والواجب أن يقال يباح الأخذ مطلقا لكن يشترط أن لا يظلم غيره إذا لم يغلب على ظنه أن المأخوذ أكثر من حقه ففيه نظر والتحريم في الزيادة أقرب وإن لم يغلب على ظنه واحد من الأمرين فالحل أقرب ولو ترك قمسة الغنيمة وترك هذا القول وسكت سكوت الأذن في الانتهاب واقر على ذلك فهو إذن فإن الأذن منه تارة يكون بالقول وتارة بالفعل وتارة بالإقرار على ذلك فالثلاث في هذا الباب سواء كما في إباحة المالك في أكل طعامه ونحو ذلك بل لو عرف أنه راض بذلك فيما يرون أن يصدر منه قول ظاهر أو فعل ظاهر أو إقرار فالرضا منه بتغيير إذنه بمنزلة أذنه الدال على ذلك إذ الأصل رضاه حتى لو أقام الحد وعقد الأنكحة من رضي الإمام بفعله ذلك كان بمنزلة إذنه على أكثر أصولنا فإن الأذن العرفي عندنا كالفظي والرضا الخاص كالإذن العام

فيجوز للإنسان أن يأكل طعام من يعلم رضاه بذلك لما بينهما من المودة وهذا أصل في الإباحة والوكالة والولاية لكن لو ترك القسمة ولم يرض بالانتهاب إما لعجزه أو لأخذه المال ونحو ذلك أو أجاز القسمة فهنا من قدر على أخذ مبلغ حقه من هذا المال المشترك فله ذلك لأن مالكيه متعينون وهو قريب من الورثة لكن يشترط انتفاء المفسدة من فتنة أو نحوها

وترضخ البغال والحمير وهو قياس المذهب والأصول كمن يرضخ لمن لا سهم له من النساء أو العبيد والصبيان وتجوز النيابة في الجهاد إذا كان النائب ممن لم يتعين عليه والطفل إذا سبي يتبع سابيه في الإسلام وإن كان مع أبويه وهو قول الأوزاعي ولأحمد نص يوافقه ويتبعه أيضا إذا اشتراه ويحكم بإسلام الطفل إذا مات أبواه أو كان نسبه منقطعا مثل كونه ولد زنا أو منفيا بلعان وقاله غير واحد من العلماء

باب الهدنة

ويجوز عقدها مطلقا ومؤقتا لازم من الطرفين يجب الوفاء به ما لم ينقضه العدو ولا ينقض بمجرد خوف الخيانة في أظهر قولي العلماء وأما المطلق فهو عقد جائز يعمل الإمام فيه بالمصلحة

وسئل أبو العباس: عن سبي ملطية مسلميها ونصاراها فحرم مال المسلمين وأباح سبي النصارى وذريتهم وما لهم كسائر الكفار إذ لا ذمة لهم ولا عهد لأنهم نقضوا عهدهم السابق من الأئمة بالمحاربة وقطع الطريق وما فيه الغضاضة علينا والإعانة على ذلك ولا يعقد لهم إلا من عن قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وهؤلاء التتر لا يقاتلونهم على ذلك بل بعد إسلامهم لا يقاتلون الناس على الإسلام ولهذا وجب قتال التتر حتى يلتزموا شرائع الإسلام منها الجهاد والتزام أهل الذمة بالجزية والصغار ونواب التتر الذين يسمون الملوك لا يجاهدون على الإسلام وهم تحت حكم التتر ونصارى ملطية وأهل المشرق ويهودهم لو كان لهم ذمة وعهد من ملك مسلم يجاهدهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية كأهل المغرب واليمن لما لم يعاملوا أهل مصر والشام معاملة أهل العهد جاز لأهل مصر والشام غزوهم واستباحة دمهم ومالهم لأن أبا جندل وأبا نصير حاربا أهل مكة مع أن بينهم وبين النبي عهدا وهذا باتفاق الأئمة لأن العهد والذمة إنما يكون من الجانبين والسبي المشتبه يحرم استرقاقه ومن كسب شيئا فادعاه رجل أخذه فعلى الأخذ للمأخوذ منه ما غرمه عليه من نفقة وغيرها إن لم يعرف أنه ملكه أو ملك الغير أو عرف وأنفق غير متبرع والله أعلم

باب عقد الذمة وأخذ الجزية

والكتابة الذي بأيدي الخيابرة الذين يدعون أنه بخط علي في إسقاط الجزية عنهم باطل وقد ذكر الفقهاء من أصحابنا وغيرهم كأبي العباس بن شريح والقاضي ابن يعلى والقاضي الماوردي وذكر أنه إجماع وصدق في ذلك

قال أبو العباس: ثم إنه عام إحدى وسبعمائة جاءني جماعة من يهود دمشق بعهود في كلها أنه بخط علي بن أبي طالب في إسقاطه الجزية عنهم وقد لبسوها ما يقتضي تعظيمها وكانت قد نفقت على ولاة الأمور في مدة طويلة فأسقطت عنهم الجزية بسببها وبيدهم تواضع ولاة الأمور فلما وقفت عليها تبين لي في نقشها ما يدل على كذبها من وجوه عديدة جدا إذا كان من أهل الذمة زنديق يبطن جحود الصانع أو جحود الرسل أو الكتب المنزلة أو الشرائع أو المعاد ويظهر التدين يموافقة أهل الكتاب فهذا يجب قتله بلا ريب كما يجب قتل من ارتد من أهل الكتاب إلى التعطيل فإن أراد الدخول في الإسلام فهل يقال أنه يقتل أيضا ما يقتل منافق المسلمين لأنه ما زال يظهر الإقرار بالكتب والرسل أو يقال بل دين الإسلام فيه من الهدى والنور ما يزيل شبهته بخلاف دين أهل الكتابين هذا فيه نظر ويمنع أهل الذمة من إظهار الأكل في نهار رمضان فإن هذا من المنكر في دين الإسلام ويمنعون من تعلية البنيان على جيرانهم المسلمين

وقال العلماء: ولو في ملك مشترك بين مسلم وذمي لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب

والكنائس العتيقة إذا كانت بأرض العنوة فلا يستحقون إبقاءها ويجوز هدمها مع عدم الضرر علينا وإذا صارت الكنيسة في مكان قد صار في مسجد للمسلمين يصلى فيه وهو أرض عنوة فإنه يجب هدم الكنيسة التي به لما روى أبو داود في سننه عن ابن عباس عن النبي قال: [ لا يجتمع قبلتان بأرض ] وفي أثر آخر: [ لا يجتمع بيت رحمة وبيت عذاب ]

ولهذا أقرهم المسلمون في أول الفتح على ما في أيديهم من كنائس العنوة بأرض مصر والشام وغير ذلك فلما كثر المسلمون وبنيت المساجد في تلك الأرض أخذ المسلمون تلك الكنائس فأقطعوها وبنوها مساجد وغير ذلك وتنازع العلماء في كنائس الصلح إذا استهدمت هل لهم إعادتها علىقولين ولو انقرض أهل مصر ولم يبق أحد ممن دخل في العقد المبتدأ فإن انتقض فكالمفتوح عنوة ويمنعون من ألقاب المسلمين كعز الدين ونحوه ومن حمل السلاح والعمل به وتعلم المقاتلة الدقاف والرمي وغيره وركوب الخيل ويستطب مسلم ذميا بقعة عنده كما يودعه ويعامله فلا ينبغي أن يعدل عنه ويكره الدعاء بالبقاء لكل أحد لأنه شيء قد فرغ منه ونص عليه الإمام أحمد في رواية أبي أصرم وقال له رجل جمعنا الله وإياك في مستقر رحمته فقال لا تقل هذا

وكان أبو العباس: يميل إلى أنه لا يكره الدعاء بذلك ويقول أن الرحمة ههنا المراد بها الرحمة المخلوقة ومستقرها الجنة وقول طائفة من السلف

واختلف كلام أبي العباس في رد تحية الذمي هل ترد مثلها أو وعليكم فقط ويجوز أن يقال أهلا وسهلا ويجوز عيادة أهل الذمة وتهنئتهم وتعزيتهم ودخولهم المسجد للمصلحة الراجحة كرجاء الإسلام وقال العلماء يعاد الذمي ويعرض عليه الإسلام وليس لهم إظهار شيء من شعار دينهم في دار الإسلام لا وقت الاستسقاء ولا عند لقاء الملوك ويمنعون من المقام في الحجاز وهو مكة والمدينة واليمامة والينبع وفدك وتبوك ونحوها وما دون المحنى وهو عقبة الصواب والشام كمعان والعشور التي تؤخذ من تجار أهل الحرب تدخل في أحكام الجزية وتقديرها على الخلاف

واختار أبو العباس: في رده على الرافضي أخذ الجزية في جميع العقار وأنه لم يبق أحد من مشركي العرب بعد بل كانوا قد أسلموا وقال في الاعتصام بالكتاب والسنة من أخذها من الجميع أو سوى بين المجوس وأهل الكتاب فقد خالف ظاهر الكتاب والسنة ولا يبقى في يد الراهب مال إلا بلغته فقط ويجب أن يؤخذ منهم مال كالورق التي في الديورة والمزارع إجماعا ومن له تجارة منهم أو زراعة وهو مخالطهم أو معاونهم على دينهم كمن يدعو إليه من راهب وغيره تلزمه الجزية وحكمه حكمهم بلا نزاع وإذا أبى الذمي بذل الجزية أو الصغار أو التزام حكمنا ينقض عهده

وساب الرسول يقتل ولو أسلم وهو مذهب أحمد ومن قطع الطريق على المسلمين أو تجسس عليهم أو أعان أهل الحرب على سبي المسلمين أو أسرهم وذهب بهم إلى دار الحرب ونحو ذلك مما فيه مضرة على المسلمين فهذا يقتل ولو أسلم ولو قال الذمي هؤلاء المسلمون الكلاب أبناء الكلاب ينغصون علينا إن أراد طائفة معينين عوقب عقوبة تزجره وأمثاله وإن ظهر منه قصد العموم ينقض عهده ووجب قتله

باب قسمة الفيء

ولا حق للرافضة في الفيء وليس لولاة الأمور أن يستأثروا منه فوق الحاجة كالإقطاع يصرفونه فيما لا حاجة إليه ويقدم المحتاج على غيره في الأصح عن أحمد

وعمال الفيء إذا خانوا فيه وقبلوا هدية أو رشوة فمن فرض له دون أجرته أو دون كفايته وكفاية عياله بالمعروف لم يستخرج منه ذلك القدر وإن قلنا لا يجوز لهم الأخذ خيانة فإنه يلزم الإمام الإعطاء كأخذ المضارب حصته أو الغريم دينه بلا إذن فلا فائدة في استخراجه ورده إليهم بل إن لم يصرفه الإمام مصارفه الشرعية لم يعن على ذلك وقد ثبت أن عمر شاطر عماله سعد وخالد وأبي هريرة وعمرو بن العاص ولم يتهمهم بخيانة بينة بل بمحاباة اقتضت أن جعل أموالهم بينهم وبين المسلمين ومن علم تحريم ما وزنه أو غيره وجهل قدره قسمه نصفين وللإمام أن يخص من أموال الفيء كل طائفة بصنف وكذلك في المغانم على الصحيح وليس للسلطان إطلاق الفيء دائما ويجوز للإمام تفضيل بعض الغانمين لزيادة منفعة على الصحيح انتهى

الفتاوى الكبرى لابن تيمية
كتاب السنة والبدعة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطهارة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | كتاب الصلاة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | كتاب الذكر والدعاء | 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب الصيام: 1 | 2 | 3 | كتاب الجنائز: 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب النكاح: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطلاق: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | | كتاب النفقات | كتاب الحدود: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الجهاد: 1 | 2 | كتاب البيوع: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الشهادة والأقضية والأموال: 1 | 2 | كتاب الوقف: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | كتاب الوصايا | كتاب الفرائض | كتاب الفضائل: 1 | 2 | كتاب الملاهي | مسائل منثورة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | كتاب الطهارة2 | كتاب الصلاة2: 1 | 2 | كتاب الجنائز2 | كتاب الزكاة2 | كتاب الصوم2 | كتاب الحج | كتاب البيع: 1 | 2 | كتاب الوصية | كتاب الفرائض | كتاب العتق | كتاب النكاح2: 1 | 2 | كتاب الخلع | كتاب الطلاق2 | كتاب الرجعة | كتاب الظهار | كتاب الجنايات | كتاب الأطعمة | كتاب الأيمان | باب القضاء | كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل | كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة: 1 |2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16