الفتاوى الكبرى/كتاب البيوع/5

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

القاعدة الرابعة: الشرط المتقدم على العقد

الشرط المتقدم على العقد بمنزلة المقارن له في ظاهر مذهب فقهاء الحديث أحمد وغيره ومذهب أهل المدينة وغيره وهو قول في مذهب الشافعي نص عليه في صداق السر والعلانية ونقلوه إلى شرط التحليل المتقدم وغيره وإن كان المشهور من مذهبه ومذهب أبي حنيفة أن المتقدم لا يؤثر بل يكون كالوعد المطلق عندهم يستحيل الوفاء به وهو قول في مذهب أحمد قد يختاره في بعض المواضع طائفة من أصحابه كاختيار بعضهم أن التحليل المشروط قبل العقد لا يؤثر إلا أن يفوته الزوج وقت العقد وكقول طائفة كثيرة منهم بما نقلوه عن أحمد من أن الشرط المتقدم على العقد في الصداق لا يؤثر وإنما تؤثر التسمية في العقد ومن أصحاب أحمد طائفة كالقاضي أبي يعلى يفرقون بين الشرط المتقدم الرافع لمقصود العقد أو المغير له فإن كان رافعا كالمواطأة على كون العقد تلجئته أو تحليلا أبطله وإن كان مغيرا كاشتراط كون المهر أقل من المسمى لم يؤثر فيه لكن المشهور في نصوص أحمد وأصوله وما عليه قدماء أصحابه كقول أهل المدينة أن الشرط المتقدم كالشرط المقارن فإذا اتفقا على شيء وعقد العقد بعد ذلك فهو مصروف إلى المعروف بينهما مما اتفقا عليه كما تنصرف الدراهم والدنانير في العقود إلى المعروف بينهما وكما أن جميع العقود إنما تنصرف إلى ما يتعارفه المتعاقدان

القاعدة الخامسة: في الإيمان والنذور

قال الله تعالى: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم } وقال تعالى: { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم } وقال تعالى: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم * للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم } وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون * لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم }

وفي هذا الباب قواعد عظيمة لكن تحتاج إلى تقدم مقدمات نافعة جدا في هذا الباب وغيره:

المقدمة الأولى: إن اليمين يشتمل على جملتين جملة مقسم بها وجملة مقسم عليها فأما المحلوف به فالإيمان التي يحلف بها المسلمون مما قد يلزم بها حكم ستة أنواع ليس لها سابع:

أحدها: اليمين بالله وما في معناها مما فيه التزام كفر كقوله هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا على ما فيه من الخلاف بين الفقهاء

الثاني: اليمين بالنذر الذي يسمى نذر للحاج والغضب كقوله على الحج لا أفعل كذا أو أنت فعلت كذا فعلي الحج أو مالي صدقة إن فعلت كذا ونحو ذلك

الثالث: اليمين بالطلاق

الرابع: اليمين بالعتق

الخامس: اليمين بالحرام كقوله علي الحرام لا أفعل كذا

السادس: الظهار كقوله أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا

فهذا مجموع ما يحلف به المسلمون مما في حكمه فأما الحلف بالمخلوقات كالحلف بالكعبة أو قبر الشيخ أو بنعمة السلطان أو بالسيف أو بجاه أحد من المخلوقين فما أعلم بين العلماء خلافا إن هذه اليمين مكروهة منهى عنها وإن الحلف بها لا يوجب حنثا ولا كفارة وهل الحلف بها مكروه أو مكروه كراهة تنزيه فيه قولان في مذهب أحمد وغيره أصحهما أنه محرم ولهذا قال أصحابنا كالقاضي أبي يعلى وغيره إنه إذا قال إيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا لزمه ما يلزم ففي اليمين بالله والنذر والطلاق والعتاق والظهارة

ولم يذكروا الحرام لأن يمين الحرام حرام عند أحمد وأصحابه فلما كان موجبها واحدا عندهم دخل الحرام في الظهار ولم يدخلوا النذر في اليمين بالله وإن جاز أن يكفر يمينه بالنذر لأن موجب الحلف بالنذر المسمى بنذر اللجاج والغضب عند الحنث هو التخيير بين التكفير وبين فعل المنذر وموجب الحلف بالله هو التكفير فقط فلما اختلف موجبهما جعلوهما يمينين نعم إذا قالوا بالرواية الآخرى عن أحمد وهو أن الحلف بالنذر موجبة الكفارة فقط دخلت اليمين بالنذر في اليمين بالله تعالى وإنما اختلافهم واختلاف غيرهم من العلماء في أن مثل هذا الكلام هل ينعقد به اليمين أو لا ينعقد فسأذكره إن شاء الله تعالى وإنما غرضي هنا حصر الأيمان التي حلف بها المسلمون

وأما أيمان البيعة فقالوا: أول من أحدثها الحجاج بن يوسف الثقفي وكانت السنة إن الناس يبايعون الخلفاء كم بايع الصحابة النبي يعقدون البيعة كما يعقدون عقد البيع والنكاح ونحوهما إما أن يذكروا الشروط التي يبايعون عليها ثم يقولون بايعناك على ذلك كما بايعت الأنصار النبي ليلة العقبة فلما أحدث الحجاج حلف الناس على بيعتهم لعبد الملك بن مروان بالطلاق والعتاق واليمين بالله وصدقة المال فهذه الأيمان الأربعة هي كانت إيمان البيعة القديمة المبتدعة ثم أحدث المستحلفون عن الأمراء من الخلفاء والملوك وغيرهم أيمانا كثيرة أكثر من تلك وقد تختلف فيها عادتهم ومن أحدث ذلك فحسبه إنما ما ترتب على هذه الإيمان من الشر

المقدمة الثانية: إن هذه الأيمان يحلف بها تارة بصيغة القسم وتارة بصيغة الجزاء لا يتصور أن تخرج اليمين عن هاتين الصيغتين فالأول: كقوله: والله لا أفعل كذا أو الطلاق يلزمني إن أفعل كذا أو علي الحرام لا أفعل كذا أو علي الحج لا أفعل

والثاني: كقوله: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو إن فعلت كذا فامرأتي حرام أو فهي علي كظهر أمي أو إن فعلت كذا فعلي الحج أو فمالي صدقة ولهذا عقد الفقهاء المسائل الأيمان بابين:

أحدهما: بأن يعلق الطلاق بالشرط فيذكرون فيه الحلف بصيغة الجزاء كان ومتى وإذا وما أشبه ذلك وإن دخل فيه صيغة القسم ضمنا وتبعا

والباب الثاني باب جامع الإيمان مما يشترك فيه الحلف بالله والطلاق والعتاق وغير ذلك فيذكرون فيه الحلف بصيغة القسم وإن دخلت صيغة الجزاء ضمنا ومسائل أحد البابين مختلطة بمسائل الباب الآخر لاتفاقهما في المعنى كثيرا وغالبا وكذلك طائفة من الفقهاء كأبي الخطاب وغيره لما ذكروا في كتاب الطلاق باب تعليق الطلاق بالشروط اردفوه بباب جامع الأيمان وطائفة أخرى كالخرقي والقاضي أبي يعلى وغيرهما إنما ذكروا باب جامع الإيمان في كتاب الأيمان لأنه أمس ونظير هذا الباب حد القذف منهم من يذكره عند باب اللعان لاتصال أحدهما بالآخر ومنهم من يؤخره إلى كتاب الحدود لأنه به أخص

وإذا تبين أن لليمين صيغتين صيغة القسم وصيغة الجزاء فالمقسوم عليه في صيغة القسم مؤخر في صيغة الجزاء والمؤخر في صيغة الجزاء مقدم في صيغة القسم والشرط المثبت في صيغة الجزاء منفي في صيغة القسم فإنه إذا قال الطلاق يلزمني لا أفعل كذا فقد حلف بالطلاق ان لا يفعل فالطلاق مقدم مثبت والفعل مؤخر منفي فلو حلف بصيغة الجزاء قال إن فعلت كذا فإمرأتي طالق وكان يقدم الفعل مثبتا ويؤخر الطلاق منفيا كما أنه في القسم قدم الحكم وأخر الفعل وبهذه القاعدة تنحل مسائل من مسائل الأيمان فإما صيغة الجزاء فهي جملة فعليه في الأصل

فإن أدوات الشرط لا يتصل بها في الأصل إلا الفعل

وأما صيغة القسم فتكون فعلية كقوله أحلف بالله أو تالله أو والله ونحو ذلك وتكون اسمية كقوله لعمر الله لأفعلن والحيلة علي حرام لأفعلن ثم هذا التقسيم ليس من خصائص الإيمان التي بين العبد وبين الله بل غير ذلك من العقود التي تكون بين الآدميين تارة تكون بصيغة التعليق الذي هو الشرط والجزاء كقوله في في الجعالة من رد عندي الآبق فله كذا وقوله في السبق من سبق فله كذا وتارة بصيغة التنجيز إما صيغة خبر كقوله بعت وزوجت وأما صيغة طلب كقوله بعني وأخلعني

المقدمة الثالثة: وفيها يظهر شر مسائل الأيمان ونحوها أن صيغة التعليق التي تسمى صيغة الشرط وصيغة المجازاة تنقسم إلى ستة أنواع لأن الحالف إما أن يكون مقصوده وجود الشرط فقط أو وجود الجزاء فقط أو وجودهما وإما أن لا يقصد واحد منهما بل يكون مقصوده عدم الشرط فقط أو الجزاء فقط أو عدمهما

فالأول: بمنزلة كثير من صور الخلع والتكابة ونذر التبر والجعالة ونحوهما فإن الرجل إذا قال لأمرأته إن أعطيتني ألفا فأنت طالق أو فقد خلعتك أو قال لعبده إن أديت ألفا فأنت حر أو قال إن رددت عبدي الآبق فلك ألف أو قال إن شفى الله مريضي أو سلم مالي الغائب فعلي عتق كذا والصدقة بكذا فالمعلق قد لا يكون مقصوده إلا أخذ المال ورد العبد وسلامة العتق والمال وإنما التزم الجزاء على سبيل العوض كالبائع الذي كان مقصوده أخذه الثمن والتزم رد المبيع سبيل العوض فهذا الضرب هو سببه بالمعاوضة في البيع والإجارة وكذلك إذا كان قد جعل الطلاق عقوبة مثل أن يقول إذا ضربت أمتي فأنت طالق وإن خرجت من الدار فأنت طالق فإنه في الخلع عوضها بالتطليق عن المال لأنها تزيل الطلاق وهنا عوضها عن معصيتها بالطلاق

وأما الثاني: قيل: أن يقول لامرأته أنه إذا ظهرت فأنت طالق أو يقول لعبده إذا مت فأنت حر أو إذا جاء رأس الحول فأنت حر أو فمالي صدقة ونحو ذلك من التعليق الذي هو توقيت محض فهذا الضرب بمنزلة النجز في أن كل واحد منهما قصد الطلاق والعتاق وإنما أخره إلى الوقت المعين بمنزلة تأجيل الدين وبمنزلة من يؤخر الطلاق من وقت إلى وقت لغرض له في التأخير لا لعوض ولا لحث على طلب أو خبر

ولهذا قال الفقهاء من أصحابنا وغيرهم إذا حلف أنه لا يحلف بالطلاق مثل أن يقول والله لا أحلف بطلاقك أو إن حلفت بطلاقك فعبدي حر أو فأنت طالق فإنه إذا قالت إن دخلت أو لم تدخلي ونحو ذلك مما فيه معنى الحض أو المنع فهو حالف ولو كان تعليقا محضا كقوله: إذا طلعت الشمس فأنت طالق وإن طلعت الشمس فاختلفوا فيه فقال أصحاب الشافعي ليس بحالف وقال أصحاب أبي حنيفة والقاضي في الجامع هو حالف

وأما الثالث: وهو أن يكون مقصوده وجودهما جميعا فمثل الذي قد آذته امرأته حتى أحب طلاقها واسترجاع الفدية منها فيقول إن أبرأتيني من صداقك أو من نفقتك فأنت طالق وهو يريد كلا منهما

وأما الرابع: وهو أن يكون مقصوده عدم الشرط لكنه إذا وجد لم يكره الجزاء بل يحبه أو لا يحبه ولا يكرهه فمثل أن يقول لامرأته إن زينت فأنت طالق وإن ضربت أمي فأنت طالق ونحو ذلك من التعليق الذي يقصد فيه عدم الشرط ويقصد وجود الجزاء عنه وجوده بحيث تكون إذا زنت أو إذا ضربت أمه يجب فراقها لأنها لا تصلح له فهذا فيه معنى اليمين ومعنى التوقيت فإنه منعها من الفعل وقصد إيقاع الطلاق عنده كما قصد إيقاعه عند أخذ العوض منها أو عند طهرها أو طلوع الهلال

وأما الخامس: وهو أن يكون مقصوده عدم الجزاء وتعليقه بالشرط لئلا يوجد وليس له غرض في عدم الشرط فهذا قليل كمن يقول إن أصبت مائة رمية أعطيتك كذا

وأما السادس: وهو أن يكون مقصوده عدمهما الشرط والجزاء وإنما تعلق الجزاء بالشرط ليمتنع وجودهما فهو مثل نذر اللجاج والغضب ومثل الحلف بالطلاق والعتاق على حض أو منع أو تصديق أو تكذيب مثل أن يقال له تصدق فيقول إن تصدق فعليه صيام كذا وكذا أو فأمرأته طالق أو فعبيده أحرار أو يقول إن لم أفعل كذا وكذا فعلي نذر كذا أو امرأتي طالق أو عبدي حر أو يحلف على فعل غيره ممن يقصد منعه كعبده ونسيبه وصديقه ممن يحضه على طاعته

فيقول له: إن فعلت أو إن لم أفعل فعلي كذا أو فامرأتي طالق أو فعبدي حر ونحو ذلك فهذا نذر اللجاج والغضب وهذا وما أشبهه من الحلف بالطلاق والعتاق بخلافه في المعنى نذر التبرر والتقرب وما أشبهه من الخلع والكتابة فإن الذي يقول إن سلمني الله أو سلم مالي من كذا أو إن أعطاني الله كذا فعلي أن أتصدق أو أصوم أو أحج قصده حصول الشرط الذي هو الغنيمة أو السلامة وقصد أن يشكر الله ذلك بما نذره له وكذلك المخالع والمكاتب قصده حصول العوض وبدل الطلاق والعتاق عوضا عن ذلك

وأما النذر في اللجاج والغضب إذا قيل له إفعل كذا فامتنع من فعله ثم قال إن فعلته فعلي الحج والصيام فهنا مقصوده أن لا يكون الشرط ثم أنه لقوة امتناعه ألزم نفسه أن فعله بهذه الأمور الثقيلة عليه ليكون إلزامها له إذا فعل مانعا له من الفعل وكذلك إذا قال إن فعلته فامرأتي طالق أو فعبيدي أحرار إنما مقصوده الامتناع والتزم بتقدير الفعل ما هو شديد عليه من فراق أهله وذهاب ماله ليس غرض هذا أن يتقرب إلى الله بعتق أو صدقة ولا أن يفارق امرأته

ولهذا سمي العلماء هذا نذر اللجاج والغضب مأخوذ من قول النبي فيما أخرجاه في الصحيحين: [ لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يأتي الكفارة التي فرض الله له ] فصورة هذا النذر صورة نذر التبرر في اللفظ ومعناه شديد المباينة لمعناه ومن هنا نشأت الشبهة التي سنذكرها في هذا الباب إن شاء الله تعالى على طائفة من العلماء ويتبين فقه الصحابة رضي الله عنهم الذين نظروا إلى معاني الألفاظ لا إلى صورها إذا ثبتت هذه الأنواع الداخلة في قسم التعليق فقد علمت أن بعضها معناه معنى اليمين بصيغة القسم وبعضها ليس معناه ذلك

فمتى كان الشرط المقصود حضا على فعل أو منعا منه أو تصديقا لخبر أو تكذيبا كان الشرط مقصود العدم هو وجزاؤه كنذر اللجاج والحلف بالطلاق على وجه اللجاج والغضب:

القاعدة الأولى: إن الحلف بالله سبحانه وتعالى قد بين الله تعالى حكمه بالكتاب والسنة والإجماع فقال تعالى: { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } وقال: { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } وقال تعالى: { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون }

وفي الصحيحين عن عبد الله بن سمرة أن النبي قال: [ يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك ] فبين له النبي حكم الأمانة الذي هو الإمارة وحكم العهد الذي هو اليمين وكانوا في أول الإسلام لا مخرج لهم من اليمين قبل أن تشرع الكفارة ولهذا قالت عائشة: كان أبو بكر لا يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين ولذلك لأن اليمين بالله عقد بالله فيجب الوفاء به كما يجب بسائر العقود وأشد لأن قوله أحلف بالله وأقسم الله ونحو ذلك في معنى قوله أعقد بالله ولهذا عدي بحرث الإلصاق الذي يستعمل في الربط والعقد فينعقد المحلوف عليه بالله كما تنفعد إحدى اليدين بالأخرى في المعاقدة

ولهذا سماه الله عقدا في قوله: { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } فإذا كان قد عقدها بالله كان الحنث فيها نقضا لعهد الله وميثاقه لولا ما فرضه الله من التحلة ولهذا سمى حلها حنثا والحنث هو الاسم في الأصل فالحنث فيها سبب للإثم لولا الكفارة الماحية فإنما الكفارة منعته أن يوجب إثما ونظير الرخصة في كفارة اليمين بعد عقدها الرخصة أيضا في كفارة الظهار بعد أن كان الظهار في الجاهلية وأول الإسلام طلاقا وكذلك الإيلاء كان عندهم طلاقا فإن هذا جار على قاعدة وجوب الوفاء بمقتضى اليمين فإن الإيلاء إذا وجب الوفاء بمقتضاه من ترك الوطء صار الوطء محرما وتحريم الوطء تحريما مطلقا مستلزم لزوال الملك فإن الزوجة لا تكون محرمة على الإطلاق ولهذا قال سبحانه: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم }

والتحلة مصدر حللت الشيء أحله تحليلا وتحلة كما يقال كرمته تكريما وتكرمة وهذا مصدر يسمى به المحلل نفسه الذي هو الكفارة فإن أريد المصدر فالمعنى فرض الله لكم تحليل اليمين وهو حلها الذي هو خلاف العقد ولهذا استدل من استدل من أصحابنا وغيرهم كأبي بكر عبد العزيز بهذه الآية على التكفير قبل الحنث لأن التحلة لا تكون بعد الحنث فإنه بالحنث ينحل اليمين وإنما تكون التحلة إذا أخرجت قبل الحنث لينحل اليمين وإنما هي بعد الحنث كفارة لأنها كفرت ما في الحنث من سبب الإثم لنقض عهد الله فإذا تبين أن ما اقتضت اليمين من وجوب الوفاء بها رفعه الله عن هذه الأمة بالكفارة التي جعلها بدلا من الوفاء في جملة ما رفعه عنها من الآصار التي نبه عليها بقوله: { ويضع عنهم إصرهم }

فالأفعال ثلاثة: إما طاعة وإما معصية وإما مباح فإذا حلف ليفعلن مباحا أو ليتركنه فهنا الكفارة المشروعة بالإجماع وكذلك إذا كان المحلوف عليه فعل مكروه أو ترك مستحب وهو المذكور في قوله تعالى: { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس } وأما إن كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك محرم فها هنا لا يجوز الوفاء بالاتفاق بل يجب التكفير عند عامة العلماء وقبل أن تشرع الكفارة كان الحالف على مثل هذا لا يحل له الوفاء بيمينه ولا كفارة له ترفع عنه مقتضى الحنث بل يكون عاصيا معصية لا كفارة فيها سواء وفي أو لم يف كما لو نذر معصية عند من لم يجعل في نذره كفارة وكما إن كان المحلوف عليه فعل طاعة غير واجبة

فصل

فأما الحلف بالنذر الذي هو نذر اللجاج والغضب: مثل أن يقول: إن فعلت كذا فعلي الحج أو فمالي صدقة أو فعلي صيام ويريد بذلك أن يمنع نفسه عن الفعل أو أن يقول إن لم أفعل كذا فعلي الحج ونحوه فمذهب أكثر أهل العلم أنه يجزئه كفارة يمين من أهل مكة والمدينة والبصرة والكوفة وهو قول فقهاء الحديث كالشافعي وأحمد وإسحق وأبي عبيد وغيرهم وهذا إحدى الروايتين عن أبي حنيفة وهو الرواية المتأخرة عنه

ثم اختلف هؤلاء فأكثرهم قالوا هو مخير بين الوفاء بنذره وبين كفارة يمين وهذا قول الشافعي والمشهور عن أحمد ومنهم من قال بل عليه الكفارة عينا كما يلزمه ذلك في اليمين بالله وهو الرواية الأخرى عن أحمد وقوله بعض أصحاب الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة في الرواية الأخرى وطائفة من يجب الوفاء بهذا النذر وقد ذكروا أن الشافعي سئل عن هذه المسألة بمصر فأفتى بها بالكفارة فقال له السائل: يا أبا عبد الله هذا قولك قال: قول من هو خير مني عطاء بن أبي رباح وذكروا أن عبد الرحمن بن القاسم حنث ابنه في هذه اليمين فأفتاه بكفارة يمين بقول الليث بن سعد وقال: إن عدت حلفت أفتيتك بقول مالك وهو الوفاء به

ولهذا تفرغ أصحاب مالك مسائل هذه اليمين على النذر لعمومات الوفاء بالنذر لقوله : [ من نذر أن يطيع الله فليطعه ] ولأنه حكم جائز معلق بشرط فوجب عند ثبوت شرطه كسائر الأحكام والقول الأول هو صحيح والدليل عليه مع ما سنذكره إن شاء الله من دلالة الكتاب والسنة ما اعتمده الإمام أحمد وغيره

قال أبو بكر الأثرم في مسائله: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل قال ماله في رتاج الكعبة قال: كفارة يمين واحتج بحديث عائشة قال: وسمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل يحلف بالمشي إلى بيت الله أو الصدقة بالملك ونحو ذلك من الايمان فقال: إذا حنث فكفارة إلا أني لا أحمله على الحنث ما لم يحنث قيل له: لا تفعل قيل لأبي عبد الله: فإذا حنث كفر قال: نعم قيل له: أليس كفارة يمين قال: نعم قال: وسمعت أبا عبد الله يقول في حديث ليلى بنت العجماء حين حلفت بكذا وكذا وكل مملوك لها حر فأفتت بكفارة يمين فاحتج بحديث ابن عمر وابن عباس حين أفتيا فيمن حلف بعتق جارية وأيمان فقال أما الجارية فتعتق

وقال الأثرم: حدثنا الفضل بن دكين ثنا حسن عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة قالت: من قال مالي في ميراث الكعبة وكل مالي فهو هدي وكل مالي في المساكين فليكفر يمينه

وقال: حدثنا عارم بن الفضل حدثنا معمر بن سليمان قال: قال أبي: حدثنا بكر بن عبد الله أخبرني أبو رافع قال: قالت مولاتي ليلى بنت العجماء: كل مملوك لها حر وكل مال لها هدى وهي يهودية وهي نصرانية إن لم تطلق امرأتك أو تفرق بينك وبين امرأتك

قال: فأتيت زينب بنت أم سلمة وكانت إذا ذكرت امرأة بالمدينة فقيهة ذكرت زينب قال: فأتيتها فجاءت معي إليها فقالت: في البيت هاروت وماروت وقالت: يا زينب جعلني الله فداءك أنها قالت كل مملوك لها حر وكل مال لها هدى وهي يهودية وهي نصرانية فقالت يهودية نصرانية حل بين الرجل وبين امرأته فأتيت حفصة أم المؤمنين فأرسلت إليها فأتتها فقالت: يا أم المؤمنين جعلني الله فداءك إنها قالت: كل مملوك لها حر وكل مال لها هدى وهي يهودية وهي نصرانية فقالت: يهودية ونصرانية حل بين الرجل وبين امرأته قال: فأتيت عبد الله بن عمر فجاء معي إليها فقام على الباب فقال أمن حجارة أنت أم من حديد أنت أم من أي شيء أنت افتتك زينب وأفتتك أم المؤمنين فلم تقبلي فتياهما قالت: يا أبا عبد الرحمن جعلني الله فداك إنها قالت كل مملوك لها حر وكل مال لها هدى وهي يهودية وهي نصرانية فقال: يهودية ونصرانية كفري عن يمينك وحلي بين الرجل وبين امرأته

وقال الأثرم: حدثنا عبد الله بن رجاء أنبأنا عمران عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى أن امرأة سألت ابن عباس أن امرأة جعلت بردها عليها هديا إن لبسته فقال ابن عباس: في غضب أم في رضى؟ قالوا: في غضب قال: إن الله تبارك وتعالى لا يتقرب إليه بالغضب لتكفر عن يمينها

قال: وحدثني ابن الطباع حدثنا أبو بكر بن عباس عن العلاء بن المسيب عن يعلى بن النعمان عن عكرمة عن أبو عباس سئل عن رجل جعل ماله في المساكين فقال: أمسك عليك مالك وأنفقه على عيالك وأقضي به دينك وكفر عن يمينك

وروى الأثرم عن أحمد حدثنا عبد الرزاق بن جريح سئل عطاء عن رجل قال علي ألف بدنة قال يمين وعن رجل قال علي ألف حجة قال يمين وعن رجل قال مالي في المساكين قال يمين

وعن أحمد قال: حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر بن قتادة عن الحسن وجابر ابن زيد في الرجل يقول إن لم أفعل كذا وكذا فأما محرم بحجة قالا ليس الإحرام إلا على من نوى الحج يمين يكفرها

وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال يمين يكفرها

وقال حرب الكرماني: حدثنا المسيب بن واضح حدثنا يوسف بن أبي الشعر عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح سألت ابن عباس عن الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله الحرام قال: إنما المشي على من نواه فإما من حلف في الغضب فعليه كفارة يمين

وأيضا فإن الاعتبار في الكلام بمعنى الكلام لا بلفظه وهذا الحالف ليس مقصوده قربة لله وإنما مقصوده الحض على فعل أو المنع منه وهذا معنى اليمين فإن الحالف يقصد الحض على فعل أو المنع منه ثم إذا علق ذلك الفعل بالله تعالى أجزأته الكفارة فلا تجزئه إذا علق به وجوب عبادة أو تحريم مباح بطريق الأولى لأنه إذا علقه بالله ثم حنث كان موجب حنثه أنه قد هتك إيمانه بالله حيث لم يف بعهده وإذا علق به وجوب فعل أو تحريمه فإنما يكون موجب حنثه ترك واجب أو فعل محرم ومعلوم أن الحنث الذي موجبه خلل في التوحيد أعظم مما موجبه معصية من المعاصي فإذا كان الله قد شرع الكفارة لإصلاح ما اقتضى الحنث في التوحيد فساده ونحو ذلك وخيره فلأن يشرع لإصلاح ما اقتضى الحنث فساده في الطاعة أولى وأحرى وأيضا فإنا نقول إن موجب صيغة القسم مثل موجب صيغة التعليق والنذر نوع من اليمين وكل نذر فهو يمين نقول الناذر لله على أن أفعل بمنزلة قوله أحلف بالله لأفعلن موجب هذين القولين التزام الفعل معلقا بالله

والدليل على هذا قول النبي : [ النذر والحلف ] فقوله: إن فعلت كذا فعلي الحج لله بمنزلة قوله إن فعلت كذا فوالله لأحجن وطرد هذا أنه إذا حلف ليفعلن برا لزمه فعله ولم يكن له أن يكفر فإن حلفه ليفعلنه نذر لفعله وكذلك طرد هذا أنه إذا نذر ليفعلن معصية أو مباحا فقد حلف على فعلها بمنزلة ما لو قال: والله لأفعلن كذا ولو حلف بالله ليفعلن معصية أو مباحا لزمته كفارة يمين فكذلك لو قال لله علي أن أفعل كذا ومن الفقهاء من أصحابنا وغيرهم من يفرق بين الناس

فصل

فأما اليمين بالطلاق والعتاق في اللجاج والغضب مثل أن يقصد بها حضا أو منعا أو تصديقا أو تكذيبا كقوله بالطلاق يلزمني لأفعلن كذا أو إلا فعلت كذا أو إن فعلت كذا فعبيدي أحرار أو إن لم أفعله فعبيدي أحرار فمن قال من الفقهاء المتقدمين إن نذر اللجاج والغضب يجب فيه الوفاء فإنه يقول هنا يقع الطلاق والعتاق أيضا

وأما الجمهور الذين قالوا في نذر اللجاج والغضب تجزئه الكفارة فاختلفوا هنا مع أنه لم يبلغني عن أحد من الصحابة في الحلف بالطلاق كلام وإنما بلغنا الكلام فيه عن التابعين ومن بعدهم لأن اليمين به محدثة لم يكن يعرف في عصرهم

ولكن بلغنا الكلام في الحلف بالعتق كما سنذكره إن شاء الله فاختلف التابعون ومن بعدهم في اليمين بالطلاق والعتاق فمنهم من فرق بينهم وبين اليمين بالنذر وقالوا: إنه يقع الطلاق والعتاق بالحنث ولا تجزئه الكفارة بخلاف اليمين بالنذر هذا رواية عن عوف عن الحسن وهو قول الشافعي وأحمد في الصريح المنصوص عنه واسحق بن راهوية وأبو عبيد وغيرهم

فروى حرب الكرماني عن معمر بن سليمان عن عوف عن الحسن قال: كل يمين وإن عظمت ولو حلف بالحج والعمرة وإن جعل ماله في المساكين ما لم يكن طلاق امرأة في ملكه يوم حلف أو عتق غلام في ملكه يوم حلف فإنما هي يمين

وقال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يقول لأبيه إن كلمتك فامرأتي طالق وعبدي حر قال: لا يقوم هذا مقام اليمين ويلزمه ذلك في الغضب والرضاء

وقال سليمان بن داود: يلزمه الحنث في الطلاق والعتاق

وبه قال أبو خيثمة قال إسماعيل: وأخبرنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن عثمان بن أبي حازم أن امرأة حلفت بمالها في سبيل الله أو في المساكين وجاريتها حرة إن لم تفعل كذا وكذا فسألت ابن عمر وابن عباس فقالا أما الجارية فتعتق وأما قولها في المال فإنها تزكي المال قال أبو إسحق الجوزجاني الطلاق والعتق لا يحلان في هذا محل الإيمان ولو كان المجرى فيها مجرى الإيمان لوجب على الحالف بها إذا حنث كفارة وهذا مما لا يختلف الناس فيه أن لا كفارة فيها قلت أخبر أبو إسحق بما بلغه من العلم في ذلك فإن أكثر مفتي الناس في ذلك الزمان من أهل المدينة وأهل العراق وأصحاب أبي حنيفة ومالك كانوا لا يفتون في نذر اللجاج والغضب إلا بوجوب الوفاء لا بالكفارة وإن كان أكثر التابعين مذهبهم فيها الكفارة حتى أن الشافعي لما أفتى بمصر بالكفارة كان غريبا بين أصحابه المالكية وقال له السائل يا أبا عبد الله هذا قولك فقال قول من هو خير مني عطاء بن أبي رباح فلما أفتى فقهاء الحديث كالشافعي وأحمد وإسحق وأبي عبيد وسليمان بن داود وابن أبي شيبة وعلي بن المديني ونحوهم في الحلف بالنذر بالكفارة وفرق من فرق بين ذلك وبين الطلاق والعتاق لما سنذكره صار الذي يعرف قول هؤلاء وقول أولئك لا يعلم خلافا في الطلاق والعتاق وإلا فسنذكر الخلاف إن شاء الله تعالى عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم

وقد اعتذر الإمام عما ذكرناه عن الصحابة في كفارة العتق بعذرين أحمدهما إنفراد سليمان التيمي بذلك والثاني معاوضته بما رواه عن ابن عمر وابن عباس بأن العتق يقع من غير تكفير وما وجدت أحدا من العلماء المشاهير بلغه في هذه المسألة من العلم المأثور عن الصحابة ما بلغ أحمد

قال المروزي: قال أبو عبد الله: إذا قال كل مملوك له حر يعتق عليه إذا حنث لأن الطلاق والعتق ليس فيهما كفارة وقال ليس كل مملوك لها حر في حديث ليلى بنت العجماء حديث أبي رافع سألت ابن عمر وحفصة وزينب وذكرت العمق فأمروها بكفارة إلا التيمي وأما حميد وغيره فلم يذكروا العتق

قال: وسألت أبا عبد الله عن حديث أبي رافع قصة امرأته وأنها سألت ابن عمر وحفصة فأمروها بكفارة يمين قلت فيها المشي قال نعم إذهب إلى أن فيه كفارة يمين

وقال أبو عبد الله: ليس يقول فيه كل مملوك إلا التيمي قلت فإذا حلف بعتق مملوكه فحيث قال يعتق كذا يروي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا الجارية تعتق ثم قال: ما سمعناه إلا من عبد الرزاق عن معمر قلت فأيش إسناده قال: معمر عن إسماعيل عن عثمان بن حاصر عن ابن عمر وابن عباس

وقال إسماعيل أمية وأيوب بن موسى وهما مكيان: فقد فرق بين الحلف بالطلاق والعتق

والحلف بالنذر وبأنهما لا يكفران واتبع ما بلغه في ذلك عن ابن عمر وابن عباس وبه عارض ما روى من الكفارة عن ابن عمر وحفصة وزينب مع انفراد التيمي بهذه الزيادة وقال صالح بن أحمد قال أبي وإذا قال جاريتي حرة إن لم أصنع كذا وكذا قال: قال ابن عمر وابن عباس: يعتق وإذا قال بل مالي في المساكين فيه كفارة فإن ذا لا يشبه ذا ألا ترى أن ابن عمر فرق بينهما العتق والطلاق لا يكفران وأصحاب أبي حنفية يقولون إذا قال الرجل مالي في المساكين أنه يتصدق به على المساكين وإذا قال مالي على فلان صدقة

وفرقوا بين قوله إن فعلت كذا فمالي صدقة أو فعلي الحج وبين قوله فامرأتي طالق أو فعبدي حر بأنه هناك موجب القول وجوب الصدقة والحج لا وجود الصدقة والحج فإذا اقتضى الشرط وجوب ذلك كانت الكفارة بدلا عن هذا الواجب كما يكون بدلا عن غيره من الواجبات كما كانت في أول الإسلام بدلا عن الصوم الواجب وبقيت بدلا عن الصوم على العاجز عنه وكما يكون بدلا عن الصوم الواجب في ذمة الميت فإن الواجب إذا كان في المذمة أمكن أن يخير بين أدائه وبين أداء غيره

وأما العتق والطلاق فإن موجب الكلام وجودهما فإذا وجد الشرط وجد العتق والطلاق وإذا وقعا لم يرتفعا بعد وقوعهما لأنهما لا يقبلان الفسخ بخلاف ما لو قال: إن فعلت كذا فوالله على أن أعتق فإنه هنا لم يعلق العتق وإنما علق وجوبه بالشرط فيخير بين فعل هذا الإعتاق الذي أوجبه على نفسه وبين الكفارة التي هي بدل عنه ولهذا لو قال: إذا مت فعبدي حر عتق بموته من غير حاجة إلى الإعتاق ولم يلزمه فسخ هذا التدبير عند الجمهور إلا قولا للشافعي ورواية عن أحمد وفي بيعه الخلاف المشهور ولو وصى بعتقه فقال: إذا مت فاعتقوه كان له الرجوع في ذلك كسائر الوصايا وكان له بيعه هنا وإن لم يجز بيع المدبر

وذكر أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن محمد بن عرفه في تاريخه أن المهدي لما روى ما أجمع عليه رأي أهل بيته من العهد إلى أنه وزع عيسى بن موسى الذي كان ولي العهد عزمه على خلع عيسى ودعاهم إلى البيعة لموسى فامتنع عيسى من الخلع وزعم أنه عليه إيمانا تخرجه من أملاكه ويطلق نساءه فأحضر له المهدي ابن غلامة ومسلم بن خالد وجماعة من الفقهاء فافتوه بما يخرجه عن يمينه واعتاض عما يلزمه في يمينه بمال كثير ذكره ولم يزل إلى أن خلع وبيع للمهدي ولموسى الهادي بعده

وأما أبو ثور فقال في العتق المعلق على وجه اليمين يجزئه كفارة يمين كنذر اللجاج والغضب لأجل ما تقدم من حديث ليلى بنت العجماء التي أفتاها عبد الله بن عمر وحفصة أم المؤمنين وزينب ربيبة رسول الله في قولها إن لم أفرق بينك وبين امرأتك فكل لي محرر وهذه القصة هي مما اعتمدها الفقهاء المستدلون في مسألة نذر اللجاج والغضب لكن توقف أحمد وأبو عبيد عن العتق فيها لما ذكرته من الفرق وعارض أحمد ذلك وأما الطلاق فلم يبلغ أبا ثور فيه أثر فتوقف عنه مع أن القياس عنده مساواته للعتق لكن خاف أن يكون مخالفا للإجماع والصواب أن الخلاف في الجميع الطلاق وغيره لما سنذكره

ولو لم ينقل في الطلاق نفسه خلاف معين لكان فتيا من أفتى من الصحابة في الحلف بالعتاق بكفارة يمين من باب التنبيه على الحلف بالطلاق فإنه إذا كان نذر العتق الذي هو قربة لما خرج مخرج اليمين أجزأت فيه الكفارة فالحلف بالطلاق الذي ليس بقربة أما أن تجزي فيه الكفارة أولا يجب فيه شيء قول على قول من يقول نذر غير الطاعة لا شيء فيه ويكون قوله: إن فعلت كذا فأنت طالق بمنزلة قوله: فعلى أن أطلقك كما كان عند أولئك الصحابة ومن وافقهم قوله: فعبيدي أحرار بمنزلة قوله فعلى أن أعتقهم على أني إلى الساعة لم يبلغني عن أحد من الصحابة كلام في الحلف بالطلاق

وذلك والله أعلم لأن الحلف بالطلاق لم يكن قد حدث في زمانهم وإنما ابتدعه الناس في زمن التابعين ومن بعدهم فاختلف فيه التابعون ومن بعدهم فأحد القولين أنه يقع به كما تقدم والقول الثاني أنه لا يلزم الوقوع ذكر عبد الرزاق عن طاووس عن أبيه أنه كان يقول الحلف بالطلاق ليس شيئا قلت: أكان يراه يمينا قال لا أدري فقد أخبر ابن طاووس عن أبيه أنه كان لا يراه موقعا للطلاق وتوقف في كونه يمينا يوجب الكفارة لأنه من باب نذر ما لا قربة فيه

وفي كون مثل هذا يمينا خلاف مشهور وهذا قول أهل الظاهر وكذا أبي محمد بن حزم لكن بناء على أنه لا يقع طلاق معلق ولا عتق معلق

واختلفوا في المؤجل وهو بناء على ما تقدم من أن العقود لا يصح منها إلا ما دل نص أو إجماع على وجوبه أو جوازه وهو مبني على ثلاث مقدمات يخالفون فيها:

أحدها: كون الأصل تحريم العقود

الثاني: أنه لا يباح ما كان في معنى النصوص

الثالث: أن الطلاق المؤجل والمعلق لم يتدرج في عموم النصوص

وأما المأخذ المتقدم من كون هذا كنذر اللجاج والغضب فهذا قياس قول الذين جوزوا التكفير في نذر اللجاج وفرقوا بين نذر التبرر ونذر الغضب فإن هذا الفرق يوجب الفرق بين المعلق الذي يقصد وقوعه عند الشرط وبين المعلق المحلوف به الذي يقصدعدم وقوعه إلا أن يصح الفرق المذكور بين كون المعلق هو الوجود أو الوجوب وسنتكلم عليه وقد ذكرنا هذا القول يخرج من أصول أحمد على مواضع قد ذكرناها وكذلك هو أيضا لازم لمن قال في نذر اللجاج والغضب بكفارة كما هو ظاهر مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة التي اختارها أكثر متأخري أصحابه وإحدى الروايتين عن ابن القاسم التي اختارها كثير من متأخري المالكية فإن التسوية بين الحلف بالنذر والعتق هو المتوجه ولهذا كان من أقوى حجج القائلين بوجوب الوفاء في الحلف بالنذر فإنهم قاسوه على الحلف بالطلاق والعتاق واعتقده بعض المالكية مجمعا عليه وأيضا فإذا حلف بصيغة القسم كقوله عبيدي أحرار لأفعلن أو نسائي طوالق لأفعلن فهو بمنزلة قوله مالي صدقة لأفعلن وعلي الحج لأفعلن والذي يوضح التسوية أن الشافعي إنما اعتمد في الطلاق المعلق على فدية الخلع قاله في البويطي وهو كتاب متحري من أجود كلامه وذلك أن الفقهاء يسمون الطلاق المعلق بسبب طلاقا بصفة ويسمون ذلك الشرط صفة ويقولن إذا وجدت الصفة في زمان البينونة وإذا لم توجد الصفة ونحو ذلك

وهذا التشبيه لها وجهان:

أحدهما: أن هذا الطلاق موصوف بصفة ليس طلاقا مجردا عن صفة فإنه إذا قال أنت طالق في أول السنة وإذا ظهرت فقد وصف الطلاق بالزمان الخاص فإن الظرف صفة للمظروف وكذلك إذا قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فقد وصفه بعوضه

والثاني: إن نحاة الكوفة يسمون حروف الجر ونحوها حروف الصفات فلما كان هذا فلما كان معلقا بالحروف التي قد تسمى حروف الصفات سمي طلاقا بصفة كما لو قال أنت طالق بألف

والوجه الأول هو الأصل فإن هذا يعود إليه إذا النحاة إذا سموا حروف الجر حروف الصفات لأن الجار والمجرور يصير في المعنى صفة لما تعلق به فإن كان الشافعي وغيره إنما اعتمدوا في الطلاق الموصوف على الطلاق المذكور في القرآن وقاسوا كل طلاق بصفة عليه صار هذا كما أن النذر المعلق بشرط مذكور في قوله تعالى: { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين }

ومعلوم أن النذر المعلق بشرط هو نذر بصفة فقد فرقوا بين النذر المقصود شرطه وبين النذر المقصود عدم شرطه الذي خرج مخرج اليمين فلذلك يفرق بين الطلاق المقصود وصفه كالخلع حيث المقصود فيه العوض والطلاق المحلوف به الذي يقصد عدمه وعدم شرطه فإنه إنما يقاس بما في الكتاب والسنة وما أشبهه ومعلوم ثبوت الفرق بين الصفة المقصودة وبين الصفة المحلوف عليها التي يقصد عدمها كما فرق بينهما في النذر سواء

والدليل على هذا القول الكتاب والسنة والأثر والاعتبار

أم الكتاب: فقوله سبحانه: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم } فوجه الدلالة أن الله قال: { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } وهذا نص عام في كل يمين يحلف بها المسلمون إن الله قد فرض لها تحلة وذكره سبحانه بصيغة الخطاب للأمة بعد تقدم الخطاب بصيغة الأفراد النبي مع علمه سبحانه بأن الأمة يحلفون بأيمان شتى فلو فرض يمين واحد ليس لها تحلة لكان مخالفا للآية كيف وهذا عام لم تخص فيه صورة واحدة لا بنص ولا بإجماع بل هو عام عموما معنويا مع عمومه اللفظي فإن اليمين معقود يوجب منع المكلف من الفعل فشرع التحلة لهذه العقدة مناسب لما فيه من التخفيف والتوسعة وهذا موجود في اليمين بالعتق والطلاق أكثر منه في غيرهما من أيمان نذر اللجاج والغضب فإن الرجل إذا حلف بالطلاق ليقتلن النفس أو ليقطعن رحمه أو ليمنعن الواجب عليه من أداء أمانة ونحوهما فإنه يجعل الطلاق عرضة ليمينه أن يبر ويتقي ويصلح بين الناس أكثر مما يجعل الله عرضة ليمينه ثم إن وفي يمينه كان عليه من ضرر الدنيا والدين ما قد أجمع المسلمون على تحريم الدخول فيه وإن طلق امرأته ففي الطلاق أيضا من ضرر الدين والدنيا ما لا خفاء فيه أما الدين فإنه مكروه باتفاق الأمة مع استقامة حالة الزوجين أما كراهة تنزيه أو كراهة تحريم فكيف إذا كانا في غاية الاتصال وبينهما من الأولاد والعشيرة ما يكون في طلاقهما من ضرر الدين أمر عظيم وكذلك ضرر الدنيا كما يشهد به الواقع بحيث لو خير أحدهما بين أن يخرج من ماله ووطنه وبين الطلاق لاختار فراق ماله ووطئه على الطلاق وقد قرن الله فراق الوطن بقتل النفس ولهذا قال الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه متابعة لعطاء أنها إذا أحرمت بالحج فحلف عليها زوجها بالطلاق أنها لا تحج صارت محصرة وجاز لها التحلل لما عليها في ذلك من الضرر الزائد على ضرر الإحصار بالعدو أو القريب منه وهذا ظاهر فيما إذا قال إن فعل كذا فعلي أن أطلقك أو أعتق عبيدي فإن هذا في نذر اللجاج والغضب بالاتفاق كما لو قال والله لأطلقنك أو لأعتق عبيدي وإنما الفرق بين وجود العتق ووجوبه هو الذي اعتمده المفرقون وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى

وأيضا فإن الله قال: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم } وذلك يقتضي أنه ما من تحريم لما أحل الله إلا والله غفور رحيم لفاعله رحيم به وأنه لا علة تقتضي ثبوت ذلك التحريم لأن قوله لأي شيء إستفهام في معنى النفي والإنكار والتقدير لا سبب لتحريمك ما أحل الله لك والله غفور رحيم فلو كان الحالف بالنذور والعتاق والطلاق على أنه لا يفعل شيئا لا رخصة له لكان هنا سبب يقتضي تحريم الحلال ولا يبقى موجب المغفرة والرحمة على هذا الفاعل

وأيضا قوله سبحانه وتعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } إلى قوله: { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم }

والحجة منها كالحجة من الأولى وأقوى علم فإنه لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم وهذا لتحريمها بالأيمان من الطلاق وغيرها ثم بين وجه المخرج من ذلك بقوله: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته } أي فكفارته تعقيدكم أو عقدكم الأيمان وهذا عام ثم قال: { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } وهذا عام كعموم قوله: { واحفظوا أيمانكم }

مما يوضح عمومه أنهم قد أدخلو الحلف بالطلاق في عموم قوله : [ من حلف فقال إن شاء الله فإن شاء فعل وإن شاء ترك ] فأدخلوا فيه الحلف بالطلاق والعتاق والنذر والحلف بالله وإنما لم يدخل مالك وأحمد وغيرهما تنجيز بالطلاق موافقة لابن عباس لأن إيقاع الطلاق ليس بحلف وإنما الحلف المنعقد ما تضمن محلوفا به ومحلوفا عليه أما بصيغة القسم وأما بصيغة الجزاء وما كان في معنى ذلك كما سنذكره إن شاء الله تعالى

وهذه الدلالة تنبيه على أصول الشافعي وأحمد ومن وافقهم في مسألة نذر اللجاج والغضب فإنهم احتجوا على التكفير فيه بهذا الآية وجعلوا قوله: { تحلة أيمانكم } كفارة أيمانكم عاما في اليمين بالله واليمين بالنذر ومعلوم أن شمول اللفظ لنذر اللجاج والغضب في الحج والعتق ونحوهما سواء فإن قيل المراد في الآية اليمين بالله فقط فإن هذا هو المفهوم من مطلق اليمين ويجوز أن يكون التعريف بالألف واللام والإضافة في قوله عقدتم الأيمان وتحلة أيمانكم منصرفا إلى اليمين المعهودة عليهم وهي اليمين بالله وحينئذ فلا يعلم اللفظ إلا المعروف عندهم والحلف بالطلاق ونحوه لم يكن معروفا عندهم ولو كان اللفظ عاما فقد علمنا أنه لم يدخل فيه اليمين التي ليست مشروعة كاليمين بالمخلوقات فلا يدخل الحلف بالطلاق ونحوه لأنه ليس من اليمين المشروعة لقوله من كان حالفا فليحلف بالله وإلا فليصمت وهذا سؤال من يقول كل يمين غير مشروطة فلا كفارة لها ولا حنث فيقال: لفظ اليمين شمل هذا كله بدليل استعمال النبي والصحابة والعلماء اسم اليمين في هذا كله كقوله : [ النذر حلف ] وقول الصحابة لمن حلف بالهدى بالعتق كفر يمينك وكذلك فهمه الصحابة من كلام النبي كما سنذكره ولإدخال العلماء كذلك في قوله : [ من حلف فقال إن شاء الله فإن شاء فعل وإن شاء ترك ] ويدل على عمومه في الآية أنه سبحانه قال: { لم تحرم ما أحل الله لك } ثم قال: { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم }

فاقتضى هذا أن نفس تحريم الحلال يمين كما استدل به ابن عباس وغيره وسبب نزول الآية أما تحريمه العسل وأما تحريمه مارية القبطية وعلى التقديرين فتحريم الحلال يمين على ظاهر الآية وليس يمنيا بالله ولهذا أفتى جمهور الصحابة كعمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وغيرهم أن تحريم الحلال يمين مكفرة إمام كفارة كبرى كالظهار وإما كفارة صغرى كاليمين بالله وما زال السلف يسمون الظهار ونحوه يمينا

وأيضا فإن قوله: { لم تحرم ما أحل الله لك } أما أن يراد به لم تحرم بلفظ الحرام وإما لم تحرمه باليمين بالله تعالى ونحوهما وإما لم تحرمه مطلقا

فإن أريد الأول والثالث فقد ثبت تحريمه بغير الحلف بالله ثم فيعم وإن أريد به تحريمه بالحلف بالله فقد سمى الله الحلف بالله تحريما للحلال ومعلوم أن اليمين بالله لم يوجب الحرمة الشرعية لكن لما أوجبت امتناع الحالف من الفعل فقد حرمت عليه الفعل تحريما شرطيا لا شرعيا فكل يوجب امتناعه من الفعل فقد حرمت عليه الفعل فيدخل في قوله: { لم تحرم ما أحل الله لك } وحينئذ فقوله: { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } لا بد أن يعم كل يمين حرمت الحلال لأن هذا حكم ذلك الفعل فلا بد أن يطابق صوره لأن تحريم الحلال هو سبب قوله: { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم }

وسبب الجواب إذا كان عاما كان الجواب عاما لئلا يكون جوابا عن البعض دون البعض مع قيام السبب المقتضي للتعميم وهذا التقدير في قوله: { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } إلى قوله: { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } وأيضا فإن الصحابة فهمت العموم وكذلك العلماء عامتهم حملوا الآية على اليمين بالله وغيرها وأيضا فنقول على الرأس سلمنا أن اليمين المذكورة في الآية المراد بها اليمين بالله تعالى وأن ما سوى اليمين بالله تعالى لا يلزم بها حكم فمعلوم أن من حلف بصفاته كالحلف به كما لو قال: وعزة الله تعالى أو لعمر الله أو والقرآن العظيم فإنه قد ثبت جواز الحلف بالصفات ونحوها عن النبي والصحابة ولأن الحلف بصفاته كالاستعاذة بها وإن كانت الإستعاذة لا تكون إلا بالله في مثل قول النبي : [ أعوذ بوجهك ] و[ أعوذ بكلمات الله التامات ] و[ أعوذ برضاك من سخطك ] ونحو ذلك وهذا أمر متقرر عند العلماء وإذا كان كذلك فالحلف بالنذر والطلاق ونحوهما هو الحلف بصفات الله

فإنه إذا قال إن فعلت كذا فعلي الحج فقد حلف بإيجاب الحج عليه وإيجاب الحج عليه حكم من أحكام الله تعالى وهو من صفاته وكذلك لو قال: فعلي تحرير رقبة وإذ قال: فامرأتي طالق وعبدي حر فقد حلف بإزالة ملكه الذي هو تحريمه عليه والتحريم من صفات الله كما أن الإيجاب من صفات الله تعالى وقد جعل الله ذلك من آياته في قوله: { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } فجعل صدوره في النكاح والطلاق والخلع من آياته لكنه إذا حلف بالإيجاب والتحريم فقد عقد اليمين لله كما يعقد النذر لله فإن قوله علي الحج والصوم عقد الله ولكن إذا كان حالفا فهو لم يقصد العقد لله بل قصد الحلف به فإذا حنث ولم يوف به فقد ترك ما عقد الله كما أنه إذا فعل المحلوف فقد ترك ما عقده بالله

يوضح ذلك: أنه إذا حلف بالله أبو بغير الله مما يعظمه بالحلف فإنما حلف به ليعقد به المحلوف عليه به ليعقد به المحلوف عليه ويربطه به لأنه يعظمه في قلبه إذا ربط به شيئا لم يجده فإذا حل ما ربطه به فقد انتقصت عظمته من قلبه وقطع السبب الذي بينه وبينه وكما قال بعضهم اليمين العقد على نفسه لحق من له حق ولهذا إذا كانت اليمين غموسا كانت من الكبائر الموجبة للنار كما قال تعالى: { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } وذكرها النبي في عد الكبائر وذلك أنه إذا تعمد أن يعقد بالله ما ليس منعقدا به فقد نقض الصلة التي بينه وبين ربه بمنزلة من أخبر عن الله بما هو منزه عنه أو تبرأ من الله بخلاف ما إذا حلف على المستقبل فإنه عقد بالله فعلا قاصدا لعقده على وجه التعظيم لله لكن الله أباح له حل هذا العقد الذي عقده كما يبيح له ترك بعض الواجبات لحاجة أو يزيل عند وجوبها ولهذا قال أكثر أهل العلم: إذا قال هو يهودي أو نصراني إن لم يفعل ذلك فهي يمين بمنزلة قوله والله لأفعلن لأنه ربط عدم الفعل بكفره الذي هو براءته من الله فيكون قد ربط الفعل بإيمانه بالله وهذا هو حقيقة الحلف بالله فربط الفعل بأحكام الله من الإيجاب والتحريم أدنى حالا من ربطه بالله

يوضح ذلك: أنه إذا عقد اليمين بالله فهو عقد لها بإيمانه بالله وهو ما في قلبه من حلال الله وإكرامه الذي هو حد الله ومثله الأعلى في السموات والأرض كما أنه إذا سبح لله وذكره فهو مسبح لله وذاكرا له بقدر ما في قلبه من معرفته وعبادته ولذلك جاء التسبيح تارة لإسم الله كما في قوله: { سبح اسم ربك الأعلى } وتارة كما في قوله: { وسبحوه بكرة وأصيلا } وكذلك الذكر كما في قوله: { واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا } مع قوله: { اذكروا الله ذكرا كثيرا }

فحيث عظم العبد ربه بتسبيح اسمه أو الحلف به أو الاستعاذة به فهو مسبح له بتوسط المثل الأعلى الذي في قلبه من معرفته وعبادته وعظمته ومحبته علما وفضلا وإجلالا وإكراما وحكم الإيمان والكفر إنما يعود إلى ما كسبه قلبه من ذلك كما قال سبحانه: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } وكما في موضع آخر: { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } فلو اعتبر الشارع ما في لفظة القسم من انعقاده بالإيمان وارتباطه به دون قصد الحلف لكان موجبه أنه إذا حنث بغير إيمانه وتزول حقيقته كما قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وكما أنه إذا حلف على ذلك يمينا فاجرة كانت من الكبائر وإذا اشترى بها مالا معصوما فلا خلاق له في الآخرة ولا يكلمه الله يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم لكن الشارع علم أن الحالف بها ليفعلن أو لا يفعلن ليس غرضه الاستخفاف بحرمة اسم الله والتعلق به لغرض الحالف اليمين الغموس فشرع له الكفارة وحل هذا العقد وأسقطها عن لغو اليمين لأنه لم يعقد قلبه شيئا من الجناية على ايمانه فلا حاجة إلى الكفارة وإذا ظهر أن موجب لفظ اليمين انعقاد الفعل بهذا اليمين الذي هو إيمانه بالله فإذا عدم الفعل كان مقتضى لفظه عدم إيمانه هذا لولا ما شرع الله من الكفارة كما أن مقتضى قوله: إن فعلت كذا أوجب علي كذا أنه عند الفعل يجب ذلك الفعل لولا ما شرع الله من الكفارة

يوضح ذلك: أن النبي قال: [ من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال ] أخرجاه في الصحيحين فجعل اليمين الغموس في قوله ويهودي أو نصراني إن فعل كذا كالغموس في قوله والله ما فعلت كذا إذ هو في كلا الأمرين قد قطع عهده من الله حيث علق الايمان بأمر معدوم والكفر بأمر موجود بخلاف اليمين على المستقبل وطرد هذا المعنى أن اليمين الغموس إذا كانت في النذر الطلاق أو العتاق وقع المعلق به ولم ترفعه الكفارة كما يقع الكفر بذلك في أحد قولي العلماء وبهذا يحصل الجواب عن قولهم المراد به اليمين المشروعة

وأيضا قوله سبحانه وتعالى: { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم } فإن السلف مجمعون أو كالمجمعين على أن معناها أنكم لا تجعلوا الله مانعا لكم إذا حلفتم به من البر والتقوى والإصلاح بين الناس بأن يحلف الرجل أن لا يفعل معروفا مستحبا أو واجبا أو ليفعل مكروها أو حراما ونحوه فإن قيل له إفعل ذلك أو لا تفعل هذا قال قد حلفت بالله فيجعل الله عرضة ليمينه فإذا كان قد نهى عباده أن يجعلوا نفسه مانعا لهم في الحلف من البر والتقوى والحلف بهذه الأيمان إن كان داخلا في عموم الحلف به وجب أن لا يكون مانعا من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى فإنه إذا نهى أن يكون هو سبحانه عرضة لأيماننا أن نبر ونتقي فغيره أولى أن نكون منهيين عن جعله عرضة لأيماننا وإذا تبين أننا منهيون عن أن نجعل شيئا من الأشياء عرضة لإيماننا أن نبر ونتقي ونصلح بين الناس فمعلوم أن ذلك إنما هو لما في البر والتقوى والإصلاح مما يحبه الله ويأمر به فإذا حلف الرجل بالنذر أو الطلاق أو بالتعلق وأن لا يبر ولا يتقي ولا يصلح فهو بين أمرين أن وفى بذلك فقد جعل هذه الأشياء عرضه ليمينه أن يبر ويتقي ويصلح بين الناس وإن حنث فيها وقع عليه الطلاق ووجب عليه فعل المنذور فقد يكون خروج أهله وماله منه أبعد عن البر والتقوى من الأمر المحلوف عليه فإن أقام على يمينه ترك البر والتقوى وإن خرج عن أهله وماله وترك البر والتقوى فصارت عرضة ليمينه أن يبر ويتقي فلا يخرج عن ذلك إلا بالكفارة

وهذا المعنى هو الذي دلت عليه السنة ففي الصحيحين من حديث همام قال قال رسول الله : [ لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه ] رواه البخاري أيضا من حديث عكرمة عن أبي هريرة عن النبي : [ من استنتج في أهله بيمين فهو أعظم إثما ] فأخبر النبي أن اللجاج باليمين في أهل الحالف أعظم إثما من التكفير واللجاج التمادي في الخصومة ومنه قبل رجل لجوج إذا تمادى في الخصومة ولهذا سمى العلماء هذا نذر اللجاج والغضب فإنه يلج حتى يعقده ثم يلج في الامتناع من الحنث فبين النبي أن اللجاج باليمين أعظم إثما من الكفارة وهذا عام في جميع الأيمان

وأيضا فإن النبي قال لعبد الرحمن بن سمرة: [ إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفرعن يمينك ] أخرجاه في الصحيحين وفي رواية الصحيحين: [ فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير ] روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله قال: [ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير ] وفي رواية: [ فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ]

وهذا نكرة في سياق الشرط فيعم كل حلف على يمين كائنا ما كان الحلف فإذا رأى غير اليمين المحلوف عليها خيرا منها وهو أن يكون المحلوف عليها تركا لخير فيرى فعله خيرا من تركه أو يكون فعلا لشر فيرى تركه خيرا من فعله فقد أمره النبي أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه وقوله هنا على يمين هو والله أعلم من باب تسمية المفعول باسم المصدر سمي الأمر المحلوف عليه يمينا كما يسمى المخلوق خلقا والمضروب ضربا والمبيع بيعا ونحو ذلك وكذلك أخرجاه في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري في قصته وقصة أصحابه به لما جاؤوا إلى النبي ليستحملوه فقال: [ والله ما أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه ] ثم قال: [ إني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ] وروى مسلم في صحيحه عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله : [ إذا حلف أحدكم على اليمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير ] وفي رواية لمسلم: [ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا فليكفرها وليأت الذي هو خير ]

وقد رويت هذه السنة عن النبي من غير هذه الوجوه من حديث عبد الله بن عمر وعوف بن مالك الجشمي فهذه نصوص رسول الله المتواترة أنه أمر من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن يكفر يمينه ويأتي الذي هو خير ولم يفرق بين الحلف بالله أن النذر ونحوه وروى النسائي عن أبي موسى قال قال رسول الله : [ ما على الأرض يمين أحلف عليها فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيته ] وهذا صريح بأنه قصد تعميم كل يمين في الأرض وكذلك الصحابة فهموا منه دخول الحلف بالنذر في هذا الكلام فروى أبو داود في سننه حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد ابن زريع حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال: إن عدت تسألني القسمة فكل مال لي في رتاج الكعبة فقال له عمر: إن الكعبة غنية عن مالك كفر عن يمينك وكلم أخاك سمعت رسول الله يقول: [ لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة الرحم وفيما لا يملك ]

فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أمر هذا الذي حلف بصيغة الشرط ونذر نذر اللجاج والغضب بأن يكفر يمينه وأن لا يفعل ذلك المنذور واحتج بما سمعه من النبي أنه قال: [ لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة الرحم وفيما لا يملك ] ففهم من هذا أن من حلف بيمين أو نذر على معصية أو قطيعة فإنه لا وفاء عليه في ذلك النذر وإنما عليه الكفارة كما أفتاه عمر ولولا أن هذا النذر كان عنده يمينا لم يقل له كفر عن يمينك وإنما قال النبي : [ لا يمين ولا نذر ] لأن اليمين ما قصد بها الحض أو المنع والنذر ما قصد به التقرب وكلاهما لا يوفي به المعصية والقطيعة وفي هذا الحديث دلالة أخرى وهو أن قول النبي : [ لا يمين ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة الرحم ] يعلم جميع ما يسمى يمينا أو نذرا سواء كان اليمين بالله أو كانت بوجوب ما ليس بواجب من الصدقة أو الصيام أو الحج أو الهدي أو كانت بتحريم الحلال كالظهار والطلاق والعتاق ومقصود النبي إما أن يكون نهيه عن فعل المحلوف عليه من المعصية والقطيعة فقط

أو يكون مقصوده مع ذلك أن لا يلزمه ما في اليمين والنذور من الإيجاب والتحريم وهذا الثاني هو الظهار لاستدلال عمر بن الخطاب به فإنه لولا أن الحديث يدل على هذا لم يصح استدلال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ما أجاب به السائل من الكفارة دون إخراج المال في كسوة الكعبة ولأن لفظ النبي يعلم ذلك كله

وأيضا كما تبين دخول الحلف بالنذر والطلاق والعتاق في اليمين والحلف في كلام الله تعالى وكلام رسوله ما روى ابن عمر قال قال رسول الله : [ من حلف يمين وقال إن شاء الله فلا حنث عليه ] رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال حديث حسن وأبو دادود ولفظه: حدثنا أحمد بن حنبل ثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر يبلغ به النبي قال: [ من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى ] رواه أيضا من طريق عبد الرزاق عن نافع ابن عمر قال: قال رسول الله [ من حلف فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك غير حنث ] وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : [ من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث ] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه ولفظه فله ثنيا والنسائي وقال: فقد استثنى ثم عامة الفقهاء أدخلو الحلف بالنذر وبالطلاق وبالعتاق في هذا الحديث وقالوا ينفع الاستثناء بالمشيئة بل كثير من أصحاب أحمد يجعل الحلف بالطلاق لا خلاف فيه في مذهبه وإنما الخلاف فيما إذا كان بصيغة الجزاء وإنما الذي لا يدخل عند أكثرهم هو نفس إيقاع الطلاق والعتاق والفرق بين إيقاعهما والحلف بهما ظاهر وسنذكر إن شاء الله قاعدة الاستثناء فإذا كانوا قد أدخلوا الحلف بهذه الأشياء في قوله: من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه فكذلك يدخل في قوله: [ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ] فإن كلا اللفظين سواء وهذا واضح لمن تأمله فإن قوله من حلف على يمين فقال إن شاء فلا حنث عليه لفظ العموم فيه مثله في قوله من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي خير وليكفر عن يمينه وإذا كان لفظ رسول الله في حكم الاستثناء هو لفظه في حكم الكفارة وجب أن يكون كل ما ينفع فيه الاستثناء ينفع فيه التكفير وكل ما ينفع فيه التكفير ينفع فيه الاستثناء كما نص عليه أحمد في غير موضع ومن قال ان لرسول الله قصد بقوله من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه جميع الايمان التي يحلف بها من اليمين بالله وبالنذر وبالطلاق وبالعتاق وبقوله من حلف يمين فرأى غيرها خيرا منها إنما قصد به التمين بالله أو اليمين بالله والنذر فقوله ضعيف فإن موجب حضور أحد اللفظين بقلب النبي مثل حضور موجب اللفظ الآخر كلاهما لفظ واحد والحكم فيهما من جنس واحد وهو رفع اليمين أما بالاستثناء وإما بالتكفير

الفتاوى الكبرى لابن تيمية
كتاب السنة والبدعة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطهارة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | كتاب الصلاة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | كتاب الذكر والدعاء | 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب الصيام: 1 | 2 | 3 | كتاب الجنائز: 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب النكاح: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطلاق: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | | كتاب النفقات | كتاب الحدود: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الجهاد: 1 | 2 | كتاب البيوع: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الشهادة والأقضية والأموال: 1 | 2 | كتاب الوقف: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | كتاب الوصايا | كتاب الفرائض | كتاب الفضائل: 1 | 2 | كتاب الملاهي | مسائل منثورة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | كتاب الطهارة2 | كتاب الصلاة2: 1 | 2 | كتاب الجنائز2 | كتاب الزكاة2 | كتاب الصوم2 | كتاب الحج | كتاب البيع: 1 | 2 | كتاب الوصية | كتاب الفرائض | كتاب العتق | كتاب النكاح2: 1 | 2 | كتاب الخلع | كتاب الطلاق2 | كتاب الرجعة | كتاب الظهار | كتاب الجنايات | كتاب الأطعمة | كتاب الأيمان | باب القضاء | كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل | كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة: 1 |2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16