الفتاوى الكبرى/كتاب الصيام/1
كتاب الصيام
331 - 1 - مسألة: سئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عن صوم يوم الغيم هل هو واجب أم لا؟ وهل هو يوم شك منهى عنه أم لا؟
فأجاب: وأما صوم يوم الغيم إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر فللعلماء فيه عدة أقوال وهي في مذهب أحمد وغيره
أحدها: أن صومه منهى عنه ثم هل هو نهي تحريم؟ أو تنزيه؟ على قولين وهذا هو المشهور في مذهب مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايات عنه واختار ذلك طائفة من أصحابه: كأبي الخطاب وابن عقيل وأبي القاسم بن منده الأصفهاني وغيرهم
والقول الثاني: أن صيامه واجب كاختيار القاضي والخرقي وغيرهما من أصحاب أحمد وهذا يقال إنه أشهر الروايات عن أحمد لكن الثابت عن أحمد لمن عرف نصوصه وألفاظه أنه كان يستحب صيام يوم الغيم اتباعا لعبد الله بن عمر وغيره من الصحابة ولم يكن عبد الله بن عمر يوجبه على الناس بل كان يفعله احتياطا وكان الصحابة فيهم من يصومه احتياطا ونقل ذلك عن عمر وعلي ومعاوية وأبي هريرة وابن عمر وعائشة وأسماء وغيرهم
ومنهم من كان لا يصومه مثل كثير من الصحابة ومنهم من كان ينهي عنه كعمار بن ياسر وغيره فأحمد رضي الله عنه كان يصومه احتياطا
وأما إيجاب صومه فلا أصل له في كلام أحمد ولا كلام أحد من أصحابه: لكن كثير من أصحابه اعتقدوا أن مذهبه إيجاب صومه ونصروا ذلك القول
والقول الثالث: إنه يجوز صومه ويجوز فطره وهذا مذهب أبي حنيفة وغيره وهو مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه وهو مذهب كثير من الصحابة والتابعين أو أكثرهم وهذا كما أن الإمساك عند الحائل عن رؤية الفجر جائز فإن شاء أمسك وإن شاء أكل حتى يتيقن طلوع الفجر وكذلك إذا شك هل أحدث؟ أم لا؟ إن شاء توضأ وإن شاء لم يتوضأ وكذلك إذا شك هل حال حول الزكاة؟ أو لم يحل؟ وإذا شك هل الزكاة الواجبة عليه مائة؟ أو مائة وعشرون؟ فأدى الزيادة
وأصول الشريعة كلها مستقرة على أن الاحتياط ليس بواجب ولا محرم ثم إذا صامه بنية مطلقة أو بنية معلقة بأن ينوي إن كان من شهر رمضان كان عن رمضان وإلا فلا فإن ذلك يجزيه في مذهب أبي حنيفة وأحمد في أصح الروايتين عنه وهي التي نقلها المروزي وغيره وهذا اختيار الخرقي في شرحه للمختصر وإختيار أبي البركات وغيرهما
والقول الثاني: إنه لا يجزيه إلا بنية أنه من رمضان كإحدى الروايتين عن أحمد اختيارها القاضي وجماعة من أصحابه
وأصل هذه المسألة أن تعيين النية لشهر رمضان: هل هو واجب؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد:
أحدها: أنه لا يجزيه إلا أن ينوي رمضان فإن صام بنية مطلقة أو معلقة أو بنية النفل أو النذر لم يجزئه ذلك كالمشهور من مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايات
والثاني: يجزئه مطلقا كمذهب أبي حنيفة
والثالث: أنه يجزئه بنية مطلقة لا بنية تعيين غير رمضان وهذه الرواية الثالثة عن أحمد وهي اختيار الخرقي وأبي البركات وتحقيق هذه المسألة: أن النية تتبع العلم فإن علم أن غدا من رمضان فلا بد من التعيين في هذه الصورة فإن نوى نفلا أو صوما مطلقا لم يجزه: لأن الله أمره أن يقصد أداء الواجب عليه وهو شهر رمضان الذي علم وجوبه فإذا لم يفعل الواجب لم تبرأ ذمته
وأما إذا كان لا يعلم أن غدا من شهر رمضان فهنا لا يجب عليه التعيين ومن أوجب التعيين مع عدم العلم فقد أوجب الجمع بين الضدين
فإذا قيل إنه يجوز صومه وصام في هذه الصورة بنية مطلقة أو معلقة أجزأه وأما إذا قصد صوم ذلك تطوعا ثم تبين أنه كان من شهر رمضان فالأشبه أنه يجزئه أيضا كمن كان لرجل عنده وديعة ولم يعلم ذلك فأعطاه ذلك على طريق التبرع ثم تبين أنه حقه فإنه لا يحتاج إلى إعطائه ثانيا بل ذلك الذي وصل إليك هو حق كان لك عندي والله يعلم حقائق الأمور والرواية التي تروى عن أحمد أن الناس فيه تبع للإمام في نيته على أن الصوم والفطر بحسب ما يعلمه الناس كما في السنن عن النبي ﷺ أنه قال: [ صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون ]
وقد تنازع الناس في الهلال: هل هو اسم لما يطلع في السماء وأن لم يره أحد؟ أو لا يسمى هلالا حتى يستهل به الناس ويعلموه؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره
وعلى هذا ينبغي النزاع فيما إذا كانت السماء مطبقة بالغيم أو في يوم الغيم مطلقا هل هو يوم شك؟ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره:
أحدها: أنه ليس بشك بل الشك إذا أمكنت رؤيته وهذا قول كثير من أصحاب الشافعي وغيرهم
والثاني: أنه شك لإمكان طلوعه
والثالث: أنه من رمضان حكما فلا يكون يوم شك وهو اختيار طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم
وقد تنازع الفقهاء في المنفرد برؤية هلال الصوم والفطر هل يصوم ويفطر وحده؟ أو لا يصوم ولا يفطر إلا مع الناس؟ أو يصوم وحده ويفطر مع الناس؟ على ثلاثة أقوال معروفة في مذهب أحمد وغيره
332 - 2 - وسئل قدس الله روحه عن رجل رأى الهلال وحده وتحقق الرؤية: فهل له أن يفطر وحده؟ أو يصوم وحده؟ أو مع جمهور الناس؟
فأجاب: الحمد لله إذا رأى هلال الصوم وحده أو هلال الفطر وحده فهل عليه أن يصوم برؤية نفسه؟ أو يفطر برؤية نفسه؟ أم لا يصوم ولا يفطر إلا مع الناس؟ على ثلاثة أقوال هي ثلاث روايات عن أحمد:
أحدها: أن عليه أن يصوم وأن يفطر سرا وهو مذهب الشافعي
والثاني: يصوم ولا يفطر إلا مع الناس وهو المشهور من مذهب أحمد ومالك وأبي حنيفة
والثالث: يصوم مع الناس ويفطر مع الناس وهذا أظهر الأقوال: لقول النبي ﷺ: [ صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون ] رواه الترمذي وقال: حسن غريب ورواه أبو داود وابن ماجه وذكر الفطر والأضحى فقط
ورواه الترمذي من حديث عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: [ الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون ] قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب قال: وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: انما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس
ورواه أبو داود بإسناد آخر: فقال حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد من حديث أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة ذكر النبي ﷺ فيه فقال: [ وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون وكل عرفة موقف وكل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وكل جمع موقف ]
ولأنه لو رأى هلال النحر لما اشتهر والهلال اسم استهل به فإن الله جعل الهلال مواقيت للناس والحج وهذا إنما يكون إذا استهل به الناس والشهر بين وإن لم يكن هلالا ولا شهرا
وأصل هذه المسألة أن الله سبحانه وتعالى علق أحكاما شرعية بمسمى الهلال والشهر: كالصوم والفطر والنحر فقال تعالى: { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } فبين سبحانه أن الأهلة مواقيت للناس والحج
قال تعالى: { كتب عليكم الصيام } - إلى قوله -
{ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس } أنه أوجب صوم شهر رمضان وهذا متفق عليه بين المسلمين لكن الذي تنازع الناس فيه أن الهلال هل هو اسم لما يظهر في السماء؟ وإن لم يعلم به الناس؟ وبه يدخل؟ الشهر أو الهلال اسم لما يستهل به الناس والشهر لما اشتهر بينهم؟ على قولين:
فمن قال بالأول يقول: من رأى الهلال وحده فقد دخل ميقات الصوم ودخل شهر رمضان في حقه وتلك الليلة هي في نفس الأمر من رمضان وإن لم يعلم غيره ويقول من لم يره إذا تبين له أنه كان طالعا قضى الصوم وهذا هو القياس في شهر الفطر وفي شهر النحر لكن شهر النحر ما علمت أن أحدا قال من رآه يقف وحده دون سائر الحاج وأنه ينحر في اليوم الثاني ويرمي جمرة العقبة ويتحلل دون سائر الحاج
وإنما تنازعوا في الفطر: فالأكثرون ألحقوه بالنحر وقالوا لا يفطر إلا مع المسلمين وآخرون قالوا بل الفطر كالصوم ولم يأمر الله العباد بصوم واحد وثلاثين يوما وتناقض هذه الأقوال يدل على أن الصحيح هو مثل ذلك في ذي الحجة
وحيئذ فشرط كونه هلالا وشهرا شهرته بين الناس واستهلال الناس به حتى لو رآه عشرة ولم يشتهر ذلك عند عامة أهل البلد لكون شهادتهم مردودة أو لكونهم لم يشهدوا به كان حكمهم حكم سائر المسلمين فكما لا يقفون ولا ينحرون ولا يصلون العيد إلا مع المسلمين فكذلك لا يصومون إلا مع المسلمين وهذا معنى قوله: [ صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون ]
ولهذا قال أحمد في روايته: يصوم مع الإمام وجماعة المسلمين في الصحو والغيم قال أحمد: يد الله على الجماعة وعلى هذا تفترق أحكام الشهر: هل هو شهر في حق أهل البلد كلهم؟ أو ليس شهرا في حقهم كلهم؟ يبين ذلك قوله تعالى:
{ فمن شهد منكم الشهر فليصمه }
فإنما أمر بالصوم من شهد الشهر والشهود لا يكون إلا لشهر اشتهر بين الناس حتى يتصور شهوده والغيبة عنه
وقول النبي ﷺ: [ إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا وصوموا من الوضح إلى الوضح ]
ونحو ذلك خطاب للجماعة لكن من كان في مكان ليس فيه غيره إذا رآه صامه فإنه ليس هناك غيره وعلى هذا فلو أفطر ثم تبين أنه رؤي في مكان آخر أو ثبت نصف النهار لم يجب عليه القضاء وهذا إحدى الروايتين عن أحمد فإنه إنما صار شهرا في حقهم من حين ظهر واشتهر ومن حينئذ وجب الإمساك كأهل عاشوراء: الذين أمروا بالصوم في أثناء اليوم ولم يؤمروا بالقضاء على الصحيح وحديث القضاء ضعيف والله أعلم
3 - 333 - وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن أهل مدينة رأى بعضهم هلال ذي الحجة ولم يثبت عند حاكم المدينة: فهل لهم أن يصوموا اليوم الذي في الظاهر التاسع وإن كان في الباطن العاشر؟
فأجاب: نعم يصومون التاسع في الظاهر المعروف عند الجماعة وإن كان في نفس الأمر يكون عاشرا ولو قدر ثبوت تلك الرؤية
فإن في السنن: عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: [ صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون ] أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه
وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: قال رسول الله ﷺ: [ الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضح الناس ] رواه الترمذي وعلى هذا العمل عند أئمة المسلمين كلهم
فإن الناس لو وقفوا بعرفة في اليوم العاشر خطأ أجزأهم الوقوف بالاتفاق وكان ذلك اليوم يوم عرفة في حقهم ولو وقفوا الثامن خطأ ففي الاجزاء نزاع والأظهر صحة الوقوف أيضا وهو أحد القولين في مذهب مالك ومذهب أحمد وغيره
قالت عائشة - رضي الله عنها - إنما عرفة اليوم الذي يعرفه الناس وأصل ذلك أن الله سبحانه وتعالى علق الحكم بالهلال والشهر فقال تعالى: { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } والهلال اسم لما يستهل به: أي يعلن به ويجهر به فإذا طلع في السماء ولم يعرفه الناس ويستهلوا لم يكن هلالا
وكذا الشهر مأخوذ من الشهرة فإن لم يشتهر بين الناس لم يكن الشهر قد دخل وإنما يغلط كثير من الناس في مثل هذه المسألة؟ لظنهم أنه طلع في السماء كان تلك الليلة أول الشهر سواء ظهر ذلك للناس واستهلوا به أولا وليس كذلك: بل ظهوره للناس واستهلالهم به لا بد منه: ولهذا قال النبي ﷺ: [ صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون ]
أي: هذا اليوم الذي تعلمون أنه وقت الصوم والفطر والأضحى فإذا لم تعلموه لم يترتب عليه حكم وصوم اليوم الذي يشك فيه: هل هو تاسع ذي الحجة؟ أوعاشر ذي الحجة؟ جائز بلا نزاع بين العلماء لأن الأصل عدم العاشر كما أنهم لو شكوا ليلة الثلاثين من رمضان؟ هل طلع الهلال؟ أم لم يطلع؟ فإنهم يصومون ذلك اليوم المشكوك فيه باتفاق الأئمة وإنما يوم الشك الذي رويت فيه الكراهة الشك في أول رمضان لأن الأصل بقاء شعبان
وإنما الذي يشتبه في هذا الباب مسألتان:
إحداهما: لو رأى هلال شوال وحده أو أخبره به جماعة يعلم صدقهم: هل يفطر؟ أم لا؟
والثانية: لو رأى هلال ذي الحجة أو أخبره جماعة يعلم صدقهم هل يكون في حقه يوم عرفة ويوم النحر هو التاسع والعاشر بحسب هذه الرؤية التي لم تشتهر عند الناس؟ أوهو التاسع والعاشر الذي اشتهر عند الناس؟
فأما المسألة الأولى: فالمنفرد برؤية هلال شوال لا يفطر علانية باتفاق العلماء إلا أن يكون له عذر يبيح الفطر كمرض وسفر وهل يفطر سرا على قولين للعلماء أصحهما لا يفطر سرا وهو مذهب مالك وأحمد في المشهور في مذهبهما
وفيهما قول أنه يفطر سرا كالمشهور في مذهب أبي حنيفة والشافعي وقد روى أن رجلين في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رأيا هلال شوال فأفطر أحدهما ولم يفطر الآخر فلما بلغ ذلك عمر قال: للذي أفطر لولا صاحبك لأوجعتك ضربا
والسبب في ذلك أن الفطر يوم يفطر الناس وهو يوم العيد والذي صامه المنفرد برؤية الهلال ليس هو يوم العيد الذي نهى النبي ﷺ عن صومه فإنه نهى عن صوم يوم الفطر ويوم النحر وقال: [ أما أحدهما فيوم فطركم من صومكم وأما الآخر فيوم تأكلون فيه من نسككم ]
فالذي نهى عن صومه هو اليوم الذي يفطره المسلمون وينسك فيه المسلمون
وهذا يظهر بالمسألة الثانية فإنه لو انفرد برؤية ذي الحجة لم يكن له أن يقف قبل الناس في اليوم الذي هو في الظاهر الثامن وإن كان بحسب رؤيته هو التاسع وهذا لأن في إنفراد الرجل في الوقوف والذبح من مخالفة الجماعة ما في إظهاره للفطر
وأما صوم يوم التاسع في حق من رأى الهلال أو أخبره ثقتان أنهما رأيا الهلال وهو العاشر بحسب ذلك ولم يثبت ذلك عند العامة وهو العاشر بحسب الرؤية الخفية فهذا يخرج على ما تقدم
فمن أمره بالصوم يوم الثلاثين الذي هو بحسب الرؤية الخفية من شوال ولم يأمره بالفطر سرا سوغ له صوم هذا اليوم واستحبه لأن هذا هو يوم عرفة كما أن ذلك من رمضان وهذا هو الصحيح الذي دلت عليه السنة والاعتبار
ومن أمره بالفطر سرا لرؤيته نهاه عن صوم هذا اليوم عند هذا القائل كهلال شوال الذي انفرد برؤيته
فإن قيل: قد يكون الإمام الذي فوض إليه إثبات الهلال مقصرا لرده شهادة العدول إما لتقصيره في البحث عن عدالتهم وإما رد شهادتهم لعداوة بينه وبينهم أو غير ذلك من الأسباب التي ليست بشرعية أو لاعتماده على قول المنجم الذي زعم أنه لا يرى
قيل: ما يثبت من الحكم لا يختلف الحال فيه بين الذي يؤتم به في رؤية الهلال مجتهدا مصيبا كان أو مخطئا أو مفرطا فإنه إذا لم يظهر الهلال ويشتهر بحيث يتحرى الناس فيه وقد ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ قال: في الأئمة: [ يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم ] فخطأه وتفريطه عليه لا على المسلمين الذين لم يفرطوا ولم يخطئوا
ولا ريب أنه ثبت بالسنة الصحيحة واتفاق الصحابة أنه لا يجوز الاعتماد على حساب النجوم كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: [ إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ]
والمعتمد على الحساب في الهلال كما أنه ضال في الشريعة مبتدع في الدين فهو مخطئ في العقل وعلم الحساب فإن العلماء بالهيئة يعرفون أن الرؤية لا تنضبط بأمر حسابي وإنما غاية الحساب منهم إذا عدل أن يعرف كم بين الهلال والشمس من درجة وقت الغروب مثلا لكن الرؤية ليست مضبوطة بدرجات محدودة فإنها تختلف باختلاف حدة النظر وكلاله وارتفاع المكان الذي يتراءى فيه الهلال وانخفاضه وباختلاف صفاء الجو وكدره وقد يراه بعض الناس لثمان درجات وآخر لا يراه لثنتي عشرة درجة ولهذا تنازع أهل الحساب في قوس الرؤية تنازعا مضطربا وأئمتهم: كبطليموس لم يتكلموا في ذلك بحرف لأن ذلك لا يقوم عليه دليل حسابي
وإنما يتكلم فيه بعض متأخريهم مثل كوشياز الديلمي وأمثاله لما رأوا الشريعة علقت الأحكام بالهلال فرأوا الحساب طريقا تنضبط فيه الرؤية وليست طريقة مستقيمة ولا معتدلة بل خطأها كثير وقد جرب وهم يختلفون كثيرا: هل يرى؟ أم لا يرى؟
وسبب ذلك: أنهم ضبطوا بالحساب ما لا يعلم بالحساب فأخطأوا طريق الصواب وقد بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع وبينت أن ما جاء به الشرع الصحيح هو الذي يوافقه العقل الصريح كما تكلمت على حد اليوم أيضا وبينت أنه لا ينضبط بالحساب لأن اليوم يظهر بسبب الأبخرة المتصاعدة فمن أراد أن يأخذ حصة العشاء من حصة الفجر إنما يصح كلامه لو كان الموجب لظهور النور وخفائه محاذاة الأفق التي تعلم بالحساب
فاما إذا كان للأبخرة في ذلك تأثير والبخار يكون في الشتاء والأرض الرطبة أكثر مما يكون في الصيف والأرض اليابسة وكان ذلك لا ينضبط بالحساب فسدت طريقة القياس الحسابي
ولهذا توجد حصة الفجر في زمان الشتاء أطول منها في زمان الصيف والآخذ بمجرد القياس الحسابي يشكل عليه ذلك لأن حصة الفجر عنده تتبع النهار وهذا أيضا مبسوط في موضعه والله سبحانه أعلم وصلى الله على محمد