الفتاوى الكبرى/كتاب الصلاة/1

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

كتاب الصلاة

1 - 85 - مسألة: هل كانت الصلاة على من قبلنا من الأمم مثل ما هي علينا من الوجوب والأوقات والأفعال والهيئات أم لا؟

أجاب رضي الله عنه: كانت لهم صلاة في هذه الأوقات لكن ليست مماثلة لصلاتنا في الأوقات والهيئات وغيرهما والله أعلم.

2 - 86 - مسألة: في رجل يفسق ويشرب الخمر ويصلي الصلوات الخمس وقد قال : [ كل صلاة لم تنه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد صاحبها من الله إلا بعدا ].

أجاب: هذا الحديث ليس بثابت عن النبي لكن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما ذكر الله في كتابه وبكل حال فالصلاة لا تزيد صاحبها بعدا بل الذي يصلي خير من الذي لا يصلي وأقرب إلى الله منه وإن كان فاسقا

لكن قال ابن عباس: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها وقد قال النبي : [ إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها حتى قال: إلا عشرها ] فإن الصلاة إذا أتى بها كما أمر نهته عن الفحشاء والمنكر وإذا لم تنهه دل على تضييعه لحقوقها وإن كان مطيعا وقد قال تعالى: { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة } الآية وإضاعتها التفريط في واجباتها وإن كان يصليها والله أعلم

87 - / 3 - مسألة: في قوله تعالى: { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } والرجل إذا شرب الخمر وصلى وهو سكران هل تجوز صلاته أم لا؟

الجواب: صلاة السكران الذي لا يعلم ما يقول لا تجوز باتفاق بل ولا يجوز أن يمكن من دخول المسجد لهذه الآية وغيرها فإن النهي عن قربان الصلاة وقربان مواضع الصلاة والله أعلم.

88 - / 4 - مسألة: في رجل يصلي الخمس لا يقطعها ولم يحضر صلاة الجمعة وذكر أن عدم حضوره لها أنه يجد ريحا في جوفه تمنعه عن انتظار الجمعة وبين منزله والمكان الذي تقام فيه الجمعة قدر ميلين أو دونهما فهل العذر الذي ذكره كاف في ترك الجمعة مع قرب منزله أفتونا مأجورين

الجواب: بل عليه أن يشهد الجمعة ولا يتأخر بحيث يحضر ويصلي مع بقاء وضوئه وإن كان لا يمكنه الحضور إلا مع خروج الريح فليشهدها - وإن خرجت منه الريح فإنه لا يضره ذلك والله أعلم

5 - 89 - مسألة: في قوم منتسبين إلى المشائخ يتوبونهم عن قطع الطريق وقتل النفس والسرقة والزموهم بالصلاة لكونهم يصلون صلاة عادة البادية فهل تجب إقامة حدود الصلاة أم لا؟

أجاب: أما الصلاة فقد قال الله تعالى: { فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراؤون * ويمنعون الماعون } وقال تعالى: { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا }.

فقد ذم الله تعالى في كتابه الذين يصلون إذا سهوا عن الصلاة وذلك على وجهين:

أحدهما: أن يؤخرها عن وقتها.

والثاني: أن لا يكمل واجباتها: من الطهارة والطمأنينة والخشوع وغير ذلك كما ثبت في الصحيح أن النبي قال: [ تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق - ثلاث مرار - يترقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ]

فجعل النبي صلاة المنافقين التأخير وقلة ذكر اسم الله سبحانه وقد قال تعالى: { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا } وقال: { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا * إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما }

وأما قوله سبحانه وتعالى: { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } فقد قال بعض السلف: إضاعتها تأخيرها عن وقتها وإضاعة حقوقها قالوا: وكانوا يصلون ولو تركوها لكانوا كفارا فإنه قد صح عن النبي أنه قال: [ ليس بين العبد وبين الشرك إلا ترك الصلاة ] وقال: [ العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ] وفي الحديث: [ إن العبد إذا كمل الصلاة صعدت ولها برهان كبرهان الشمس وتقول حفظك الله كما حفظتني وإن لم يكملها فإنها تلف كما يلف الثوب ويضرب بها وجه صاحبها وتقول ضيعك الله كما ضيعتني ]

وفي السنن عن النبي أنه قال: [ إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها إلا خمسها: إلا سدسها حتى قال: إلا عشرها ] وقال ابن عباس: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها

وقوله: { واتبعوا الشهوات } الذي يشتغل به عن إقامة الصلاة - كما أمر الله تعالى رسوله - بنوع من أنواع الشهوات: كالرقص والغناء: وأمثال ذلك.

وفي الصحيحين: [ أن رجلا دخل المسجد فصلى ركعتين ثم أتى النبي فسلم عليه فقال: وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم أتاه فسلم عليه فقال: وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل مرتين أو ثلاثا فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيرها فعلمني ما يجزئني في الصلاة فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اجلس حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ]

وفي السنن عنه أنه قال: [ لا تقبل صلاة من لم يقم صلبه في الركوع والسجود ] [ ونهى عن نقر كنقر الغراب ] ورأى حذيفة رجلا يصلي لا يتم الركوع والسجود فقال: لو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا أو قال: لو مات هذا رواه ابن خزيمة في صحيحه

90 - 6 - مسألة: فيمن قال: ان الصبيان مأمورون بالصلاة قبل البلوغ وقال آخر: لا نسلم فقال له: ورد عن النبي أنه قال: [ مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ] فقال: هذا ما هو أمر من الله ولم يفهم منه تنقيص فهل يجب في ذلك شيء؟ أفتونا مأجورين

الجواب: إن كان المتكلم أراد أن الله أمرهم بالصلاة بمعنى أنه أوجبها عليهم فالصواب مع الثاني وأما إن أراد أنهم مأمورون: أي أن الرجال يأمرونهم بها لأمر الله إياهم بالأمر أو أنها مستحبة في حق الصبيان فالصواب مع المتكلم.

وقول القائل: ما هو أمر من الله إذا أراد به أنه ليس أمرا من الله للصبيان بل هو أمر لمن يأمر الصبيان فقد أصاب وإن أراد أن هذا ليس أمرا من الله لأحد فهذا خطأ يجب عليه أن يرجع عنه ويستغفر الله والله أعلم.

91 - / 7 - مسألة: في أقوام يؤخرون صلاة الليل إلى النهار لأشغال لهم من زرع أو حرث أو جنابة أو خدمة استاذ أو غير ذلك فهل يجوز لهم ذلك؟ أم لا؟

الجواب: لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة النهار إلى الليل ولا يؤخر صلاة الليل إلى النهار لشغل من الأشغال لا لحصد ولا لحرث ولا لصناعة ولا لجنابة ولا نجاسة ولا صيد ولا لهو ولا لعب ولا لخدمة أستاذ ولا غير ذلك بل المسلمون كلهم متفقون على أن عليه أن يصلي الظهر والعصر بالنهار ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس ولا يترك ذلك لصناعة من الصناعات ولا للهو ولا لغير ذلك من الأشغال وليس للمالك أن يمنع مملوكه ولا للمستأجر أن يمنع الأجير من الصلاة في وقتها.

ومن أخرها لصناعة أو صيد أو خدمة أستاذ أو غير ذلك حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يستتاب فإن تاب والتزم أن يصلي في الوقت ألزم بذلك وإن قال: لا أصلي إلا بعد غروب الشمس لاشتغاله بالصناعة والصيد أو غير ذلك فإنه يقتل.

وقد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال: [ من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ] وفي الصحيحين عنه - - أنه قال: [ من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله ] وفي وصية أبي بكر الصديق لعمر بن الخطاب أنه قال: إن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار وحقا بالنهار لا يقبله بالليل.

والنبي كان أخر صلاة العصر يوم الخندق لاشتغاله بجهاد الكفار ثم صلاها بعد المغرب فأنزل الله تعالى: { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى }.

وقد ثبت في الصحيحين عن النبي : [ أن الصلاة الوسطى صلاة العصر ] فلهذا قال جمهور العلماء إن ذلك التأخير منسوخ بهذه الآية فلم يجوزوا تأخير الصلاة حال القتال بل أوجبوا عليه الصلاة قي الوقت حال القتال وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه

وعن أحمد رواية أخرى أنه يخير حال القتال بين الصلاة وبين التأخير ومذهب أبي حنيفة يشتغل بالقتال ويصلي بعد الوقت وأما تأخير الصلاة لغير الجهاد كصناعة أو زراعة أو صيد أو عمل من الأعمال ونحو ذلك فلا يجوزه أحد من العلماء بل قد قال تعالى: { فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون } قال طائفة من السلف: هم الذين يؤخرونها عن وقتها وقال بعضهم: هم الذين لا يؤدونها على الوجه المأمور به وإن صلاها في الوقت فتأخيرها عن الوقت حرام باتفاق العلماء فإن العلماء متفقون على أن تأخير صلاة الليل إلى النهار وتأخير صلاة النهار إلى الليل بمنزلة تأخير صيام شهر رمضان إلى شوال، فمن قال أصلي الظهر والعصر بالليل فهو باتفاق العلماء بمنزلة من قال أفطر شهر رمضان وأصوم شوال وإنما يعذر بالتأخير النائم والناسي كما قال النبي : [ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها لا كفارة لها إلا ذلك ]، فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لجنابة ولا حدث ولا نجاسة ولا غير ذلك بل يصلي في الوقت بحسب حاله فإن كان محدثا وقد عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله تيمم وصلى وكذلك الجنب يتيمم ويصلي إذا عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله لمرض أو لبرد وكذلك العريان يصلي في الوقت عريانا ولا يؤخر الصلاة حتى يصلي بعد الوقت في ثيابه وكذلك إذا كان عليه نجاسة لا يقدر أن يزيلها فيصلي في الوقت بحسب حاله وهكذا المريض يصلي على حسب حاله في الوقت كما قال النبي لعمران بن حصين: [ صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ] فالمريض باتفاق العلماء يصلي في الوقت قاعدا أو على جنب إذا كان القيام يزيد في مرضه ولا يصلي بعد خروج الوقت قائما.

وهذا كله لأن فعل الصلاة في وقتها فرض والوقت أوكد فرائض الصلاة كما أن صيام شهر رمضان واجب في وقته ليس لأحد أن يؤخره عن وقته ولكن يجوز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة باتفاق المسلمين.

وكذلك يجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء وبين الظهر والعصر عند كثير من العلماء للسفر والمرض ونحو ذلك من الأعذار.

وأما تأخير صلاة النهار إلى الليل وتأخير صلاة الليل إلى النهار فلا يجوز لمرض ولا لسفر ولا لشغل من الأشغال ولا لصناعة باتفاق العلماء بل قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: الجمع بين صلاتين من غير عذر من الكبائر لكن المسافر يصلي ركعتين ليس عليه أن يصلي أربعا بل الركعتان تجزئ المسافر في سفر القصر باتفاق العلماء.

ومن قال إنه يجب على كل مسافر أن يصلي أربعا فهو بمنزلة من قال: إنه يجب على المسافر أن يصوم شهر رمضان وكلاهما ضلال مخالف لإجماع المسلمين يستتاب قائله فإن تاب وإلا قتل والمسلمون متفقون على أن المسافر إذا صلى الرباعية ركعتين والفجر ركعتين والمغرب ثلاثا وأفطر شهر رمضان وقضاه أجزأه ذلك.

وأما من صام في السفر شهر رمضان أو صلى أربعا ففيه نزاع مشهور بين العلماء: منهم من قال لا يجزئه ذلك فالمريض له أن يؤخر الصوم باتفاق المسلمين وليس له أن يؤخر الصلاة باتفاق المسلمين والمسافر له أن يؤخر الصيام باتفاق المسلمين وليس له أن يؤخر الصلاة باتفاق المسلمين

وهذا مما يبين أن المحافظة على الصلاة في وقتها أوكد من الصوم في وقته قال تعالى: { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } قال طائفة من السلف: إضاعتها تأخيرها عن وقتها ولو تركوها لكانوا كفارا

وقال النبي [ سيكون بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها ثم اجعلوا صلاتكم معهم نافلة ] رواه مسلم عن أبي ذر قال قال رسول الله : [ كيف بك إذا كان عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها وينسؤون الصلاة عن وقتها قلت: فماذا تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة ] وعن عبادة بن الصامت عن النبي قال: [ سيكون عليكم أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها فصلوا الصلاة لوقتها وقال رجل أصلي معهم قال: نعم إن شئت واجعلوها تطوعا ] رواه أحمد وأبو داود ورواه عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله : [ كيف بكم إذا كان عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله؟ قال: صل الصلاة لوقتها واجعل صلاتك معهم نافلة ].

ولهذا اتفق العلماء على أن الرجل إذا كان عريانا مثل أن تنكسر بهم السفينة أو تسلبه القطاع ثيابه فإنه يصلي في الوقت عريانا والمسافر إذا عدم الماء يصلي بالتيمم في الوقت باتفاق العلماء وإن كان يجد الماء بعد الوقت وكذلك الجنب المسافر إذا عدم الماء تيمم وصلى ولا إعادة عليه باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم وكذلك إذا كان البرد شديدا فخاف إن اغتسل أن يمرض فإنه يتيمم ويصلي في الوقت ولا يؤخر الصلاة حتى يصلي بعد الوقت باغتسال وقد قال النبي : [ الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسسه بشرتك فإن ذلك خير ]

وكل ما يباح بالماء يباح بالتيمم فإذا تيمم لصلاة فريضة قرأ القرآن داخل الصلاة وخارجها وإن كان جنبا ومن امتنع عن الصلاة بالتيمم فإنه من جنس اليهود والنصارى فإن التيمم لأمة محمد خاصة كما قال النبي في الحديث الصحيح [ فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لي الأرض مسجدا وجعلت تربتها طهورا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ] وفي لفظ: [ جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره ].

وقد تنازع العلماء هل يتيمم قبل الوقت؟ وهل يتيمم لكل صلاة أو يبطل بخروج الوقت؟ أو يصلي ما شاء كما يصلي بالماء ولا ينقضه إلا ما ينقض الوضوء أو القدرة على استعمال الماء؟ وهذا مذهب أبي حنيفة وأحد الأقوال في مذهب أحمد وغيره فإن النبي قال: [ الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فامسسه بشرتك فإن ذلك خير ] قال الترمذي حديث حسن صحيح

وإذا كان عليه نجاسة وليس عنده ما يزيلها به صلى في الوقت وعليه النجاسة كما صلى عمر بن الخطاب وجرحه يثعب دما ولم يؤخر الصلاة حتى خرج الوقت

ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا فقيل: يصلي عريانا وقيل: يصلي فيه ويعيد وقيل: يصلي فيه ولا يعيد وهذا أصح أقوال العلماء فإن الله لم يأمر العبد أن يصلي الفرض مرتين إلا إذا لم يفعل الواجب الذي يقدر عليه في المرة الأولى مثل أن يصلي بلا طمأنينة فعليه أن يعيد الصلاة كما أمر النبي من صلى ولم يطمئن أن يعيد الصلاة وقال: [ ارجع فصل فإنك لم تصل ]

وكذلك من نسي الطهارة وصلى بلا وضوء فعليه أن يعيد كما أمر النبي من توضأ وترك لمعة في قدمه لم يمسها الماء أن يعيد الوضوء والصلاة

فأما من فعل ما أمر به بحسب قدرته فقد قال تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم } وقال النبي : [ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ] ومن كان مستيقظا في الوقت والماء بعيد منه لا يدركه إلا بعد الوقت فإنه يصلي في الوقت بالتيمم باتفاق العلماء

وكذلك إذا كان البرد شديدا ويضره الماء البارد ولا يمكنه الذهاب إلى الحمام أو تسخين الماء حتى يخرج الوقت فإنه يصلي في الوقت بالتيمم والمرأة والرجل في ذلك سواء فإذا كانا جنبين ولم يمكنهما الاغتسال حتى يخرج الوقت فإنهما يصليان في الوقت بالتيمم

والمرأة الحائض إذا انقطع دمها في الوقت ولم يمكنها الاغتسال إلا بعد خروج الوقت تيممت وصلت في الوقت.

ومن ظن أن الصلاة بعد خروج الوقت بالماء خير من الصلاة في الوقت بالتيمم فهو ضال جاهل.

وإذا استيقظ آخر وقت الفجر فإذا اغتسل طلعت الشمس فجمهور العلماء هنا يقولون: يغتسل ويصلي بعد طلوع الشمس وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وأحد القولين في مذهب مالك وقال في القول الآخر: بل يتيمم أيضا هنا ويصلي قبل طلوع الشمس كما تقدم في تلك المسائل لأن الصلاة في الوقت بالتيمم خير من الصلاة بعده بالغسل والصحيح قول الجمهور لأن الوقت في حق النائم هو من حين يستيقظ كما قال النبي : [ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها ] فالوقت في حق النائم هو من حين يستيقظ وما قبل ذلك لم يكن وقتا في حقه.

وإذا كان كذلك فإذا استيقظ قبل طلوع الشمس فلم يمكنه الاغتسال والصلاة إلا بعد طلوعها فقد صلى الصلاة في وقتها ولم يفوتها بخلاف من استيقظ في أول الوقت فإن الوقت في حقه قبل طلوع الشمس فليس له أن يفوت الصلاة وكذلك من نسي صلاة وذكرها فإنه حينئذ يغتسل ويصلي في أي وقت كان وهذا هو الوقت في حقه فإذا لم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس كما استيقظ أصحاب النبي لما ناموا عن الصلاة عام خيبر فإنه يصلي بالطهارة الكاملة وإن أخرها إلى حين الزوال فإذا قدر أنه كان جنبا فإنه يدخل الحمام ويغتسل وإن أخرها إلى قريب الزوال ولا يصلي هنا بالتيمم ويستحب له أن ينتقل عن المكان الذي نام فيه كما انتقل النبي وأصحابه عن المكان الذي ناموا فيه وقال: هذا مكان حضرنا فيه الشيطان

وقد نص على ذلك أحمد وغيره وإن صلى فيه جازت صلاته.

فإن قيل: هذا يسمى قضاء أو أداء؟

قيل: الفرق بين اللفظين هو فرق إصطلاحي لا أصل له في كلام الله ورسوله فإن الله تعالى سمى فعل العبادة في وقتها قضاء كما قال في الجمعة: { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } وقال تعالى: { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله } مع أن هذين يفعلان في الوقت والقضاء في لغة العرب: هو إكمال الشيء وإتمامه كما قال تعالى: { فقضاهن سبع سماوات } أي: أكملهن وأتمهن فمن فعل العبادة كاملة فقد قضاها وإن فعلها في وقتها.

وقد اتفق العلماء فيما أعلم على أنه لو اعتقد بقاء وقت الصلاة فنواها أداء ثم تبين أنه صلى بعد خروج الوقت صحت صلاته ولو اعتقد خروجه فنواها قضاء ثم تبين له بقاء الوقت أجزأته صلاته.

وكل من فعل العبادة في الوقت الذي أمر به أجزأته صلاته سواء نواها أداء أو قضاء والجمعة تصح سواء نواها أداء أو قضاء إذا أراد القضاء المذكور في القرآن والنائم والناسي إذا صليا وقت الذكر والإنتباه فقد صليا في الوقت الذي أمرا بالصلاة فيه وإن كانا قد صليا بعد خروج الوقت المشروغ لغيرهما فمن سمى ذلك قضاء باعتبار هذا المعنى وكان في لغته أن القضاء فعل العبادة بعد خروج الوقت المقدر شرعا للعموم فهذه التسمية لا تضر ولا تنفع.

وبالجملة فليس لأحد قط شغل يسقط عنه فعل الصلاة في وقتها بحيث يؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار بل لا بد من فعلها في الوقت لكن يصلي بحسب حاله فما قدر عليه من فرائضها فعله وما عجز عنه سقط عنه ولكن يجوز الجمع للعذر بين صلاتي النهار وبين صلاتي الليل عند أكثر العلماء: فيجوز الجمع للمسافر إذا جد به السير عند مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه ولا يجوز في الرواية الأخرى عنه وهو قول أبي حنيفة

وفعل الصلاة في وقتها أولى من الجمع إذا لم يكن عليه حرج بخلاف القصر فإن صلاة ركعتين أفضل من صلاة أربع عند جماهير العلماء فلو صلى المسافر أربعا فهل تجزئه صلاته؟ على قولين والنبي كان في جميع أسفاره يصلي ركعتين ولم يصل في السفر أربعا قط ولا أبو بكر ولا عمر

8 - 92 - مسألة: في العمل الذي لله بالنهار لا يقبله بالليل والعمل الذي بالليل لا يقبله بالنهار.

الجواب: وأما عمل النهار الذي لا يقبله الله بالليل وعمل الليل الذي لا يقبله الله بالنهار: فهما صلاة الظهر والعصر لا يحل للإنسان أن يؤخرهما إلى الليل بل قد ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال: [ من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ] وفي صحيح البخاري عنه أنه قال: [ من فاتته صلاة العصر حبط عمله ]

فأما من نام عن صلاة أو نسيها فقد قال : [ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها ].

وأما من فوتها متعمدا فقد أتى كبيرة من أعظم الكبائر وعليه القضاء عند جمهور العلماء وعند بعضهم لا يصح فعلها قضاء أصلا ومع القضاء عليه لا تبرأ ذمته من جميع الواجب ولا يقبلها الله منه بحيث يرتفع عنه العقاب ويستوجب الثواب بل يخفف عنه العذاب بما فعله من القضاء ويبقى عليه إثم التفويت وهو من الذنوب التي تحتاج إلى مسقط آخر بمنزلة من عليه حقان: فعل أحدهما وترك الآخر قال تعالى: { فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون }.

وتأخيرها عن وقتها من السهو عنها باتفاق العلماء.

وقال تعالى: { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } قال غير واحد من السلف إضاعتها تأخيرها عن وقتها فقد أخبر الله سبحانه أن الويل لمن أضاعها وإن صلاها ومن كان له الويل لم يكن قد يقبل عمله وإن كان له ذنوب أخر فإذا لم يكن ممتثلا للأمر في نفس العمل لم يتقبل ذلك العمل قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: في وصيته لعمر: واعلم أن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار وحقا بالنهار لا يقبله بالليل وأنه لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة والله أعلم

93 - 9 - مسألة: عن تارك الصلاة من غير عذر هل هو مسلم في تلك الحال؟

أجاب: أما تارك الصلاة فهذا إن لم يكن معتقدا لوجوبها فهو كافر بالنص والاجماع لكن إذا أسلم ولم يعلم أن الله أوجب عليه الصلاة أو وجوب بعض أركانها: مثل أن يصلي بلا وضوء فلا يعلم أن الله أوجب عليه الوضوء أو يصلي مع الجنابة فلا يعلم أن الله أوجب عليه غسل الجنابة فهذا ليس بكافر إذا لم يعلم

لكن إذا علم الوجوب: هل يجب عليه القضاء؟ فيه قولان للعلماء في مذهب أحمد ومالك وغيرهما قيل: يجب عليه القضاء وهو المشهور عن أصحاب الشافعي وكثير من أصحاب أحمد وقيل: لا يجب عليه القضاء وهذا هو الظاهر

وعن أحمد في هذا الأصل روايتان منصوصتان فيمن صلى في معاطن الإبل ولم يكن علم بالنهي ثم علم هل يعيد؟ على روايتين ومن صلى ولم يتوضأ من لحوم الابل ولم يكن علم بالنهي ثم علم هل يعيد؟ على روايتين منصوصتين

وقيل: عليه الاعادة: إذا ترك الصلاة جاهلا بوجوبها في دار الإسلام دون دار الحرب وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة والصائم إذا فعل ما يفطر به جاهلا بتحريم ذلك: فهل عليه الاعادة؟ على قولين في مذهب أحمد وكذلك من فعل محظورا [ في ] الحج جاهلا

وأصل هذا: أن حكم الخطاب: هل يثبت في حق المكلف قبل أن يبلغه؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره قيل: يثبت وقيل: لا يثبت وقيل: يثبت المبتدأ دون الناسخ والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ لقوله تعالى: { لأنذركم به ومن بلغ } وقوله: { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } ولقوله: { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } ومثل هذا في القرآن متعدد بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدا حتى يبلغه ما جاء به الرسول.

ومن علم أن محمدا رسول الله فآمن بذلك ولم يعلم كثيرا مما جاء به لم يعذبه الله على ما لم يبلغه فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان بعد البلوغ فإنه لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلاغ أولى وأحرى وهذه سنة رسول الله المستفيضة عنه في أمثال ذلك

فإنه قد ثبت في الصحاح أن طائفة من أصحابه ظنوا أن قوله تعالى: { الخيط الأبيض من الخيط الأسود } هو الحبل الأبيض من الحبل الأسود فكان أحدهم يربط في رجله حبلا ثم يأكل حتى يتبين هذا من هذا فبين النبي أن المراد بياض النهار وسواد الليل ولم يأمرهم بالإعادة

وكذلك عمر بن الخطاب وعمار أجنبا فلم يصل عمر حتى أدرك الماء وظن عمار أن التراب يصل إلى حيث يصل الماء فتمرغ كما تمرغ الدابة ولم يأمر واحدا منهم بالقضاء وكذلك أبو ذر بقي مدة جنبا لم يصل ولم يأمره بالقضاء بل أمره بالتيمم في المستقبل.

وكذلك المستحاضة قالت: إني أستحاض حيضة شديدة تمنعني الصلاة والصوم فأمرها بالصلاة زمن دم الاستحاضة ولم يأمرها بالقضاء

ولما حرم الكلام في الصلاة تكلم معاوية بن الحكم السلمي في الصلاة بعد التحريم جاهلا بالتحريم فقال له: [ إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين ] ولم يأمره بإعادة الصلاة

ولما زيد في صلاة الحضر حين هاجر إلى المدينة كان من كان بعيدا عنه: مثل من كان بمكة وبأرض الحبشة يصلون ركعتين ولم يأمرهم النبي بإعادة الصلاة

ولما فرض شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة ولم يبلغ الخبر إلى من كان بأرض الحبشة من المسلمين حتى فات ذلك الشهر لم يأمرهم بإعادة الصيام

وكان بعض الأنصار - لما ذهبوا إلى النبي من المدينة إلى مكة قبل الهجرة - قد صلى إلى الكعبة معتقدا جواز ذلك قبل أن يؤمر باستقبال الكعبة وكانوا حينئذ يستقبلون الشام فلما ذكر ذلك للنبي أمره باستقبال الشام ولم يأمره بإعادة ما كان صلى

وثبت عنه في الصحيحين [ أنه سئل - وهو بالجعرانة: عن رجل أحرم بالعمرة وعليه جبة وهو متضمخ بالخلوق فلما نزل عليه الوحي قال له: إنزع عنك جبتك واغسل عنك أثر الخلوق واصنع في عمرتك ما كنت صانعا في حجك ] وهذا قد فعل محظورا في الحج وهو لبس الجبة ولم يأمره النبي على ذلك بدم ولو فعل ذلك مع العلم للزمه دم

وثبت عنه في الصحيحين أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته: [ صل فإنك لم تصل - مرتين أو ثلاثا - فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني ما يجزيني في الصلاة فعلمه الصلاة المجزية ] ولم يأمره بإعادة ما صلى قبل ذلك، مع قوله ما أحسن غير هذا وإنما أمره أن يعيد تلك الصلاة لأن وقتها باق فهو مخاطب بها والتي صلاها لم تبرأ بها الذمة ووقت الصلاة باق.

ومعلوم أنه لو بلغ صبي أو أسلم كافر أو طهرت حائض أو أفاق مجنون والوقت باق لزمتهم الصلاة أداء لا قضاء وإذا كان بعد خروج الوقت فلا إثم عليهم فهذا المسيء الجاهل إذا علم بوجوب الطمأنينة في أثناء الوقت فوجبت عليه الطمأنينة حينئذ ولم تجب عليه قبل ذلك فلهذا أمره بالطمأنينة في صلاة تلك الوقت دون ما قبلها.

وكذلك أمره لمن صلى خلف الصف أن يعيد ولمن ترك لمعة من قدمه أن يعيد الوضوء والصلاة وقوله أولا: [ صل فإنك لم تصل ] تبين أن ما فعله لم يكن صلاة ولكن لم يعرف أنه كان جاهلا بوجوب الطمأنينة فلهذا أمره بالإعادة ابتداء ثم علمه إياها لما قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا.

فهذه نصوصه - - في محظورات الصلاة والصيام والحج مع الجهل فيمن ترك واجباتها مع الجهل وأما أمره لمن صلى خلف الصف أن يعيد فذلك أنه لم يأت بالواجب مع بقاء الوقت فثبت الوجوب في حقه حين أمره النبي لبقاء وقت الوجوب لم يأمره بذلك مع مضي الوقت

وأما أمره لمن ترك لمعة في رجله لم يصبها الماء بالإعادة فلأنه كان ناسيا فلم يفعل الواجب كمن نسي الصلاة وكان الوقت باقيا فإنها قضية معينة بشخص لا يمكن أن يكون في الوقت بعده أعني أنه رآى في رجل رجل لمعة لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة رواه أبو داود وقال أحمد بن حنبل حديث جيد.

وأما قوله: [ ويل للأعقاب من النار ] ونحوه فإنما يدل على وجوب تكميل الوضوء ليس في ذلك أمر بإعادة شيء ومن كان أيضا يعتقد أن الصلاة تسقط عن العارفين أو عن المشائخ الواصلين أو عن بعض أتباعهم أو أن الشيخ يصلي عنهم أو أن لله عبادا أسقط عنهم الصلاة كما يوجد كثير من ذلك في كثير من المنتسبين إلى الفقر والزهد واتباع بعض المشائخ والمعرفة فهؤلاء يستتابون باتفاق الأئمة فإن أقروا بالوجوب وإلا قوتلوا وإذا أصروا على جحد الوجوب حتى قتلوا كانوا من المرتدين ومن تاب منهم وصلى لم يكن عليه إعادة ما ترك قبل ذلك في أظهر قولي العلماء فإن هؤلاء إما أن يكونوا مرتدين وإما أن يكونوا مسلمين جاهلين للوجوب.

فإن قيل: إنهم مرتدون عن الإسلام فالمرتد إذا أسلم لا يقضي ما تركه حال الردة عند جمهور العلماء كما لا يقضي الكافر إذا أسلم ما ترك حال الكفر باتفاق العلماء ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في أظهر الروايتين عنه والأخرى يقضي المرتد كقول الشافعي والأول أظهر

فإن الذين ارتدوا على عهد رسول الله كالحارث بن قيس وطائفة معه أنزل الله فيهم: { كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم } الآية والتي بعدها وكعبد الله بن أبي سرح والذين خرجوا مع الكفار يوم بدر وأنزل فيهم: { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم } فهؤلاء عادوا إلى الإسلام وعبد الله بن أبي سرح عاد إلى الإسلام عام الفتح وبايعه النبي ولم يأمر أحدا منهم بإعادة ما ترك حال الكفر في الردة كما لم يكن يأمر سائر الكفار إذا أسلموا، وقد ارتد في حياته خلق كثير اتبعوا الأسود العنسي الذي تنبأ بصنعاء اليمن ثم قتله الله وعاد أولئك إلى الإسلام ولم يؤمروا بالإعادة

وتنبأ مسيلمة الكذاب واتبعه خلق كثير قاتلهم الصديق والصحابة بعد موته حتى أعادوا من بقي منهم إلى الإسلام ولم يأمروا أحدا منهم بالقضاء وكذلك سائر المرتدين بعد موته.

وكان أكثر البوادي قد ارتدوا ثم عادوا إلى الإسلام ولم يأمر أحدا منهم بقضاء ما ترك من الصلاة وقوله تعالى: { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } يتناول كل كافر.

وإن قيل: إن هؤلاء لم يكونوا مرتدين بل جهالا بالوجوب وقد تقدم أن الأظهر في حق هؤلاء أنهم يستأنفون الصلاة على الوجه المأمور ولا قضاء عليهم فهذا حكم من تركها غير معتقد لوجوبها.

وأما من اعتقد وجوبها مع إصراره على الترك: فقد ذكر عليه المفرعون من الفقهاء فروعا، أحدها هذا فقيل عند جمهورهم: مالك والشافعي وأحمد وإذا صير حتى يقتل فهل يقتل كافرا مرتدا أو فاسقا كفساق المسلمين؟ على قولين مشهورين حكيا روايتين عن أحمد وهذه الفروع لم تنقل عن الصحابة وهي فروع فاسدة فإن كان مقرا بالصلاة في الباطن معتقدا لوجوبها يمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل وهو لا يصلي هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام ولا يعرف أن أحدا يعتقد وجوبها ويقال له إن لم تصل وإلا قتلناك وهو يصر على تركها مع إقراره بالوجوب فهذا لم يقع قط في الإسلام

ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل لم يكن في الباطن مقرا بوجوبها ولا ملتزما بفعلها وهذا كافر باتفاق المسلمين كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا ودلت عليه النصوص الصحيحة كقوله : [ ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة ] رواه مسلم وقوله: [ العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ].

وقول عبد الله بن شقيق: كان أصحاب محمد لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة فمن كان مصرا على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط فهذا لا يكون قط مسلما مقرا بوجوبها فإن اعتقاد الوجوب واعتقاد أن تاركها يستحق القتل هذا داع تام إلى فعلها والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور فإذا كان قادرا ولم يفعل قط علم أن الداعي في حقه لم يوجد والاعتقاد التام لعقاب التارك باعث على الفعل لكن هذا قد يعارضه أحيانا أمور توجب تأخيرها وترك بعض واجباتها وتفويتها أحيانا، فأما من كان مُصِراً على تركها لا يصلي قط ويموت على هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلما لكن أكثر الناس يصلون تارة ويتركونها تارة فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها وهؤلاء تحت الوعيد وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن حديث عبادة عن النبي أنه قال: [ خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له]، فالمحافظ عليها الذي يصليها في مواقيتها كما أمر الله تعالى والذي ليس يؤخرها أحيانا عن وقتها أو يترك واجباتها فهذا تحت مشيئة الله تعالى وقد يكون لهذا نوافل يكمل بها فرائضه كما جاء في الحديث

الفتاوى الكبرى لابن تيمية
كتاب السنة والبدعة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطهارة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | كتاب الصلاة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | كتاب الذكر والدعاء | 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب الصيام: 1 | 2 | 3 | كتاب الجنائز: 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب النكاح: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطلاق: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | | كتاب النفقات | كتاب الحدود: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الجهاد: 1 | 2 | كتاب البيوع: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الشهادة والأقضية والأموال: 1 | 2 | كتاب الوقف: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | كتاب الوصايا | كتاب الفرائض | كتاب الفضائل: 1 | 2 | كتاب الملاهي | مسائل منثورة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | كتاب الطهارة2 | كتاب الصلاة2: 1 | 2 | كتاب الجنائز2 | كتاب الزكاة2 | كتاب الصوم2 | كتاب الحج | كتاب البيع: 1 | 2 | كتاب الوصية | كتاب الفرائض | كتاب العتق | كتاب النكاح2: 1 | 2 | كتاب الخلع | كتاب الطلاق2 | كتاب الرجعة | كتاب الظهار | كتاب الجنايات | كتاب الأطعمة | كتاب الأيمان | باب القضاء | كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل | كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة: 1 |2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16