البداية والنهاية/الجزء الثالث/باب الهجرة من مكة إلى المدينة
قال الزهري: عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله ﷺ - وهو يومئذ بمكة - للمسلمين: «قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين».
فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله ﷺ، ورجع إلى المدينة من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين. رواه البخاري
وقال أبو موسى: عن النبي ﷺ: «رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب».
وهذا الحديث قد أسنده البخاري في مواضع أُخر بطوله.
ورواه مسلم كلاهما: عن أبي كريب، زاد مسلم وعبد الله بن مراد كلاهما عن أبي أسامة، عن يزيد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، عن النبي ﷺ الحديث بطوله.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري بمرو، حدثنا إبراهيم بن هلال، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، حدثنا عيسى بن عبيد الكندي، عن غيلان بن عبد الله العامري، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن جرير: أن النبي ﷺ قال: «إن الله أوحى إلي أي هؤلاء البلاد الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك، المدينة أو البحرين أو قنسرين».
قال أهل العلم: ثم عزم له على المدينة فأمر أصحابه بالهجرة إليها.
هذا حديث غريب جدا، وقد رواه الترمذي في (المناقب) من (جامعه) منفردا به عن أبي عمار الحسين بن حريث، عن الفضل بن موسى، عن عيسى بن عبيد، عن غيلان بن عبد الله العامري، عن أبي زرعة بن عمر بن جرير، عن جرير قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله أوحى إليّ أي هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك، المدينة أو البحرين أو قنسرين».
ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من حديث الفضل تفرد به أبو عمار.
قلت: وغيلان بن عبد الله العامري هذا ذكره ابن حبان في الثقات إلا أنه قال: روى عنه أبي زرعة حديثا منكرا في الهجرة والله أعلم.
قال ابن إسحاق: لما أذن الله تعالى في الحرب بقوله: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } الآية [الحج:39-40] .
فلما أذن الله في الحرب وتابعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له، ولمن اتبعه وأوى إليهم من المسلمين.
أمر رسول الله ﷺ أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة، والهجرة إليها واللحوق بإخوانهم من الأنصار.
وقال: «إن الله قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها»، فخرجوا إليها أرسالا، وأقام رسول الله ﷺ بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة.
فكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله ﷺ من المهاجرين من قريش:
من بني مخزوم: أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكانت هجرته إليها قبل بيعة العقبة بسنة حين آذته قريش مرجعه من الحبشة فعزم على الرجوع إليها، ثم بلغه أن بالمدينة لهم إخوانا فعزم إليها.
قال ابن إسحاق: فحدثني أبي، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة، عن جدته أم سلمة زوج النبي ﷺ قالت: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه، وجعل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج يقود بي بعيره، فلما رأته رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا؟ هذه علام نتركك تسير بها في البلاد؟
قالت: فنزعوا خطام البعير من يده وأخذوني منه، قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة، وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا.
قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت: ففرق بيني وبين ابني وبين زوجي.
قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس في الأبطح فما أزال أبكي حتى أمسي - سنة أو قريبا منها - حتى مرَّ بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون من هذه المسكينة؟ فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها.
قالت: فقالوا لي: إلحقي بزوجك إن شئت.
قالت: فردَّ بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني، قالت: فارتحلت بعيري، ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، قالت: وما معي أحد من خلق الله حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، أخا بني عبد الدار، فقال: إلى أين يا ابنة أبي أمية؟
قلت: أريد زوجي بالمدينة.
قال: أوما معك أحد؟
قلت: ما معي أحد إلا الله وبني هذا.
فقال: والله مالك من مترك فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني حتى إذا نزلت استأخر ببعيري فحط عنه ثم قيده في الشجر ثم تنحى عني إلى شجرة فاضطجع تحتها.
فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله ثم استأخر عني، وقال: اركبي فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقادني حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلا - فادخليها على بركة الله.
ثم انصرف راجعا إلى مكة، فكانت تقول: ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة.
أسلم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري هذا بعد الحديبية، وهاجر هو وخالد بن الوليد معا، وقتل يوم أحد أبوه وأخوته: الحارث وكلاب ومسافع، وعمه عثمان بن أبي طلحة.
ودفع إليه رسول الله ﷺ يوم الفتح وإلى ابن عمه شيبة والد بني شيبة مفاتيح الكعبة أقرها عليهم في الإسلام كما كانت في الجاهلية، ونزل في ذلك قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } الآية [النساء:58]
قال ابن إسحاق: ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة عمار بن ربيعة حليف بني عدي، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة العدوية، ثم عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، حليف بني أمية بن عبد شمس، احتمل بأهله وبأخيه عبد، أبي أحمد، اسمه عبد كما ذكره ابن إسحاق، وقيل: ثمامة.
قال السهيلي: والأول أصح.
وكان أبو أحمد رجلا ضرير البصر وكان يطوف مكة أعلاها وأسفلها بغير قائد، وكان شاعرا وكانت عنده الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم.
فغلقت دار بني جحش هجرة، فمرَّ بها عتبة بن ربيعة، والعباس بن عبد المطلب، وأبو جهل بن هشام وهم مصعدون إلى أعلى مكة، فنظر إليها عتبة تخفق أبوابها يبابا ليس بها ساكن، فلما رآها كذلك تنفس الصعداء وقال:
وكل دار وإن طالت سلامتها * يوما ستدركها النكباء والحوب
قال ابن هشام: وهذا البيت لأبي داود الأيادي في قصيدة له
قال السهيلي: واسم أبي داود حنظلة بن شرقي وقيل: حارثة
ثم قال عتبة: أصبحت دار بني جحش خلاء من أهلها.
فقال أبو جهل: وما تبكي عليه من فل بن فل، ثم قال: - يعني للعباس - هذا من عمل ابن أخيك هذا فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وقطع بيننا.
قال ابن إسحاق: فنزل أبو سلمة، وعامر بن ربيعة، وبنو جحش بقباء على مبشر بن عبد المنذر، ثم قدم المهاجرون أرسالا، قال: وكان بنو غنم بن دودان أهل إسلام، قد أوعبوا إلى المدينة هجرة رجالهم ونساؤهم وهم:
عبد الله بن جحش، وأخوه أبو أحمد، وعكاشة بن محصن، وشجاع وعقبة ابنا وهب، وأربد بن جميرة، ومنقذ بن نباتة، وسعيد بن رقيش، ومحرز بن نضلة، وزيد بن رقيش، وقيس بن جابر، وعمرو بن محصن، ومالك بن عمرو، وصفوان بن عمرو، وثقف بن عمرو، وربيعة بن أكثم.
والزبير بن عبيدة، وتمام بن عبيدة، وسخبرة بن عبيدة، ومحمد بن عبد الله بن جحش.
ومن نسائهم: زينب بنت جحش، وحمنة بنت جحش، وأم حبيب بنت جحش، وجدامة بنت جندل، وأم قيس بنت محصن، وأم حبيب بنت ثمامة، وآمنة بنت رقيش، وسخبرة بنت تميم.
قال أبو أحمد بن جحش في هجرتهم إلى المدينة:
ولما رأتني أم أحمد غاديا * بذمة من أخشى بغيب وأرهب
تقول: فإما كنت لا بد فاعلا * فيمم بنا البلدان ولننأ يثرب
فقلت لها ما يثرب بمظنة * وما يشأ الرحمن فالعبد يركب
إلى الله وجهي والرسول ومن يقم * إلى الله يوما وجهه لا يخيب
فكم قد تركنا من حميم مناصح * وناصحة تبكي بدمع وتندب
ترى أن وترا نائيا عن بلادنا * ونحن نرى أن الرغائب نطلب
دعوت بني غنم لحقن دمائهم * وللحق لما لاح للناس ملحب
أجابوا بحمد الله لما دعاهم * إلى الحق داع والنجاح فأوعبوا
وكنا وأصحابا لنا فارقوا الهدى * أعانوا علينا بالسلاح وأجلبوا
كفوجين إما منهما فموفق * على الحق مهدي وفوج معذب
طغوا وتمنوا كذبة وأزلهم * عن الحق إبليس فخابوا وخيبوا
ورعنا إلى قول النبي محمد * فطاب ولاة الحق منا وطيبوا
نمتُّ بأرحام إليهم قريبة * ولا قرب بالأرحام إذ لا تقرب
فأي ابن أخت بعدنا يأمننكم * وأية صهر بعد صهري يرقب
ستعلم يوما أيَّنا إذ تزايلوا * وزيل أمر الناس للحق أصوب
قال ابن إسحاق: ثم خرج عمر بن الخطاب، وعياش بن أبي ربيعة حتى قدما المدينة.
فحدثني نافع عن عبد الله بن عمر عن أبيه.
قال: اتعدنا لما أردت الهجرة إلى المدينة أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص؛ التناضب من إضاة بني غفار فوق سرف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس، فليمض صاحباه، قال: فأصبحت أنا وعياش عند التناضب وحبس هشام وفتن فافتتن.
فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء، وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش - وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما - حتى قدما المدينة ورسول الله ﷺ بمكة، فكلماه وقالا له: إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك، فرقَّ لها.
فقلت له: إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت.
قال: فقال: أبرّ قسم أمي ولي هنالك مال فآخذه.
قال: قلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما.
قال: فأبى عليّ إلا أن يخرج معهما، فلما أبى إلا ذلك.
قلت: أما إذ فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها، فإن رابك من أمر القوم ريب فانج عليها.
فخرج عليها معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل: يا بن أخي والله لقد استغلظت بعيري هذا أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟
قال: بلى.
فأناخ وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه رباطا، ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن.
قال عمر: فكنا نقول: لا يقبل الله ممن افتتن توبة.
وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم حتى قدم رسول الله ﷺ المدينة وأنزل الله: { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [الزمر: 53-55] .
قال عمر: وكتبتها وبعثت بها إلى هشام بن العاص.
قال هشام: فلما أتتني جعلت أقرأها بذي طوى أصعد بها وأصوب ولا أفهمها حتى قلت: اللهم فهمنيها، فألقى الله في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال: فينا.
قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله ﷺ بالمدينة.
وذكر ابن هشام: أن الذي قدم بهشام بن العاص، وعياش ابن أبي ربيعة إلى المدينة، الوليد بن الوليد المغيرة سرقهما من مكة وقدم فيها يحملهما على بعيره وهو ماش معهما، فعثر فدميت أصبعه فقال:
هل أنت إلا أصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت
وقال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أنبأنا أبو إسحاق سمع البراء.
قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، ثم قدم علينا عمار وبلال.
وحدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق سمعت البراء بن عازب.
قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين نفرا من أصحاب النبي ﷺ، ثم قدم النبي ﷺ، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله ﷺ حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله ﷺ، فما قدم حتى قرأت { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } [الأعلى: 1] في سور من المفصل.
ورواه مسلم في (صحيحه) من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء ابن عازب بنحوه وفيه التصريح بأن سعد بن أبي وقاص هاجر قبل قدوم رسول الله ﷺ المدينة، وقد زعم موسى بن عقبة عن الزهري أنه إنما هاجر بعد رسول الله ﷺ والصواب ما تقدم..
قال ابن إسحاق: ولما قدم عمر بن الخطاب المدينة هو ومن لحق به من أهله وقومه وأخوه زيد بن الخطاب، وعمرو، وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر، وخنيس بن حذافة السهمي - زوج ابنته حفصة -، وابن عمه سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وواقد بن عبد الله التميمي حليف لهم، وخولى بن أبي خولى، ومالك بن أبي خولى حليفان لهم من بني عجل، وبنو البكير إياس، وخالد، وعاقل، وعامر وحلفاؤهم من بني سعد بن ليث، فنزلوا على رفاعة بن عبد المنذر بن زنير في بني عمرو بن عوف بقباء.
قال ابن إسحاق: ثم تتابع المهاجرون رضي الله عنهم: فنزل طلحة بن عبيد الله، وصهيب بن سنان على خُبيب بن إساف أخي بلحارث بن الخزرج بالسنح.
ويقال: بل نزل طلحة على أسعد بن زرارة.
قال ابن هشام: وذكر لي عن أبي عثمان النهدي أنه قال: بلغني أن صُهيبا حين أراد الهجرة قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكا حقيرا فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك، والله لا يكون ذلك.
فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟
قالوا: نعم!
قال: فإني قد جعلت لكم مالي.
فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال: «ربح صهيب، ربح صهيب».
وقد قال البيهقي: حدثنا الحافظ أبو عبد الله - إملاء - أخبرنا أبو العباس إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال، أخبرنا عبدان الأهوازي، حدثنا زيد بن الجريش، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، حدثنا حصين بن حذيفة بن صيفي بن صهيب، حدثني أبي وعمومتي عن سعيد بن المسيب عن صهيب.
قال: قال رسول الله ﷺ: «أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين، فإما أن تكون هجر أو تكون يثرب».
قال: وخرج رسول الله ﷺ إلى المدينة وخرج معه أبو بكر، وكنت قد هممت معه بالخروج فصدني فتيان من قريش، فجعلت ليلتي تلك أقوم لا أقعد.
فقالوا: قد شغله الله عنكم ببطنه - ولم أكن شاكيا -فناموا.
فخرجت ولحقني منهم ناس بعد ما سرت بريدا ليردوني فقلت لهم: إن أعطيتكم أواقي من ذهب وتخلوا سبيلي وتوفون لي، ففعلوا فتبعتهم إلى مكة فقلت: احفروا تحت أسكفة الباب فإن بها أواقي، واذهبوا إلى فلانة فخذوا الحلتين..
وخرجت حتى قدمت على رسول الله ﷺ بقباء قبل أن يتحول منها، فلما رآني قال: «يا أبا يحيى ربح البيع، ثلاثا».
فقلت يا رسول الله ﷺ: ما سبقني إليك أحد، وما أخبرك إلا جبرائيل عليه السلام.
قال ابن إسحاق: ونزل حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو مرثد كناز بن الحصين، وابنه مرثد الغنويان حليفا حمزة، وأنسة، وأبو كبشة موليا رسول الله ﷺ على كلثوم بن الهدم أخي بني عمرو بن عوف بقباء.
وقيل: على سعد بن خيثمة.
وقيل: بل نزل حمزة على أسعد بن زرارة والله أعلم.
قال: ونزل عبيدة بن الحارث وأخواه الطفيل وحصين ومسطح بن أثاثة وسويبط بن سعد بن حريملة أخو بني عبد الدار وطليب بن عمير أخو بني عبد بن قصي، وخباب مولى عتبة بن غزوان على عبد الله بن سلمة أخي بلعجلان بقباء ونزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع.
ونزل الزبير بن العوام وأبو سبرة بن أبي رهم على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بالعصبة، دار بني جحجبى، ونزل مصعب بن عمير على سعد بن معاذ، ونزل أبو حذيفة بن عتبة وسالم مولاه على سلمة.
قال ابن إسحاق: وقال الأموي: على خبيب بن إساف أخي بني حارثة، ونزل عتبة بن غزوان على عباد بن بشر بن وقش في بني عبد الأشهل، ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت بن المنذر أخي حسان بن ثابت في دار بني النجار.
قال ابن إسحاق: ونزل العزاب من المهاجرين على سعد بن خيثمة وذلك أنه كان عزبا والله أعلم في أي ذلك كان.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثني أحمد بن أبي بكر بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه قال: قدمنا من مكة فنزلنا العصبة، عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة، فكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة لأنه كان أكثرهم قرآنا..