الفتاوى الكبرى/كتاب الطهارة/6
30 - 46 - مسألة: في رجل إذا قبل زوجته أو ضمها فأمذى هل يفسد ذلك صومه أم لا؟
وإذا أمذى فهل يلزمه وضوء أم لا؟
وإذا صبر الرجل على زوجته الشهر والشهرين لا يطأها فهل عليه إثم أم لا؟ وهل يطالب الزوج بذلك؟
الجواب: أما الوضوء فينتقض وليس عليه إلا الوضوء لكن يغسل ذكره وأنثييه
ويفسد الصوم بذلك عند أكثر العلماء
ويجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف وهو من أوكد حقها عليه أعظم من إطعامها
والوطء الواجب قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة وقيل بقدر حاجتها وقدرته كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته وهذا أصح القولين والله أعلم
31 - 47 - مسألة: فيمن يروي أن القيء ينقض الوضوء واستدل على ذلك أن النبي ﷺ قاء مرة وتوضأ وروي حديثا آخر أنه قاء فغسل فمه وقال: هكذا الوضوء من القيء فهل يعمل بالحديث الأول أم الثاني؟
الجواب: أما الحديث الثاني: فما سمعت به
وأما الأول فهو من السنن لكن لفظه: إنه قاء فأفطر فذكر ذلك لثوبان فقال: صدق أن أصببت له وضوءه
ولفظ الوضوء لم يجىء في كلام النبي ﷺ إلا والمراد به الوضوء الشرعي ولم يرد لفظ الوضوء بمعنى غسل اليد والفم إلا في لغة اليهود فإنه قد روي أن سلمان الفارسي قال للنبي ﷺ إنا نجد في التوراة أن في بركة الطعام الوضوء قبله فقال: [ من بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده ] والله أعلم
48 - / 32 - مسألة: في لحم الإبل هل ينقض الوضوء أم لا وهل حديثه منسوخ؟
الجواب: الحمد لله قد ثبت في صحيح مسلم: [ عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي ﷺ: أنتوضأ من لحوم الغنم؟
قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ
قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟
قال: نعم توضأ من لحوم الإبل
قال: أصلي في مرابض الغنم؟
قال: نعم
قال: أصلي في مبارك الإبل؟
قال: لا ]
وثبت ذلك في السنن من حديث البراء بن عازب قال أحمد: فيه حديثان صحيحان حديث البراء وحديث جابر بن سمرة
وله شواهد من وجوه أخر
منها: ما رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله ﷺ قال: [ توضأوا من لحوم الغنم وصلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل ]
وروي ذلك من غير وجه وهذا باتفاق أهل المعرفة بالحديث أصح وأبعد عن المعارض من أحاديث مس الذكر وأحاديث القهقهة
وقد قال بعض الناس: إنه منسوخ بقول جابر كان آخر الأمرين من النبي ﷺ ترك الوضوء مما مست النار لم يفرق بين الإبل والغنم إذ كلاهما في مس النار سواء فلما فرق بينهما فأمر بالوضوء من هذا وخير في الوضوء من الآخر علم بطلان هذا التعليل وإذا لم تكن العلة مس النار فنسخ التوضؤ من ذلك الأمر لا يوجب نسخ التوضؤ من جهة أخرى بل يقال: كانت لحوم الإبل أولا يتوضأ منها كما يتوضأ من لحوم الغنم وغيرها ثم نسخ هذا الأمر العام المشترك
فأما ما يختص به لحم الإبل فلو كان قبل النسخ لم يكن منسوخا فكيف وذلك غير معلوم؟
يؤيد ذلك الوجه الثاني وهو أن الحديث كان يعد نسخ الوضوء مما مست النار فإنه يبين فيه أنه لا يوجب الوضوء من لحوم الغنم وقد أمر فيه بالوضوء من لحوم الإبل فعلم أن الأمر بذلك بعد النسخ
الثالث: إنه فرق بينهما في الوضوء وفي الصلاة في المعاطن أيضا وهذا التفريق ثابت محكم لم يأت عنه نص بالتسوية بينهما في الوضوء والصلاة فدعوى النسخ باطل بل عمل المسلمين بهذا الحديث في الصلاة يوجب العمل فيه بالوضوء إذ لا فرق بينهما
الرابع: إنه أم بالوضوء من لحم الإبل وذلك يقتضي الوضوء منه نيا ومطبوخا وذلك يمنع كونه منسوخا
الخامس: إنه لو أتى عن النبي ﷺ نص عام بقوله: لا وضوء مما مست النار لم يجر جعله ناسخا لهذا الحديث من وجهين
أحدهما: إنه لا يعلم أنه قبله وإذا تعارض العام والخاص ولم يعلم التاريخ فلم يقل أحد من العلماء أنه ينسخه بل إما أن يقال الخاص هو المقدم كما هو المشهور من مذهب مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه وإما أن يتوقف بل لو علم أن العام بعد الخاص لكان الخاص مقدما
والثاني: إنه قد بينا أن هذا الخاص بعد العام فإن كان نسخ كان الخاص ناسخا
وقد اتفق العلماء على أن الخاص المتأخر هو المقدم على العام المتقدم فعلم باتفاق المسلمين على: أنه لا يجوز تقديم مثل هذا العام على الخاص لو كان هنا لفظ عام كيف ولم يرد عن النبي ﷺ حديث عام ينسخ الوضوء من كل ما مسته النار
وإنما ثبت في الصحيح: أنه أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ وكذلك أتى بالسويق فأكل منه ثم لم يتوضأ
وهذا فعل لا عموم له فإن التوضؤ من لحم الغنم لا يجب باتفاق الأئمة المتبوعين والحديث المتقدم دليل ذلك
وأما جابر فإنما نقل [ عن النبي ﷺ: أن آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار وهذا نقل لفعله لا لقوله فإذا شاهدوه قد أكل لحم غنم ثم صلى ولم يتوضأ بعد أن كان يتوضأ منه صح أن يقال: الترك آخر الأمرين والترك العام لا يحاط به إلا بدوام معاشرته وليس في حديث جابر ما يدل على ذلك بل المنقول عنه الترك في قضية معينه ]
ثم ترك الوضوء مما مست النار لا يوجب تركه من جهة أخرى ولحم الإبل لم يتوضأ منه لأجل مس النار كما تقدم بل المعنى يختص به ويتناوله نيا ومطبوخا فبين الوضوء من لحم الإبل والوضوء مما مست النار عموم وخصوص هذا أعم من وجه وهذا أخص من وجه وقد يتفق الوجهان فيكون للحكم علتان وقد ينفرد أحدهما من الآخر بمنزلة التوضؤ من خروج النجاسة مع الوضوء من القبلة فإنه قد يقبل فيمذي وقد يقبل فلا يمذي وقد يمذي من غير مباشرة فإذا قدر أنه لا وضوء من مس النساء لم ينف الوضوء من المذي وكذلك بالعكس وهذا بين
وأضعف من ذلك قول بعضهم أن المراد بذلك الوضوء اللغوي وهو غسل اليد أو اليد والفم فإن هذا باطل من وجوه:
أحدها: إن الوضوء في كلام رسولنا ﷺ لم يرد به قط إلا وضوء الصلاة وإنما ورد بذلك المعنى في لغة اليهود
كما روي أن سلمان قال يا رسول الله إنه في التوراة: من بركة الطعام الوضوء قبله
فقال: [ من بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده ]
فهذا الحديث قد تنوزع في صحته وإذا كان صحيحا فقد أجاب سلمان باللغة التي خاطبه بها أهل التوراة وأما اللغة التي خاطب الرسول ﷺ بها أهل القرآن فلم يرد فيها الوضوء إلا في الوضوء الذي يعرفه المسلمون
الثاني: إنه قد فرق بين اللحمين ومعلوم أن غسل اليد والفم من الغمر مشروع مطلقا بل قد [ ثبت عنه أنه تمضمض من لبن ثم شربه
وقال: إن له دسما
وقال: من بات وبيده غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه ]
فإذا كان قد شرع ذلك من اللبن والغمر فكيف لا يشرعه من لحم الغنم؟
الثالث: إن الأمر بالتوضؤ من لحم الإبل إن كان أمر إيجاب امتنع حمله على غسل اليد والفم وإن كان أمر استحباب امتنع رفع الاستحباب عن لحم الغنم والحديث فيه أنه رفع عن لحم الغنم ما أثبته للحم الإبل وهذا يبطل كونه غسل اليد سواء كان حكم الحديث إيجابا أو استحبابا
الرابع: إنه قد قرنه بالصلاة في مباركها مفرقا بين ذلك وهذا مما يفهم منه وضوء الصلاة قطعا والله أعلم
33 - 49 - مسألة: في امرأة قيل لها إذا كان عليك نجاسة من عذر النساء أو من جنابة لا تتوضأي ألا تمسحي بالماء من داخل الفرج فهل يصح ذلك؟
الجواب: الحمد لله لا يجب على المرأة إذا اغتسلت من جنابة أو حيض غسل داخل الفرج في أصح القولين والله سبحانه أعلم
50 - 34 - مسألة: في امرأتين تباحثتا فقالت إحداهما: يجب على المرأة أن تدس أصبعها وتغسل الرحم من داخل وقالت الأخرى: لا يجب إلا غسل الفرج من ظاهر فأيهما على الصواب؟
الجواب: الصحيح أنه لا يجب عليها ذلك وإن فعلت جاز
51 - / 35 - مسألة: في امرأة تضع معها دواء وقت المجامعة تمنع بذلك نفوذ المني في مجاري الحبل فهل ذلك جائز حلال أم لا؟ وهل إذا بقي ذلك الدواء معها بعد الجماع ولم يخرج يجوز لها الصلاة والصوم بعد الغسل أم لا
الجواب: أما صومها وصلاتها فصحيحة وإن كان ذلك الدواء في جوفها وأما جواز ذلك ففيه نزاع بين العلماء والأحوط أنه لا يفعل والله أعلم
52 - 36 - مسألة: فيمن يدخل الحمام هل يجوز له كشف العورة في الخلوة؟ وما هو الذي يفعله من آداب الحمام؟
الجواب: لا يلزم المتطهر كشف عورته لا في الخلوة ولا في غيرها إذا طهر جميع بدنه لكن إن كشفها في الخلوة لأجل الحاجة: كالتظهر التخلي جاز كما ثبت في الصحيح: أن موسى عليه السلام اغتسل عريانا وأن أيوب عليه السلام اغتسل عريانا
وفي الصحيح: أن فاطمة كانت تستر النبي ﷺ عام الفتح بثوب وهو يغتسل ثم صلى ثمان ركعات وهي التي يقال لها الضحى ويقال إنها صلاة الفتح
وفي الصحيحين أيضا: أن ميمونة سترته فاغتسل
وعلى داخل الحمام أن يستر عورته فلا يمكن أحدا من نظرها ولا لمسها سواء كان القيم الذي يغسله أو غيره ولا ينظر إلى عورة أحد ولا يلمسها إذا لم يحتج لذلك لأجل مداواة أو غيرها فذاك شيء آخر
وعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بحسب الإمكان كما قال النبي ﷺ: [ من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ]
فيأمر بتغطية العورات فإن لم يمكنه ذلك وأمكنه أن يكون حيث لا يشهد منكرا فليفعل ذلك إذ شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه منهي عنه
وليس له أن يسرف في صب الماء لأن ذلك منهي عنه مطلقا وهو في الحمام ينهى عنه لحق الحمامي لأن الماء الذي فيها مال من أمواله له قيمة وعليه أن يلزم السنة في طهارته فلا يجفو جفاء النصارى ولا يغلو غلو اليهود كما يفعل أهل الوسوسة بل حياض الحمام طاهرة ما لم تعلم نجاستها سواء كانت فائضة أو لم تكن وسواء كانت الأنبوب تصب فيها أو لم تكن وسواء بات الماء أو لم يبت وسواء تطهر منها الناس أو لم يتطهروا فإذا اغتسل منها جماعة جاز ذلك فقد ثبت في الصحيحين: من غير وجه [ أن النبي ﷺ كان يغتسل هو وامرأته من إناء واحد قدر الفرق
فهذا إناء صغير لا يفيض ولا أنبوب فيه وهما يغتسلان منه جميعا
وفي لفظ: فأقول دع لي ويقول دع لي ]
وفي صحيح البخاري: عن ابن عمر أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون على عهد رسول الله ﷺ من إناء واحد
وقد ثبت عنه أيضا: [ أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع ]
والصاع عند أكثر العلماء يكون بالرطل المصري أقل من خمسة أرطال نحو خمسة إلا ربعا والمد ربع ذلك وقيل: هو نحو من سبعة أرطال بالمصري
وليس للإنسان أن يقول الطامة إذا وقعت على أرض الحمام تنجست فإن أرض الحمام الأصلي فيها الطهارة وما يقع فيها من نجاسة: كبول فهو يصب عليه من الماء ما يزيله وهو أحسن حالا من الطرقات بكثير والأصل فيها الطهارة بل كما يتيقن أنه لا بد أن يقع على أرضها نجاسة فكذلك يتيقن أن الماء يعم ما تقع عليه النجاسة ولو لم يعلم ذلك فلا يجزم على بقعة بعينها أنها نجسة إن لم يعلم حصول النجاسة فيها والله أعلم
37 - 53 - مسألة: في رجل عامي سئل عن عبور الحمام فأجاب عن عبورها حرام ونقل حديثا عن رسول الله ﷺ وأسند الحديث إلى كتاب مسلم فهل صح هذا أم لا؟
الجواب: ليس لأحد لا في كتاب مسلم ولا في غيره من كتب الحديث عن النبي ﷺ أنه حرم الحمام بل الذي في السنن: أنه قال: [ ستفتحون أرض العجم وتجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر من إناث أمتي فلا تدخل الحمام إلا مريضة أو نفساء ] وقد تكلم بعضهم في هذا الحديث
والحمام من دخلها مستور العورة ولم ينظر إلى عورة أحد ولم يترك أحدا يمس عورته ولم يفعل فيها محرما وأنصف الحمامي فلا إثم عليه وأما المرأة فتدخلها للضرورة مستورة العورة وهل تدخلها إذا تعودتها وشق عليها ترك العادة؟ فيه وجهان في مذهب أحمد وغيره:
أحدهما: لها أن تدخلها كقول أبي حنيفة واختاره ابن الجوزي
والثاني: لا تدخلها وهو قول كثير من أصحاب الشافعي وأحمد وغيره والله أعلم
38 - 54 - مسألة: في رجل يهيج عليه بدنه فيستمني بيده وبعض الأوقات يلصق وركيه على ذكره وهو يعلم أن إزالة هذا بالصوم لكن يشق عليه
الجواب: أما ما نزل من الماء بغير اختياره فلا إثم عليه فيه لكن عليه الغسل إذا نزل الماء الدافق وأما إنزاله باختياره بأن يستمني بيده فهذا حرام عند أكثر العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد بل أظهرهما وفي رواية أنه مكروه لكن إن اضطر إليه مثل أن يخاف الزنا إن لم يستمن أو يخاف المرض فهذا فيه قولان مشهوران للعلماء وقد رخص في هذه الحال طوائف من السلف والخلف ونهى عنه آخرون والله أعلم
39 - 55 - مسألة: في امرأة بها مرض في عينيها وثقل في جسمها من الشحم وليس لها قدرة على الحمام لأجل الضرورة وزوجها لم يدعها تطهر وهي تطلب الصلاة فهل يجوز لها أن تغسل جسمها الصحيح وتتيمم عن رأسها؟
الجواب: نعم إذا لم تقدر على الإغتسال في الماء البارد ولا الحار فعليها أن تصلي في الوقت بالتيمم عند جماهير العلماء لكن مذهب الشافعي وأحمد أنها تغسل ما يمكن وتتيم للباقي ومذهب أبي حنيفة ومالك إن غسلت الأكثر لم تتيمم إن لم يمكن إلا غسل الأقل تيممت ولا غسل عليها
56 - / 40 - مسألة: في رجل جنب وهو في بيت مبلط عادم فيه التراب مغلوق عليه الباب ولم يعلم متى يكون الخروج منه فهل يترك الصلاة إلى وجود الماء والتراب أم لا؟
الجواب: إذا لم يقدر على استعمال الماء ولا على التمسح بالصعيد فإنه يصلي بلا ماء ولا تيمم عند الجمهور وهذا أصح القولين وهل عليه الإعادة؟ على قولين: أظهرهما: أنه لا إعادة عليه فإن الله يقول: { فاتقوا الله ما استطعتم }
وقال النبي ﷺ: [ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ]
ولم يأمر العبد بصلاتين وإذا صلى قرأ القراءة الواجبة والله أعلم
41 - 57 - مسألة: في الحاقن أيما أفضل: يصلي بوضوء محتقنا أو أن يحدث ثم يتيمم لعدم الماء
الجواب: صلاته بالتيمم بلا احتقان أفضل من صلاته بالوضوء مع الاحتقان فإن هذه الصلاة مع الاحتقان مكروهة منهي عنها وفي صحتها روايتان وأما صلاة التيمم فصحيحة لا كراهة فيها بالاتفاق والله أعلم
42 - 58 - مسألة: في رجل أصابه جنابة ولم يقدر على استعمال الماء من شدة البرد أو الخوف والإنكار عليه فهل إذا تيمم وصلى وقرأ ومس المصحف وتهجد بالليل إماما يجوز له ذلك أم لا؟ وهل يعيد الصلاة أم لا؟ وإلى كم يجوز التيمم؟
الجواب: إذا كان خائفا من البرد إن اغتسل بالماء يمرض أو كان خائفا إن اغتسل أن يرمي بما هو بريء منه ويتضرر بذلك أو كان خائفا بينه وبين الماء عدو أو سبع يخاف ضرره إن قصد الماء فإنه يتمم ويصلي من الجنابة والحدث الأصغر
وأما الإعادة فقد تنازع العلماء في التيمم لخشية البرد هل يعيد في السفر والحضر أو لا يعيد في الحضر فقط؟ على ثلاثة أقوال: والأشبه بالكتاب والسنة أنه لا إعادة عليه بحال
ومن جازت له الصلاة جاز له القراءة ومس المصحف والتيمم يؤم المغتسل عند جمهور العلماء وهو مذهب الأئمة الأربعة إلا محمد بن الحسن والله أعلم
43 - 59 - مسألة: في رجل نام وهو جنب فلم يستيقظ إلا قرب طلوع الشمس وخشي من الغسل بالماء البارد في وقت البرد وإن سخن الماء خرج الوقت فهل يجوز له أن يفوت الصلاة إلى حيث يغتسل أو يتيمم ويصلي؟
الجواب: هذه المسألة فيها قولان للعلماء: فأكثرهم كأبي حنيفة والشافعي وأحمد يأمرونه بطلب الماء وإن صلى بعد طلوع الشمس
ومالك يأمره أن يصلي بالوقت بالتيمم لأن الوقت مقدم على غيره من واجبات الصلاة بدليل أنه إن استيقظ أول الوقت وعلم أنه لا يجد الماء إلا بعد الوقت فإنه يصلي بالتيمم في الوقت بإجماع المسلمين ولا يصلي بعد خروج الوقت بالغسل
وأما الأولون فيفرقون بين هذه الصورة ونظائرها وبين صورة السؤال بأنه قال إنما خوطب بالصلاة عند استيقاظه كما قال النبي ﷺ: [ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ]
وإذا كان إنما أمر بها بعد الانتباه فعليه بفعلها بحسب ما يمكن من الإغتسال المعتاد فيكون فعلها بعد طلوع الشمس فعلا في الوقت الذي أمر الله بالصلاة فيه والله أعلم
44 - 60 - مسألة: في رجل سافر مع رفقة وهو إمامهم ثم احتلم في يوم شديد البرد وخاف على نفسه أن يقتله البرد تيميم وصلى بهم فهل يجب عليه إعادة وعلى من صلى خلفه أم لا؟
الجواب: هذه المسألة هي ثلاث مسائل:
الأولى: إن تيممه جائز وصلاته جائزة ولا غسل عليه والحال هذه وهذا متفق عليه بين الأئمة وقد جاء في ذلك حديث في السنن: عن عمرو بن العاص أنه فعل ذلك على عهد رسول الله ﷺ فصلى بأصحابه بالتيمم في السفر وأن ذلك ذكر للنبي ﷺ وكذلك هذا معروف عن ابن عباس
الثانية: إنه هل يؤم المتوضئين؟ فالجمهور على أنه يؤمهم كما أمهم عمرو بن العاص وابن عباس وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وأصح القولين في مذهب أبي حنيفة ومذهب محمد: أنه لا يؤمهم
الثالثة: في الإعادة فالمأموم لا إعادة عليه بالاتفاق مع صحة صلاته وأما الإمام أو غيره إذا صلى بالتيمم لخشية البرد فقيل: يعيد مطلقا كقول الشافعي وقيل: يعيد في الحضر فقط دون السفر كقول له ورواية عن أحمد وقيل: لا يعيد مطلقا كقول مالك وأحمد في الرواية الأخرى وهذا هو الصحيح لأنه فعل ما قدر عليه فلا إعادة عليه ولهذا لم يأمر النبي ﷺ عمرو بن العاص بإعادة ولم يثبت فيه دليل شرعي يفرق بين الأعذار المعتادة وغير المعتادة والله أعلم
45 - 61 - مسألة: في المرأة إذا انقطع حيضها هل يجوز لزوجها أن يطأها قبل أن تغتسل؟
الجواب: أما المرأة الحائض إذا انقطع دمها فلا يطؤها زوجها حتى تغتسل إن كانت قادرة على الاغتسال وإلا تيممت كما هو مذهب جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد وهذا معنى ما يروى عن الصحابة حيث روي عن بضعة عشر من الصحابة منهم الخلفاء: أنهم قالوا في المعتدة: هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة والقرآن يدل على ذلك قال الله تعالى: { ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله }
قال مجاهد: { حتى يطهرن } حتى ينقطع الدم فإذا تطهرن اغتسلن بالماء
وهو كما قال مجاهد وإنما ذكر الله غايتين على قراءة الجمهور ولأن قوله: { حتى يطهرن } غاية التحريم الحاصل بالحيض وهو تحريم لا يزول بالاغتسال ولا غيره فهذا التحريم يزول بانقطاع ثم يبقى الوطء بعد ذلك جائزا بشرط الاغتسال لا يبقى محرما على الإطلاق ولهذا قال: { فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله }
وهذا كقوله: { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره }
فنكاح الزوج الثاني غاية التحريم الحاصل بالثلاث فإذا نكحت زوجا غيره يعني ثانيا زال ذلك التحريم لكن صارت في عصمة الثاني فحرمت لأجل حقه لا لأجل الطلاق الثلاث فإذا طلقها جاز للزوج الأول أن يتزوجها
وقد قال بعض أهل الظاهر: المراد بقوله: { فإذا تطهرن } أي غسلن فروجهن وليس بشيء لأنه قد قال: { وإن كنتم جنبا فاطهروا } فالتطهير في كتاب الله هو الاغتسال
وأما قوله: { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } فهذا يدخل في المغتسل والمتوضىء والمستنجي لكن التطهر المعروف بالحيض كالتطهر المعروف بالجنابة والمراد به الاغتسال وأبو حنيفة رحمه الله يقول: إذا اغتسلت أو مضى عليها وقت الصلاة أو انقطع الدم وقول الجمهور والصواب كما تقدم والله أعلم
6 - 62 - مسألة: في الخمرة إذا انقلبت خلا ولم يعلم بقلبها هل له أن يأكلها أو يبيعها أو إذا علم أنها انقلبت هل يأكل منها أو يبيعها؟
الجواب: أما التخليل ففيه نزاع قيل: يجوز تحليلها كما يحكي عن أبي حنيفة وقيل: لا يجوز لكن إذا خللت طهرت كما يحكى عن مالك وقيل: يجوز ينقلها من الشمس إلى الظل وكشف الغطاء عنها ونحو ذلك دون أن يلقي فيها شيء كما هو وجه في مذهب الشافعي وأحمد وقيل: لا يجوز بحال كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد وهذا هو الصحيح فإنه قد ثبت عن النبي ﷺ: [ أنه سئل عن خمر ليتامى فأمر بإراقتها فقيل: إنهم فقراء فقال: سيغنيهم الله من فضله ]
فلما أمر بإراقتها ونهى عن تخليلها وجبت طاعته فيما أمر به ونهى عنه فيجب أن تراق الخمرة ولا تخلل هذا مع كونهم كانوا يتامى ومع كونه تلك الخمرة كانت متخذة قبل التحريم فلم يكونوا عصاة
فإن قيل: هذا منسوخ لأنه كان في أول الإسلام فأمروا بذلك كما أمروا بكسر الآنية وشق الظروف ليمتنعوا عنها
قيل: هذا غلط من وجوه:
أحدها: إن أمر الله ورسوله لا ينسخ إلا بأمر الله ورسوله ولم يرد بعد هذا نص ينسخه
الثاني: إن الخلفاء الراشدين بعد موته عملوا بهذا كما ثبت عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا تأكلوا خل خمر إلا خمرا بدأ الله بفسادها ولا جناح على مسلم أن يشتري من خل أهل الذمة
فهذا عمر ينهى عن خل الخمر التي قصد إفسادها ويأذن فيما بدأ الله بإفسادها ويرخص في اشتراء خل الخمر من أهل الكتاب لأنهم لا يفسدون خمرهم وإنما يتخلل بغير اختيارهم وفي قول عمر حجة على جميع الأقوال
الوجه الثالث: أن يقال: الصحابة كانوا أطوع الناس لله ورسوله ولهذا لما حرم عليهم الخمر أراقوها فإذا كانوا مع هذا قد نهوا عن تخليلها وأمروا بإراقتها فمن بعدهم من القرون أولى منهم بذلك فإنهم أقل طاعة لله ورسوله منهم
يبين ذلك أن عمر بن الخطاب غلظ على الناس العقوبة في شرب الخمر حتى كان ينفي فيها: لأن أهل زمانه كانوا أقل اجتنابا لها من الصحابة على عهد رسول الله ﷺ فكيف يكون زمان ليس فيه رسول الله ﷺ ولا عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟
لا ريب أن أهله أقل اجتنابا للمحارم فكيف تسد الذريعة عن أولئك المتقين وتفتح لغيرهم وهم أقل تقوى منهم
وأما ما يروى: خير خلكم خل خمركم فهذا الكلام لم يقله النبي ﷺ ومن نقله عنه فقد أخطأ ولكن هو كلام صحيح فإن خل الخمر لا يكون فيها ماء ولكن المراد به الذي بدأ الله بقلبه
وأيضا فكل خمر يعمل من العنب بلا ماء فهو مثل خل الخمر
وقد وصف العلماء عمل الخل أنه يوضع أولا في العنب شيء يحمضه حتى لا يستحيل أولا خمرا ولهذا تنازعوا في خمرة الخلال هل يجب إراقتها؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره أظهرهما وجوب إراقتها كغيرها فإنه ليس في الشريعة خمرة محترمة ولو كان لشيء من الخمر حرمة لكانت الخمر لليتامى التي اشتريت لهم قبل التحريم وذلك أن الله أمر باجتناب الخمر فلا يجوز إفسادها ولا يكون في بيت مسلم خمر أصلا وإنما وقعت الشبهة في التخليل لأن بعض العلماء اعتقد أن التخليل إصلاح لها: كدباغ الجلد النجس
وبعضهم قال: اقتناؤها لا يجوز لا لتخليل ولا غيره لكن إذا صارت خلا فكيف تكون نجسة
وبعضهم قال: إذا ألقي فيها شيء تنجس أولا ثم تنجست به ثانيا بخلاف ما إذا لم يلق فيها شيء فإنه لا يوجب التنجيس
وأما أهل القول الراجح فقالوا: قصد المخلل لتخليلها هو الموجب لتنجيسها فإنه قد نهى عن اقتنائها وأمر بإراقتها فإذا قصد التخليل كان قد فعل محرما وغاية ما يكون تخليلها كتذكية الحيوان والعين إذا كانت محرمة لم تصر محللة بالفعل المنهى عنه لأن المعصية لا تكون سببا للنعمة والرحمة ولهذا لما كان الحيوان محرما قبل التذكية ولا يباح إلا بالتذكية فلو ذكاه تذكية محرمة مثل أن يذكيه في غير الخلق واللبة مع قدرته عليه أولا يقصد ذكاته أو يأمر وثنيا أو مجوسيا بتذكيته ونحو ذلك لم يبح
وكذلك الصيد إذا قتله المحرم لم يصر ذكيا فالعين الواحدة تكون طاهرة حلالا في حال وتكون حراما نجسة في حال تارة باعتبار الفاعل كالفرق بين الكتابي والوثني وتارة باعتبار الفعل كالفرق بين الذبيحة بالمحدد وغيره وتارة باعتبار المحل وغيره كالفرق بين العتق وغيره وتارة باعتبر قصد الفاعل كالفرق بين ما قصد تذكيته وما قصد قتله
حتى إنه عند مالك والشافعي وأحمد إذا ذكى الحلال صيدا أبيح للحلال دون المحرم فيكون حلالا طاهرا في حق هذا حراما نجسا في حق هذا
وانقلاب الخمر إلى الخل من هذا النوع مثل: ما كان ذلك محظورا فإذا قصده الإنسان لم يصر الخل به حلالا ولا طاهرا كما لم يصر لحم الحيوان حلالا طاهرا بتذكية غير شرعية
وما ذكرناه عن عمر بن الخطاب هو الذي يعتمد عليه في هذه المسألة أنه متى علم أن صاحبها قد قصد تخليلها لم تشتر منه إذا لم يعلم ذلك جاز اشتراؤها منه لأن العادة أن صاحب الخمر لا يرضى أن يخللها والله أعلم