الفتاوى الكبرى/كتاب البيوع/3

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

فصل

ومن القواعد التي أدخلها قوم من العلماء في الغرر المنهى عنه أنواع من الإجارات والمشاركات كالمساقاة والزارعة ونحو ذلك

فذهب قوم من الفقهاء إلى أن المساقاة والمزارعة حرام باطل بناء على أنها نوع من الإجارة لأنها عمل بعوض والإجارة لا بد أن يكون فيها الأجر معلوما لأنها كالثمر ولما روى أحمد بن سعيد: [ أن النبي نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره ] وعن النجش واللمس وإلقاء الحجر والعوض في المساقاة والمزارعة مجهول لأنه قد يخرج الزرع والثمر قليلا وقد يخرج كثيرا وقد يخرج على صفات ناقصة وقد لا يخرج فإن منع الله الثمرة فقد استوفى عمل العامل باطلا

وهذا قول أبي حنيفة وهو أشد الناس قولا بتحريم هذا وأما مالك والشافعي فالقياس عندهما ما قاله أبو حنيفة إدخالا لذلك في الغرر لكن جوزا منه ما تدعو إليه الحاجة فجوز مالك والشافعي في القديم المساقاة مطلقا لأن كراء الشجر لا يجوز لأنه بيع الثمر قبل بدو صلاحه والمالك قد يتعذر عليه سقي شجرة وخدمتها فيضطر إلى المساقاة بخلاف المزارعة فإنه يمكنه كراء الأرض بالأجر المسمى فيغنيه ذلك عن المزارعة لكن جوزا من المزارعة ما يدخل في المساقاة تبعا فإن كان بين الشجر بياض فليقل جازت المزارعة عليه تبعا للمساقاة ومذهب مالك أن زرع ذلك الأرض للعامل بمطلق العقد فإن شرطاه بينهما جاز وهذا إذا لم يتجاوز الثلث والشافعي لا يجعله للعامل لكن يقول إذا لم يمكن سقي الشجر إلا بسقيه جازت المزارعة عليه ولأصحابه في البياض إذا كان كثيرا أكثر من الشجر وجهان وهذا إذا جمعهما في صفقة واحدة فإن فرق بينهما في صفقتين فوجهان:

أحدهما: لا يجوز بحال لأنه إنما جاز تبعا فلا يفرد بعقد

والثاني: يجوز إذا ساقى ثم زارع لأنه يحتاج إليه حينئذ وأما إذا قدم المزارعة لم يجز وجها واحدا وهذا إذا كان الجزء المشروط فيهما واحدا كالثلث أو الربع فإن فاصل بينهما ففيه وجهان وروى عن قوم من السلف منهم: طاوس والحسن وبعض الخلق: المنع من إجارة الأرض بالأجرة المسماة وإن كانت دراهم أو دنانير روى حرب عن الأوزاعي أنه سئل هل يصلح احتكار الأرض فقال اختلف فيه فالجماعة من أهل العلم لا يرون احتكارها بالدينار والدرهم وكره ذلك آخرون منهم وذلك لأنه في معنى بيع الغرر لأن المستأجر يلتزم الأجرة بناء على ما يحصل له من الزرع وقد لا يثبت الزرع فيكون بمنزلة اكتراء الشجر للاستثمار وقد كان طاوس يزارع ولأن المزارعة أبعد عن الغرر من المؤاجرة لأن المتعاملين في المزارعة أما أن يغنما جميعا أو يغرما جميعا فيذهب منفعة هذا وبقره ومنفعة أرض هذا وذلك أقرب إلى أن يحصل أحدهما على شيء مضمون ويبقى الآخر بحسب الخطر إذ المقصود بالعقد هو الزرع لا القدرة على حرث الأرض وبذرها وسقيها

وعذر الفريقين مع هذا القياس ما بلغهم من الآثار عن النبي من نهيه عن المخابرة وعن كراء الأرض لحديث رافع بن خديج وحديث جابر فعن نافع أن ابن عمر كان يكري مزارعة على عهد النبي وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من إمارة معاوية ثم حدث عن رافع بن خديج أن النبي نهى عن كراء المزارع فذهب ابن عمر إلى رافع فذهبت معه فسأله فقال: نهى النبي عن كراء المزارع فقال ابن عمر: قد علمت أنا كنا نكري مزارعنا على عهد رسول الله بما على الأربعاء وشيء من التبن أخرجاه في الصحيحين

وهذا لفظ البخاري ولفظ مسلم حتى بلغه في آخر خلافة معاوية أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي  ! فدخل عليه وأنا معه فسأله فقال: كان رسول الله ينهي عن كراء المزارع فتركها ابن عمر بعد فكان إذا سئل عنها قال: زعم ابن خديج أن رسول الله نهى عنها وعن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج يحدث كان ينهي عن كراء الأرض فلقيه عبد الله فقال ابن خديج: ماذا يحدث عن رسول الله عن كراء الأرض قال عبد الله: لقد كنت أعلم في عهد رسول الله أن الأرض تكرى ثم خشي عبد الله أن يكون رسول الله أحدث في ذلك شيئا لم يعلمه فترك كراء الأرض رواه مسلم وروى البخاري قول عبد الله في آخره

وعن رافع ابن خديج عن عمر وظهير بن رافع قال ظهير: [ لقد نهى رسول الله عن أمر كان بنا رافقا قلت: ما قال رسول الله فهو حق قال: دعاني رسول الله قال: ما تصنعون بمحاقلكم قلت: نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير قال: لا تفعلوا ازرعوها أو امسكوها قال رافع قلت: سمعا وطاعة ] أخرجاه في الصحيحين

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : [ من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أباها فليمسك أرضه ] أخرجاه

وعن جابر بن عبد الله قال: كانوا يزرعونها بالثلث والربع فقال رسول الله : [ من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن لم يفعل فليمسك أرضه ] أخرجاه وهذا لفظ البخاري

ولفظ مسلم كنا في زمان رسول الله نأخذ الارض بالثلث أو الربع بالماذيانات فقام رسول الله في ذلك فقال: [ من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها ] وفي رواية في الصحيح: [ ولا يكريها ] وفي رواية في الصحيح: [ نهى عن كراء الأرض ]

وقد ثبت أيضا في الصحيحين عن جابر قال: [ نهى رسول الله عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة ] وفي رواية في الصحيحين عن زايد بن أبي أنيسة عن عطاء عن جابر: [ أن النبي نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وأن يشتري النخل حتى يشقح ] والإشقاح أن يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شيء والمحاقلة أن يباع الحقل بكيل من الطعام معلوم والمزابنة أن يباع النخل بأوساق من التمر

والمخابرة الثلث أو الربع وأشباه ذلك قال زيد: قلت لعطاء: أسمعت جابر يذكرها عن رسول الله فقال: نعم

فهذه الأحاديث قد يستدل بها من ينهي عن المؤاجرة والمزارعة لأنه نهى عن كرائها والكراء يعمهما لأنه قال فليزرعها أو ليمنحها فإن لم يفعل فليمسكها فلم يرخص إلا في أن يزرعها أو يبيحها لغيره ولم يرخص في المعاوضة لا بمؤاجرة ولا يمزارعة ومن يرخص في المزارعة دون المؤاجرة يقول الكراء هو الإجارة أو المزارعة الفاسدة التي كانوا يفعلونها بخلاف المزارعة الصحيحة التي ستأتي أدلتها التي كان النبي يعامل بها أهل خيبر وعمل بها الخلفاء الراشدون بعده وسائر الصحابة يؤيد ذلك أن ابن عمر الذي ترك كراء الأرض لما حدثه رافع كان يروي حديث أهل خيبر رواية من يفتي به ولأن النبي نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والمعاوضة وجيمع ذلك من أنواع الغرر والمؤاجرة أظهر في الغرر من المزارعة كما تقدم ومن يجوز المؤاجرة دون المزارعة يستدل بما رواه مسلم في صحيحه عن ثابت ابن الضحاك أن رسول الله نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة وقال: لا بأس بها فهذا صريح في النهي عن المزارعة والأمر بالمؤاجرة

وسيأتي عن رافع بن خديج الذي روى الحديث عن النبي أنه لم ينههم النبي عن كرائها بشيء معلوم مضمون وإنما نهاهم عما كانوا يفعلونه من المزارعة وذهب جميع فقهاء الحديث الجامعون لطرقه كلهم كأحمد بن حنبل وأصحابه كلهم من المتقدمين والمتأخرين واسحق بن راهوية وأبي بكر بن أبي شيبة وسليمان بن داود الهاشمي وأبي خيثمة زهير بن حرب وأكثر فقهاء الكوفيين كسفيان الثوري ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة والبخاري صاحب الصحيح وأبي داود وجماهير فقهاء الحديث من المتأخرين: كابن المنذر وابن خزيمة والخطابي وغيرهم وأهل الظاهر وأكثر أصحاب أبي حنيفة إلى جواز المزارعة والمؤاجرة ونحو ذلك اتباعا لسنة رسول الله وسنة خلفائه وأصحابه وما عليه السلف وعمل جمهور المسلمين وبينوا معاني الأحاديث إلا أن يظهر اختلافها في هذا الباب فمن ذلك معاملة النبي لأهل خيبر هو وخلفاؤه من بعده إلى أن أجلاهم عمر فعن ابن عمر قال عامل رسول الله أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من تمر أو زرع أخرجاه وأخرجا أيضا عن ابن عمر أن رسول الله أعطى خيبر على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم لما افتتحت خيبر سألت اليهود رسول الله أن يقرهم فيها على أن يعملوها على نصف ما خرج منها من التمر والزرع فقال رسول الله أقركم فيها على ذلك ما شئنا وكان الثمر على السهمان من نصف خيبر فيأخذ رسول الله الخمس وفي رواية لمسلم عن عبد الله بن عمر عن النبي أنه دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوهها من أموالهم وأن لرسول الله شطر ثمرتها وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى مأصر الكوفة

عن ابن عباس أن رسول الله أعطى خيبر أهلها على نصف نخلها وأرضها رواه الإمام أحمد وابن ماجه وعن طاوس أن معاذ بن جبل أكرى الأرض على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان على الثلث والربع فهو يعمل به إلى يومك هذا رواه ابن ماجه وطاوس وكان باليمن وأخذ عن أصحاب معاذ الذين باليمن من أعيان المخضرمين وقوله وعمر وعثمان أي كانا يفعلان ذلك على عهد عمر وعثمان فحذف الفعل لدلالة الحال لأن المخاطبين كانوا يعلمون أن معاذ خرج من اليمن في خلافة الصديق وقدم الشام في خلافة عمر ومات بها في خلافته وقال البخاري في صحيحيه وقال قيس بن مسلم عن أبي جعفر تعين الباقر بالمدينة دار الهجرة فأمر ألا يزرعون على الثلث والربع قال وزارع علي وسعد بن مالك وعبد الله بن مسعود وعمر ابن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وابن سيرين وعامل عمر الناس على أن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذا

وهذه الآثار التي ذكرها البخاري قد رواها غير واحد من المصنفين في الآثار فإذا كان جميع المهاجرين كانوا يزارعون والخلفاء الراشدون وأكابر الصحابة والتابعين من غير أن ينكر ذلك منكر لم يكن إجماع أعظم من هذا بل إن كان في الدنيا إجماع فهو هذا لا سيما وأهل بيعة الرضوان جميعهم زارعوا على عهد رسول الله وبعده إلى أن أجلى عمر اليهود وقد تأول من أبطل المزارعة والمساقاة ذلك بتأويلات مردودة مثل أن قالوا اليهود عبيد النبي والمسلمين فجعلوا ذلك مثل المخارجة بين العبد وسيده ومعلوم بالنقل المتواتر أن النبي صالحهم ولم يسترقهم حتى أجلاهم عمر ولم يبعهم ولا مكن أحدا من المسلمين من استرقاق أحد منهم ومثل أن قال هذه معاملة مع الكفار فلا يلزم أن تجوز مع المسلمين وهذا مردود فإن خيبر كانت قد صارت دار إسلام وقد أجمع المسلمون على أنه يحرم في دار الإسلام بين المسلمين وأهل العهد ما يحرم بين المسلمين من المعاملات الفاسدة ثم إنا قد ذكرنا أن النبي عامل بين المهاجرين والأنصار وأن معاذ بن جبل عامل على عهده أهل اليمن بعد إسلامه على ذلك وأن الصحابة كانوا يعاملون بذلك

والقياس الصحيح يقتضي جواز ذلك مع عمومات الكتاب والسنة المبيحة أو النافية للحرج ومع الاستصحاب وذلك من وجوه:

أحدها: أن هذه المعاملة مشاركة ليست مثل المؤاجرة المطلقة فإن النماء الحادث يحصل من منفعة أصلين منفعة العين الذي ليس لهذا كبدنه وبقرة ومنفعة العين الذي لهذا كأرضه وشجره كما تحصل المغانم بمنفعة أبدان الغانمين وخيلهم وكما يحصل مال الفيء بمنفعة أبدان المسلمين من قوتهم ونصرهم بخلاف الإجارة فإن المقصود فيها هو العمل أو المنفعة فمن استأجر البناء استوفى المستأجر مقصوده بالعقد واستحق الأجير أجره وكذلك يشترط في الإجارة اللازمة أن يكون العمل مضبوطا كما يشترط مثل ذلك في المبيع وهنا منفعة بدون العامل وبدن بقره وحديده هو مثل منفعة أرض المالك وشجره ليس مقصود واحد منهما استيفاء منفعة الآخر وإنما مقصودهما جميعا ما يتولد من اجتماع المنفعتين فإن حصل نماء اشتركا فيه وإن لم يحصل نماء ذهب على كل منهما منفعته فيشتركان في المغنم وفي المغرم كسائر المشتركين فيما يحدث من نماء الأصول التي لهم

وهذا جنس من التصرفات يخالف في حقيقته ومقصوده وحكمه الإجارة المحضة وما فيه من شوب المعاوضة من جنس ما في الشركة من شوب المعاوضة فإن التصرفات العدلية في الأرض جنسان معاوضات ومشاركات فالمعاوضات كالبيع والإجارة والمشاركات شركة الأملاك وشركة العقد يدخل في ذلك اشتراك المسلمين في مال بيت المال واشتراك الناس في المباحات كمنافع المساجد والأسواق المباحة والطرقات وما يحيا من الموات أو يؤخذ من المباحات واشتراك الورثة في الميراث واشتراك الموصى لهم والموقوف عليهم في الوصية والوقف واشتراك التجار والصناع شركة عنان أو أبدان ونحو ذلك

وهذان الجنسان هما منشأ الظلم كما قال تعالى عن داود عليه السلام: { وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم } والتصرفات الأخرى هي الفضلية كالقرض والعارية والهبة والوصية وإذا كانت التصرفات المبنية على المعادلة هي معاوضة أو مشاركة فمعلوم قطعا أن المساقاة والمزارعة ونحوهما من جنس المشاركة ليس من جنس المعاوضة المحضة والغرر إنما حرم بيعه في المعاوضة لأنه أكل مال بالباطل وهنا لا يأكل أحدهما الآخر لأنه إن لم ينبت الزرع فإن رب الأرض لم يأخذ منفعة الآخر إذ هو لم يستوفها ولا ملكها بالعقد ولا هي مقصودة بل ذهبت منفعة بدنه كما ذهبت منفعة أرضه ورب الأرض لم يحصل له شيء حتى يكون قد أخذ والآخر لم يأخذ شيئا بخلاف بيوع الغرر وإجارة الغرر فإن أحد المتعاوضين يأخذ شيئا والآخر يبقى تحت الخطر فيفضي إلى ندم أحدهما وخصومتهما وهذا المعنى منتف في هذه المشاركات التي مبناها على المعادلة المحضة التي ليس فيها ظلم البتة لا في غرر وفي غير غرر ومن تأمل هذا تبين له مأخذ هذه الأصول وعلم أن جواز هذه أشبه بأصول الشريعة وأعرف في العقد وأبعد عن كل محذور ومن جواز إجارة الأرض بل ومن جواز كثير من البيوع والإجازات المجمع حيث هي مصلحة محضة للحق بلا فساد وإنما وقع اللبس فيها على من حرمها من إخواننا الفقهاء بعدما فهموه من الآثار من جهة أنهم اعتقدوا هذا إجارة على عمل مجهول لما فيها من عمل بعوض وليس كل من عمل لينتفع بعمله يكون أجيرا كعمل الشريكين في المال المشترك وكعمل الشريكين شركة أبدان وكاشتراك الغانمين في المغانم ونحو ذلك مما لا يعد ولا يحصى نعم لو كان أحدهما يعمل بمال يضمنه له الآخر لا يتوالد من عمله كان هذا إجارة والله أعلم

الوجه الثاني: أن هذه من جنس المضاربة فإنها عين تنمو بالعمل عليها فجاز العمل عليها ببعض نمائها كالدراهم والدنانير والمضاربة جوزها الفقهاء كلهم اتباعا لما جاء فيها عن الصحابة رضي الله عنهم مع أنه لا يحفظ فيها بعينها سنة عن النبي ولقد كان أحمد يرى أن يقيس المضاربة على المساقاة والمزارعة لثبوتها بالنص فيجعل أصلا يقاس عليه وإن خالف فيهما من خالف وقياس كل منهما على الآخر صحيح فإن من يثبت عنده جواز أحدهما أمكنه أن يقبل منه حكم الآخر لتساويهما فإن قيل الربح في المضاربة ليس من غير الأصل بل الأصل يذهب ويجيء بدله فالمال المقسم حصل بنفس العمل بخلاف الثمر والزرع فإنه من نفس الأصل قيل هذا الفرق فرق في الصورة ليس له تأثير شرعي فإنا نعلم بالإضطرار أن المال المستفاد إنما حصل بمجموع بدن العامل ومنفعة رأس المال

ولهذا يرد إلى رب المال مثل رأس ماله ويقتسمان الربح كما أن العامل بقي بنفسه التي هي نظير الدراهم وليست إضافة الربح إلى عمل بدن هذا بأولى من إضافته إلى منفعة مال هذا

ولهذا فالمضاربة التي يروونها عن عمر رضي الله عنه إنما حصلت بغير عقد لما أقرض أبو موسى الأشعري لأبني عمر من مال بيت المال فحملاه إلى أبيهما فطلب عمر جميع الربح لأنه رأى ذلك كالغصب حيث أقرضهما ولم يقرض المسلمين والمال مشترك وأحد الشركاء إذا اتجر في المال المشترك بدون إذن الآخر فهو كالغاصب في نصيب الشريك وقال له ابنه عبد الله الضمان كان علينا فيكون الربح لنا فأشار عليه بعض الصحابة أن يجعله مضاربة

وهذه الأقوال الثلاثة في هذه المسألة موجودة بين الفقهاء وهي ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره هل يكون الربح فيمن اتجر بمال غيره بغير إذنه لرب المال أو للعامل أولهما ثلاثة أقوال وأحسنها وأقيسها أن يكون مشتركا بينهما كما قضى به عمر رضي الله عنه لأن النماء يتولد عن الأصلين وإذا كان أصل المضاربة الذي اعتمدوا عليه وعواقبه ما ذكرناه من الشركة فأخذ مثل الدراهم يجري مجرى عينها ولهذا سمى النبي والمسلمون بعده القرض منيحة يقال منيحة ورق وتقول الناس أعرني دراهمك يجعلون رد مثل هذا الدراهم كرد عين العارية والمقترض انتفع فيها وردها وسمعوا المضاربة قراضا لأنها في المقابلات نظير القرض في التبرعات

ويقال أيضا لو كان ما ذكروه من الفرق مؤثرا لكان اقتضاؤه لتجويز المزارعة دون المضاربة أولى من العكس لأن النماء إذا حصل مع بقاء الأصلين كان أولى بالصحة من حصول مع ذهاب أحدهما وإن قيل الزرع نماء الأرض دون البذر فقد يقال الربح نماء العامل دون الدراهم أو بالعكس وكل هذا باطل بل الزرع حصل بمنفعة الأرض المشتملة على التراب والمياه والهواء ومنفعة بدن العامل والبقر والحديد ثم لو سلم أن بينهما وبين المضاربة فرقا فلا ريب أنها بالمضاربة أشبه منها بالمؤاجرة لأن المؤاجرة المقصود فيها هو العمل ويشترط أن يكون معلوما والأجرة مضمونة في الذمة أو غير معينة وهنا ليس المقصود إلا النماء ولا يشترط معرفة العمل والأجرة ليست عينا ولا شيئا في الذمة وإنما هي بعض ما يحصل من النماء ولهذا متى عين فيها شيء تعين العقد كما تفسد المضاربة إذا شرط لأحدهما ربحا معينا أو أجرة معلومة في الذمة وهذا بين في الغاية فإذا كانت بالمضاربة ضعيف والذي بينهما وبين المؤاجرة فروق مؤثرة في الشرع والعقل وكان لا بد من إلحاقها بأحد الأصلين فإلحاقها بما هي به أشبه أولى وهذا أجلى من أن يحتاج فيه إلى أطناب

الوجه الثالث: أن نقول لفظ الإجارة فيه عموم وخصوص فإنها على ثلاث مراتب:

أحدها: أن يقال لك من بدل نفعا لعوض فيدخل في ذلك المهر كما في قوله: { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } وسواء كان العمل هنا معلوما أو مجهولا وكان الأجر معلوما أو مجهولا لازما أو غير لازم

المرتبة الثانية: الإجارة هي جعالة وهو أن يكون النفع غير معلوم لكن العوض مضمون فيكون عقدا ناجزا غير لازم مثل أن يقول من رد عبدي فله كذا فقد يزده من مكان بعيد أو قريب

الثالثة: الإجارة الخاصة وهي أن يستأجر عينا أو يستأجره على عمل في الذمة بحيث تكون المنفعة معلومة فيكون الأجر معلوما والإجارة لازمة وهذه الإجارة التي تشبه في عامة أحكامه

والفقهاء المتأخرون إذا أطلقوا الإجارة أو قالوا باب الإجارة أرادوا هذا المعنى فيقال: المساقاة والمزارعة والمضاربة ونحوهن من المشاركات على ما يحصل من قال هي إجارة بالمعنى العام فقد صدق ومن قال هي إجارة بالمعنى الخاص فقد أخطأ وإذا كانت إجارة بالمعنى العام التي هي الجعالة فهنالك إن كان العوض شيئا مضمونا من دين أو عين فلا بد أن يكون معلوما وإن كان العوض مما يحصل من العمل جاز أن يكون جزءا شائعا كما لو قال الأمير في الغزو من دلنا على حصن كذا فله منه كذا فحصول الجعل هناك المشروط بحصول المال مع أنه جعالة محضة لا شركة فيه فالشركة أولى وأحرى وتسلك طريقة أخرى فيقال الذي دل عليه قياس الأصول أن الإجارة الخاصة يشترط فيها أن لا يكون العوض غررا قياسا على الثمن

فأما الإجارة العامة التي لا يشترط فيها العلم بالمنفعة فلا تشبه هذه الإجارة كما تقدم فلا يجوز إلحاقها بها فتبقى على الأصل المبيح فحرف المسألة أن المعتقد لكونها إجارة يستفسر عن مراده بالإجارة فإن أراد الخاصة لم يصح وإن أراد العامة فأين الدليل على تحريمها إلا بعوض معلوم فإن ذكر قياسا بين له الفرق الذي لا يخفى على غير فقيه فضلا عن الفقيه وأن يجد إلى أمر يشمل مثل هذه الإجارة سبيلا فإذا انتفت أدلة التحريم ثبت الحل وسلك من هذا في طريقة أخرى وهو قياس العكس وهو أن يثبت في الفرع نقيض حكم الأصل لانتفاء العلة المقتضية لحكم الأصل فيقال المعنى الموجب لكون الأجرة تجب أن تكون معلومة منتف في باب المزارعة ونحوها لأن المقتضي لذلك أن المجهول غرر فيكون في معنى بيع الغرر المقتضى أكل المال بالباطل أو ما يذكر من هذا الجنس وهذه المعاني منفية في الفرع فإذا لم يكن للتحريم موجب إلا كذا وهو منتف فلا تحريم

وأما الأحاديث: حديث رافع بن خديج وغيره جاءت مفسرة مبينة لنهي النبي أنه لم يكن عما فعل هو وأصحابه في عهده وبعده بل الذي رخص فيه غير الذي نهى عنه فعن رافع بن خديج قال: كنا أكثر أهل المدينة مزدرعا كنا نكري الأرض بالناحية منها تسمى لسيد الأرض قال: فما يضاف ذلك ويسلم الأرض ومما يصاب الأرض ويسلم ذلك فنهينا فإما المذهب والورق فلم يكن يومئذ رواه البخاري

وفي رواية له قال: كنا أكثر أهل المدينة حقلا وكان أحدنا يكري أرضه فيقول: هذه القطعة لي وهذه لك فربما أخرجت ذه ولم تخرج ذه فنهاهم النبي وفي رواية له فربما أخرجت هذه ولم تخرج ذه فنهينا عن ذلك ولم ننه عن الزرع وفي صحيح مسلم عن رافع قال: كنا أكثر أهل الأمصار حقلا وكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك وأما الورق فلم ينهنا وفي مسلم أيضا عن حنظلة بن قيس قال: سألت رافع ابن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق؟ قال: فلا بأس به إنما كان الناس يؤجرون على عهد رسول الله فلم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به

فهذا رافع بن خديج الذي عليه مدار الحديث يذكر أنه لم يكن لهم على عهد النبي كراء إلا يزرع مكان معين من الحقل وهذا النوع حرام عند الفقهاء قاطبة وحرموا نظيره في المضاربة فلو اشترط ربح ثوب بعينه لم يجز وهذا الغرر في المشاركات نظير الغرر في المعاوضات وذلك أن الأصل في هذه المعاوضات والمقابلات هو التعادل من الجانبين فإن اشتمل أحدهما على غرر أو ربا دخلها الظلم فحرمها الذي حرم الظلم على نفسه وجعله محرما على عباده فإذا كان أحد المتابعين إذا ملك الثمن وبقي الآخر تحت الخطر ولذلك حرم النبي بيع الثمرة قبل بدو صلاحها

فكذلك هذا إذا اشترط لأحد الشريكين مكانا معينا خرجا عن موجب الشركة فإن الشركة تقتضي الاشتراك في النماء فإذا انفرد أحدهما بالمعين لم يبق للآخر فيه نصيب ودخله الخطر ومعنى القمار كما ذكره رافع رضي الله عنه في قوله ربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فيفوز أحدهما ويخيب الآخر وهو معنى القمار وأخبر رافع أنه لم يكن لهم كراء على عهد رسول الله إلا هذا وإنه إنما زجر عنه لأجل ما فيه من المخاطرة ومعنى القمار وإن النهي انصرف إلى ذلك الكراء المعهود لا إلى ما تكون فيه الأجرة مضمونة في الذمة

وسأشير إن شاء الله تعالى إلى مثل ذلك في نهيه عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ورافع أعلم بنهي النبي عن أي شيء وقع وهذا والله أعلم هو الذي نهى عنه عبد الله بن عمر فإنه قال لما حديث رافع قد علمت إنا كنا نكري مزارعنا بما على الأربعاء وشيء من التبن فبين أنهم كانوا يكرون برزع مكان معين وكان ابن عمر يفعله لأنهم كانوا يفعلونه على عهد النبي حتى بلغه النهي يدل على ذلك أن ابن عمر كان يروي حديث معاملة خيبر دائما ويفتي به ويفتي بالمزارعة على الأرض البيضاء وأهل بيته أيضا بعد حديث رافع

فروى حرب الكرماني حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهوية حدثنا معتمر ابن سليمان سمعت كليب بن وائل قال: أتيت ابن عمر فقلت: أتاني رجل له أرض وماء ولبس له بذر ولا بقر فأخذتها بالنصف فبذرت فيها بذري وعملت فيها ببقري فناصفته قال حسن قال: وحدثنا ابن أخي حزم حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سعيد بن عبيد سمعت سالم بن عبد الله وأتاه رجل فقال الرجل: منا يطلق إلى الرجل فيقول: أجيء ببذري وبقري وأعلم أرضك فما أخرج الله منه فلك منه كذا ولي منه كذا قال: لا بأس به ونحن نضيقه

وهكذا أخبر أقارب رافع ففي البخاري عن رافع قال: حدثني عمومتي أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد رسول الله بما ينبت على الأربعاء وشيء يستثنيه صاحب الأرض فنهانا النبي عن ذلك فقيل: لرافع فكيف بالدينار والدرهم فقال: ليس به بأس بالدينار والدرهم

وكان الذي نهى عنه وذلك ما لو نظر فيه ذو الفهم بالحلال والحرام لم يجزء لما فيه من المخاطر وعن أسيد بن ظهير قال: كان أحدنا إذا استغنى عن أرضه أعطاها بالثلث أو الربع أو النصف ويشترط ثلاث جداول والقصارة وما سقى الربيع وكان العيش إذ ذاك شديدا وكان يعمل فيها بالحديد وما شاء الله ويصيب منها منفعة فأتانا رابع بن خديج فقال: أن رسول الله ينهاكم عن الحقل ويقول: [ من استغنى عن أرضه فليمنحها أخاه أو ليدع ] رواه أحمد وابن ماجه وروى أبو داود قول النبي زاد أحمد وينهاكم عن المزابنة

والمزابنة: أن يكون الرجل له المال العظيم من النخل فيأتيه الرجل فيقول أخذته بكذا وكذا وسقا من تمر والقصارة: ما سقط من السنبل وهكذا أخبر سعد بن أبي وقاص وجابر فأخبر سعد أن أصحاب المزارع في زمان رسول الله كانوا يكرون مزارعهم بما يكون على السواقي من الزرع وما يتغذى بالماء مما حول البئر فجاؤوا رسول الله فاختصموا في ذلك فنهاهم أن يكروا بذلك وقال [ اكروا بالذهب والفضة ] رواه أحمد وأبو داود والنسائي

فهذا صريح في الإذن بالكراء بالذهب والفضة وأن النهي إنما كان عن اشتراط زرع مكان معين وعن جابر قال: كنا نخابر على عهد رسول الله فنصيب من القصارة ومن كذا فقال رسول الله : [ من كان له أرض فليزرعها أو فليمنحها أخاه وإلا فليدعها ] رواه مسلم

فهؤلاء أصحاب النبي الذين رووا عنه النهي قد أخبروا بالصورة التي نهى عنها والعلة التي نهى من أجلها وإذا كان قد جاء في بعض طرق الحديث أنه نهى عن كراء المزارع فإنما أراد الكراء الذي يعرفونه كما فهموه من كلامه وهو أعلم بمقصوده وكما جاء مفسرا عنه أنه رخص غير ذلك الكرا ومما يشبه ذلك ما قرن به النهي عن المزابنة ونحوها واللفظ وإن كان في المزابنة مطلقا فإنه إذا كان خطابا لمعين في مثل الجواب عن سؤال أو عقب حكاية حال ونحو ذلك فإن كثيرا ما يكون مقيلا بمثل حال المخاطب كما لو قال المريض للطبيب: أن به حرارة فقال: لا تأكل الدسم فإنه يعلم أن النهي مقيد بتلك الحال وذلك أن اللفظ المطلق إذا كان له مسمى معهود أو حال تقتضيه انصرف إليه وإن كان يكره كالمتبايعين إذا قال أحدهما بعتك بعشرة دراهم فإنها مطلقة في اللفظ ثم لا ينصرف إلا إلى المعهود من الدراهم

فإذا كان المخاطبون لا يتعارفون بينهم لفظ الكراء إلا لذلك الذي كانوا يفعلونه ثم خوطبوا به لم ينصرف إلا إلى ما يعرفونه وكان ذلك من باب التخصيص العرفي كلفظ الدابة إذا كان معروفا بينهم أنه الفرس أو ذوات الحافر فقال: لا يأتي بداية لم ينصرف هذا المطلق إلا إلى ذلك ونهى النبي لهم كان مقيدا بالعرف وبالسؤال فقد تقدم ما في الصحيحين عن رافع بن خديج عن ظهير بن رافع قال: دعاني رسول الله فقال: وما تصنعون بمحاقلكم قلت: نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير فقال: لا تفعلوا ازرعوها أو امسكوها؟ فقد خرج بأن النهي وقع عما كانوا يفعلونه

وأما المزارعة المحضة فلم يتناولها النهي ولا ذكرها رافع وغيره فيما يجوز من الكراء لأنها والله أعلم عندهم جنس آخر غير الكراء المعتاد فإن الكراء اسم لما وجبت فيه أجرة معلومة إما عين وإما دين فإن كان دينا في الذمة مضمونا فهو جائز وكذلك إن كان عينا من غير الزرع أما إن كان عينا من الزرع لم يجز

فأما المزارعة بجزء شائع من جميع الزرع فليس هو الكراء المطلق بل هو شركة محضة إذ ليس جعل العامل مكثر بالأرض بجزء من الزرع بأولى من جعل المالك مكتريا للعامل بالجزء الآخر وإن كان من الناس من يسمي هذا اكراء أيضا فإنما هو كراء بالمعنى العام الذي تقدم مثاله

فأما الكراء الخاص الذي تكلم به رافع وغيره فلا ولهذا السبب بين رافع أحد نوعي الكراء الجائز وبين الكراء الآخر الذي نهو عنه ولم يتعرض للشركة لأنها جنس آخر بقي أن يقال قول النبي : [ من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه وإلا فليمسكها ] أمر إذا لم يفعل واحدا من الزرع والمنيحة أن يمسكها وذلك يقتضي المنع من المؤاجرة ومن المزارعة كما تقدم فيقال الأمر بهذا أمر ندب واستحباب لا أمر إيجاب في الابتداء لينزجروا عما اعتادوه من الكراء الفاسد وهذا كما أنه لما نهاهم عن لحوم الحمر فقال اهريقوا ما فيها واكثرها وقال في آنية أهل الكتاب الذين سأله عنهم أبو ثعلبة: [ إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا غيرها فارخصوها بالماء ]

وذلك لأن النفوس إذا اعتادت المعصية فقد لا تنفطم عنها انفطاما جيدا إلا بترك ما يقاربها من المباح كما قيل لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزا من الحلال كما أنها أحيانا لا تترك المعصية إلا بتدريج لا بتركها جملة فهذا يقع تارة وهذا يقع تارة ولهذا يوجد في سنة النبي لمن خشي منه النفرة عن الطاعة الرخصة في أشاء يستغني بها عن المحرم ولمن وثق بإيمانه وصبره النهي عن بعض ما يستحب له تركه مبالغة في فعل الأفضل ولهذا يستحب لمن وثق بإيمانه وصبره من فعل المستحبات البدنية والمالية كالخروج عن جميع ماله مثل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ما لا يستحب لمن لم يكن حاله كذلك كالرجل الذي جاءه ببيضة من ذهب فحدفه فلو أصابته لأوجعته ثم قال: يذهب أحدكم فيخرج ماله ثم يجلس كلا على الناس

يدل على ذلك ما قدمنا من رواية مسلم الصحيحة عن ثابت بن الضحاك أن النبي نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة وقال: لا بأس بها

وما ذكرناه من رواية سعد أنه نهاهم أن يكروا بزرع موضع معين وقال: اكروا بالذهب والفضة وكذلك فهمته الصحابة رضي الله عنهم فإن رافع بن خديج قد روى ذلك وأخبر أنه لا بأس بكرائها بالفضة والذهب وكذلك فقهاء الصحابة كزيد بن ثابت وابن عباس ففي الصحيحين عن عمرو بن دينار قال قلت لطاوس لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي نهي عنه قال ابن عمرو: إني أعطيهم وأعينهم وأنا أعلمهم أخبرني يعني ابن عباس أن النبي لم ينه عنه ولكن قال: أن منح أحدهم أخاه خير له من أن يأخذ عليه خرجا معلوما وعن ابن عباس أيضا أن رسول الله لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض رواه مسلم مجملا والترمذي وقال: حديث حسن صحيح

فقد أخبر طاوس عن ابن عباس أن النبي بالرفق الذي منه واجب وهو ترك الربا والغرر ومنه مستحب كالعارية والقرض ولهذا لما كان التبرع بالأرض بلا أجرة من باب الاختبار كان المسلم أحق به فقال: [ لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليها خرجا معلوما ] وقال: [ من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه أو ليمسكها ]

فكان الأخ هو الممنوع ولما كان أهل الكتاب ليسوا من الإخوان عاملهم النبي ولم يمنحهم لا سيما والتبرع إنما يكون عن فضل غنى

فمن كان محتاجا إلى منفعة أرضه لم يستحب له المنيحة كما كان المسلمون محتاجين إلى منفعة أرض خيبر وكما كان الأنصار محتاجين إلى أرضهم حيث عاملوا عليها المهاجرين وقد توجب الشريعة التبرع عند الحاجة كما نهاهم النبي عن إدخار لحوم الأضاحي لأجل الرأفة التي وجبت عليهم ليطعموا الجياع لأن إطعامهم واجب فلما كان المسلمون محتاجين إلى منفعة الأرض وأصحابها أغنياء نهاهم عن المعاوضة ليجودوا بالتبرع ولم يأمرهم بالتبرع عينا كما نهاهم عن الإدخار فإن من نهى عن الانتفاع بماله جاد ببذله إذ لا يترك كذا وقد ينهى النبي بل الله عن بعض أنواع المباح في بعض الأحوال لما في ذلك من منفعة المنهي كما نهاهم في بعض المغازي

وأما ما رواه جابر من نهيه عن المخابرة فهذه هي المخابرة التي نهى عنها واللام لتعريف العهد ولم تكن المخابرة عندهم إلا ذلك بين ذلك ما في الصحيح عن ابن عمر قال: كنا لا نرى بالخبرة بأسا حتى كان عام أول فزعم رافع أن نبي الله نهى عن فتركناه من أجله

فأخبر ابن عمر أن رافعا روى النهي عن الخبرة وقد تقدم معنى حديث رافع قال أبو عبيد: الخبرة بكسر الخاء والمخابرة والمزارعة بالنصف أو الثلث والربع وأقل وأكثر وكان أبو عبيد يقول لهذا سمي الإكار خبيرا لأنه يخابر الأرض والمخابرة هي المؤاكرة وقد قال بعضهم: أصل هذا من خيبر لأن رسول الله أقرها في أيديهم على النصف فقيل خابرهم أي عاملهم في خيبر وليس هذا بشيء فإن معاملته بخيبر لم ينه عنها قط بل فعلها الصحابة في حياته وبعد موته وإنما روى حديث المخابرة رافع وجابر وقد فسروا ما كانوا يفعلونه والخبير هو الفلاح سمي بذلك لأنه يخبر الأرض

وقد ذهب طائفة من الفقهاء إلى الفرق بين المخابرة والمزارعة فقالوا: المخابرة هي المعاملة على أن يكون البذر من العامل والمزارعة على أن يكون البذر من المالك قالوا: والنبي نهى عن المخابرة لا المزارعة وهذا أيضا ضعيف فإنا قد ذكرنا عن النبي ما في الصحيح أنه نهى عن المزارعة كم نهى عن المخابرة وكما نهى عن كراء الأرض وهذه الألفاظ في أصل اللغة عامة لموضع نهيه وغير موضع نهيه وإنما اختصت مما يفعلونه لأجل التخصيص العرفي لفظا وفعلا ولأجل القرينة اللفظية وهي لام العهد وسؤال السائل وإلا فقد نقل أهل اللغة المخابرة هي المزارعة والاشتقاق يدل على ذلك

فصل

والذين جوزوا المزارعة منهم من اشتراط أن يكون البذر من المالك وقالوا: هذه هي المزارعة فأما إن كان البذر من العامل لم يجز وهذه إحدى الروايتين عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه وأصحاب مالك والشافعي حيث يجوزون المزارعة

وحجة هؤلاء قياسها على المضاربة وبذلك احتج أحمد أيضا قال الكرماني: قيل لأبي عبد الله: رجل دفع أرضه إلى الإكراء على الثلث أو الربع قال: لا بأس بذلك إذا كان البذر من رب الأرض والبقر والعمل والحديد من الإكار فذهب فيه مذهب المضاربة ووجه ذلك أن البذر هو أصل الزرع كما أن المال هو أصل الربح فلا بد أن يكون البذر ممن له الأصل ليكون من أحدهما العمل ومن الآخر الأصل

والرواية الثانية: لا يشترط ذلك بل يجوز أن يكون البذر من العامل وقد نقل عنه جماهير أصحابه أكثر من عشرين نصا أنه يجوز أن يكري أرضه بالثلث أو الربع كما عامل النبي أهل خيبر فقالت طائفة من أصحابه كالقاضي أبي يعلى: إذا دفع أرضه لمن يعمل عليها ببذره بجزء من الزرع للمالك فإن كان على وجه الإجارة جاز وإن كان على وجه المزارعة لم يجز

وجعلوا هذا التفريق تقريرا لنصوصه لأنهم رأوا عامة نصوصه صرائح كثيرة جدا في جواز كراء الأرض بجزء من الخارج منها ورأوا أن ما هو ظاهر مذهبه عنده من أنه لا يجوز في المزارعة أن يكون البذر من المالك كالمضاربة ففرقوا بين باب المزارعة والمضاربة وباب الإجارة وقال آخرون منهم أبو الخطاب معنى قوله في رواية الجماعة يجوز كراء الأرض ببعض ما يخرج منها أراد به المزارعة والعمل من الإكار قال أبو الخطاب: ومتبعوه فعلى هذه الرواية إذا كان البذر من العامل فهو مستأجر الأرض ببعض الخارج منها وإن كان من صاحب الأرض فهو مستأجر للعامل بما شرط له فقالوا فعلى هذا ما يأخذه صاحب البذر يستحقه ببذره وما يأخذه من الأجرة يأخذه بالشرط

وما قاله هؤلاء من أنه نصه على المكاراة ببعض الخارج هو المزارعة على أن يبذر الإكار هو الصحيح ولا يحتمل الفقه إلا هذا أو أن يكون نصه على جواز المؤاجرة المذكورة يقتضي جواز المزارعة بطريق الأولى وجواز هذه المعاملة مطلقا هو الصواب الذي لا يتوجه غيره أثرا ونظرا وهو ظاهر نصوص أحمد المتواترة عنه واختياره طائفة من أصحابه

والقول الأول: قول من اشترط أن يبذر رب الأرض أو فرق بين أن تكون إجارة أو مزارعة هو في الضعف نظير من سوى الإجارة الخاصة والمزارعة أو أضف أما بيان نص أحمد فهو أنه إنما جوز المؤاجرة ببعض الزرع إستدلالا بقصة معاملة النبي لأهل خيبر ومعاملته لهم إنما كانت مزارعة ولم تكن بلفظ لم ينقل ويمنع فعله باللفظ المشهور

وأيضا فقد ثبت في الصحيح أن النبي شارط أهل خيبر على أن يعملوها من أموالهم كما تقدم ولم يدفع النبي بذرا فإذا كانت المعاملة التي فعلها النبي إنما كانوا يبذرون فيها من أموالهم فكيف يجوز أن يحتج بها أحمد على المزارعة ثم يقيس عليها إذا كانت بلفظ الإجارة ثم يمنع الأصل الذي احتج به من المزارعة التي بذر فيها العامل والنبي قد قال لليهود: [ نقركم فيها ما أقركم ] لم يشترط مدة معلومة حتى قال: كانت إجارة لازمة

لكن أحمد حيث قال في إحدى الروايتين أنه يشترط كون البذر من الملك فإنما قاله متابعة لمن أوجبه قياسا على المضاربة وإذا افتى العالم بقول الحجة ولها معارض راجح لم يستحضرها حينئذ ذلك المعارض الراجح ثم لما أفتى بجواز المؤاجرة بثلث الزرع استدلالا بمزارعة خيبر فلا بد أن يكون في خيبر كان البذر عنده من العامل وإلا لم يصح الإستدلال فإن فرضنا أن أحمد فرق بين المؤاجرة بجزء من الخارج وبين المزارعة ببذر العامل كما فرق طائفة من أصحابه فمستند هذا الفرق ليس مأخذا شرعيا فإن أحمد لا يرى اختلاف أحكام العقود باختلاف العبارات كما يراه طائفة من أصحابه الذين يجوزون هذه المعاملة بلفظ الإجارة ويمنعونها بلفظ المزارعة وكذلك يجوزون بيع ما في الذمة بيعا حلالا بلفظ البيع ويمنعونه بلفظ السلم لأنه يصير سلما حالا

ونصوص أحمد وأصوله تأبى هذا كما قدمناه عنه في مسألة مبيع العقود فإن الاعتبار في جميع التصرفات القولية بالمعاني لا يحمل على الألفية كما يشهد به أجوبته في الإيمان والنذور والوصايا وغير ذلك من التصرفات وإن كان هو قد فرق بينهما كما فرقت طائفة من أصحابه فيكون هذا التفريق رواية عنه مرجوحة كالرواية المانعة من الأمرين

أما الدليل: على جواز ذلك: فالسنة والإجماع والقياس

أما السنة: فما تقدم من معاملة النبي لأهل خيبر على أن يعملوها من أموالهم وما دفع إليهم بذرا وكما عامل المهاجرون الأنصار على أن البذر من عندهم قال حرب الكرماني: حدثنا محمد بن نصر حدثنا حسان بن إبراهيم عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن حكيم أن عمر بن الخطاب استعمل يعلى بن أمية فأعطاه العنب والنخل على أن لعمر الثلثين ولهم الثلث وأعطاه البياض إن كان البقر والبذر والحديد من عند عمر فلعمر الثلثان ولهم الثلث وإن كان منهم فلعمر الشطر ولهم الشطر فهذا عمر رضي الله عنه ويعلى بن أمية عامله صاحب رسول الله قد عمل خلافه بتجويز كلا الأمرين أن يكون البذر من رب الأرض وأن يكون من العامل

وقال حرب: حدثنا أبو معمر حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن الحارث بن حضير عن صخر بن الوليد عن عمر بن خليع المحاربي قال: جاء رجل إلى علي ابن أبي طالب فقال: إن فلانا أخذ أرضا فعمل فيها وفعل فيها فدعاه علي فقال: ما هذه الأرض التي أخذت قال: أرض أخذتها أكري أنهارها وأعمرها وأزرعها فما أخرج الله من شيء فلي النصف وله النصف فقال: لا بأس بهذا

فظاهره أن البذر من عنده ولم ينهه عن غير ذلك ويكفي إطلاق سؤاله وإطلاق على الجواب

وأما القياس: فقد قدمنا أن هذه المعاملة نوع من الشركة ليست من الإجارة الخاصة وإن جعلت إجارة فهي من الإجارة العامة التي يدخل فيها الجعالة والسبق والرمي وعلى التقديرين فيجوز أن يكون البذر منهما وذلك أن البذر في المزارعة ليس في الأصول التي يرجع إلى ربها كالثمن في المضاربة بل البذر يتلف كما تتلف المنافع وإنما يرجع الأرض أو بدن الأرض والعامل فلو كان البذر مثل رأس المال لكان الواجب أن يرجع مثله إلى مخرجه ثم يقتسمان وليس الأمر كذلك بل يشتركان في جميع الزرع فظهر أن الأصول فيها من أحد الجانبين هي الأرض بمائها وهوائهم وبدن العامل والبقر وأكثر الحرث والبذر يذهب كما تذهب المنافع وكما يذهب أجزاء الماء والهواء والتراب فيستحيل زرعا والله سبحانه يخلق الزرع من نفس الحب والتراب والماء والهواء كما يخلق الحيوان من ماء الأبوين بل ما يستحيل في الزرع من أجزاء الأرض أكثر مما يستحيل من الحب والحب يستحيل فلا يبقى بل يخلفه الله ويحيله كما يحيل أجزاء من الهواء والماء وكما يحيل المني وسائر مخلوقاته من الحيوان والمعدن والنبات ولما وقع ما وقع من رأي كثير من الفقهاء اعتقدوا أن الحب والنوى في الزرع والشجر هو الأصل والباقي تبع حتى قضوا في مواضع بأن يكون الزرع والشجر لرب النوى والحب مع قلة قيمته ولرب الأرض أجرة أرضه

والنبي بضد هذا حيث قال: [ من زرع قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله تلفته ] فأخذ أحمد وغيره من فقهاء الحديث بهذا الحديث وبعض من أخذ به يرى أنه خلاف القياس وأنه من صور الاستحسان وهذا لما انعقد في نفسه من القياس المتقدم وهو أن الزرع تبع للبذر والشجر تبع للنوى وما جاءت به السنة هو القياس الصحيح الذي تدل عليه الفطرة فإن إلقاء الحب في الأرض يعادله إلقاء المني في الرحم سواء

ولهذا سمى الله النساء حرثا في قوله: { نساؤكم حرث لكم } كما سمى الأرض المزروعة حرثا والمغلب في ملك الحيوان إنما هو جانب الأم ولهذا يتبع الولد الآدمي أمه في الحرية والرق دون أبيه ويكون جنين البهيمة لمالك الأمر دون العجل الذي نهى عن عبسه وذلك لأن الأجزاء التي استمدها من الأم أضعاف الأجزاء التي استمدها من الأب وإنما للأب حق الابتداء فقط ولا ريب أنه مخلوق منهما جميعا وكذلك الحب والنوى فإن الأجزاء التي خلق منها الشجر والزرع أكثرها من التراب والماء والهواء وقد يؤثر ذلك في الأرض فيضعف بالزرع فيها لكن لما كانت هذه الأجزاء تستخلف دائما فإن الله سبحانه لا يزال يمد الأرض بالماء وبالهواء وبالتراب إما مستحيلا من غيره وإما بالموجود ولا يؤثر في الأرض بعض الأجزاء الترابية شيئا إما للخلف بالاستحالة وإما للكثرة

ولهذا صار يظهر أن أجزاء الأرض في معنى المنافع بخلاف الحب والنوى

فصل

وهذا الذي ذكرناه من الإشارة إلى حكمة بيع الغرر وما يشبه ذلك يجمع النشر في هذه الأبواب فإن تجد كثيرا ممن تكلم في هذه الأمور إما أن يتمسك بما بلغه من ألفاظ يظنها عامة أو مطلقة أو يضرب من القياس المعنوي أو الشبهي فرضي الله عنها أحمد حيث يقول ينبغي للمتكلم في الفقه أن يجتنب هذين الأصلين المجمل والقياس ثم هذا التمسك يفضي إلى ما يمكن اتباعه البتة وهذا الباب بيع الديون دين المسلم وغيره وأنواع من الصلح والوكالة وغير ذلك لولا أن الغرض ذكر قواعد كلية تجمع أبوابا لذكرنا أنواعا من هذا

الفتاوى الكبرى لابن تيمية
كتاب السنة والبدعة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطهارة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | كتاب الصلاة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | كتاب الذكر والدعاء | 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب الصيام: 1 | 2 | 3 | كتاب الجنائز: 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب النكاح: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطلاق: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | | كتاب النفقات | كتاب الحدود: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الجهاد: 1 | 2 | كتاب البيوع: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الشهادة والأقضية والأموال: 1 | 2 | كتاب الوقف: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | كتاب الوصايا | كتاب الفرائض | كتاب الفضائل: 1 | 2 | كتاب الملاهي | مسائل منثورة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | كتاب الطهارة2 | كتاب الصلاة2: 1 | 2 | كتاب الجنائز2 | كتاب الزكاة2 | كتاب الصوم2 | كتاب الحج | كتاب البيع: 1 | 2 | كتاب الوصية | كتاب الفرائض | كتاب العتق | كتاب النكاح2: 1 | 2 | كتاب الخلع | كتاب الطلاق2 | كتاب الرجعة | كتاب الظهار | كتاب الجنايات | كتاب الأطعمة | كتاب الأيمان | باب القضاء | كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل | كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة: 1 |2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16