الفتاوى الكبرى/كتاب الطلاق/6

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

568 - / 31 - مسألة: فيمن طلق امرأته ثلاثا وأفتاه مفت لأنه لم يقع الطلاق فقلده الزوج ووطئ زوجته بعد ذلك وأتت منه بولد فقيل: إنه ولد زنا؟

الجواب: من قال ذلك فهو في غاية الجهل والضلالة والمشاقة لله ورسوله فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه فيه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين سواء كان الناكح كافرا أو مسلما واليهودي إذا تزوج بنت أخيه كان ولده منه يلحقه نسبه ويرثه باتفاق المسلمين وإن كان ذلك النكاح باطلا باتفاق المسلمين ومن استحله كان كافرا تجب استتابته وكذلك المسلم الجاهل لو تزوج امرأة في عدتها كما يفعل جهال الأعراب ووطأها يعتقدها زوجة كان ولده منها يلحقه نسبه ويرثه باتفاق المسلمين ومثل هذا كثير

فإن ثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر بل الولد للفراش كما قال النبي : [ الولد للفراش وللعاهر الحجر ] فمن طلق امرأته ثلاثا ووطأها يعتقد أنه لم يقع به الطلاق: أما لجهله وإما لفتوى مفت مخطئ قلده الزوج وإما لغير ذلك فإنه يلحقه النسب ويتوارثان بالاتفاق بل ولا تحسب العدة إلا من حين ترك وطأها فإنه كان يطؤها يعتقد أنها زوجته فهي فراش له فلا تعتد منه حتى تترك الفراش

ومن نكح امرأة نكاحا فاسدا متفقا على فساده أو مختلفا في فساده أو ملكها ملكا فاسدا متفقا على فساده أو مختلفا في فساده أو وطأها يعتقدها زوجته الحرة أو أمته المملوكة: فإن ولده منها يلحقه نسبه ويتوارثان باتفاق المسلمين والولد أيضا يكون حرا وإن كان الموطؤة مملوكة للغير في نفس الأمر ووطئت بدون إذن سيدها لكن لما كان الواطئ مغرورا بها زوج بها وقيل: هي حرة أو بيعت فاشتراها يعتقدها ملكا للبائع فإنما وطئ من يعتقدها زوجته الحرة أو أمته المملوكة: فولده منها حر لاعتقاده وإن كان اعتقاده مخطئا وبهذا قضى الخلفاء الراشدون واتفق عليه أئمة المسلمين

فهؤلاء الذين وطئوا وجاءهم أولاد لو كانوا قد وطئوا في نكاح فاسد متفق على فساده وكان الطلاق وقع بهم باتفاق المسلمين وهم وطئوا يعتقدون أن النكاح باق لافتاء من أفتاهم أو لغير ذلك: كان نسب الأولاد بهم لاحقا ولم يكونوا أولاد زنا بل يتوارثون باتفاق المسلمين هذا في المجمع على فساده فكيف في المختلف في فساده؟ وإن كان القول الذي وطئ به قولا ضعيفا: كمن وطئ في نكاح المتعة أو نكاح المرأة نفسها بلا ولي ولا شهود فإن هذا إذا وطئ فيه يعتقده نكاحا لحقه فيه النسب فكيف بنكاح مختلف فيه وقد ظهرت حجة القول بصحته بالكتاب والسنة والقياس وظهر ضعف القول الذي يناقضه وعجز أهله عن نصرته بعد البحث التام لانتفاء الحجة الشرعية؟ !

فمن قال إن هذا النكاح أو مثله يكون فيه الولد ولد زنا [ لا ] يتوارثان هو وأبوه الوطئ: مخالف لاجماع المسلمين منسلخ من رتبة الدين فإن كان جاهلا عرف وبين له أن رسول الله وخلفاءه الراشدين وسائر أئمة الدين ألحقوا أولاد أهل الجاهلية بآبائهم وإن كانت محرمة بالاجماع ولم يشترطوا في لحوق النسب أن يكون النكاح جائزا في شرع المسلمين فإن أصر على مشاقة الرسول من أصر على مشاقة الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل فقد ظهر أن من أنكر الفتيا بأنه لا يقع الطلاق داعي الإجماع على وقوعه أو قال إن الولد ولد زنا هو المخالف لاجماغ المسلمين مخالف لكتاب الله وسنة رسول رب العالمين وأن المفتي بذلك أو القاضي بذلك لا يسوغ له بإجماع المسلمين وليس لأحد المنع من الفتيا بقوله ولا القضاء بذلك ولا الحكم بالمنع من ذلك باتفاق المسلمين والأحكام باطلة بإجماع المسلمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

32 - 569 - مسألة: في رجل مسك وضرب وسجنوه وغصبوه على طلاق زوجته فطلقها طلقة واحدة وراحت وهي حاملة منه؟

الجواب: الحمد لله هذا الطلاق لا يقع وأما نكاحها وهي حامل من الزوج الأول فهو نكاح باطل بإجماغ المسلمين: ولو كان الطلاق قد وقع فكيف إذا لم يكن قد وقع؟ ! ويعزر من أكرهه على الطلاق ومن تولى هذا النكاح المحرم الباطل ويجب التفريق بينهما حتى تقضي العدة من الأول بالوضع والعدة من الثاني فيها خلاف إن كان يعلم أن النكاح محرم فالصحيح أنه لا بد من ذلك وأما إن كان يعتقد صحة النكاح فلا بد أن تعتد من وطء الثاني

33 - 570 - مسألة: في رجل قال لزوجته وهو ساكن بها في منزل سكنها: إن قعدت عندكم فأنت طالق وإن سكنت عندكم فأنت طالق ثم قال أيضا: أنت علي حرام ثم انتقل بنفسه ومتاعه دون زوجته إلى مكان آخر وعادت زوجته إلى مكانها الأول فإذا عاد وقعد عند زوجته يقع عليه طلقة واحدة؟ أم طلقتان؟ وهل السكن هو القعود؟ أو بينهما عموم وخصوص؟ وإذا لم ينو بالحرام الطلاق: هل يقع عليه كما لو نوى؟ وهل إذا كان مذهب تزول به هذه الصورة مخالفا لمذهبه هل يجوز له التقليد أم لا؟

الجواب: الحمد لله أما قوله: إن قعدت عندكم وإن سكنت عندكم فإن كان نية الحالف بالقعود إذا انتقض سبب تلك الحال بمنزلة من دعي إلى غداء فحلف أنه لا يتغدى فإن سبب اليمين أنه أراد بذلك الغداء المعين ولهذا كان الصحيح أنه لا يحنث بغداء غير ذلك وهكذا إذا كان قد زار هو وامرأته قوما فرأى من الأحوال ما كره أن تقيم تلك المرأة عندهم فحلف أنه لا يقيم ولا يسكن وقصد على تلك الحال أو كان سبب اليمين يدل على ذلك

وأما إن كان قد نوى العموم بحيث قصد أنه لا يقعد عندهم ولا يساكنهم بحال فإنه لا يحنث بالقعود وإن أطلق اليمين ففيه نزاع مشهور بين العلماء وحيث يحنث بالقعود فإنه إذا كان القعود الذي قصده هو السكنى لم يحنث بأكثر من طلقة إلا أن يقصد أكثر من ذلك كما لو كرر اليمين بالله على فعل واحد لم يلزمه إلا كفارة واحدة على الصحيح

وإن كان القعود داخلا في ضمن السكنى - كما هو ظاهر اللفظ المطلق - فهذه المسألة تداخل الصفات كما لو قال: إن أكلت تفاحة واحدة فقد قيل: تقع طلقتان لوجود الصفتين وقيل: لا يقع إلا طلقة واحدة أيضا هو أقوى فإن المفهوم من هذا الكلام أنك طالق سواء أكلت تفاحة كاملة أو نصفها وكذلك إذا قال: إن قعدت فالعقود لفظ مشترك يراد به السكنى مشتملا على العقود ويكون أولا حلف أنه لا يقعد ثم حلف على ما هو أعم من ذلك وهو السكنى فإذا سكن كان الأول بعض الثاني فلا يقع أكثر من طلقة إذا قيل بوقوع الطلاق عليه على أقوى القولين

وأما قوله: أنت علي حرام فإن حلف أن لا يفعل شيئا ففعله: فعليه كفارة يمين وإن لم يحلف بل حرمها تحريما فهذا عليه كفارة ظهار ولا يقع به طلاق في الصورتين وهذا قول جمهور أهل العلم من أصحاب رسول الله وأئمة المسلمين: يقولون: إن الحرام لا يقع به طلاق إذا لم ينوه كما روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم وإن كان من متأخري اتباع بعض الأئمة من زعم أن هذا اللفظ قد صار بحكم العرف صريحا في الطلاق: فهذا ليس من قول هؤلاء الأئمة المتبوعين

وقد كانوا في أول الإسلام يرون لفظ الظهار صريحا في الطلاق وهو قوله: أنت علي كظهر أمي حتى تظاهر أوس بن الصامت من امرأته المجادلة التي ثبت حكمها فيما أنزل الله { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله } وأفتاها النبي أولا بالطلاق حتى نسخ الله ذلك وجعل الظهار موجبا للكفارة ولو نوى به الطلاق

والحرام نظير الظهار لأن ذلك تشبيه لها بالمحرمة وهذا نطق بالتحريم وكلاهما منكر من القول وزور فقد دل كتاب الله على أن تحريم الحلال يمين بقوله: { لم تحرم ما أحل الله لك } إلى قوله: { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } مع أن هذا ليس موضع بسط ذلك

وأما تقليد المستفتي للمفتي فالذي عليه الأئمة الأربعة وسائر أئمة العلم أنه ليس على أحد ولا شرع له التزام قول شخص معين في كل ما يوجبه ويحرمه ويبيحه إلا رسول الله لكن منهم من يقول: على المستفتي أن يقلد الأعلم الأروع ممن يمكنه استفتاؤه ومن هم من يقول: بل يخير بين المفتين [ و] إذا كان له نوع تمييز فقد قيل: يتبع أي القولين أرجح عنده بحسب تمييزه فإن هذا أولى من التخيير المطلق وقيل: لا يجتهد إلا إذا صار من أهل الاجتهاد والأول أشبه فإذا ترجح عند المستفتي أحد القولين: إما لرجحان دليله بحسب تمييزه وأما لكون قائله أعلم وأروع فله ذلك وإن خالف قوله المذهب

571 - 34 - مسألة: في رجل تخاصما هو وامرأته وأنجرح منها فقال: الطلاق يلزمني منك ثلاثا: إن قلت طلقني طلقتك فسكتت ثم قالت لأمها: أي شيء يقول؟ قالت أمها: يقول كذا قولي له: طلقني ثم قالت المرأة: طلقني فهل يقع طلاق بواحدة أو بثلاث؟ أو لا يقع؟

الجواب: الحمد لله: إذا لم ينو بقوله: إذا قلت طلقني طلقتك أنه طلقها في المجلس بل يطلقها عند الشهود وأما إذا لم ينو شيئا لم يحنث إذا افترقا من غير طلاق لكن يطلقها بعد ذلك الطلاق الذي قصد بيمينه وأما إذا لم يقصد أن يطلقها ثلاثا ولا اثنتين أجزأ أن يطلقها طلقة واحدة هذا إن كان مقصوده إجابة سؤالها مطلقا

وأما إذا قصد إجابة سؤالها إذا كانت طالبة للطلاق فإذا رجعت وقالت: لا أريد الطلاق: لم يكن عليه شيء إذا لم يطلقها والله أعلم

35 - 572 - مسألة: في رجل متزوج لامرأتين فاختارت إحداهن الطلاق فحلف بالطلاق من الإثنتين أنه يطلقها ولا يوكل عنه في طلاقها ثم حدث عرس لها فنكحت عليه فحلف بالطلاق لا تروحي فقالت نزلني طلقة فإن نزلها طلقة يقع عليه الطلاق الثلاث؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين متى طلقها الطلاق الذي حلف أنه لا يفعله وقع به الطلاق الذي حلف عليه وحنث أيضا في الطلاق الذي حلف به والله أعلم

37 - 574 - مسألة: في رجل قال لامرأته: هذا ابن زوجك لا يدخل لي بيتا فإنه ابني ربيته فلما اشتكاه لأبيه قال للزوج: إن أبرأتك امرأتك تطلقها؟ قال: نعم فأتى بها فقال لها الزوج: إن أبرأتيني من كتابك ومن الحجة التي لك علي: فأنت

طالق؟ قالت: نعم وانفصلا وطلع الزوج إلى بيت جيرانه فقال: هي طالق ثلاثا ونزل إلى الشهود فسألوه كم طلقت؟ قال: ثلاثا على ما صدر منه: فهل يقع عليه الطلاق الثلاث؟

الجواب: الحمد لله إذا كان ابراؤها على ما دل عليه سياق الكلام ليس مطلقا بل بشرط أن يطلقها بانت منه ولم يقع بها بعد هذا طلاق والشرط المتقدم على العقد كالشرط المقارن والشرط العرفي كاللفظي وقول هذا الذي من جهتها له: إن جاءت زوجتك وأبرأتك تطلقها؟ وقوله: اشتراط عليه أنه يطلقها إذا أبرأته ومجيئه بها بعد ذلك وقوله: أنت إن أبرأتيني قالت: نعم متنزل على ذلك وهو أنه إذا أبرأته يطلقها: بحيث لو قالت: أبرأته وامتنع لم يصح الابراء فإن هذا إيجاب وقبول في العرف لما تقدم من الشروط ودلالة الحال والتقدير أبرأتك بشرط أن تطلقني

38 - 575 - مسألة: في رجل قال لصهره: إن جئت لي بكتابي وابرأتني منه فبنتك طالق ثلاثا فجاء له بكتاب غير كتابه فقطعه الزوج ولم يعلم هل هو كتابه أم لا؟

فقال أبو الزوجة: اشهدوا عليه أن بنتي تحت حجري واشهدوا علي أني أبرأته من كتابها ولم يبين ما في الكتاب ثم إنه مكث ساعة وجاء أبو الزوجة بحضور الشهود وقال له: أي شيء قلت يا زوج؟ فقال الزوج اشهدوا علي أن بنت هذا طالق ثلاثا ثم إن الزوج ادعى أن هذا الطلاق الصريح بناء على أن الابراء الأول صحيح: فهل يقع؟ أم لا؟

الجواب: قوله الأول معلق على الابراء فإن لم يبره لم يقع الطلاق وأما قوله الثاني فهو إقرار منه بناء على أن الأول قد وقع فإن كان الأول لم يقع فإنه لم يقع بالثاني شيء

576 - 39 - مسألة: في رجل تخاصم مع زوجته وهي معه بطلقة واحدة فقالت له: طلقني فقال: إن أبرأتيني فأنت طالق فقالت: أبرأك الله مما يدعي النساء على الرجال فقال لها: أنت طالق وظن أنه يبرأ من الحقوق وهو شافعي المذهب؟

الجواب: نعم هو بريء مما تدعي النساء على الرجال إذا كانت رشيدة

577 - 40 - مسألة: في رجل تزوج امرأة وأقامت في صحبته خمسة عشر يوما ثم طلقها الطلاق البائن وتزوجت بعده بزوج آخر بعد اخبارها بانقضاء العدة من الأول ثم طلقها الزوج الثاني بعد مدة ست سنين وجاءت بابنة وادعت أنها من الزوج الأول: فهل يصح دعواها ويلزم الزوج الأول ولم يثبت أنها ولدت البنت وهذا الزوج والمرأة مقيمان ببلد واحد وليس لها مانع من دعوى النساء ولا طالبته بنفقة ولا فرض؟

الجواب: الحمد لله لا يلحق هذا الولد الذي هو البنت بمهجرد دعواها والحالة هذه باتفاق الأئمة بل لو ادعت أنها ولدته في حال يلحق به نسبه إذا ولدته وكانت مطلقة وأنكر هو أن تكون ولدته لم تقبل في دعوى الولادة بلا نزاع حتى تقيم بذلك بينة ويكفي امرأة واحدة: عند أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه وعند مالك وأحمد في الرواية الأخرى لا بد من امرأتين وأما الشافعي فيحتاج عنده إلى أربع نسوة ويكفي يمينه أنه لا يعلم أنها ولدته

وأما إن كانت الزوجية قائمة ففيها قولان في مذهب أحمد:

أحدهما: لا يقبل قولها كمذهب الشافعي

والثاني: يقبل كمذهب مالك

وأما إذا انقضت عدتها ومضى لها أكثر الحمل ثم ادعت وجود حمل من الزوج الأول المطلق: فهذه لا يقبل قولها بلا نزاع بل لو أخبرت لانقضاء عدتها ثم أتت بولد لستة أشهر فصاعدا ولدون مدة الحمل: فهل يلحقه؟ على قولين مشهورين لأهل العلم ومذهب أبي حنيفة وأحمد أنه يلحق وهذا اختيار ابن سريج من أصحاب الشافعي لكن المشهور من مذهب الشافعي ومالك أنه لا يلحقه

وهذا النزاع إذا لم تتزوج فأما إذا تزوجت بعد اخبارها بانقصاء عدتها ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر فإن هذا لا يلحق نسبه بالأول قولا واحدا فإذا عرفت مذهب الأئمة في هذين الأصلين فكيف يلحقه نسبه بدعواها بعد ست سنين ولو قالت ولدته ذلك الزمن قبل أن يطلقني لم يقبل قولها أيضا بل القول قوله مع يمينه أنها لم تلدها على فراشه

ولو قالت هي: وضعت هذا الحمل قبل أن أتزوج بالثاني وأنكر الزوج الأول ذلك: فالقول قوله أيضا أنها لم تضعها قبل تزوجها بالثاني لا سيما مع تأخر دعواها إلى أن تزوجت الثاني فإن هذا مما يدل على كذبها في دعواها لا سيما على أصل مالك في تأخر الدعوى الممكنة بغير عذر في هذه المسائل ونحوها

578 - 41 - مسألة: في امرأة مبغضة لزوجها طلبت الانخلاع منه وقالت له: إن لم تفارقني وإلا قتلت نفسي فأكرهه الولي على الفرقة وتزوجت غيره وقد طلبها الأول وقال: انه فارقها مكرها وهي لا تريد إلا الثاني؟

الجواب: إن كان الزوج الأول أكره على الفرقة بحق: مثل أن يكون مقصرا في واجباتها أو مضرا لها بغير حق من قول أو فعل كانت الفرقة صحيحة والنكاح الثاني صحيحا وهي زوجة الثاني وإن كان أكره بالضرب أو الحبس وهو محسن لعشرتها حتى فارقها لم تقع الفرقة بل إذا أبغضته وهو محسن إليها فإنه يطلب منه الفرقة من غير أن يلزم بذلك فإن فعل وإلا أمرت المرأة بالصبر عليه إذا لم يكن ما يبيح الفسخ

42 - 579 - مسألة: ما هو الخلع الذي جاء به الكتاب والسنة؟

الجواب: الخلع الذي جاء به الكتاب والسنة: أن تكون المرأة كارهة للزوج تريد فراقه فتعطيه الصداق أو بعضه فداء نفسها كما يفتدي الأسير وأما إذا كان كل منهما مريدا لصاحبه فهذا الخلع محدث في الإسلام

43 - 580 - مسألة: في رجل تزوج امرأة من مدة إحدى عشرة سنة وأحسنت العشرة معه وفي هذا الزمان تأبى العشرة معه وتناشزه فما يجب عليها؟

الجواب: لا يحل لها أن تنشز عليه ولا تمنع نفسها فقد قال النبي : [ ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى تصبح ] فإذا أصرت على النشوز فله أن يضربها وإذا كانت المرأة لا تقوم بما يجب للرجل عليها فليس عليه أن يطلقها ويعطيها الصداق بل هي التي تفتدي نفسها منه فتبذل صداقها ليفارقها كما أمر النبي لامرأة ثابت بن قيس بن شماس أن يعطى صداقها فيفارقها وإذا كان معسرا بالصداق لم تجز مطالبته بإجماع المسلمين

44 - 581 - مسألة: في رجل خاصم زوجته وضربها فقالت له: طلقني فقال: أنت علي حرام فهل تحرم عليه أم لا؟ وما يجب عليه إذا منعته من نفسها إذا طلبها؟

الجواب: الحمد لله لا يحل لها النشوز عنه ولا تمنع نفسها منه بل إذا امتنعت منه وأصرت على ذلك فله أن يضربها ضربا غير مبرح ولا تستحق نفقة ولا قسما

وأما قوله: أنت علي حرام ففيه قولان للعلماء: قيل: عليه كفارة الظهار إذا أمكنته من نفسها وقيل: لا شيء عليه ولا خلاف بين العلماء أنه يجب عليها أن تمكنه والله أعلم

45 - 582 - مسألة: في رجل له امرأة كساها كسوة مثمنة: مثل مصاغ وحلي وقلائد وما أشبه ذلك خارجا عن كسوة القيمة وطلبت منه المخالعة وعليه مال كثير مستحق لها عليه وطلب حلية منها ليستعين به على حقها أو على غير حقها فأنكرته ويعلم أنها تحلف وتأخذ الذي ذكره عندها والثمن يلزمه ولم يكن له بينة عليها؟

الجواب: إن كان قد أعطاها ذلك الزائد عن الواجب على وجه التمليك لها فقد ملكت وليس له إذا طلقها هو ابتداء أن يطالبها بذلك لكن إن كانت الكارهة لصحبته وأرادت الاختلاع منه فلتعطه ما أعطاها من ذلك ومن الصداق الذي ساقه إليها والباقي في ذمته ليخلعها كما مضت سنة رسول الله في امرأة ثابت بن قيس بن شماس حيث أمرها برد ما أعطاها

وإن كان قد أعطاها لتتجمل به كما يركبها دابته ويحذيها غلامه ونحو ذلك لا على وجه التمليك للعين: فهو باق على ملكه فله أن يرجع فيه متى شاء سواء طلقها أو لم يطلقها وإن تنازعا هل أعطاها على وجه التمليك؟ أو على وجه الإباحة؟ ولم يكن هناك عرف يقضي به: فالقول قوله مع يمينه أنه لم يملكها ذلك وإن تنازعا هل أعطاها شيئا أو لم يعطها ولم يكن حجة يقضي له بها لا شاهد واحد ولا إقرار ولا غير ذلك: فالقول قولها مع يمينها أنه لم يعطها

583 - 46 - مسألة: في رجل قالت له زوجته: طلقني وأنا أبرأتك من جميع حقوقي عليك وآخذ البنت بكفايتها يكون لها عليك مائة درهم كل يوم سدس درهم وشهد العدول بذلك فطلقها على ذلك بحكم الابراء أو الكفالة: فهل لها أن تطالبه بفرض البنت بعد ذلك؟ أم لا؟

الجواب: إذا خالعها على أن تبرئه من حقوقها وتأخذ الولد بكفالتها ولا تطالبه بنفقة صح ذلك عند جماهير العلماء: كمالك وأحمد في المشهور من مذهبه وغيرهما فإنه عند الجمهور يصح الخلع بالمعدوم الذي ينتظر وجوده كما تحمل أمتها وشجرها وأما نفقة حملها ورضاع ولدها ونفقته فقد انعقد سبب وجوده وجوازه وكذلك إذا قالت له: طلقني وأنا أبرأتك من حقوقي وأنا آخذ الولد بكفالته وأنا ابرأتك من نفقته ونحو ذلك مما يدل على المقصود

وإذا خالع بينهما على ذلك من يرى صحة مثل هذا الخلع - كالحاكم المالكي - لم يجز لغيره أن ينقضه وإن رآه فاسدا ولا يجوز له أن يفرض له عليه بعد هذا نفقة للولد فإن فعل الحاكم الأول كذلك حكم في أصح قولي العلماء والحاكم من متى عقد عقدا ساغ فيه الاجتهاد أو فسخ فسخا جاز فيه الاجتهاد: لم يكن لغيره نقضه

47 - 584 - مسألة: في رجل له زوجة وهي ناشز تمنعه نفسها: فهل تسقط نفقتها وكسوتها وما يجب عليها؟

الجواب: الحمد لله تسقط نفقتها وكسوتها إذا لم تمكنه من نفسها وله أن يضربها إذا أصرت على النشوز ولا يحل لها أن تمنع من ذلك إذا طالبها به بل هي عاصية لله ورسوله وفي الصحيح: [ إذا طلب الرجل المرأة إلى فراشه فأبت عليه كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى تصبح ]

48 - 585 - مسألة: في رجل له امرأة وقد نشزت عنه في بيت أبيها من مدة ثمانية شهور ولم ينتفع بها؟

الجواب: إذا نشزت عنه فلا نفقة لها وله أن يضربها إذا نشزت أو آذته أو اعتدت عليه

49 - 586 - مسألة: في رجل تزوج امرأة وكتب كتابها ودفع لها الحال بكماله وبقي المقسط من ذلك ولم تستحق عليه شيء وطلبها للدخول فامتنعت ولها خالة تمنعها فهل تجبر على الدخول ويلزم خالتها المذكورة تسليمها إليه؟

الجواب: ليس لها أن تمتنع من تسليم نفسها والحال هذه باتفاق الأئمة ولا لخالتها ولا غير خالتها أن يمنعها بل تعزر الخالة على منعها من فعل ما أوجب الله عليه وتجبر المرأة على تسليم نفسها للزوج

50 - 587 - مسألة: في قوله تعالى: { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن } وفي قوله تعالى: { وإذا قيل انشزوا فانشزوا } إلى قوله تعالى: { والله بما تعملون خبير } يبين لنا شيخنا هذا النشوز من ذاك؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين النشوز في قوله تعالى: { تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع } هو: أن تنشز عن زوجها فتنفرعنه بحيث لا تطيعه إذا دعاها للفراش أو تخرج من منزله بغير إذنه ونحو ذلك مما فيه امتناع عما يجب عليها من طاعته

وأما النشوز في قوله تعالى: { إذا قيل انشزوا فانشزوا } فهو النهوض والقيام والارتفاع وأصل هذه المادة هو الارتفاع والغلظ ومنه النشز من الأرض وهو المكان المرتفع الغليظ ومنه قوله تعالى: { وانظر إلى العظام كيف ننشزها } أي نرفع بعضها إلى بعض ومن قرأ ننشرها أراد نحييها فسمى المرأة العاصية ناشزا لما فيها من الغلظ والارتفاع عن طاعة زوجها وسمي نشوزا لأن القاعد يرتفع من الأرض والله أعلم

51 - 588 - مسألة: في رجل شافعي المذهب بانت منه زوجته بالطلاق الثلاث ثم تزوجت بعده وبانت من الزوج الثاني ثم أرادت صلح زوجها الأول لأن لها منه أولادا فقال لها: إنني لست قادرا على النفقة وعاجز عن الكسوة فأبت ذلك فقال لها: كلما حللت لي حرمت علي فهل تحرم عليه؟ وهل يجوز ذلك؟

الجواب: الحمد لله لا تحرم عليه بذلك لكن فيها قولان:

أحدهما: إن له أن يتزوجها ولا شيىء عليه

والثاني: عليه كفارة إما كفارة ظهار في قول وإما كفارة يمين في قول آخر وكذلك مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما إن له أن يتزوجها ولا يقع به طلاق لكن في التكفير نزاع وإنما يقول بوقوغ الطلاق بمثل هذه من يجوز تعليق الطلاق على النكاح كأبي حنيفة ومالك بشرط أن يرى الحرام طلاقا كقول مالك وإذا نواه كقول أبي حنيفة وأما الشافعي وأحمد فعندهما لو قال: كلما تزوجتك فأنت طالق لم يقع به الطلاق فكيف في الحرام؟ لكن أحمد يجوز عليه في المشهور عنه تصحيح الظهار قبل الملك بخلاف الشافعي والله أعلم

52 - 589 - مسألة: في رجل حنق من زوجته فقال: إن بقيت أنكحك أنكح أمي تحت ستور الكعبة هل يجوز أن يصالحها؟

الجواب: الحمد لله إذا أنكحها فعليه كفارة الظهار: عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ولا يمسها حتى يكفر

53 - 590 - مسألة: في رجلين قال أحدهما لصاحبه: يا أخي ! لا تفعل هذه الأمور بين يدي امرأتك قبيح عليك فقال: ما هي إلا مثل أمي فقال: لأي شيء قلت؟ ! سمعت أنها تحرم بهذا اللفظ ثم كرر على نفسه وقال: أي والله هي عندي مثل أمي: هل تحرم على الزوج بهذا اللفظ؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين إن أراد بقوله: إنها مثل أمي أنها تستر علي ولا تهتكني ولا تلومني كما تفعل الأم مع ولدها فإنه يؤدب على هذا القول ولا تحرم عليه امرأته فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع رجلا يقول لامرأته: يا أختي ! فأدبه - وإن كان جاهلا لم يؤدب على ذلك وإن استحق العقوبة على ما فعله من المنكر - وقال أختك هي؟ ! فلا ينبغي أن يجعل الإنسان امرأته كأمه

وإن أراد بها عندي مثل أمي أي في الامتناع عن وطئها والاستمتاع بها ونحو ذلك مما يحرم من الأم فهي مثل أمي التي ليست محلا للاستمتاع بها: فهذا مظاهر يجب عليه ما يجب على المظاهر فلا يحل له أن يطأها حتى يكفر كفارة الظهار فيعتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا وإذا فعل ذلك حل له ذلك باتفاق المسلمين إلا ينوي أنها محرمة علي كأمي: فهذا يكون مظاهرا في مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وحكي في مذهب مالك نزاع في ذلك: هل يقع به الثلاث أم لا؟

والصواب المقطوع به أنه لا يقع به طلاق ولا يحل له الوطء حتى يكفر باتفاقهم ولا يقع به الطلاق بذلك والله أعلم

54 - 591 - مسألة: في رجل تزوج وأراد الدخول الليلة الفلانية وإلا كانت عندي مثل أمي وأختي ولم تتهيأ له ذلك الوقت الذي طلبها فيه: فهل يقع طلاق؟

الجواب: لا يقع عليه طلاق في المذاهب الأربعة لكن يكون مظاهرا فإذا أراد الدخول فإنه يكفر قبل ذلك الكفارة التي ذكرها الله في سورة المجادلة فيعتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا

55 - 592 - مسألة: في رجل قال في غيظه لزوجته: أنت علي حرام مثل أمي

الجواب: هذا مظاهر من امرأته داخل في قوله: { الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور * والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا }

فهذا إذا أراد إمساك زوجته ووطأها فإنه لا يقربها حتى يكفر هذه الكفارة التي ذكرها الله

56 - 593 - مسألة: في رجل قالت له زوجته: أنت علي حرام مثل أبي وأمي وقال لها: أنت علي حرام مثل أمي وأختي: فهل يجب عليه طلاق؟

الجواب: لا طلاق بذلك ولكن إن استمر على النكاح فعلى كل منهما كفارة ظهار قبل أن يجتمعا وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا

594 - / 57 - مسألة: في رجل قال لامرأته بائن عنه أن رددتك تكوني مثل أمي وأختي: هل يجوز أن يردها؟ وما الذي يجب عليه؟

الجواب: في أحد قولي العلماء عليه كفارة ظهار وإذا ردها في الآخر لا شيء والأول أحوط

594 - / مكرر 57 - مسألة: في رجل قال لامرأته: أنت علي مثل أمي وأختي؟

الجواب: إن كان مقصوده أنت علي مثل أمي وأختي في الكرامة فلا شيء عليه وإن كان مقصوده يشبهها بأمه وأخته في باب النكاح فهذا ظهار عليه ما على المظاهر فإذا أمسكها فلا يقربها حتى يكفر كفارة ظهار

الفتاوى الكبرى لابن تيمية
كتاب السنة والبدعة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطهارة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | كتاب الصلاة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | كتاب الذكر والدعاء | 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب الصيام: 1 | 2 | 3 | كتاب الجنائز: 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب النكاح: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطلاق: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | | كتاب النفقات | كتاب الحدود: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الجهاد: 1 | 2 | كتاب البيوع: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الشهادة والأقضية والأموال: 1 | 2 | كتاب الوقف: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | كتاب الوصايا | كتاب الفرائض | كتاب الفضائل: 1 | 2 | كتاب الملاهي | مسائل منثورة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | كتاب الطهارة2 | كتاب الصلاة2: 1 | 2 | كتاب الجنائز2 | كتاب الزكاة2 | كتاب الصوم2 | كتاب الحج | كتاب البيع: 1 | 2 | كتاب الوصية | كتاب الفرائض | كتاب العتق | كتاب النكاح2: 1 | 2 | كتاب الخلع | كتاب الطلاق2 | كتاب الرجعة | كتاب الظهار | كتاب الجنايات | كتاب الأطعمة | كتاب الأيمان | باب القضاء | كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل | كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة: 1 |2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16