الفتاوى الكبرى/كتاب الصلاة/10
157 - / 73 - مسألة: هل من يلحن في الفاتحة تصح صلاته أم لا؟
الجواب: أما اللحن في الفاتحة الذي لا يحيل المعنى فتصح صلاة صاحبه إماما أو منفردا مثل أن يقول: {رب العالمين} و{الضالين} ونحو ذلك.
وأما ما قرئ به مثل: الحمد لله رب ورب ورب ومثل الحمد لله والحمد لله بضم اللام أو بكسر الدال ومثل عليهم وعليهم وعليهم وأمثال ذلك فهذا لا يعد لحنا.
وأما اللحن الذي يحيل المعنى: إذا علم صاحبه معناه مثل أن يقول: {صراط الذين أنعمت عليهم } وهو يعلم أن هذا ضمير المتكلم لا تصح صلاته، وإن لم يعلم أنه يحيل المعنى واعتقد أن هذا ضمير المخاطب ففيه نزاع والله أعلم.
158 - / 74 - مسألة: فيمن يقرأ القرآن وما عنده أحد يسأله عن اللحن الخ؟ وإذا وقف على شيء يطلع في المصحف هل يلحقه إثم أم لا؟
الجواب: إن احتاج إلى قراءة القرآن قرأه بحسب الإمكان ورجع إلى المصحف فيما يشكل عليه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولا يترك ما يحتاج إليه وينتهي به من القراءة لأجل ما يعرض من الغلط أحيانا إذا لم يكن فيه مفسدة راجحة والله أعلم
159 - / 75 - مسألة: فيما إذا نصب المخفوض في صلاته؟
الجواب: إن كان عالما بطلت صلاته لأنه متلاعب في صلاته وإن كان جاهلا لم تبطل على أحد الوجهين
160 - / 76 - مسألة: في رجل يصلي بقوم وهو يقرأ بقراءة الشيخ أبي عمرو فهل إذا قرأ لروش أو لنافع باختلاف الروايات مع حمله قراءته لأبي عمرو يأثم أو تنقص صلاته أو ترد؟
الجواب: يجوز أن يقرأ بعض القرآن بحرف أبي عمرو وبعضه بحرف نافع وسواء كان ذلك في ركعة أو ركعتين وسواء كان خارج الصلاة أو داخلها والله أعلم.
161 - / 77 - مسألة: هل روي عن النبي ﷺ أنه صلى بالأعراف أو بالأنعام جميعا في المغرب أو في صلاة غيرها وإن كان قد رواه أحمد هل هو صحيح أم لا؟
الجواب: الحمد لله نعم ثبت في الصحيح: أنه صلى في المغرب بالأعراف ولكن لم يكن يداوم على ذلك ومرة أخرى قرأ فيها بالمرسلات ومرة أخرى قرأ فيها بالطور وهذا كله في الصحيح والله أعلم
162 - / 78 - مسألة: في رفع الأيدي بعد الركوع هل يبطل الصلاة؟ أم لا؟
الجواب: الحمد لله لا يبطل الصلاة باتفاق الأئمة بل أكثر أئمة المسلمين يستحبون هذا كما استفاضت به السنة عن النبي ﷺ من حديث ابن عمر ومالك بن الحويرث ووائل بن حجر وأبي حميد الساعدي وأبي قتادة الأنصاري في عشرة من الصحابة وحديث علي وأبي هريرة وغيرهم
وهو مستحب عند جمهور العلماء وهو مذهب الشافعي وأحمد ومالك في إحدى الروايتين عنه وأبو حنيفة قال: إنه لا يستحب ولم يقل: إنه يبطل صلاته والله أعلم
163 - / 79 - سئل: إذا أراد إنسان أن يسجد في الصلاة يتأخر خطوتين: هل يكره ذلك أم لا؟
الجواب: وأما التأخر حين السجود فليس بسنة ولا ينبغي فعل ذلك إلا إذا كان الموضع ضيقا فيتأخر ليتمكن من السجود
164 - / 80 - مسألة: في الصلاة واتقاء الأرض بوضع ركبتيه قبل يديه أو يديه قبل ركبتيه؟
الجواب: أما الصلاة بكليهما فجائزة باتفاق العلماء إن شاء المصلي يضع ركبتيه قبل يديه وإن شاء وضع يديه ثم ركبتيه وصلاته صحيحة في الحالتين باتفاق العلماء ولكن تنازعوا في الأفضل.
فقيل: الأول كما هو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين
وقيل: الثاني كما هو مذهب مالك وأحمد في الرواية الأخرى وقد روي بكل منهما حديث في السنن عن النبي ﷺ ففي السنن عنه: [ أنه كان إذا صلى وضع ركبتيه ثم يديه وإذا رفع رفع يديه ثم ركبتيه ] وفي سنن أبي داود وغيره أنه قال: [ إذا سجد أحدكم فلا يبرك بروك الجمل ولكن يضع يديه ثم ركبتيه ] وقد روي ضد ذلك وقيل: إنه منسوخ والله أعلم
165 - / 81 - مسألة: فيما يروى عن النبي ﷺ أنه قال: [ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكف لي ثوبا ولا شعرا - وفي رواية - وأن لا أكفت لي ثوبا ولا شعرا ] فما هو الكف؟ وما هو الكفت؟ وهل ضفر الشعر من الكفت؟
الجواب: الكفت: الجمع والضم والكف: قريب منه وهو منع الشعر والثوب من السجود وينهى الرجل أن يصلي وشعره مغروز في رأسه أو معقوص.
وفيه عن النبي ﷺ: [ مثل الذي يصلي وهو معقوص كمثل الذي يصلي وهو مكتوف ] لأن المكتوف لا يسجد ثوبه والمعقوص لا يسجد شعره وأما الضفر مع إرساله فليس من الكفت والله أعلم
166 - / 82 - مسألة: في رجل يصلي مأموما ويجلس بين الركعات جلسة الاستراحة ولم يفعل ذلك الإمام فهل يجوز ذلك له؟ وإذا جاز: هل يكون منقصا لأجره لأجل كونه لم يتابع الإمام في سرعة الإمام؟
الجواب: جلسة الاستراحة قد ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ جلسها لكن تردد العلماء هل فعل ذلك من كبر السن للحاجة أو فعل ذلك لأنه من سنة الصلاة
فمن قال بالثاني: استحبها كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين
ومن قال بالأول: لم يستحبها إلا عند الحاجة كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى ومن فعلها لم ينكر عليه وإن كان مأموما لكون التأخر بمقدار ما ليس هو من التخلف المنهى عنه عند من يقول باستحبابها وهل هذا إلا فعل في محل اجتهاد فإنه قد تعارض فعل هذه السنة عنده والمبادرة إلى موافقة الإمام فإن ذلك أولى من التخلف لكنه يسير فصار مثل ما إذا قام من التشهد الأول قبل أن يكمله المأموم والمأموم يرى أنه مستحب أو مثل أن يسلم وقد بقي عليه يسير من الدعاء هل يسلم أو يتمه؟
ومثل هذه المسائل هي من مسائل الاجتهاد والأقوى أن متابعة الإمام أولى من التخلف لفعل مستحب والله أعلم
167 - / 83 - مسألة: في رفع اليدين بعد القيام من الجلسة بعد الركعتين الأوليين: هل هو مندوب إليه؟ وهل فعله النبي ﷺ؟ أو أحد من الصحابة؟
فأجاب: نعم ! هو مندوب إليه عند محققي العلماء العالمين بسنة رسول الله ﷺ وهو إحدى الروايتين عن أحمد وقول طائفة من أصحابه وأصحاب الشافعي وغيرهم وقد ثبت ذلك عن النبي ﷺ في الصحاح والسنن ففي البخاري وسنن أبي داود والنسائي عن نافع: أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه وإذا ركع رفع يديه وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه وإذا قام من الركعتين رفع يديه ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي ﷺ
وعن علي بن أبي طالب عن النبي ﷺ [ أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وإذا أراد أن يركع ويصنعه إذا رفع من الركوع ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد وإذا قام من الركعتين رفع يديه كذلك وكبر ] رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن أبي حميد الساعدي أنه ذكر صفة صلاة النبي ﷺ وفيه [ إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة ] رواه الامام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه، فهذه أحاديث صحيحة ثابتة مع ما في ذلك من الآثار وليس لها ما يصلح أن يكون معارضا مقاوما فضلا عن أن يكون راجحا والله أعلم.
168 - / 84 - مسألة: في قوله ﷺ: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد الحديث وقوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم هل الحديثان في الصحة سواء؟ وما الحكم في ذكر الآل دون إبراهيم؟
الجواب: الحمد لله وهذا الحديث في الصحاح من أربعة أوجه: أشهرها حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: [ لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله ﷺ فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك - وفي لفظ - وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ] رواه أهل الصحاح والسنن والمسانيد كالبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد في مسنده وغيرهم وهذا لفظ الجماعة إلا أن الترمذى قال فيه: على إبراهيم في الموضعين لم يذكر آله وذلك رواية لأبي داود والنسائي وفي رواية: [ كما صليت على آل إبراهيم ] وقال: [ كما باركت على إبراهيم ] ذكر لفظ الآل في الأول ولفظ إبراهيم في الآخر
وفي الصحيحين والسنن الثلاثة عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: [ يا رسول الله ! كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ] هذا هو اللفظ المشهور وقد روي فيه: كما صليت على إبراهيم وكما باركت على إبراهيم بدون لفظ الآل في الموضعين وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: [ قلنا يا رسول الله ! هذا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم].
وفي صحيح مسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال: [ أتانا رسول الله ﷺ ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله ﷺ حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله ﷺ قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على أل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما علمتم ] وقد رواه أيضا غير مسلم كمالك وأحمد وأبي داود والنسائي والترمذي بلفظ آخر وفي بعض طرقه كما صليت على إبراهيم وكما باركت على إبراهيم لم يذكر الآل وفي رواية كما صليت على إبراهيم وكما باركت على آل إبراهيم فهذه الأحاديث التي في الصحاح: لم أجد فيها ولا فيما نقل لفظ إبراهيم وآل إبراهيم بل المشهور في أكثر الأحاديث والطرق لفظ آل إبراهيم وفي بعضها لفظ إبراهيم وقد يجيء في أحد الموضعين لفظ آل إبراهيم وفي الآخر لفظ إبراهيم
وقد روي لفظ إبراهيم وآل إبراهيم في حديث رواه البيهقي عن يحيى بن السناو عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود عن رسول الله ﷺ أنه قال: [ إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وارحم محمدا كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ] وهذا إسناده ضعيف لكن رواه ابن ماجه في سننه عن ابن مسعود موقوفا قال: [ إذا صليتم على رسول الله ﷺ فاحسنوا الصلاة فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قال: فقولوا له فعلمنا: قال: قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك: إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ] ولا يحضرني إسناد هذا الأثر ولم يبلغني إلى الساعة حديث مسند بإسناد ثابت كما صليت على إبراهيم وكما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم بل أحاديث السنن توافق أحاديث الصحيحين كما في سنن أبي داود عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: [ من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ] رواه الشافعي في مسنده عن أبي هريرة قال [ قلنا: يا رسول الله ! كيف نصلي عليك؟ يعني في الصلاة قال: تقولون: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم ثم تسلمون علي ]
ومن المتأخرين من سلك في بعض هذه الأدعية والأذكار التي كان النبي ﷺ يقولها ويعملها بألفاظ متنوعة - ورويت بألفاظ متنوعة - طريقة محدثة بأن جمع بين تلك الألفاظ واستحب ذلك ورأى ذلك أفضل ما يقال فيها
مثاله الحديث الذي في الصحيحين عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه [ أنه قال: يا رسول الله ! علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ] قد روي كثيرا وروي كبيرا فيقول هذا القائل: يستحب أن يقول كثيرا كبيرا وكذلك إذا روي: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وروي: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته وأمثال ذلك وهذه طريقة محدثة لم يسبق إليها أحد من الأئمة المعروفين.
وطرد هذه الطريقة أن يذكر التشهد بجميع هذه الألفاظ المأثورة وأن يقال: الاستفتاح بجميع الألفاظ المأثورة وهذا مع أنه خلاف عمل المسلمين لم يستحبه أحد من أئمتهم بل عملوا بخلافه فهو بدعة في الشرع فاسد في العقل
أما الأول: فلأن تنوع ألفاظ الذكر والدعاء كتنوع ألفاظ القرآن مثل ( تعلمون ) و( يعلمون ) و( باعدوا ) و( بعدوا ) و( ارجلكم ) و( أرجلكم ) ومعلوم أن المسلمين متفقون على أنه لا يستحب للقارئ في الصلاة والقارئ عبادة وتدبرا خارج الصلاة: أن يجمع بين هذه الحروف إنما يفعل الجمع بعض القراء بعض الأوقات ليمتحن بحفظه للحروف وتمييزه للقراءات وقد تكلم الناس في هذا
وأما الجمع في كل القراءة المشروعة المأمور بها فغير مشروع باتفاق المسلمين بل يخير بين تلك الحروف وإذا قرأ بهذه تارة وبهذه تارة كان حسنا كذلك الإذكار إذا قال تارة ظلما كثيرا وتارة ظلما كبيرا كان حسنا كذلك إذا قال تارة على آل محمد وتارة على أزواجه وذريته كان حسنا كما أنه في التشهد إذا تشهد تارة بتشهد ابن مسعود وتارة بتشهد ابن عباس وتارة بتشهد عمر كان حسنا وفي الاستفتاح إذا استفتح تارة باستفتاح عمر وتارة باستفتاح علي وتارة باستفتاح أبي هريرة ونحو ذلك كان حسنا
وقد احتج غير واحد من العلماء كالشافعي وغيره على جواز الأنواع المأثورة في التشهدات ونحوها بالحديث الذي في الصحاح عن النبي ﷺ أنه قال: [ أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف فاقرأوا بما تيسر ] قالوا: فإذا كان القرآن قد رخص في قراءته سبعة أحرف فغيره من الذكر والدعاء أولى أن يرخص في أن يقال على عدة أحرف ومعلوم أن المشروع في ذلك أن يقرأ أحدها أو هذا تارة وهذا تارة لا الجمع بينهما فإن النبي ﷺ لم يجمع بين هذه الألفاظ في آن واحد بل قال هذا تارة وهذا تارة إذا كان قد قالهما
وأما إذا اختلفت الرواية في لفظ فقد يمكن أنه قالهما أو يمكن أنه رخص فيهما ويمكن أن أحد الراويين حفظ اللفظ دون الآخر وهذا يجيء في مثل قوله كبيرا كثيرا وأما مثل قوله: وعلى آل محمد وقوله في الأخرى وعلى آل أزواجه وذريته فلا ريب أنه قال هذا تارة وهذا تارة ولهذا احتج من احتج بذلك على تفسير الآل وللناس في ذلك قولان مشهوران:
أحدهما: إنهم أهل بيته الذين حرموا الصدقة وهذا هو المنصوص عن الشافعي وأحمد وعلى هذا ففي تحريم الصدقة على أزواجه وكونهم من أهل بيته روايتان عن أحمد:
إحداهما: لسن من أهل بيته وهو قول زيد بن أرقم الذي رواه مسلم في صحيحه عنه
والثانية: هن من أهل بيته لهذا الحديث فإنه قال: وعلى أزواجه وذريته وقوله: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } وقوله في قصة إبراهيم: { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } وقد دخلت سارة ولأنه استثنى امرأة لوط من آله فدل على دخولها في الآل وحديث الكسا يدل على أن عليا وفاطمة وحسنا وحسينا أحق بالدخول في أهل البيت من غيرهم كما أن قوله في المسجد المؤسس على التقوى: هو مسجدي هذا يدل على أنه أحق بذلك وأن مسجد قباء أيضا مؤسس على التقوى كما دل عليه نزول الآية وسياقها وكما أن أزواجه داخلات في آله وأهل بيته كما دل عليه نزول الآية وسياقها وقد تبين أن دخول أزواجه في آل بيته أصح وإن كان مواليهن لا يدخلون في موالي آله بدليل الصدقة على بريرة مولاة عائشة ونهيه عنها أبا رافع مولى العباس وعلى هذا القول فآل المطلب هل هم من آله ومن أهل بيته الذين تحرم عليهم الصدقة؟ على روايتين عن أحمد:
إحداهما: إنهم منهم وهو قول الشافعي
والثانية: ليسوا منهم وهو مذهب أبي حنيفة ومالك.
والقول الثاني: إن آل محمد هم أمته أو الأتقياء من أمته وهذا روي عن مالك إن صح وقاله طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم وقد يحتجون على ذلك بما روى الخلال وتمام هذه أنه سئل عن آل محمد فقال: كل مؤمن تقي وهذا الحديث موضوع لا أصل له
والمقصود هنا: أن النبي ﷺ ثبت عنه أنه قال أحيانا وعلى آل محمد وكان يقول أحيانا: وعلى أزواجه وذريته فمن قال أحدهما أو هذا تارة وهذا تارة فقد أحسن وأما من جمع بينهما فقد خالف السنة، ثم إنه فاسد من جهة العقل أيضا فإن أحد اللفظين بدل عن الآخر فلا يجمع بين البدل والمبدل ومن تدبر ما يقول وفهمه علم ذلك
وأما الحكم في ذلك فيقال: لفظ آل فلان إذا أطلق في الكتاب والسنة دخل فيه فلان كما في قوله: { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } وقوله: { إلا آل لوط نجيناهم بسحر } وقوله: { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } وقوله: { سلام على إل ياسين } ومنه قوله ﷺ: اللهم صل على آل أبي أوفى
وكذلك لفظ: أهل البيت كقوله تعالى: { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } فإن إبراهيم داخل فيهم وكذلك قوله: من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي الحديث وسبب ذلك أن لفظ الآل أصله أول تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فقيل: آل ومثله باب وناب وفي الأفعال قال وعاد ونحو ذلك ومن قال أصله أهل قلبت الهاء ألفا فقد غلط فإنه قال ما لا دليل عليه وادعى القلب الشاذ بغير حجة مع مخالفته للأصل
وأيضا فإن لفظ الأهل يضيفونه إلى الجماد وإلى غير المعظم كما يقولون: أهل البيت وأهل المدينة وأهل الفقير وأهل المسكين وأما الآل فإنما يضاف إلى معظم من شأنه أن يؤول غيره أو يسوسه فيكون مآله إليه ومنه الإيالة: وهي السياسة
فآل الشخص هم من يؤوله ويؤول إليه ويرجع إليه ونفسه هي أول وأولى من يسوسه ويؤول إليه فلهذا كان لفظ آل فلان متنا ولا له ولا يقال هو مختص به بل يتناوله ويتناول من يؤوله فلهذا جاء في أكثر الألفاظ كما صليت على آل إبراهيم
وكما باركت على آل إبراهيم وجاء في بعضها إبراهيم نفسه لأنه هو الأصل في الصلاة والزكاة وسائر أهل بيته إنما يحصل لهم ذلك تبعا وجاء في بعضها ذكر هذا وهذا تنبيها على هذين
فإن قيل: فلم قيل: صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وآل محمد فذكر هنا محمدا وآل محمد وذكر هناك لفظ آل إبراهيم أو إبراهيم
قيل: لأن الصلاة على محمد وعلى آله ذكرت في مقام الطلب والدعاء وأما الصلاة على إبراهيم ففي مقام الخبر والقصة إذ قوله: على محمد وعلى آل محمد جملة طلبية وقوله صليت على آل إبراهيم جملة خبرية والجملة الطلبية إذا بسطت كان مناسبا لأن المطلوب يزيد بزيادة الطلب وينقص بنقصانه
وأما الخبر فهو خبر عن أمر قد وقع وانقضى لا يحتمل الزيادة والنقصان فلم يمكن في زيادة اللفظ زيادة المعنى فكان الايجاز فيه والاختصار أكمل وأتم وأحسن ولهذا جاء بلفظ آل إبراهيم تارة وبلفظ إبراهيم أخرى لأن كلا اللفظين يدل على ما يدل عليه الآخر وهو الصلاة التي وقعت ومضت إذ قد علم أن الصلاة على إبراهيم التي وقعت هي الصلاة على آل ابراهيم والصلاة على آل إبراهيم صلاة على إبراهيم فكان المراد باللفظين واحدا مع الإيجاز والاختصار
وأما في الطلب فلو قيل: صل الله على محمد لم يكن في هذا ما يدل على الصلاة على آل محمد إذ هو طلب ودعاء ينشأ بهذا اللفظ ليس خبرا عن أمر قد وقع واستقر ولو قيل: صل على آل محمد لكان إنما يصلي عليه في العموم فقيل: على محمد وعلى آل محمد فإنه يحصل بذلك الصلاة عليه بخصوصه وبالصلاة على آله
ثم إن قيل: إنه داخل في آله مع الاقتران كما هو داخل مع الإطلاق فقد صلى عليه مرتين خصوصا وعموما وهذا ينشأ على قول من يقول: العام المعطوف على الخاص يتناول الخاص
ولو قيل: إنه لم يدخل لم يضر فإن الصلاة عليه خصوصا تغني
وأيضا ففي ذلك بيان أن الصلاة على سائر الآل إنما طلبت تبعا له وأنه هو الأصل الذي بسببه طلبت الصلاة على آله وهذا يتم بجواب السؤال المشهور وهو أن قوله: كما صليت على إبراهيم يشعر بفضيلة إبراهيم لأن المشبه دون المشبه به وقد أجاب الناس عن ذلك بأجوبة ضعيفة
فقيل: التشبيه عائد إلى الصلاة على الأول فقط فقوله: صل على محمد كلام منقطع وقوله: وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم كلام مبتدأ وهذا نقله العمراني عن الشافعي وهذا باطل عن الشافعي قطعا لا يليق بعلمه وفصاحته فإن هذا كلام ركيك في غاية البعد وفيه من جهة العربية بحوث لا تليق بهذا الموضع
الثاني: قول من منع كون المشبه به أعلى من المشبه وقال: يجوز أن يكونا متماثلين قال صاحب هذا القول: والنبي ﷺ يفضل على إبراهيم من وجوه غير الصلاة وهما متماثلان في الصلاة وهذا أيضا ضعيف فإن الصلاة من الله من أعلى المراتب أو أعلاها ومحمد أفضل الخلق فيها فكيف وقد أمر الله بها بعد أن أخبر أنه وملائكته يصلون عليه وأيضا فالله وملائكته يصلون على معلم الخير وهو أفضل معلمي الخير والأدلة كثيرة لا يتسع لها هذا الجواب
الثالث: قول من قال: آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس مثلهم في آل محمد فإذا طلب من الصلاة مثلما صلى على هؤلاء حصل لأهل بيته من ذلك ما يليق بهم فإنهم دون الأنبياء وبقيت الزيادة لمحمد ﷺ فحصل له بذلك من الصلاة عليه مزية ليست لإبراهيم ولا لغيره وهذا الجواب أحسن مما تقدم
وأحسن منه أن يقال: محمد هو من آل إبراهيم كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } قال ابن عباس: محمد من آل إبراهيم وهذا بين فإنه إذا دخل غيره من الأنبياء في آل إبراهيم فهو أحق بالدخول فيهم فيكون قولنا: كما صليت على آل إبراهيم متناولا للصلاة عليه وعلى سائر النبيين من ذرية إبراهيم وقد قال تعالى: { وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب } ثم أمرنا أن نصلى على محمد وعلى آل محمد خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموما ثم لأهل بيته من ذلك ما يليق بهم والباقي له فيطلب له من الصلاة هذا الأمر العظيم.
ومعلوم أن هذا أمر عظيم يحصل له به أعظم مما لإبراهيم وغيره فإنه إذا كان المطلوب بالدعاء إنما هو مثل المشبه به وله نصيب وافر من المشبه وله أكثر المطلوب صار له من المشبه وحده أكثر مما لإبراهيم وغيره وإن كان جملة المطلوب مثل المشبه وانضاف إلى ذلك ماله من المشبه به فظهر بهذا من فضله على كل من النبيين ما هو اللائق به ﷺ تسليما كثيرا وجزاه عنا أفضل ما جزى رسولا عن أمته اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
169 - / 85 - مسألة: في الصلاة على النبي ﷺ هل الأفضل فيها سرا أم جهرا؟ وهل روي عن النبي ﷺ أنه قال: ازعجوا أعضاءكم بالصلاة علي أم لا؟ والحديث الذي يروى عن ابن عباس أنه أمرهم بالجهر ليسمع من لم يسمع افتونا مأجورين
الجواب: أما الحديث المذكور فهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم وكذلك الحديث الآخر وكذلك سائر ما يروى في رفع الصوت بالصلاة عليه مثل الأحاديث التي يرويها الباعة لتنفيق السلع أو يرويها السؤال من قصاص وغيرهم لجمع الناس وجبايتهم ونحو ذلك
والصلاة عليه هي دعاء من الأدعية كما علم النبي ﷺ أمته حين قالوا: قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك فقال: [ قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ] أخرجاه في الصحيحين والسنة في الدعاء كله المخافتة إلا أن يكون هناك سبب يشرع الجهر قال تعالى: { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } وقال تعالى عن زكريا: { إذ نادى ربه نداء خفيا }
بل السنة في الذكر كله ذلك كما قال تعالى: { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال } وفي الصحيحين أن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا معه في سفر فجعلوا يرفعون أصواتهم فقال النبي ﷺ: [ أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا وإنما تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ] وهذا الذي ذكرناه في الصلاة عليه والدعاء مما اتفق عليه العلماء فكلهم يأمرون العبد إذا دعا أن يصلي على النبي ﷺ كما يدعو لا يرفع صوته بالصلاة عليه أكثر من الدعاء سواء كان في صلاة كالصلاة التامة وصلاة الجنازة أو كان خارج الصلاة حتى عقيب التلبية فإنه يرفع صوته بالتلبية ثم عقيب ذلك يصلي على النبي ﷺ ويدعو سرا وكذلك بين تكبيرات العيد إذا ذكر الله وصلى على النبي ﷺ فإنه وإن جهر بالتكبير لا يجهر بذلك
وكذلك لو اقتصر على الصلاة عليه ﷺ خارج الصلاة مثل أن يذكر فيصلي عليه فإنه لم يستحب أحد من أهل العلم رفع الصوت بذلك فقائل ذلك مخطئ مخالف لما عليه علماء المسلمين.
وأما رفع الصوت بالصلاة أو الرضى الذي يفعله بعض المؤذنين قدام بعض الخطباء في الجمع فهذا مكروه أو محرم باتفاق الأمة لكن منهم من يقول: يصلي عليه سرا ومنهم من يقول: يسكت والله أعلم.
170 - / 86 - مسألة: فيمن يقول: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من صلاتك شيء وبارك على محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من بركاتك شيء وارحم محمدا وآل محمد حتى لا يبقى من رحمتك شيء وسلم على محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من سلامك شيء؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: الحمد لله ليس هذا الدعاء مأثورا عن أحد من السلف وقول القائل: حتى لا يبقى من صلاتك شيء ورحمتك شيء - إن أراد به أن ينفد ما عند الله من ذلك: فهذا جاهل فإن ما عند الله من الخير لا نفاد له وإن أراد أنه بدعائه معطيه جميع ما يمكن أن يعطاه: فهذا أيضا جهل: فإن دعاءه ليس هو السبب الممكن من ذلك
171 - / 87 - مسألة: في أقوام حصل بينهم كلام في الصلاة على النبي ﷺ منهم من قال: إنها فرض واجب في كل وقت ومن لا يصلي عليه يأثم وقال بعضهم: هي فرض في الصلاة المكتوبة لأنها من فروض الصلاة وما عدا ذلك فغير فرض لكن موعود الذي يصلي عليه بكل مرة عشرة؟
الجواب: الحمد لله مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين انها واجبة في الصلاة ولا تجب في غيرها ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى أنها لا تجب في الصلاة ثم من هؤلاء من قال: تجب في العمر مرة ومنهم من قال: تجب في المجلس الذي يذكر فيه والمسألة مبسوطة في غير هذا الموضع والله أعلم
172 - / 88 - مسألة: في قوله ﷺ: [ من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ومن صلى علي عشرا صلى الله عليه مائة ومن صلى علي مائة صلى الله عليه ألف مرة ومن لم يصل علي يبقى في قلبه حسرات ولو دخل الجنة ] إذا صلى العبد على الرسول ﷺ يصلي الله على ذلك العبد أم لا؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: [ من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ] وفي السنن عنه أنه قال: [ ما اجتمع قوم في مجلس فلم يذكروا الله فيه ولم يصلوا فيه علي إلا كان عليهم ترة يوم القيامة ] والترة النغص والحسرة والله أعلم
173 - / 89 - مسألة: هل يجوز أن يصلى على غير النبي ﷺ بأن يقال: اللهم صل على فلان؟
الجواب: الحمد لله قد تنازع العلماء: هل لغير النبي ﷺ أن يصلي على غير النبي ﷺ مفردا؟ على قولين:
أحدهما: المنع وهو المنقول عن مالك والشافعي واختيار جدي أبي البركات
والثاني: أنه يجوز وهو المنصوص عن أحمد واختيار أكثر أصحابه: كالقاضي وابن عقيل والشيخ عبد القادر واحتجوا بما روي عن علي أنه قال لعمر: صلى الله عليك
واحتج الأولون بقول ابن عباس: لا أعلم الصلاة تنبغي من أحد على أحد إلا على رسول الله ﷺ وهذا الذي قاله ابن عباس قاله لما ظهرت الشيعة وصارت تظهر الصلاة على علي دون غيره فهذا مكروه منهي عنه كما قال ابن عباس
وأما ما نقل عن علي: فإذا لم يكن على وجه الغلو وجعل ذلك شعارا لغير الرسول فهذا نوع من الدعاء وليس في الكتاب والسنة ما يمنع منه وقد قال تعالى: { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } وقال النبي ﷺ: [ إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث ] وفي حديث قبض الروح: [ صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه ]
ولا نزاع بين العلماء أن النبي ﷺ يصلي على غيره كقوله: اللهم صل على آل أبي أوفى وأنه يصلي على غيره تبعا له كقوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد والله أعلم
174 - / 90 - مسألة: هل الدعاء عقيب الفرائض أم السنن أم بعد التشهد في الصلاة؟
الجواب: السنة التي كان النبي ﷺ يفعلها ويأمر بها أن يدعو في التشهد قبل السلام كما ثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول بعد التشهد: [ اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتة المحيا والممات وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ]
وفي الصحيح أيضا أنه أمر بهذا الدعاء بعد التشهد وكذلك في الصحيح أنه كان يقول بعد التشهد قبل السلام: [ اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ] وفي الصحيح [ أن أبا بكر قال: يا رسول الله ! علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم].
وفي الصحيح أحاديث غير هذه أنه كان يدعو بعد التشهد وقبل السلام وكان يدعو في سجوده وفي رواية كان يدعو إذا رفع رأسه من الركوع وكان يدعو في افتتاح الصلاة ولم يقل أحد عنه أنه كان هو والمأمومون يدعون بعد السلام بل كان يذكر الله بالتهليل والتحميد والتسبيح والتكبير كما جاء في الأحاديث الصحيحة والله أعلم.
175 - / 91 - سئل: عن رجل قال: إذا دعا العبد لا يقول: يا الله ! يا رحمن !؟
فأجاب: الحمد لله لا خلاف بين المسلمين أن العبد إذا دعا ربه يقول: يا الله ! يا رحمن ! وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام كما قال تعالى: { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } وكان النبي ﷺ يقول في دعائه: يا الله يا رحمن فقال المشركون: محمد ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو إلهين فقال الله تعالى: { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } أي المدعو إله واحد وإن تعددت أسماؤه كما قال تعالى: { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه }
ومن أنكر أن يقال: يا الله يا رحمن فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل والله أعلم
176 - / 92 - مسألة: في رجل: إذا سلم عن يمينه يقول: السلام عليكم ورحمة الله أسألك الفوز بالجنة وعن شماله: السلام عليكم أسألك النجاة من النار فهل هذا مكروه أم لا؟ فإن كان مكروها فما الدليل على كراهته؟
الجواب: الحمد لله نعم ! يكره هذا لأن هذا بدعة فإن هذا لم يفعله رسول الله ﷺ ولا استحبه أحد من العلماء وهو إحداث دعاء في الصلاة في غير محله يفصل بأحدهما بين التسليمتين ويصل التسليمة بالآخر وليس لأحد فصل الصفة المشروعة بمثل هذا كما لو قال: سمع الله لمن حمده أسألك الفوز بالجنة ربنا ولك الحمد أسألك النجاة من النار وأمثال ذلك والله أعلم
177 - / 93 - سئل: عن امرأة سمعت في الحديث اللهم إني عبدك وابن عبدك ناصيتي بيدك إلى آخره فداومت على هذا اللفظ فقيل لها: قولي: اللهم إني أمتك بنت أمتك إلى آخره فأبت إلا المداومة على اللفظ فهل هي مصيبة أم لا؟
الجواب: بل ينبغي لها أن تقول: اللهم إني أمتك بنت عبدك ابن أمتك فهو أولى وأحسن وإن كان قولها: عبدك ابن عبدك له مخرج في العربية كلفظ الزوج والله أعلم
178 - / 94 - مسألة: في حديث عقبة بن عامر قال: [ أمرني رسول الله ﷺ أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة ] وعن أبي أمامة قال: [ قيل: يا رسول الله ! أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبة ] وعن معاذ بن جبل [ أن رسول الله ﷺ أخذ بيده فقال: يا معاذ ! والله إني لأحبك فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ] فهل هذه الأحاديث تدل على أن الدعاء بعد الخروج من الصلاة سنة أفتونا وابسطوا القول في ذلك مأجورين؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين الأحاديث المعروفة في الصحاح والسنن والمساند تدل على أن النبي ﷺ كان يدعو في دبر صلاته قبل الخروج منها وكان يأمر أصحابه بذلك ويعلمهم ذلك ولم ينقل أحد أن النبي ﷺ كان إذا صلى بالناس يدعو بعد الخ..روج من الصلاة هو والمأمومون جميعا لا في الفجر ولا في العصر ولا في غيرهما من الصلوات بل قد ثبت عنه أنه كان يستقبل أصحابه ويذكر الله ويعلمهم ذكر الله عقيب الخروج من الصلاة
ففي الصحيح: [أنه كان قبل أن ينصرف يستغفر ثلاثا ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام] وفي الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة أنه كان يقول: [لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهوعلى كل شئ قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ] وفي الصحيح من حديث ابن الزبير [أن النبي ﷺ كان يهلل بهؤلاء الكلمات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ] وفي الصحيح عن ابن عباس: [ إن رفع الناس أصواتهم بالذكر كان على عهد النبي ﷺ ] وفي لفظ كنا نعرف انقضاء صلاته بالتكبير.
والأذكار التي كان النبي ﷺ يعلمها المسلمين عقيب الصلاة أنواع:
أحدها: [ إنه يسبح ثلاثا وثلاثين ويحمد ثلاثا وثلاثين ويكبر ثلاثا وثلاثين فتلك تسع وتسعون ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ] رواه مسلم في صحيحه
والثاني: يقولها خمسا وعشرين ويضم إليها لا إله إلا الله وقد رواه مسلم
والثالث: يقول: الثلاثة ثلاثا وثلاثين وهذا على وجهين:
أحدهما: أن يقول كل واحدة ثلاثا وثلاثين
والثاني: أن يقول كل واحدة إحدى عشرة مرة والثلاث والثلاثون في الحديث المتفق عليه في الصحيحين
والخامس: يكبر أربعا وثلاثين ليتم مائة
والسادس: يقول: الثلاثة عشرا عشرا فهذا هو الذي مضت به سنة رسول الله ﷺ وذلك مناسب لأن المصلي يناجي ربه فدعاؤه له ومسألته إياه وهو يناجيه أولى به من مسألته ودعائه بعد انصرافه عنه
وأما الذكر بعد الانصراف فكما قالت عائشة - رضي الله عنها - هو مثل مسح المرآة بعد صقالها فإن الصلاة نور فهي تصقل القلب كما تصقل المرآة ثم الذكر بعد ذلك بمنزلة مسح المرآة وقد قال الله تعالى: { فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب } قيل: إذا فرغت من أشغال الدنيا فانصب في العبادة وإلى ربك فارغب وهذا أشهر القولين وخرج شريح القاضي على قوم من الحاكة يوم عيد وهم يلعبون فقال: مالكم تلعبون؟ قالوا: إنا تفرغنا قال: أوبهذا أمر الفارغ؟ وتلا قوله تعالى: { فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب }
ويناسب هذا قوله تعالى: { يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا } إلى قوله: { إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا * إن لك في النهار سبحا طويلا } أي ذهابا ومجيئا وبالليل تكون فارغا وناشئة الليل في أصح القولين إنما تكون بعد النوم يقال نشأ إذا قام بعد النوم فإذا قام بعد النوم كانت مواطأة قلبه للسانه أشد لعدم ما يشغل القلب وزوال أثر حركة النهار بالنوم وكان قوله ( أقوم ).
وقد قيل: ( إذا فرغت ) من الصلاة ( فانصب ) في الدعاء ( وإلى ربك فارغب ) وهذا القول سواء كان صحيحا أو لم يكن فإنه يمنع الدعاء في آخر الصلاة لا سيما والنبي ﷺ هو المأمور بهذا فلا بد أن يمتثل ما أمره الله به
ودعاؤه في الصلاة المنقول عنه في الصحاح وغيرها إنما كان قبل الخروج من الصلاة وقد قال لأصحابه في الحديث الصحيح [ إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ]
وفي حديث ابن مسعود الصحيح لما ذكر التشهد قال: [ ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه ] وقد روت عائشة وغيرها دعاءه في صلاته بالليل وأنه كان قبل الخروج من الصلاة
فقول من قال: إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء يشبه قول من قال في حديث ابن مسعود لما ذكر التشهد فإذا فعلت ذلك فقد قضيت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد وهذه الزيادة سواء كانت من كلام النبي ﷺ أو من كلام من أدرجها في حديث ابن مسعود كما يقول ذلك من ذكره من أئمة الحديث ففيها أن قائل ذلك جعل ذلك قضاء للصلاة فهكذا جعله هذا المفسر فراغا من الصلاة مع أن تفسير قوله: { فإذا فرغت فانصب } أي فرغت من الصلاة قول ضعيف فإن قوله: إذا فرغت مطلق ولأن الفارغ أن أريد به الفارغ من العبادة فالدعاء أيضا عبادة وإن أريد به الفراغ من أشغال الدنيا بالصلاة فليس كذلك
يوضح ذلك أنه لا نزاع بين المسلمين أن الصلاة يدعى فيها كما كان النبي ﷺ يدعو فيها فقد ثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول في دعاء الإستفتاح: [ اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ] وأنه كان يقول: [ اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت ]
وثبت عنه في الصحيح أنه كان يدعو إذا رفع رأسه من الركوع وثبت عنه الدعاء في الركوع والسجود سواء كان في النفل أو في الفرض وتواتر عنه الدعاء آخر الصلاة وفي الصحيحين [ أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله ! علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الدنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ] فإذا كان الدعاء مشروعا في الصلاة لا سيما في آخرها فكيف يقول: إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء والذي فرغ منه هو نظير الذي أمر به فهو في الصلاة كان ناصبا في الدعاء لا فارغا ثم انه لم يقل مسلم إن الدعاء بعد الخروج من الصلاة يكون أوكد وأقوى منه في الصلاة ثم لو كان قوله: ( فانصب ) في الدعاء لم يحتج إلى قوله: ( وإلى ربك فارغب ) فإنه قد علم أن الدعاء إنما يكون لله
فعلم أنه أمره بشيئين: أن يجتهد في العبادة عند فراغه من أشغاله وأن تكون رغبته إلى ربه لا إلى غيره كما في قوله: { إياك نعبد وإياك نستعين } فقوله: إياك نعبد موافق لقوله فانصب وقوله: وإياك نستعين موافق لقوله: وإلى ربك فارغب.
ومثله قوله: { فاعبده وتوكل عليه } وقوله: { هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب } وقول شعيب عليه السلام: { عليه توكلت وإليه أنيب } ومنه الذي يروى عند دخول المسجد: اللهم اجعلني من أوجه من توجه إليك وأقرب من تقرب إليك وأفضل من سألك ورغب إليك والأثر الآخر وإليك الرغباء والعمل وذلك أن دعاء الله المذكور في القرآن نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة ورغبة فقوله: { فانصب * وإلى ربك فارغب } يجمع نوعي دعاء الله قال تعالى: { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا } وقال تعالى: { ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه } الآية ونظائره كثيرة
وأما لفظ دبر الصلاة فقد يراد به آخر جزء منه وقد يراد به ما يلي آخر جزء منه كما في دبر الإنسان فإنه آخر جزء منه ومثله لفظ العقب قد يراد به الجزء المؤخر من الشيء كعقب الإنسان وقد يراد به ما يلي ذلك فالدعاء المذكور في دبر الصلاة إما أن يراد به آخر جزء منها ليوافق بقية الأحاديث أو يراد به ما يلي آخرها ويكون ذلك ما بعد التشهد كما سمي ذلك قضاء للصلاة وفراغا منها حيث لم يبق إلا السلام المنافي للصلاة بحيث لو فعله عمدا في الصلاة بطلت صلاته ولا تبطل سائر الأذكار المشروعة في الصلاة أو يكون مطلقا أو مجملا وبكل حال فلا يجوز أن يخص به ما بعد السلام لأن عامة الأدعية المأثورة كانت قبل ذلك ولا يجوز أن يشرع سنة بلفظ مجمل يخالف السنة المتواترة بالألفاظ الصريحة.
والناس لهم في هذه فيما بعد السلام ثلاثة أحوال:
منهم من لا يرى قعود الإمام مستقبل المأموم لا بذكر ولا دعاء ولا غير ذلك وحجتهم ما يروى عن السلف أنهم كانوا يكرهون للإمام أن يستديم استقبال القبلة بعد السلام فظنوا أن ذلك يوجب قيامه من مكانه ولم يعلموا أن انصرافه مستقبل المأمومين بوجهه كما كان النبي ﷺ يفعل يحصل هذا المقصود وهذا يفعله من يفعله من أصحاب مالك
ومنهم من يرى دعاء الإمام والمأموم بعد السلام ثم منهم من يرى ذلك في الصلوات الخمس ومنهم من يراه في صلاة الفجر والعصر كما ذكر ذلك من ذكره من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم وليس مع هؤلاء بذلك سنة وإنما غايتهم التمسك بلفظ مجمل أو بقياس كقول بعضهم ما بعد الفجر والعصر ليس بوقت صلاة فيستحب فيه الدعاء ومن المعلوم أن ما تقدمت به سنة رسول الله ﷺ الثابتة الصحيحة بل المتواترة لا يحتاج فيه إلى مجمل ولا إلى قياس
وأما قول عقبة بن عامر: أمرني رسول الله ﷺ أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة فهذا بعد الخروج منها
وأما حديث أبي أمامة [ قيل: يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبة ] فهذا يجب أن لا يخص ما بعد السلام بل لا بد أن يتناول ما قبل السلام وإن قيل: إنه يعم ما قبل السلام وما بعده لكن ذلك لا يستلزم أن يكون دعاء الإمام والمأموم جميعا بعد السلام سنة كما لا يلزم مثل ذلك قبل السلام بل إذا دعا كل واحد وحده بعد السلام فهذا لا يخالف السنة وكذلك قوله ﷺ لمعاذ بن جبل: [ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ] يتناون ما قبل السلام: ويتناول ما بعده أيضا كما تقدم فإن معاذا كان يصلي إماما بقومه كما كان النبي ﷺ يصلي إماما وقد بعثه إلى اليمن معلما لهم فلو كان هذا مشروعا للإمام والمأموم مجتمعين على ذلك كدعاء القنوت لكان يقول: اللهم أعنا على ذكرك وشكرك فلما ذكره بصيغة الإفراد علم أنه لا يشرع للإمام والمأموم ذلك بصيغة الجمع
ومما يوضح ذلك ما في الصحيح عن البراء بن عازب قال: [ كنا إذا صلينا خلف رسول الله ﷺ أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه قال: فسمعته يقول: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك أو يوم تجمع عبادك ] فهذا فيه دعاؤه ﷺ بصيغة الإفراد كما في حديث معاذ وكلاهما إمام
وفيه أنه كان يستقبل المأمومين وأنه لا يدعو بصيغة الجمع وقد ذكر حديث معاذ بعض من صنف في الأحكام: في الأدعية في الصلاة قبل السلام موافقة لسائر الأحاديث كما في مسلم والسنن الثلاثة عن أبي هريرة أن النبي قال: [ إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ] في مسلم وغيره عن ابن عباس [ أن رسول الله ﷺ كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال].
وفي السنن [ أنه قال رسول الله ﷺ لرجل: ما تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد ثم أقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار أما والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال ﷺ حولهما ندندن ] رواه أبو داود وأبو حاتم في صحيحه وظاهر هذا أن دندنتهما أيضا بعد التشهد في الصلاة ليكون نظير ما قاله وعن شداد ابن أوس أن رسول الله ﷺ كان يقول في صلاته: [ اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم ] رواه النسائي.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها [ أن النبي ﷺ يدعو في الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأتم فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم قال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف ]
قال المصنف في الأحكام: والظاهر أن هذا يدل على أنه كان بعد التشهد يدل عليه حديث ابن عباس [ أن النبي ﷺ كان يقول بعد التشهد: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ] وقد تقدج حديث ابن عباس الذي في الصحيحين أنه كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن وحديث أبي هريرة وأنه يقال بعد التشهد: وقد روي في لفظ الدبر ما رواه البخاري وغيره عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول: إن رسول الله ﷺ كان يتعوذ بهن دبر الصلاة: [ اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر ]
وفي النسائي عن أبي بكرة [ أن النبي ﷺ كان يقول في دبر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر ] وفي النسائي أيضا [ عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت علي امرأة من اليهود فقالت: إن عذاب القبر من البول فقلت: كذبت فقالت: بلى إنا لنقرض منه الجلود والثوب فخرج رسول الله ﷺ إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا فقال: ما هذا فأخبرته بما قالت قال: صدقت فما صلى بعد يومئذ إلا قال في دبر الصلاة: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل أجرني من حر النار وعذاب القبر ]
قال المصنف في الأحكام: والظاهر أن المراد بدبر الصلاة في الأحاديث الثلاثة قبل السلام توفيقا بينه وبين ما تقدم من حديث ابن عباس وأبي هريرة قلت: وهذا الذي قاله صحيح فإن هذا الحديث في الصحيح من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة - رضي الله عنها - رسول الله ﷺ عن عذاب القبر فقال: نعم عذاب القبر حق قالت عائشة: فما رأيت رسول الله ﷺ بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر والأحاديث في هذا الباب يوافق بعضها بعضا وتبين ما تقدم والله أعلم.